السيسي حل مشكلتنا مع غزة بحصار سيناء، ولكن المشكلة الحقيقية هي ظلم مصر للسيناويين
السلطات المصرية تنظر لسيناء بشكل أساسيّ من زاوية أمنية ضيقة والعداء للسكان لا يخدم خطة الجيش
عادل القاضي – التقرير
قال تقرير لمجلة “الشرق الأدنى” Near- East الإسرائيلية إنه “برغم ما يفعله المشير عبد الفتاح السيسي رئيس مصر الحالي من خدمات لإسرائيل، بحصاره لغزة وحماس من سيناء وتنفيذه لعدد من الإجراءات الصارمة لعزل غزة عن سيناء، أبرزها إنشاء منطقة عازلة من 500 متر بين رفح المصرية وحدود قطاع غزة، إلا أن ما يفعله لن يحل مشكلة الإرهاب والتطرف في سيناء وستفشل حملته الأمنية هناك ؛لأن المشكلة في سيناء “أعمق بكثير” وتخص سكان سيناء لا غزة”.
وقالت المجلة الإسرائيلية -في التقرير الذي نشرته السبت 15 نوفمبر الجاري بعنوان “المشكلة الحقيقية للسيسي في سيناء”- إن: “المشكلة الحقيقية، هي تهميش الأنظمة المصرية لسيناء والتعامل معها بحلول أمنية دون تنمية المنطقة، والنظر لأهلها باعتبارهم سكانًا “بدائيين ومجرمين ومخالفين للقانون”، ووصمهم “باعتبارهم ممّن تعاونوا مع إسرائيل في فترة السيطرة الإسرائيلية على شبه الجزيرة”.
وكذا نظر القاهرة -بشكل تقليدي- إلى سيناء باعتبارها “فناء خلفيًّا”، كما لا يرى النظام المركزي في مصر، بالإضافة إلى أجزاء واسعة من الشعب، في بدو سيناء جزءًا أساسيًّا من الشعب المصري، فعانى سكانها من الإهمال والتمييز في جميع المجالات.
المشكلة في سيناء أعمق بكثير
فضلًا عن ذلك، “تميل السلطات المصرية إلى النظر لسيناء بشكل أساسيّ من زاوية نظر أمنية، وبشكل خاص منذ العمليات الإرهابية التي ضربت شبه الجزيرة في منتصف العقد الماضي، واعتادت القوى الأمنية المصرية على ضرب السكان المحليين بيد من حديد بهدف إخافتهم وثنيهم عن التعاون مع العناصر التخريبية، ويقول البدو إنّهم يتعرضون للمضايقات والاعتداءات التعسّفية من قبل الشرطة والقوى الأمنية”.
كما زاد انعدام الثقة من جانب السلطات من صعوبة كسب السكان الفقراء والمهمَلين في شبه الجزيرة لرزقهم باحترام، فالسلطات ترفض تجنيدهم داخل الجيش وعملهم في جهاز الشرطة وتعتبرهم “خونة”، كما أن الصناعات المحلية في شبه جزيرة سيناء، مثل صناعة النفط، اعتادت على استيراد عمال مصريين من وسط البلاد.
وحتى المنتجعات الكبيرة والمربحة في جنوب سيناء ليست ملكًا لجهات محلية، وقد أُجبر سكان المنطقة على الاعتماد في رزقهم على وظائف ثانوية بمرتّبات منخفضة، مثل قيادة سيارات الأجرة، أو تشغيل مواقع السياحة الصغيرة والبدائية. أيضًا فإنّ البنى التحتيّة والخدمات العامة في سيناء مهمَلة وتنخفض في مستواها عن تلك التي في وسط البلاد.
وفاقمت جميع عوامل التوتر هذه، فضلًا عن فقر السكان المحليين، من أحوالهم، وساعد علي هذا تضرّر مصر بسبب الأزمة الاقتصادية الشديدة التي أعقبت الاضطرابات السياسية، وكان سكان سيناء الفقراء هم أكثر من عانى من هذه الأزمة الاقتصادية.
فقد حرم الإضرار بالسياحة الكثير من سكان جنوب سيناء من دخلهم المتواضع وزاد من صعوبة حياة هذه الشريحة السكانية الهشّة أصلًا، ارتفاع أسعار السلع الأساسية وارتفاع أسعار الوقود والطاقة الذي أثر بشكل سيئ على سكان سيناء، الذين يعيشون في منطقة صحراوية كبيرة، أكثر من تأثيره على سكان المدن في مصر.
ولهذا شددت Near- East الإسرائيلية على أنه: “على الرغم من عزم مصر على العمل في حدود غزة، فإنّ المشكلة في سيناء أعمق بكثير وتتطلّب استجابة واسعة، وتشمل أكثر بكثير من الخطوات التكتيكية التي تم اتخاذها حتى اليوم”، وأن “مشكلة سيناء، التي تفجرت مع سقوط نظام مبارك عام 2011، نضجت في شبه الجزيرة خلال عشرات السنين”.
تزايد عداء أهل سيناء للسلطة
وقال التقرير الإسرائيلي: “أدى هذا الواقع من التمييز والقمع بالسكان المحليين في سيناء إلى تطوير عداء متجذّر تجاه الدولة والسلطات، واشتدّ الوضع أكثر في أعقاب الإطاحة بمبارك في بداية عام 2011، والذي جرّ معه فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي والأمني وترك سيطرة السلطات المصرية على سيناء”.
ونوّه أن: “صناعة الجريمة والتهريب التي ازدهرت في شبه الجزيرة على ضوء الفقر القاسي المنتشر فيها، زادت فقط من التوتر بين البدو والنظام”.
وبالمقابل، تزايدت الحوافز أمام سكان سيناء للانخراط في أنشطة غير مشروعة، وبشكل أساسي تجارة السلاح، في ظل غياب الأنشطة المشروعة لهم من الدولة المصرية، حيث أدى تفكّك الجيش في ليبيا لإغراق مصر بأنواع مختلفة من الأسلحة، كما استغلّت العناصر الجهادية السلفية التي تم الإفراج عن كثير منها من السجن أو عادوا إلى مصر بعد الإطاحة بمبارك، الحالة الصعبة للسكان وعدائهم تجاه الدولة لأهدافهم، وبشكل أساسي لضرب القوى الأمنية المصرية وإطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل.
ومنذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، ازدادت عمليات العناصر الجهادية في سيناء، والتي ترى في النظام الذي يقوده الجنرال السابق السيسي “نظامًا كافرًا وغير شرعيّ”، كما تشير التقديرات إلى أنّ الكثير من أنصار الإخوان المسلمين أيضًا توجّهوا للتطرّف في أعقاب قمع النظام للحركة ويئسوا من العملية السياسية، ممّا أدى بهم إلى الانضمام إلى حركات الجهاد السلفية، بحسب “الشرق الأدنى”.
وكل هذه العوامل وعداء أهالي سيناء للنظام، أثر على صعوبة إدارة الجيش للمواجهة ضدّ العناصر الإرهابية في سيناء بشكل فعال؛ لأن هذه المواجهة مرتبطة بالمعلومات الاستخباراتية وتعاون العناصر المحلية مع الجيش والشرطة في مواجهة هذه المجموعات المتمردة علي السلطة.
و”في ظل فقدان الثقة الكبير لدى البدو، وغياب المعلومات الاستخباراتية الموثوقة، أصبح الأمر صعبًا على الجيش المصري، خاصة أن الجيش والقوى الأمنية استخدموا في مرات كثيرة طرقًا من العقاب الجماعي، وهي طرق تزيد فقط من عداء السكان المحليين وتدفعهم إلى أذرع التنظيمات الإرهابية”.
وفي الماضي، استطاعت الشرطة إدارة السكان من خلال علاقاتها مع رؤساء القبائل في سيناء و”شراء” تعاونهم، ولكن في السنوات الأخيرة أخذ تأثير هؤلاء (رؤساء القبائل) على السكان من الشباب في التناقص، حيث “يُنظر إليهم باعتبارهم دمى بيد الحكومة ويفقدون تدريجيًّا احترامهم ومكانتهم”.
وهناك مشكلة أخرى تواجهها القوى الأمنية المصرية، بعدما بدأ أنصار بيت المقدس في الأشهر الأخيرة بحملة مغطاة بشكل جيّد إعلاميًّا لردع السكان المحليين عن التعاون مع القوى الأمنية ومع إسرائيل، وظهرت أفلام تم رفعها مؤخرًا على الشبكة من قبل عناصر التنظيم تضمنت اعترافات مواطنين محليين بأنّهم تعاونوا مع الجيش أو مع إسرائيل ثم تم قطعت رؤوسهم بأيدي ملثّمين، ما ردع مدنيين عن التعاون مع الجيش والشرطة.
وختمت المجلة الإسرائيلية تقريرها بتأكيد أنه: “بينما يتهم السيسي “أياد أجنبية” بالتورّط في الهجمات الأخيرة، فإنّ مشكلة سيناء الحقيقية داخلية أكثر منها مرتبطة بمّا يحدث في غزة؛ ولهذا، فإن معالجة مشكلة الإرهاب في سيناء تتطلّب أن يهتم النظام في مصر بالمشكلات الجذرية للسكان البدو، وهو ما سيأخذ وقتًا طويلًا”.
ولكن “الموازنة بين التنمية الاقتصادية في سيناء وبناء علاقات ثقة مع السكان البدو، وبين محاربة التنظيمات الإرهابية الوحشية هناك هو التحدي المعقّد الذي يميّز العديد من التحدّيات التي تواجه السيسي”.
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق