"فايننشال تايمز": إيران أخطر على مستقبل العراق من داعش
خدمة العصر
كشف تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن تأخر الولايات المتحدة في الرد على سقوط الموصل منح إيران الفرصة لتعزيز نفوذها في العراق مع الشيعة والأكراد، وأرسلت سليماني ليحيي المليشيات الشيعية.
في الأيام الأولى للتقدم الحاسم لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في اتجاه مدن شمال العراق، اتخذت إيران قرارا إستراتيجيا رغم الفشل الأمني الواضح برصد تحركات التنظيم الجهادي بالتحرك ووقف تقدمه نحو العاصمة بغداد.
ويرى محللون نقلت عنهم صحيفة "فايننشال تايمز" أن قرار الولايات المتحدة تأخير الضربة العسكرية ضد الجهاديين بعد تأكيد سيطرته على مدن الأنبار ومدينة الموصل في 10 يونيو منح الإيرانيين فرصة للدخول وتعزيز نفوذهم.
ففي الوقت الذي كان فيه فلاح الفياض، مستشار الأمن القومي العراقي في واشنطن يحاول إقناع الإدارة الأمريكية بنشر طائرات مقاتلة لمساندة العراق والقتال ضد تنظيم داعش بدأت التقارير الإخبارية المرعبة تتدفق وتتحدث عن دخوله الموصل وتقدمه نحو بغداد.
وعندها قرر الفياض العودة للعراق، حيث بدأ الكثير من سكان العاصمة يفكرون في الهروب جنوبا أو للخارج وخافت المصارف من نفاد ما لديها من أرصدة.
وإزاء هذا الوضع ناشدت الحكومة العراقية واشنطن وطلبت منها المساعدة، وكان الرد حسب الفياض: "نقوم بدراسة الموضوع"، وألمحوا إلى أنهم غير راضين عن الحكومة العراقية. وستأخذ واشنطن مدة شهرين لدراسة الموضوع وقبل أن تهب لنجدة الحكومة العراقية التي تغيرت.
وخلال فترة المداولات في أروقة الإدارة الأمريكية، استغلت إيران الوضع وبدأت بإرسال أسلحة وذخائر ومعلومات استخباراتية وخبراء عسكريين من اللحظة التي سقطت فيها الموصل.
وتنقل الصحيفة عن الجنرال قاسم عطا، مدير المخابرات العامة قوله: "منذ اليوم الأول أرسلنا طلبات للأمريكيين لتزويدنا بالأسلحة والتدريب"، وكان مبرر الولايات المتحدة عدم إرسال المساعدات هو الانتظار حتى يتم تشكيل حكومة جديدة "ولم يكن أمامنا أي خيار بل الطلب من إيران.. كان علينا الدفاع عن أنفسنا"، كما يقول عطا.
ورغم تسيد إيران الساحة العراقية منذ إطاحة الأمريكيين بصدام حسين عام 2003، إلا أن انتظار إدارة أوباما تنحي نوري المالكي المسؤول عن الأزمة وتشكيل حكومة جديدة أدى لتقوية ساعد إيران في العراق، وهذا استنادا لمقابلات أجرتها الصحيفة مع مسؤولين عراقيين وإيرانيين.
ويرى هؤلاء آن التأخر الأمريكي أدى إلى تدخل إيران أكثر في شؤون العراق وإلى تعميق العلاقات الأمنية بين البلدين، وأوقفت الجهود لإبعاد العراق عن الدوران في الفلك الإيراني.
ويأتي الحديث عن الدور الإيراني في العراق في وقت تمر فيه العلاقات الأمريكية ـــ الإيرانية بمنعطف حيوي، حيث يجري البلدان محادثات للتوصل لاتفاق حول الملف النووي الإيراني، وفي وقت ضاعفت فيه إدارة الرئيس باراك أوباما من عدد القوات الأمريكية وأرسلت يوم الجمعة 1.500 جندي إضافي.
وترى الصحيفة أن تردد أوباما في الرد على خطر داعش وفتحه المجال لإيران كي تشكل الرد الأمني على تنظيم الدولة الإسلامية يسهم إلى حد ما بإضعاف يد الأمريكيين في الأزمة العراقية.
وتشير الصحيفة إلى ما قامت به طهران من إعادة تشكيل قوات الأمن العراقي بطريقة ستؤثر في مستقبل العراق وطبيعة الحرب ضد داعش التي تشمل كلا من سوريا ولبنان.
ويقول نقاد الإدارة إن ما قامت به إيران سيعزز دور الشيعة والمليشيات الموالية لطهران في مؤسسات العراق الأمنية.
وينقل التقرير عن نبيل يونس، المحاضر في العلوم السياسية ومستشار لأحد الساسة السنة: "لم تتحرك الولايات المتحدة بالسرعة الكافية لمساعدة العراق في الوقت الذي غزا فيه داعش الموصل تاركة المجال أمام دول أخرى لتعزيز تأثيرها"، مشيرا إلى أن إيران تحركت بسرعة للحفاظ على تأثيرها داخل العراق.
ويرفض المسؤولون الأمريكيون فكرة ملإ إيران للفراغ الذي تركه الأمريكيون، ويقولون إن الرئيس الأمريكي أوباما سارع بعد أربعة أيام من سقوط الموصل، لإرسال قوات خاصة وأربع طائرات بدون طيار للتجسس وقام الجنود بإنشاء مركزين للعمليات الخاصة في كل من بغداد وإربيل.
وترى الصحيفة أن اعتماد القوات الأمنية العراقية على المساعدات والمستشارين الإيرانيين بمن فيهم الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الجمهوري، والذي يشرف على عمل المليشيات الشيعية العراقية، قد يحدد من نفوذ السياسة الأمريكية في العراق.
وربما أثر التدخل الإيراني في مستقبل المفاوضات حول الملف النووي والحرب في سوريا، حيث تجنبت واشنطن نظام بشار الأسد الذي يلقى دعما من طهران. وقد ينبع تأثير إيران أكثر في العراق من خلال تفعيلها عمل الميليشيات الشيعية التي تعرف باسم "قوات الحشد الشعبي".
وأصبح لسليماني حضور حاسم في الأزمة، وتنشر صوره في الإعلام الإيراني وتصوره بصورة البطل. ووصف مسؤول عراقي لباحثة في معهد الشرق الأوسط دور الجنرال سليماني بأنه «قائد القوات المسلحة العراقية».
وتقول الصحيفة إن سليماني سافر إلى العراق حالا لمساعدة الحكومة في الوقت الذي كانت تقلب واشنطن الموضوع وتبحث عن طرق للرد. فمثل بقية الدول، شعرت إيران بالصدمة من هزيمة الجيش العراقي وسقوط الموصل، ولكنَ المسؤولين الإيرانيين اتخذوا قرارا لوقف تقدم داعش والتعامل مع الآثار لاحقا حسبما نقلت الصحيفة عن دبلوماسي بارز في بغداد. وفي الوقت نفسه جرى في طهران تبادل اتهامات حول الفشل الأمني رغم الشبكة الاستخباراتية الواسعة لإيران في العراق.
ومن أجل التغطية على الفشل الاستخباراتي الذريع والذي يعتبر قاسم سليماني مسؤولا عنه في النهاية تمت إعادة إنتاج صورة الجنرال في محاولة كما قالت "فايننشال تايمز" في تقرير لها يوم السبت للتأكيد على حضورها في العراق وأنها تمسك بزمام الأمور هناك.
وتنقل الصحيفة عن إصلاحي إيراني قوله إن "سياسات إيران في المنطقة ليست مرتبطة بسليماني ولكن إيران كانت في حاجة للتغطية على فشلها"، مشيرا أيضا إلى أن سليماني ينفذ السياسات التي يرسمها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي.
ومع سقوط الموصل، بدأت المكالمات تصل تباعا إلى بغداد وإربيل، عاصمة إقليم كردستان من طهران يعرض فيها القادة الإيرانيون خدماتهم على الشيعة والأكراد. وبحسب قاسم عطا: "قالوا لنا نحن مستعدون إن أردتم"، ويضيف أن الإيرانيين عرضوا في الأيام الأولى إرسال قوات برية.
فبالإضافة للدبابات وقنابل الهاون، قدم الإيرانيون معلومات أمنية. ويقول موفق الربيعي، مستشار الأمن القومي السابق، إن أول من حضر للمساعدة كان الحرس الثوري الإيراني "ووصلوا بعد يومين وهم من أنقذوا الوضع"، مقارنة بالموقف "الأناني" للأمريكيين حسب سعدي أحمد باير، زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني.
ولكن الموقف الأمريكي عقدته حقيقة بقاء المالكي في السلطة، فسياساته الطائفية ضد السنة كانت مسؤولة إلى حد كبير في صعود الجهاديين، وقد اعترف نائب مسؤولة الأمن القومي، أنتوني بلينكن، بأن أدارة أوباما سعت لتشكيل حكومة جديدة حتى لا تظهر بمظهر من يقوم بمساعدة المالكي، خصوصا وأن رحيل الأخير كان ضروريا لبناء دعم واسع للحملة العسكرية ضد داعش: "فلم نكن نتوقع مشاركة الأكراد والسنة ودول الجوار المختلفة الانضمام لقوة مواجهة داعش بوجود حكومة عراقية تتبنى أجندة طائفية صارخة".
رغم موقف إيران المتشكك من نوري المالكي وقدرته على الحكم إلا أن الجنرال سليماني وصل إلى بغداد بعد يومين من سقوط الموصل. واجتمع مع قادة الحكومة ومع رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، الرجل الذي طالما شكك في نوايا إيران في العراق.
ورغم ذلك تقول الصحيفة إنه تلقى سليماني بحرارة، وبعد سنوات من القطيعة مع طهران قربته الأزمة منها.
وتنقل عن مثنى أمين، عضو برلمان إقليم كردستان عن حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني قوله إن البارزاني كان على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة والغرب ولكن عندما تخلى الغرب عنه اقترب من إيران.
وأهم ما قام به سليماني هو إعادة تجميع صفوف القوى الأمنية وإحياء المليشيات الشيعية التي دربها الإيرانيون.
ويقول الربيعي إن الايرانيين أرسلوا مدربين ومرشدين ومخططين للحشد الشعبي، وأسهموا في حشد الميليشيات الشيعية. وكان الإيرانيون حذرين في مشاركتهم في المعارك وتجنب أي مواجهة بالخطأ مع الأمريكيين، وهو ما يراه حسين شيخ الإسلام، المستشار البارز للبرلمان الإيراني نتاج تفاهم يتعلق بساحة المعركة.
ويشير تقرير الصحيفة لخطة مثيرة للجدل تقوم على التخلي عن المناطق السنية في غرب محافظة الأنبار مما يعزز الانقسام في البلاد، تماما كما يحدث في سوريا.
ويقول ديبلوماسي بارز: "يرى البعض في إيران وأصدقائها في العراق أن هذا يشبه الوضع في سوريا". وكانت الخطة تقوم على الانسحاب من الأنبار والحفاظ على ما بيد الحكومة ومن ثم تجميع القوات من جديد وشن هجوم لاستردادها فيما بعد.
وتعكس الخطة اهتمام إيران بحماية شيعة العراق. ويعلق شيخ الإسلام بقوله إن "داعش لن يختفي في عام أو عامين لأن الثقافة السنية معجبة بهذه الجماعات"، وهو تعليق يعبر رؤية شوفينية للقادة الإيرانيين يحملونه تجاه العرب السنة.
ويرى بعض المحللين الإيرانيين أن طهران تصرفت بعقلانية مقارنة مع سوريا، حيث أصرت على بقاء الأسد مما عقد علاقاتها مع جيرانها، والسبب يعود لخوفها على حدودها وتأثرها من خطر داعش. لكنَ محللا إصلاحيا يرى أن إيران خسرت في العراق وسوريا «فهي مثل الملياردير الذي أصبح مليونيرا في العراق وسوريا»، فلا يمكن لها التراجع عن دعم الأسد في الوقت الذي توسعت فيه الحرب ضد الجهاديين للعراق أي قريبا من حدودها. وترى الصحيفة أن تقدم قوات داعش والتدخل الإيراني المبكر سيعيد تشكيل الإطار الأمني في العراق للسنوات المقبلة.
فالحلف الذي أقامه الأكراد مع تركيا يبدو اليوم والذين حاولوا إبعاد أنفسهم عن الجمهورية الإسلامية وأقاموا تحالفا مع الأتراك يعيش حالة من الفوضى. فيما عادت المليشيات الشيعية، التي اعتبرها البعض عام 2010 ميتة، للظهور من جديد ولعب دور مهم في السياسة العراقية، وأعاد مقتدى الصدر تسمية جيشه المهدي باسم كتائب السلام.
وستلعب المليشيات الشيعية، التي يتحمس قادة العراق لدمجها في القوى الأمنية العراقية، دورا في تعزيز مصالح إيران. ويرى نبيل يونس أن دور إيران في العراق سيكون على المدى البعيد سلبيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق