أي مخرج لـ"الجرف الصامد"؟
تختلف عملية "الجرف الصامد" التي شنها النظام الصهيوني على قطاع غزة عن معظم حملات الكيان الغاصب العدوانية في كونها وصلت إلى طريق مسدود مبكراً، وذلك حين أماطت المقاومة الفلسطينية منذ بدء العدوان عن ترسانة لم تكن معروفة من قبل من الصواريخ، وقامت بعمليات نوعية ألجمت قادة أركان الجيش الصهيوني عن المضي قدماً في إكمال خطط العملية العدوانية.
وإعلان المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام عن عملية "العصف المأكول" في الأيام الأولى للعدوان الصهيوني، تبعه سيل من الهجمات الصاروخية وعمليات ردعية نوعية كانت كفيلة بإحداث شلل شبه كامل لفكرة تطوير الهجوم الصهيوني لاسيما على الصعيد البري؛ فتدمير دبابة الميركافا والجيب العسكري بقذائف كورنيت المتطورة، يربك كل الحسابات، والقذيفة تلك، هي ذات رأسين، ينفجر الأول محدثاً خرقاً في الدبابة التي تعد مفخرة الصناعة العسكرية الصهيونية، والثانية تنفجر فيها، وقد كان، حيث إن القذيفة التي اخترقت الدبابة انفجرت هذه المرة بخلاف ما قد كان قبل أربع سنوات.
هذا الشلل البري تكرر عند محاولة اختراق حدود غزة من جهة البحر في عملية شاطئ السودانية الفاشلة.
والارتباك هذا تعزز مع تقنيات أخرى متطورة كطائرات أبابيل المتنوعة بدون طيار التي جابت طول فلسطين المحتلة وعادت مخترقة دفاعات الصهاينة، وتعزز كذلك مع الإشارات الإلكترونية المتنوعة في صعيد اختراق مواقع إلكترونية صهيونية، وقنوات تلفزة عبرية وشبكات اتصالات محلية، جميعها بثت من خلالها حركة حماس رسائل للصهاينة تحذرهم من مغبة استمرار عدوانهم، وهو ما يحذر الصهاينة أن يكون له ما بعده من اختراقات بعض أنظمة الدفاع الجوي الصهيوني أو غيره.
الأكثر إرباكاً لصانع القرار الصهيوني أن هذه العملية بالذات تستقي مبرراتها من ضرورة الانتقام لمقتل الجنود الثلاثة الصهاينة الذين أسرتهم جهة مجهولة بالضفة ثم تخلصت منهم حين لم تتمكن من الاحتفاظ بهم في منطقة تعج بالعملاء (الخليل بالضفة)، ومن ثم؛ فإن أي خطأ قد يحدث في توغل بري قد يفضي إلى وقوع آخرين في الأسر بما ينسف أي فائدة لهذا العدوان، وهذا ما يقلق مجلس الحرب الصهيوني.
وعليه؛ فقد انقسم الصهاينة إلى شطرين، أحدهما استسلم بالفعل إلى فكرة الهزيمة، وبدأ بالتشبث بأي محاولة لوقف الحرب، وآخر يقوده نائب وزير الحرب الصهيوني داني دانون، والذي قدم للانتخابات البرلمانية الصهيونية رأس نتنياهو حين أعلن عن فشل العملية، وتوقع أن تخرج حماس أقوى بهذه السياسة الرعناء التي يقودها نتنياهو.. فأقاله الأخير!
قدمت القاهرة مسودة اتفاق للهدنة، رفضتها كل الفصائل المقاومة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وقبلتها تل أبيب وعواصم غربية وعربية.. لم تعد هذه المحاولة مخرجاً واقعياً..
استخدمت المبادرة المصرية صهيونياً على أنها دليل على تعنت حماس، لكن هذا لا يغير كثيراً من الوضع ميدانياً، إلا من كونه يمهد لمجزرة مروعة قد تلجأ إلى تل أبيب للضغط أكثر على حماس والفصائل الأخرى لقبول وقف إطلاق النار من الجانبين، على أرضية "التهدئة مقابل التهدئة" التي تعني التخلي عن كثير من المطالب الفلسطينية العادلة، ومن بينها الإفراج عن أسرى صفقة شاليط الذين أعيد اعتقالهم، وفتح المعابر.. كذا بعض تطلعات غزة بأن تخرج فائزة بميناء على البحر يجرد المعابر من أهميتها.. لذا رفضت حماس ولم تزل ترفض.
الكيان الصهيوني ربما ليس لديه سوى "الهروب إلى الأمام" وحرق شمال غزة وإحداث توغل محدود جداً لا يكلفه كثيراً بشرياً ويرغم حماس على الاستسلام في تصوره، لكن هذا المنحى يحمل مخاطرة كبيرة غير مأمونة العواقب، لا تقتصر حدودها على الحيز الميداني، وإنما في فقدان "الظهير العربي" الذي تكون لأول مرة مسانداً بني صهيوني!
بما سيكون له وقعه الفادح ربما على داخل دول عربية كثيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق