الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

المثقف المفضوح.. والراهب المشلوح!!.. 1

   من هو محمد سلماوي
وطارق البشري
وفاروق حسني
ويتلوها المستشار الجليل:1 و 2 
1
المثقف المفضوح.. والراهب المشلوح!!..

بقلم د: محمد عباس

e-mail: mohamadab@hotmail.com

 هل ستندهشون يا قراء حين أصارحكم منذ البداية بأن هدفي من هذا المقال أن أزلزل يقينكم بمعظم ما تقرءون..؟!..
أن أكشف غشاوة وأهدم – بعون الله-  باطلا يرتدى ثوب الحق..
نعم يا قراء.. يا ضحايا لأجهزة إعلام كذوب.. استغلت فيكم ما يقارب التقديس للكلمة.. فقررت أن تخدعكم بالكلمات.. تحولكم إلى الموقف السلبي تماما.. وتحدد منذ البداية الموقع الذي يناسبها أن تكونوا فيه.. فتحجب عنكم من الحقائق ما تشاء وتلون بالأكاذيب ما تشاء وتزين الباطل لتصب في وعيكم ما يدفعكم إلى الموقع الذي يناسبها أن تكونوا فيه.. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قبل الساعة سنون خداعة يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن الخائن، وينطق بها الرويبضة)
نعم يا قراء..
هذا هو الزمان الذي أخبر عنه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :أخرج أحمد عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا يدركني زمان ولا تدركون زمانا لا يتبع فيه العليم ولا يستحيا من الحليم قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب".
نعم..
فجل من يصوغون ثقافتنا الآن قلوبهم قلوب أعاجم و ألسنتهم ألسنة عرب..‍‍ وهم لا يتبعون العليم ولا يستحون من الحليم..
لطالما دمدم التساؤل داخل قلبي مشعلا فيه الضريم:
-              منذ متى حدث لنا هذا.. ؟..
كان السلطان مع القرآن فافترقا فظلت معظم الأمة مع القرآن لتنشئ أعظم حضارة في التاريخ.. فمتى انفصلت الأمة هي الأخرى عن القرآن..؟‍..
إجابة هذا السؤال تضع أيدينا على الداء.. لكنها أكبر بكثير من أن يتسع لها هذا المقال كي يتعقب جذورها في بيروت ودمشق وسالونيك و إسلامبول والقاهرة..
فمن الصعب أن نعطى تاريخا محددا أو مكانا هو البداية  الوحيدة.. ما نستطيعه أن نقدم وصف حالة وليس تحديد تاريخ لها..
ومن هنا يمكن القول أن التغير الرئيسي قد حدث في النخبة المثقفة في الأمة.. وعلى القارئ أن يلاحظ أن مصطلح " النخبة المثقفة" مصطلح جديد لا يجاوز عمر استعماله نيفا ومائة عام.. لكن مفهوم المصطلح حين نطبقه بأثر رجعى يمثل فئة العلماء.. تماما كما لو أننا نحينا المصطلح المستورد لكانت هذه "النخبة المثقفة " بعينها هي فئة العلماء..
ولقد بدأ الانهيار منذ قرون بالسلاطين الذين افترقوا عن القرآن لكنه تكرس بهزيمة طائفة العلماء ( أو النخبة المثقفة).. وتحولت الهزيمة من هزيمة لم تتجاوز القشرة السطحية من الأمة وهى فئة الحكام إلى هزيمة كاملة ألمت بالأمة كلها.
في نهايات القرن التاسع عشر لم يكن مصطلح المثقف قد صك بعد.. كنا نقول : العالم والشيخ والفقيه والعلامة.. وجاء اللفظ الجديد فحاول أن يجد لنفسه مكانا ضئيلا بجانب العلماء.. ثم حاول أن يحصل  على اعتراف العلماء بهم.. ثم بدأ بدعم المستعمر يحل محلهم شيئا فشيئا.. حتى وصل الأمر في النهاية إلى الحلول محلهم تماما.. بل والأكثر والأتقى إلى نفى صفة العلم والثقافة عنهم و اتهامهم بالرجعية والجمود والتخلف واتباع الخرافات والأساطير..
ووصل الأمر إلى أن لقب : " الفقيه"  الذي  كانت الأمة تطلقه على أسمى درجات العلم والثقافة والمعرفة قد تحول تحت وطأة الخيانة المستغربة إلى كلمة : " الفقي " التي لم تعد تعنى  إلا نوعا من السباب والتحقير يطلقه هؤلاء المستغربين على من يقرءون القرآن عند المقابر في تسول مستتر عار حتى من الدين نفسه ..
في الجانب الآخر.. كانت الأمة قد أسلمت قيادها منذ قرون إلى العلماء.. لكنها لم تفطن في الوقت المناسب إلى خطوات انقلاب المفهوم.. انقلابه إلى الضد والنقيض.. فاستمرت تمنح  أولئك المثقفين ما كانت تمنحه للعلماء من تقدير .. نعم .. ذات التقدير وذات الاعتراف بالريادة ..
وظلت ترى في المثقف الجديد نفس  شخص العالم القديم بل ونفس شخصية الدليل الحادى الهادى الأقدم.. فهو الذي يعرف ويهدى ويقود..!!
كان الأمر مصيبة  تشبه مصيبة الراهب المصري المشلوح الذي طرد من الكنيسة ولم يخلع رداءها فراح يعيث في الأرض فسادا.. برداء الكنيسة..!!..
نفس  ما يفعله المثقفون الذين تنكروا في ملابس العلماء ..  وراحوا يعيثون في الأوطان  فسادا .. برداء الثقافة..!!..
كانوا قد خانوا معارف أمتهم وثقافتها ( فثقافة الأمة دينها كما يقول تى اس إليوت)..
باعوا أمتهم واستسلموا للغاصب المحتل..
تماما كما يحدث في معارك الحرب حين يخون قائد فرقة من الجيش فينسحب  أثناء  المعركة أو ينهزم  فينهزم الجيش كله..
كيف أمكن تنحية العلماء، وكيف تم في غيبة من الأمة عملية إحلال شامل مع الاحتلال الكامل فحل المثقفون بديلا عنهم وليس استمرارا لهم..
ما هي الصفقات التي عقدت في الخفاء بين السلطان – الأجنبي والمحلى – وبين المثقف؟‍
ما هي الآليات التي استعملت لإقصاء دين الأمة وقلبها وعقلها عن أن تكون العنصر الحاكم.
كيف استطاع طواغيت الشرك أن يخدعوا الأمة ليسموا الافتراق عن القرآن و إهمال شرع الله  بأسماء مختلفة. فكلما اكتشفت الأمة اسما منها غاب هذا الاسم ليعود لنا نفس الفكر باسم جديد..
نعم يا قراء.. فالحرب الصليبية هي الاستعمار هي الصهيونية هي العلمانية هي الماركسية هي النظام العالمي الجديد هي العولمة هي - حتى – الحداثة وما يطلق عليه تحرير المرأة !!..
و إنني أرجوكم  يا قراء  أن تعيدوا قراءة الجملة السابقة:
الحرب الصليبية هي الاستعمار هي الصهيونية هي العلمانية هي الماركسية هي النظام العالمي الجديد هي العولمة هي - حتى – الحداثة وما يطلق عليه تحرير المرأة !!..
قد يتبادر إلى ذهن البعض أنها تدل على جهل مطبق..!!.. جهل  يصفه  المثل العامي  المصري حين يصف الجاهل  بأنه لا يعرف الفارق بين  حرف الألف وثمرة  الأذرة!!..
ذلك هو  السهل..
فالحقيقة عصية.. والباطل منزلق سهل..
وما قد يظنه بعض القراء جهلا مطبقا إنما هو كشف الغمة عن عين الأمة.. دحض الباطل.. كشف الزيف.. وانقشاع السراب الذي تهنا خلفه طويلا طويلا طويلا..
ثلاثة قرون على الأقل..
ولست أقول لكم يا قراء بتشابه التطابق بين ما ذكرت..  بل هو تشابه  التنوع.. وتشابه الاختلاف الذي لا ينفى الأصل الواحد..
نعم.. الشيوعية ضد الرأسمالية.. والنازية ضد الديموقراطية.. وحرية المرأة شئ  جميل..!! هل ينكر ذلك منصف؟!..
أنا أنكره يا قراء..!!..
لأن طرح القضية منذ البداية كان خطأ شيطانيا وما كان للقضية أن تطرح هذا الطرح أبدا.. سوف أتناول  هذه النقطة الآن في عجالة على  أمل أن أعود إليها..
في الحقيقة الإسلامية: تشكل الأسرة وحدة المجتمع ولبنتها الأولى..
أما في ضلالات الغرب فإن الإنسان الفرد هو وحدة المجتمع ولبنته الأولى..
وأنت لا تستطيع أن تتكلم عن حرية يدك في أن تنطلق محلفة بعيدا عن جسدك ولا عن حرية قلبك في أن ينبض كيف يشاء كما لا تستطيع أن تقارن بين حقوق القلب وبين حقوق الكبد في الجسد الإنساني ولا أن تطالب بمساواتهما في كمية الدم الذي يُضخ إليهما..
فالطبيعي داخل الجسد الإنساني الواحد أن يحصل كل عضو على ما يحتاجه فعلا حسب وظيفته العضوية والتي تختلف من وقت لآخر ومن ظرف لآخر.. وإذا حاولت المساواة المتعسفة فإنك تدمر الجسد الإنساني وتودى به إلى الهلاك.. وهذا تماما ما يحدث في قضية  تحرير المرأة.. فالمرة ليست كيانا منفصلا .. ولا الرجل كذلك.. وإنما  يشكل كلاهما كيانا مستقلا هو كيان الأسرة.. والدعوة إلى حرية أحدهما إنما هي دعوة للتفتت والضلال.. وهى  سبب من الأسباب الرئيسية لانحلال المجتمعات وانتشار الشذوذ والإباحية وشيوع الطلاق وحرمان الأطفال من الجو الأسرى السليم الذي ينشد الإسلام أن يوجهه لهم.. ( وتلك نقطة يتجنب دعاة حقوق المرأة الحديث عنها لأنها تهدم ما يقولون.. إلا إذا كانوا سينادون بحرية الأطفال أيضا.. بمفهومهم المنحرف)..
نعم .. حرية المرأة كانت دعوة خبيثة في الاتجاه الخطأ.. حولت المسألة من أنا وأنت إلى أنا ضدك و أنت ضدي.. حولت تآلف القلوب إلى تنافر.. والتكامل إلى تنافس دموي: إما أنا و إما أنت..
ولم تكن تلك الدعاوى الخبيثة تهدف إلى حرية حقيقية.. الحرية المسئولة التي تعي دورها تجاه وحدتها الأولى: الأسرة.. وتجاه أمتها وتجاه الله..( حرية المرأة الفلسطينية على سبيل المثال غير مطروحة عند هؤلاء الــ..قوادين..!! لم أجد لهم سوى هذا الاسم) .. بل تكاد  هذه الحرية أن تكون قد اختزلت في جانبها الأكبر في حرية الانحراف.. !!.. وهى الميزة التي تعود بالنفع الداعر على دعاتها!!..
وبهذا الشكل كانت الدعاوى الباطلة لحرية المرأة قنبلة وضعت في مؤسسة الأسرة لتمزقها شر ممزق..
وأصبحت قيمة المرأة لا تقاس بمدى تحررها بل بمدى انحلالها..
أصبح البغاء موقفا والدعارة فكرا..
ولم يقتصر الأمر عليها بالطبع..
فسرعان ما انتقل إلى الرجل.. ليتحول الشذوذ الجنسي بين كبار القوم ونخبة المثقفين من عار وشنار إلى تميز وفخار..!!
وذلك أمر طبيعى.. فالدعارة الجسدية مسبوقة دائما بالدعارة الفكرية..
قد يندهش القارئ البعيد عن بؤرة الأحداث مما أثيره.. و أنا والله يا قراء ما كنت أود أن أدخل هذا المستنقع أبدا.. لكننى لا أدخله لكشف أشخاص بل لكشف سلوك..  مدركا .. أن القارئ لو أتيح له أن يعلم لاختلفت مواقفه من الكثيرين من المفروضين علينا..
فى الغرب.. يجتمع الصالح والطالح.. لكننا نقلنا الطالح فقط..
فى الغرب .. يعرف الناس أن هذا المسئول أو هذا الكاتب شاذ فيدخل ذلك فى اعتباراتهم فى تقييمه..
عندنا .. يتصرف الشواذ كجمعية سرية يساند بعضها بعضا – يساعدهم بالطبع طواغيت الداخل والخارج – وفى نفس الوقت يخفون عن الناس عارهم.. فيتبعهم الناس وهم لا يعلمون..
ومرة أخرى يا قراء.. الأمر أبعد بكثير  مما كنت أتصوره و أخطر بكثير من أن يصل إليه خيالكم..
وهو أيضا نتيجة حتمية لتنحية شرع الله ولعدم الإيمان..
فإذا  أنكروا وجود الله والثواب والعقاب فلن تبقى لهم إلا الحياة الدنيا يحاولون اعتصار كل متعة فيها مهما بلغت.. وليس لهم ارتباط بالدنيا سوى أجسادهم.. لذلك يفعلون ما يفعلون..
إن اكتشاف أكثر من خمسين من النخبة يمارسون فعل قوم لوط ليس إلا قطرة فى محيط..
ولكن.. لنترك هذا بعد أن اكتفينا بالإشارة والتنبيه..
ولنعد الآن إلى ما كنا فيه..:
الحرب الصليبية هي الاستعمار هي الصهيونية هي العلمانية هي الماركسية  هي الماسونية هي المادية الجدلية هي الواقعية بل  هي أيضا الرومانسية ( على خلاف ما يعتقد الكثيرون فإن الرومانسية إحدى فروع الفلسفة المادية وتهدف في نهايتها إلى نوع من عبادة الذات.. وهى التى تصل فى نهاياتها إلى ممارسة الشذوذ بكل صوره)..  وهى النظام العالمي الجديد هي العولمة هي - حتى – الحداثة وما يطلق عليه تحرير المرأة !!..
والاختلاف البادي بينها جميعا  هو الاختلاف بين أشقاء و أبناء عمومة لكن أصلهم واحد.. و أصلهم هذا قد انبنى على أساس واحد.. هو تنحية الدين والإيمان بالله كعامل محرك في التاريخ البشرى..
إثبات ذلك لا يقتضى إلمامنا بديننا وتاريخنا وفقهنا فقط بل يستلزم أيضا أن نعود إلى عصر النهضة في أوروبا وكيف نبتت الأفكار التي استوردها المستغربون في بلادنا لوضع مختلف..
يقتضى منا أن ندرس الفلاسفة العقلانيين والتجريبيين والواقعيين والرومانسيين والوجوديين مثل توما الإكوينى وفرنسيس بيكون  وديكارت وسبينوزا ولوك وهيوم وبيركلى وكانط وروسو وشيلينج وهيردر وبيرجلاند ونوفاليس وهيجل وكيركجورد ودارون وفرويد ونيتشة وسارتر وكامى وسيمون دى بوفوار..
ويقتضى منا أيضا أن نعود إلى عشرات المستشرقين لكي نفهم كيف تمت غواية نخبة علمائنا (أو مثقفينا) ليقفوا ذلك الموقف الشائه الذي يقفونه الآن من حضارتنا الإسلامية..
يقتضى الأمر منا أيضا أن ندرك كيف اتفقت مصلحة طواغيت الداخل مع طواغيت الخارج في تسليط الضوء كل الضوء على الفئة القليلة التي انحرفت من علمائنا - مثقفينا – وفرض التعتيم الكامل على الأغلبية التي لم تنحرف.. لتبدو أمام الأمة الصورة المغلوطة وكأن الفئة المنحرفة من العلماء – المثقفين – هي كل العلماء- المثقفين-.
ومر بنا الزمن فإذا بمصطلح المثقفين لا يطلق إلا على هذه القلة المنحرفة منهم بعد أن تم إقصاء الأغلبية تماما من الساحة.
يحاول  على عزت بيجوفيتش أن يقدم تصوره كيف قادت هذه النخبة المثقفة المستغربة أمتها للهزيمة  فيقرر أنه من بين السلع المشكوك في قيمها- مما يجلبه مستغربونا معهم إلى أوطانهم - أفكار "ثورية" مختلفة وبرامج إصلاح ، و"مذاهب إنقاذ" موصوفة لعلاج جميع المشكلات .
فإذا تأملناها مليا نجد- لدهشتنا- نماذج لا يصدقها عقل في قصر نظرها وارتجالها. ثم يضرب المثل  بمصطفى كمال أتاتورك" الذي كان قائدا عسكريا أكثر منه مصلحا ثقافيا ، والذي ينبغي وضع خدماته لتركيا في حجمها الصحيح ؛ ففي أحد برامجه الإصلاحية منع لبس الطربوش . .
وطبعا ظهر على الفور أن تغيير غطاء الرءوس لا يعنى تغيير ما في هذه الرءوس ولا تغيير عادات أصحابها .
لقد واجهت أمم كثيرة خارج العالم الغربي- على مدى قرن من الزمن - مشكلة: كيف تنتسب إلى الحضارة الغربية ، هل ترفضها كلية . . أم تختار منها بحذر . . أم نأخذها كلها خيرها وشرها؟ ولقد تحددت عوامل سقوط كثير من هذه الأمم أو ارتفاعها بالطريقة التي أجابت بها على هذا السؤال المصيري . 
فهناك إصلاحات تعكس حكمة أمة ما ، وإصلاحات تمثل خداع أمة لنفسها ، والمثل على ذلك قائم في نموذجين هما: اليابان وتركيا.
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين يجد المتأمل أن كلا الدولتين تقدمان صورة شبيهة جدا لدول أخرى مثيلة .
 فقد كانت الدولتان تمثلان إمبراطوريتين قديمتين ، كل منها له ملامحه ومكانته التاريخية . كلاهما وجدت نفسها على نفس المستوى من التطور . . كلاهما يملك ماضيا باهرا . . وهذا يشير إلى الامتياز العظيم وإلى العبء العظيم في نفس الوقت . . وفى كلمة واحدة كانت فرصتهما في المستقبل - عند نقطة معينة- تكاد تكون متساوية .
ثم جاءت الإصلاحات المشهورة في كل من الدولتين .
 أما اليابان - فلكي تستمر في الحياة بطريقتها الخاصة وليس بأي طريقة أخرى- حاولت أن توحد بين تقاليدها الخاصة وبين متطلبات التقدم.
بينما اتجه التقدميون دعاة الحداثة في تركيا إلى سلوك الطريق المعاكس فتخلوا عن تقاليدهم واندفعوا في طريق التغريب . فماذا كانت النتيجة؟ 
أصبحت اليوم تركيا من الدرجة الثالثة ، بينما اليابان ترتفع إلى القمة بين أمم العالم.
 ويبدو الاختلاف بين فلسفة الإصلاح الياباني وفلسفة الإصلاح التركي أكثر وضوحا في موقفهما المختلف من مسألة حروف الكتابة: حيث قامت تركيا بإلغاء حروف الكتابة العربية في حين أن هذه الحروف لبساطتها ولأنها تتألف من ثمانية وعشرين حرفا فقط – تعتبر واحدة من أكمل وأرقى حروف الكتابة وأكثرها انتشارا في العالم .
أما اليابان فقد رفضت دعوة مستغربيها في تبنى حروف الكتابة اللاتيني وأصرت على الاحتفاظ بنظام كتابتها المعقد الذي يحتوى على 880   شكلا صينيا بالإضافة إلى46 حرفا أخرى.
 ورغم ذلك فلا يوجد في اليابان أمية  بينما نجد تركيا بعد أربعين سنة من استخدام الحروف اللاتينية تزيد الأمية فيها خمسين  في المائة من تعداد السكان الذين يجهلون القراءة والكتابة . وتلك نتيجة تجعل الأعمى يسترد بصره .
وليس هذا هو كل شئ ، فقد أصبح واضحا أن القضية لم تكن مجرد حروف كتابة  هي مجرد وسيلة للتسجيل ، ولكن الأسباب الحقيقية وبالتالي النتائج التي ترتبت عليها  كانت أكثر عمقا وأكبر خطرا .
* فجوهر كل حضارة أو تقدم أنساني يكمن في  الاستمرارية وليس في التخريب والتنكر للماضي .
*إن طريقة الأمة في الكتابة هي الطريقة التي تتذكر بها الأمة وتستمر في وجودها التاريخي .
*وعندما ألغت تركيا  الحروف العربية فقدت كل ثراء الماضي الذي حفظته الكلمة المكتوبة . وبهذا الإجراء  وحده وضعت الأمة على حافة البربرية .
*ومع سلسلة أخرى من الإصلاحات المماثلة وجدت الأجيال التركية نفسها بلا دعامة روحية تقوم حياتها . . وجدت نفسها في فراغ  روحي بعد أن فقدت ذاكرتها الماضية . . فمن الذي استفاد بهذا الوضع؟ .
* إن دعاة الحداثة في العالم المسلم حينذاك لم يكونوا من الحكماء الذين انبثقوا من صميم شعوبهم . . يعرفون كيف يطبقون بطريقة جديدة الأفكار والقيم القديمة على  الظروف المتغيرة ، إنما ناصبوا هذه القيم العداء . . فعلوا ذلك بسخرية باردة ، وبقصر نظر رهيب، وسحقوا بأقدامهم كل ما هو مقدس عند الناس ، فدمروا الحياة،  واستزرعوا بدلا منها حياة مصطنعة غير حقيقية .
*ونتيجة لهذه البربرية التي سادت في تركيا كما سادت في كل مكان ظهرت دول مزيفة أصابها الاضطراب الروحي وفقدت ملامحها العريقة كما فقدت حاسة الاتجاه الصحيح . كل شئ فيها أصبح سطحيا  زائفا ، وفقد الإنسان فيها القوة والحماسة . وهكذا أصبحت الأمة مسخا مشوها يشبه مدنها الحديثة ذات البريق المصطنع الذي يخفى وراءه باطنا خربا .
*فهل تستطيع دولة لا تعرف هويتها ولا تعرف أين تمتد جذورها أن تكون لنفسها صورة واضحة عن الموقع الذي تنتمي إليه، والأهداف التي يجب أن تسعى لتحقيقها؟ .
*قد يبدو النموذج الذي قدمه "أتاتورك " مفجعا ، ومع ذلك فانه يمثل النمط الغربي لفهم مشكلات العالم المسلم كما يمثل الطريقة التي يفكر بها الغربيون والمستغربون لإصلاح هذه المشكلات. 
***
ولقد تمخض هذا كله عن أن تتحول فئة المثقفين  الذين تصطفيهم طواغيت الداخل والخارج  لتمثل التعبير عن كل ما هو كئيب ومتصلب في هذا العالم . فلقد برهنت هذه الفئة على عجزها عن اتخاذ أي نوع من الخطوات الإيجابية لتدعيم العالم المسلم في مجابهة الخطوب الفادحة التي تنزل به في كل يوم.
نعم..
كانت هذه الفئة..  كالراهب المشلوح!!..
***

الموضوع شديد التشعب.. وكيف لا وهو يصف الطريق الوعر الذي أوصلنا إلى مرحلة الهزيمة الكاملة التي نعيشها..
لذلك سنقتصر على جزء ضئيل قد يساعدنا في الإحاطة بالمشكلة وفهم المسألة..
سنكتفي بقطرتين من محيط.. يساعدنا فحصها في فهم أسرار ومعرفة خواص كل مياه المحيط..
القطرة الأولى تتعلق بهجوم الكاتب محمد سلماوى على المستشار الجليل طارق البشرى بأسلوب فج غير كريم.
الأستاذ محمد سلماوى ينتمي ثقافة وسلوكا  إلى مدرسة أصبحت ذائعة  الصيت في العالم العربي الآن وهى مدرسة الوزير الفنان فاروق حسنى..!! والعضوية في هذه المدرسة تدفع بصاحبها إلى الأمام باستمرار تماما كما تدفع عضوية  الروتارى  والنوادى الماسونية بأصحابها إلى تسنم أرقى المناصب. 
وله عمل واحد متميز هو : " الخرز الملون" .. إلا أن التباين الشديد بين هذا العمل و أعماله الأخرى قد دفع بعض النقاد للطعن  في صحة نسبة العمل إليه..
فالعمل يتحدث عن بطلة (حقيقية)انتحرت.. ويرى هؤلاء  النقاد أن سلماوى قد استولى على مذكراتها الحقيقية وصاغ منها روايته: " الخرز الملون"..
القطرة الثانية هي كتاب " المبتسرون " تأليف : "أروى صالح".. الناشر دار النهر- القاهرة والتوزيع دارالينابيع- دمشق ودار الفارابى- بيروت.
ماتت أروى صالح بالانتحار – كسعاد حسنى – لكن ما نشر عن سعاد حسنى يفوق آلاف المرات ما نشر عن أروى صالح.. وحتى بمفهوم الفئة المنحرفة من المثقفين فقد كان هذا وضعا مقلوبا.. وكانوا هم المسئولين عنه.. ومع سبق الترصد والإصرار..!..
أحاط نشر الكتاب تعتيم شبه كامل لما مثله من فضح مروع لنخبة المثقفين المسيطرين على الساحة الثقافية منذ عقود عديدة.. لكن الأمر تغير بعد انتحارها الذي لم يكن  من المستطاع  تجاهله فكتب بعض النقاد عن كتابها وعن انتحارها.. ومنهم سيد خميس وسناء المصري ، ومحمود الورداني و سعيد عبود وأصوات قليلة أخرى بالإضافة إلى مسرحية غامضة نشرت ولم تعرض ليحيى عبد الله .
كان الكتاب يفضح الفئة الطافحة من المثقفين.. وكان بقلم واحدة منهم و خبيرة بهم.. خبرة المعايشة الكاملة.. وكانت قد تزوجت ثلاثة منهم وطلقت منهم الواحد تلو الآخر بعد أن اكتشفت في كل واحد منهم نوعا مختلفا من الشذوذ.
وقد كتبته كاتبته بصدق كامل.. صدق كلفها في النهاية حياتها.. لأنها عندما انتحرت قد فعلت ذلك بسبب صدمتها في هذه الفئة ..
بعد انتحارها كان المثقفون في ورطة.. فهم لا يستطيعون الصمت ولا يستطيعون الكلام.. وكان الحل أن يلجئوا إلى حيلة تمرسوا فيها طويلا..وهى أن يكتبوا تلك الكتابة الخرساء التي لا تنطق بأي شئ أبدا.. الغامضة التي لا تبوح بأي معنى قط..
والآن آن الأوان لنكشف المسكوت عنه..
فإلى المقال القادم إن شاء الله..

   من هو محمد سلماوي وطارق البشري وفاروق حسني ويتلوها المستشار الجليل:1 و 2  
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق