الاثنين، 10 نوفمبر 2014

"فايزة".. بنت الأكابر!

"فايزة".. بنت الأكابر!

بقلم: محمود حشلة
أصبح واضحا أن السياسيين - أو هكذا يشار إليهم - الذين غطى الجيش انقلابه بأثوابهم إلى أجل قد بلغوه لم يكونوا سوى مجندين خلع عليهم القادة حللا مدنية أنيقة، ثم قيل لهم انطلقوا إلى ظل ذي شعب كثيرة، والواقع الواضح أن القدرات الفكرية والعلمية لقادة الانقلاب وبحسابات بدائية بسيطة لا يمكن أن تنتج هذا القدر من الدقة والتناغم في صفوف عنصرها البشري المعلوم للكافة أنه نتاج محسوبيات ووساطات لا خبرات ولا درجات، ما يعني بالضرورة أن الجميع يدور في فضاء مرسوم ومقدور من قوى أعلى تسيطر بأسلوب علمي على مقاليد الحراك الذي أنتج انقلاب يونيو والذي أنتج من قبل نكسة يونيو.
وليس أدل على أن كل الشخوص التي قادت الثورة المضادة من قبل والتي تمسك بتلابيب السلطة الآن هي دمى بلاستيكية تتلقى إشارات كهربية لتقول "بابا وماما"، لا تدري شيئا إلا من خلال تلك الذبذبات.
 ليس أدل على ذلك من إجابة قائد الانقلاب في مستهل أيام ترشحه الأولى على سؤال عارض: "وماذا كنت تنوى أن تفعل إذا قام الرئيس مرسي بإصدار أمر باعتقالكم جميعا؟" بقوله: "مش عارف"!.
غير أن الأمر لا يؤخذ على إطلاقه، ففي داخل ذلك الفضاء المحدود المقدور الذي تتحرك فيه شخوص الانقلاب مدنيين وعسكريين تتصادم الدمى فيسقط البعض ويترقى البعض، وتظهر الحاجة ملحة في أحيان كثيرة إلى تجديد الملعب كله.
كان أمرا محسوما أن تستبدل الشخوص التي قادت الانقلاب وارتكبت جرائم القتل والتعذيب في شهوره الأولى، ورأى البرادعي في وقت معاصر لفض رابعة أنه قد يكون "محمد بوضياف" الجديد، فولى مدبرا ولم يعقب ولم "يتوت" ولم "يفسبك"، كما أن قائد الانقلاب في معرض تسمية مرشحي الرئاسة استشعر أنه سيكون "خالد نزار" جديد، فاختفى لأكثر من ستة أسابيع فلم تعرف حياته من وفاته، بينما كانت أمريكا تلح عليه أن يمتنع عن الترشح للرئاسة مغرية إياه بأنه يشتبه في فكره وثقافته بجورج واشنطن ولم تدرك أمريكا ساعتئذ أن الرجل لا يعرف عن واشنطن سوى أنه أصبح عاصمة أمريكا، وعلى ما يبدو أن السيسي قاوم بشده فكرة استبعاد ترشحه للرئاسة، وأن نحو ستة أسابيع في عمر الانقلاب هي فترة اختفائه لم تزل غامضة غموض ترك أمريكا له فرصة الترشح للانتخابات.
وباستثناء هاتين الحالتين التي تحرك فيها شخصا البرادعي وقائد الانقلاب في حرية محيطها لا يتجاوز أبدا الخطة الأصلية، والتي أعتقد أن أمريكا قد وضعتها في أعقاب أحداث سبتمبر 2011 لتحريك الشرق الأوسط قبل أن ينفجر في وجهها لا تكاد تجد من يتقدم أو يتأخر ولو في حدود حريته الشخصية وعاداته اليومية إلا من خلال موجات "الريموت"، ومع تقدم التكنولوجيا فلا محل لتكرار ما حدث في فيلم الأزمنة الحديثة للفنان شارل شابلن.
فنجد مثلا حمدين صباحي المطالب بعرش الرئاسة وثالث ثلاثة في جولتها الأولى عام 2012، والرجل الذي ظل يجيب على كل الأسئلة إجابة واحدة طوال عام كامل من تاريخ إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة بأنه يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة..
نجد الرجل تحركه إشارات البث الخارجي فيهرع للترشح للرئاسة "المبكرة" فلا يستطيع إكمال توكيلاتها فيكمل له خصمه إياها في مشهد لا تنقصه الكوميديا، ثم تحركه ذبذبات مهينة فيعقد مؤتمرا هنا ومؤتمرا هناك متمثلا مرشحي انتخابات البرلمان في القرى عندما يوقعون "إيصالات أمانة" ضمانا لجدية ترشحهم ضد النواب من أبناء نفس القرى.. ثم تعلن نتيجة الانتخابات "المبكرة" فلا حمدين ولا "شاكرين" ينبس ببنت شفته حول ما تعرض له من تقبيح وإذلال ومهانة.
وهكذا يمكن أن تتمثل كل شخوص الانقلاب.. لا شخصية.. لا فكر.. لا رأي وإنما كل يؤدي دوره مهما كان الدور مذلا ومهينا بل ومرهقا لمن كان منهم مسنا أو مريضا.
غير أن الأسبوع الأخير قد شهد استدعاء بعض شخوص تاريخ الدولة القديمة، ولا أدري إن كانت أجهزة الاستقبال لديهم ما زالت تعمل، خاصة وأنها من صناعة شركة "بريموس" لإنتاج وابور الجاز ومن موديلات الأربعينات، كان منطقيا أن المشير طنطاوي يستدعي الجنزوري، فالرجل كان مختلط الكلام مغيبا تقريبا عن الواقع، أما استدعاء "فايزة" من مسرحيات شكسبير لتقوم بدور "فتى الشاشة الأول" فله في رأيي معنى واحد، وهو أن أمريكا لا تريد أن تستهلك مخزونها الاستراتيجي من الشباب والذين تحتفظ بهم لمرحلة ما بعد سقوط الانقلاب الذي أصبح في ظنها محققا وقد جاء أشراطه.
إن فكرة "أكابر المجرمين" التي تحرك نحوها محيط العنف - الأصلي منه والتقليد - في الجزائر تظهر في مصر بشكل أوضح، ومبعث الوضوح هنا هو فكرة المقاومة السلمية التي اختارتها جماعة الإخوان المسلمين سبيلا لإسقاط الانقلاب وعودة الديمقراطية، فلم تجد تلك الشخوص ما يمنع ظهورها من خوف ولا خجل، فزاد ذلك من عددهم بل وكان أدعى إلى المنافسة بينهم أيهم أقرب.
غير أن الواضح أن أمريكا قد خسرت معركة الموارد البشرية في مصر وبالإضافة إلى موضوع الفرز الذي يركن إليه الكثيرون عوضا عن إسقاط الانقلاب، وكأن الفرز كان هدفا في ذاته - فإن الغرب في مصر لم يعد لديه تلك الفكوك المفترسة في عالم الفكر والإقناع، فلا بديل لفتحي سرور يمكنه أن يجلس على منصة ما، ونسخ الأقباط الجديدة لا ترقى إلى خبث بطرس غالي، بل أغلبهم ينطبق عليه وصف "عيال صغيرة" لا يمكنها القيام بأكثر من الشتائم في الإسلام والمسلمين على الشاشات، ونسخة صفوت الشريف لم تظهر بعد، بل وحتى نسخة حسني مبارك الذي شاركت أمريكا في عزله ليس لها وجود في الجيش ولا في المدنيين.
وباختصار فإن أمريكا الآن تعتمد على جمع من "أكابر المجرمين" بعضهم قد انتهت صلاحيته والبعض الآخر لما ينضج بعد، والبعض الثالث يستحيل إنضاجه لضعف قدراته الذهنية، وقائد الانقلاب من الفئة الأخيرة، لقد اضطرت أمريكا في سبيل إضعاف دعوة الإخوان المسلمين إلى هدم السد الذي مثله حزب النور والحركة السلفية بشكل عام، والذي احتجز خلفه ملايين الشباب المتدين، والذي انخدع في أكبر عملية عقائدية نوعية قامت بها المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط.
أيها الأكابر في دنيا المال والأعمال الملوثون بدماء الشهداء في رابعة والنهضة وفي كل محافظة وقرية مصرية، لن أحدثكم هنا عن الآخرة والنار وقد دعونا الله أن يطبع على قلوبكم ويطمس على أموالكم فلا تتوبوا حتى تروا العذاب الأليم، ولكني أحدثكم عن مصير محتوم لا محالة أنتم ملاقوه عما قريب وبيد أمريكا نفسها التي لن تتورع أن تقدمكم قرابين للشعب عندما تصل بها الأمور إلى نقطة حرجة، وستذكرون يومئذ خياركم إذ تدعون إلى السلم والتصالح فتأبي قلوبكم الآثمة إلا النهب والفساد وتوطئة سبيليهما مهما كانت الخسائر في جانب الشعب قتلى وجرحى ومأسورين.
إن مكركم الذي ظننتم أن الله لا يعلمه لن يحيق إلا بكم، وقد اقتربت الساعة التي تنادون فيها من مكان قريب يوم تسمعون صيحة الشعب بالحق ولن ينفعكم يومئذ أنكم في العذاب مشتركون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق