الاثنين، 22 يونيو 2015

هزيمتنا في ساحة الأفكار سبب تخلفنا


هزيمتنا في ساحة الأفكار سبب تخلفنا
عامر عبد المنعم*

غياب الدراسات الاستراتيجية التي تستوعب الواقع وتستشرف المستقبل وتضع حلولاً ناجعة وراء الأزمات التي تستنزف العالم العربي والإسلامي، فلا هو قادر على مواجهة التحديات، ولا هو قادر على الصمود أمام مخططات تقسيمه وإضعافه، ويئن بسبب الخلافات والصراعات الداخلية والهجمات الخارجية.
تمتلك أمتنا إمكانات هائلة، لديها الطاقة التي يعتمد عليها العالم، وبها ثروات لا حصر لها تقوم عليها الآلة الصناعية في الشرق والغرب، ولديها طاقات بشرية مبدعة ومتنوعة، ولكن ينقصها الجهد الفكري الذي يدرس ويخطط ويقدم لصناع القرار ولجمهور الأمة الدراسات الحكيمة التي تساهم في توظيف طاقات الأمة بكفاءة لتحقيق ما فيه صالحها.
عالم اليوم يشهد الكثير من التغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم تعد أساليب التفكير القديمة ملائمة لمواجهة التحديات التي نواجهها، ولهذا بدأت الدول تؤسس أشكالاً جديدة للتفكير ولتوليد الأفكار المعاصرة وتقديم الحلول للمشكلات الحاضرة، ووضع الخطط المناسبة لكل السيناريوهات المستقبلية المتوقعة وغير المتوقعة.
بدأت تظهر مراكز الدراسات والأبحاث خاصة في الغرب مع بدايات القرن التاسع عشر، لتنظيم التفكير الجماعي مما أحدث قفزات في أساليب توظيف العقول، ساهمت في النقلة الحضارية لأوربا وأمريكا، فكانت سببا في هيمنة الغرب على باقي العالم. وفي المقابل تراجع العرب والمسلمون بسبب تجاهل الاهتمام بالتفكير الجماعي والبحث والدراسة، وحدثت الفجوة التي نعيشها الآن التي هي نتيجة هزيمتنا في ساحة التفكير والأفكار.
بالنظر إلى اهتمام دول العالم بالعقول ومراكز الدراسات والأبحاث نجد أن الدول الكبرى التي تقدمت هي الأكثر اعتمادا على مراكز التفكير، ففي الولايات المتحدة الأمريكية خزانات التفكير أو بنوك الفكر، وتلعب هذه المراكز دورا قياديا في تحديد سياسة الحكومات الأمريكية داخليا وخارجيا.
وتظهر الدراسات العلمية ارتباط التقدم المعاصر بالاهتمام بالعمل البحثي والجهد الذي تقدمة مراكز التفكير، ففي التقرير السنوي لجامعة بنسلفانيا عن بنوك التفكير في العالم فإن الولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا وألمانيا والدول الكبرى تتقدم بلدان العالم في عدد مراكز الأبحاث.
جاء في الدراسة أن عدد مراكز التفكير في العالم عام 2014 بلغ 6618 مركزا، منها 1989 في أمريكا الشمالية بنسبة 30,05% على مستوى العالم، و1822 مركزا في أوربا بنسبة 27,53% وبلغ عدد المراكز في آسيا 1106 مركزا بنسبة 16,71% ثم أفريقيا جنوب الصحراء بها 467 مركزا بنسبة 7,06% ثم تأتي الدول العربية وتركيا في مؤخرة الترتيب العالمي حيث يوجد بها 420 مركزا بنسبة 6,34% عالميا.
وبالنظر إلى قائمة الـ 25 دولة الأفضل عالميا من حيث عدد مراكز التفكير يتبين أن الولايات المتحدة وحدها لديها 1830 مركزا أي أنها تملك ما يزيد عن ربع مراكز التفكير على المستوى العالمي، تليها الصين بها 429 مركزا ثم بريطانيا بها 287 مركزا ثم ألمانيا بها 194 ثم الهند بها 192 وتليها فرنسا بها 177 مركزا.
لكن الملاحظة الأهم هي عدم وجود دول عربية في قائمة الـ 25 الأولى غير دولتين مصر وترتيبها رقم 17 وفلسطين في آخر القائمة وغابت باقي الدول العربية.
وبالنظر إلى مراكز التفكير في الدول العربية نجد أن مصر تتقدم القائمة العربية (57 مركزا) بعدها فلسطين (44 مركزا) ثم العراق (42 مركزا) ثم الأردن (40 مركزا) ثم تونس (38 مركزا) ثم المغرب (33 مركزا) بينما تأتي الدول الخليجية النفطية في مرتبة متأخرة.
ولكن هذه الأرقام تحتاج إلى تدقيق، خاصة أن دولا أجنبية ومنظمات خارجية بدأت تؤسس المراكز البحثية في بلادنا وتقدم لها الدعم المالي والإعلامي، وتعمل في مجالات بعينها لخدمة الداعمين، وليست لها أجندة مستقلة، وإذا أخذنا مصر نموذجا نجد أن معظم المراكز ليست مستقلة وتعيش على التمويل من المنظمات الغربية، ولذلك تقوم هذه المراكز الممولة بدور عكسي لصالح القوى الخارجية الممولة وليس في خدمة المصالح الوطنية.

وتظهر الأرقام أن الدول العربية الأكثر ثراء أقل اهتماما بمراكز التفكير، فالسعودية بها 7 مراكز فقط، والكويت بها 11 مركزا، والإمارات بها 14 مركزا، وليبيا بها 4 مراكز، وعمان بها 3 مراكز، وقطر بها 9 مراكز.
وواضح من الأرقام ارتباط التقدم الحضاري والنمو الاقتصادي بالاهتمام بمراكز التفكير، فالدول الكبرى المهيمنة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا هي الأكثر اعتمادا على بنوك الأفكار والأكثر استفادة من إنتاج العقول أي الأكثر اهتماما بالذكاء والعبقرية.
ولم يعد خافيا ما تقوم به أمريكا والدول الأوربية من جذب النوابغ والأذكياء من كل أنحاء العالم واستيعابهم في البرامج المتنوعة لضمان استمرار التفوق الحضاري، والأمثلة كثيرة على العلماء العرب والمسلمين الذين لم تستوعبهم بلدانهم، ونجحوا في الخارج وقدموا للبشرية إنجازات كبرى حسبت لصالح الدول التي أعطتهم الفرصة لتستفيد من عصارات عقولهم.
وهذه الأرقام المتواضعة للدول العربية ربما تفسر حالة التراجع التي تعيشها الأمة وعدم قدرتها على مواكبة التحولات العالمية وعجزها عن تطوير أدائها أمام التحديات، ويفسر غياب مراكز التفكير الجماعي المستقلة معاناة معظم هذه الدول واعتمادها على الفردية والارتجال وعدم وضوح الرؤية وافتقاد الرؤى العصرية التي تنهض بدولنا وتخرجها من حالة التيه التي تعيش فيها.
لا نضيف جديدا عندما نؤكد أن الأمة العربية الإسلامية ظلت لقرون طويلة متماسكة وقادرة على الحفاظ على أمنها وإدارة شؤونها، وحقق المسلمون تفوقا نوعيا على القوى العالمية المنافسة، بل استطاعت الأمة أن تفرض سلطانها على مساحات واسعة من العالم بسبب تفوقها في معركة الأفكار وكسب العقول، وتعظيم الاستفادة مما تملكه من عقيدة ومحتوى فكري وتفوق حضاري.
ففي الوقت الذي كانت تعيش فيه أوروبا في ظلمات القرون الوسطى كان المسلمون متفوقين في شتى العلوم والمجالات، وكانوا مصدر إلهام للباحثين عن العلم، وكان الإنتاج الفكري لعلماء الأمة بداية التأسيس للعلوم التي أنطلق منها العالم بعد ذلك في نهضته.
إن استعادة القدرة على التفكير وربطه بصنع القرار في كل شؤون الأمة، حكومات ومنظمات وهيئات ونخب ليست مهمة سهلة كما يتصور البعض، وإنما تحتاج إلى جهد محكم ومدروس حتى يتم التأسيس على قواعد سليمة تؤدي في النهاية إلى عقل جماعي يستطيع التخلص من الارتجال والإرث المتراكم من الخذلان والبقاء في أسر دوائر مغلقة وضعها لنا خصومنا.
ولكي يستعيد العالم العربي الإسلامي استقلاله ويسترد قوته ويملك قراره عليه أن يهتم بالأفكار، ويعيد اكتشاف طاقاته الفكرية المعطلة، وينفض عنها غبار السنين، وعليه أن يعيد تشكيل الرؤوس القادرة على توظيف إمكانات الأمة لما فيه صالحها كدول وكشعوب


*كاتب وصحفي مصري


المصدر: الجزيرة مباشر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق