الأربعاء، 24 يونيو 2015

هل تقود أحداث سجن "رومية" انتفاضة أهل السُنة بلبنان؟


هل تقود أحداث سجن "رومية" انتفاضة أهل السُنة بلبنان؟



ـ مقطع الفيديو المسرب عن عمليات تعذيب يشعل طوفان الغضب بلبنان.

ـ تعذيب ممنهج لمعتقلين من أهل السنة وأحداث سجن رومية ليست أمراً جديداً.

ـ اعتداءات جنسية وأفعال مشينة تطال العديد من المعتقلين داخل السجون.

ـ أحداث أعادت إلى الأذهان التعذيب بسجن "جوانتانامو" و"أبو غريب".

ـ خطوات تصعيدية لأهل السنة بلبنان بالتنسيق مع القوى الإسلامية.

ـ رد حكومي متأخر واعتراف من وزير الداخلية وتلويح بالاستقالة.

ـ الأحداث نقطة سوداء في سجل دولة المؤسسات وحقوق الإنسان في لبنان.

كتبه ـ مصطفى محمد


سلط مقطع الفيديو المسرب عن عمليات التعذيب للمعتقلين الإسلاميين بسجن رومية شرق العاصمة اللبنانية بيروت الضوء على الاضطهاد والتهميش الذي يتعرض له أهل السنة في لبنان، وعمليات القمع والتعذيب لأبناء هذه الطائفة في بلد يعج بمختلف الطوائف والديانات وشهد أكثر من حرب طائفية في عصور سابقة.

وفجر تسريب مقطع الفيديو والذي يظهر عدداً من العناصر الأمنية اللبنانية وهي تنهال بالضرب والتعذيب العنيف على العشرات من المعتقلين الإسلاميين السُنة في سجن رومية، موجة غضب عارمة في الشارع اللبناني.

ويظهر المقطع المسرب المساجين بلباسهم الداخلي وهم يتعرضون للضرب المبرح في سجن رومية، أثناء اقتحام القوى الأمنية أحد أقسام السجن لقمع تمرد مزعوم شبّ فيه من قبل المعتقلين.

ويعد سجن رومية هو أكبر السجون اللبنانية يقع شرق العاصمة بيروت، بني هذا السجن في أواخر ستينات القرن العشرين، ليفتتح عام 1970، ويبلغ طاقة استيعابه 1500 سجين إلا أن هذا العدد قد تتضاعف فقد بلغ عددهم أكثر من 5,500 سجين (2008)، وكان يقيم بهذا السجن أربعة من كبار الضباط الموقوفين على ذمة التحقيق في اغتيال رفيق الحريري في 2005، وعناصر من منظمة "فتح الإسلام".
 
"طوفان غضب وتنديد":

وشهدت العديد من المناطق اللبنانية بعد تسريب الفيديو، اعتصامات واسعة وتظاهرات للتنديد بـ"العنف الممارس بحق السجناء الإسلاميين"، واتهم مشاركون فيها عناصر من ميليشيات حزب الله بالمشاركة في تعذيب المعتقلين الإسلاميين في رومية.

كما نظم المئات من اللبنانيين وقفات في ساحات طرابلس، شمالي لبنان، وصيدا، في الجنوب، وبلدة سعدنايل شرقي البلاد، فيما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة للمطالبة باقالة وزير الداخلية اللبناني، محملين إياه مسؤولية ما حدث في السجن.

يأتي هذا في الوقت الذي أكّد فيه نشطاء أنَّ من بين المعذبين عضوَ دار الإفتاء في لبنان الشيخ عمر الأطرش، معتبرين أن عملية التعذيب جاءت على أيدي ميليشيات طائفية مرتهنة.
 
"تعذيب ممنهج لأهل السنة":

ويعد التعذيب في سجن رومية المركزي ليس أمراً جديداً، كما أن التعذيب في مراكز التحقيق والتوقيف لدى جميع الأجهزة الأمنيّة والعسكرية في لبنان، ليس سراً، الجديد في الأمر هو تسريب شريط فيديو يُظهر وحشية التعذيب، أهميّة ما سُرّب أنه يُثبت بالدليل القاطع صحّة ما ردده أهالي المعتقلين الإسلاميين في سجن رومية، إذ نقل هؤلاء عن أبنائهم أنهم تركوا لأكثر من ثلاثة أيام لا تُغطيهم سوى الثياب الداخليّة، وأنهم قسّموا لمجموعات صغيرة، حيث تعرضت كل مجموعة لعمليّة تعذيب مبرمجة شارك فيها العسكريون المشاركون بالمداهمة، وتحدّث هؤلاء سابقاً عن فقدان أحد المعتقلين لعينه، بعدما أُصيب فيها خلال المداهمة ومنع من العلاج.

إن ما جرى في رومية لم يكن خطأً فردياً، بل كان عملاً منهجياً، وصورة الموقوفين جالسين القرفصاء وأيديهم مكبلة في إحدى ساحات السجن دليل على ذلك. إذ تُشير الصورة إلى أن جميع من يظهر فيها تعرّض للضرب، مثلما تُشير إلى وجود عدد من رجال الأمن.
 
"اعتداءات جنسية":

من ناحيته، قال نبيل الحلبي، رئيس المؤسسة اللبنانية للديموقراطية وحقوق الإنسان "لايف"، إن ما ظهر بالفيديو المسرب "جزء بسيط من التعذيب الممارس في السجون اللبنانية"، مشيرا الى وجود مقاطع فيديو لم تنشر في الإعلام "تظهر عناصر وهم يتبولون على المعتقلين، ومن ثم يدعونهم للصلاة".

ولفت الحلبي في تصريح إلى وجود اعتداءات جنسية تطال العديد من المعتقلين أيضا، مؤكدا أن "وزير الداخلية يعلم بهذه الحالات".

وشدد أن ما حصل "جريمة بكل معنى الكلمة"، داعيا إلى "استئصال العناصر الأمنية المشاركة بهذه العمليات الإجرامية".

وطالب الحلبي المعنيين بـ"ضبط الشارع وعدم القيام بأي ردات فعل تضر بسير متابعة الملف حقوقيا وتبعدنا عن تحقيق العدالة"، مشددا أنه "لا مصلحة بزعزعة استقرار البلاد، ونحن سنتابع الملف حتى النهاية".

وأوضح أن مؤسسة حقوق الإنسان"ستجتمع لمناقشة ثقافة التعذيب، الجديدة على سجوننا بالرغم من أوضاعها السيئة"، معتبرا أن هذا التطور "سيء جداً".

وأكد أنه "سيتم التواصل مع اللجان الدولية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، من أجل الضغط على الحكومة اللبنانية وإجراء إصلاحات بهذا الشأن"، متوقعا أن "تمارس الدول المانحة للبنان ضغطا كبيرا على الحكومة لتحسين ظروف المساجين والمعتقلين".

ولفت أن "أعمال التعذيب في السجون اللبنانية بدأت في عهد الوصاية الأمنية المخابراتية للنظام السوري على لبنان، والمرتكبين لهذه الأعمال لم يحاسبوا ولم يحاكموا، وبالتالي تشجعوا على الاستمرار بهذا النهج حتى اليوم".
 
"أبو غريب لبنان":

كما شهدت لبنان انتفاضة بين وجهاء وحكماء أهل السنة على إثر هذا الحادث الذي اعتبره البعض أشبه بما يحدث للمعتقلين الإسلاميين في جوانتانامو أو أبو غريب.

وأدانت هيئة علماء المسلمين في لبنان عمليات التعذيب التي تعرض لها مؤخرا المعتقلون في سجن رومية.

ووصفت الهيئة في بيان أصدرته السجن المذكور بأنه شبيه بسجن "جوانتانامو" الأمريكي، كما سمته بـ"أبو غريب" لبنان، في إشارة إلى سجن أبو غريب العراقي الذي شهد عمليات تعذيب بعد الغزو الأمريكي للبلاد في العام 2003.

وقال البيان إنه تم الاتفاق مع وزير العدل اللبناني أشرف ريفي على ضرورة معاقبة المسئولين واعتبار ما حصل جريمة بحق الإنسانية، كما دعا إلى الإفراج عن المظلومين.

وندد بيان الهيئة بما وصفها بـ"الأعمال العنصرية الفاشية" في سجن رومية، مطالبًا بمحاسبة الفاعلين والكشف عن هوياتهم.

ودعت الهيئة لإقامة فعاليات جماهيرية في كل المناطق اللبنانية كإقامة صلاة التراويح في الساحات العامة ترافقها بعض الخطب والمواقف، محذرة من "تمييع القضية وتهريب مرتكبيها أو محاسبة الصغار والتغاضي عن المحرضين ومن وراءهم".
 
"خطوات تصعيدية للقوى الإسلامية":


من جانبه, قال رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان، الشيخ أحمد العمري إن "ما شهدناه في هذه المقاطع المصورة، من أساليب وحشية إجرامية في التعذيب، أمر معيب في بلد يتغنى بالحضارة والحرية والديمقراطية"، مطالبا بـ"رفع الظلم وإقامة العدل".

وطالب العمري وزير الداخلية، والحكومة مجتمعة بـ"تحمل مسؤولياتهم"، قائلا: "إن كانت استقالة المشنوق تخرج الموقوفين من السجون، وتوقف الظلم والتعذيب عنهم، فنحن لا نمانع من ذلك"، مستدركاً أن "أي وزير لا يقدر على متابعة مسؤولياته فليجس في بيته".

ودعا العمري الى تشكيل لجان من الحقوقيين اللبنانيين والدوليين لدخول السجون اللبنانية واللقاء مع الموقوفين والمساجين والإطلاع على أوضاعهم وظروف سجنهم، داعيًا إلى الابتعاد عن "التجاذبات السياسية التي يتصارع فيها السياسيون لأجل مصالحهم وعدم السماح للبعض بالاصطياد بالماء العكر".

وشدد العمري أنه "إن استشرى الظلم فإن هذا سيؤدي إلى تفجير الساحة اللبنانية، ونحن أحرص الناس أن نجنب بلدنا الفتن كافة، بالرغم من محاولات البعض استهداف طائفة بعينها دون غيرها".

واعتبر رئيس هيئة العلماء أن "هذا المستوى من التعامل مع السجناء في لبنان نذير شؤم لا يبشر بالخير، ويدفع بالبلد لساحات فتن واسعة".

وأشار العمري أن لديهم "خطوات تصعيدية بالتنسيق مع القوى الإسلامية والوطنية والطوائف الأخرى".
 
"ملف المعتقلين الإسلاميين":

وفي السياق نفسه، أصدر مفتي الجمهورية اللبنانية السابق، الشيخ محمد قباني بياناً طالب فيه بـ"محاسبة من أصدر أوامر التعذيب مهما علا شأنهم"، مشددا أنه "يستحيل أن يمارس أحد التعذيب الوحشي فضلاً عن العادي ضد معتقلين داخل السجون دون تكليف من مرجعه الأمني المباشر".

وشدد قباني على "ضرورة إقفال ملف المعتقلين الإسلاميين نهائياً"، مضيفا "لا يستغربَن أحد إذا قلنا إن وسائل التعذيب تعلّم المعتقل كيف يكون إرهابياً ومنتقماً".

من جهتها؛ استنكرت الجماعة الإسلامية في لبنان؛ ما أظهرته التسجيلات "من اعتداءات بحق أولئك العزّل، بغض النظر عن هويتهم"، مشددة على أن "كرامة الإنسان فوق أي اعتبار، والتعذيب جريمة يعاقب عليها القانون".

و طالبت الجماعة الإسلامية ، في بيان صادر عنها، أجهزة الدولة القضائية "بسرعة التحرك والعمل لكشف حقيقة هذه الأشرطة وما ظهر فيها، ومحاسبة ومعاقبة المتورطين، والذين يقفون خلفهم، إذا ثبت صحتها، وردّ الاعتبار للمعتدَى عليهم".

كما دعت الجماعة إلى "إنهاء مأساة الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية من خلال محاكمتهم محاكمة عادلة، وإطلاق سراح من لا يتم إدانته"، مؤكدة على "ضرورة عدم إعطاء أية فرصة لأي متربص بأمن واستقرار البلد، ومن ذلك رفع الغطاء عن مثل هذه الممارسات، حتى لا ننزلق ببلدنا نحو المجهول".
 
"رد حكومي متأخر":

فيما استغرق الرد الرسمي على لسان رئيس الحكومة اللبنانية أكثر من 24 ساعة بعد تسريب الشريطين للتحرك، كادت البلد في هذا الوقت أن تدخل في صدامات بين محتجين والقوى الأمنيّة.

ووصف رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام حالات التعذيب ضد موقوفين إسلاميين من قبل عناصر أمنية في سجن رومية، بأنه عمل "مشين وغير أخلاقي ومخالف للدستور"، داعيا إلى متابعة التحقيقات في هذه القضية بـ"شفافية".

وقال سلام إن ما ارتُكب بحق السجناء "عمل مشين وغير أخلاقي"، مشددا على أن ما حصل "مخالف للدستور اللبناني الذي يكفل حقوق الإنسان، وللقوانين اللبنانية التي ترعى حقوق السجناء مهما كانت التهم الموجهة إليهم أو الأحكام الصادرة بحقهم".

وأعرب سلام عن "تأييده الكامل للخطوات التي قام بها وزيرا الداخلية والعدل حتى الآن لمعالجة هذا الملف، ولما أبدياه من حكمة ومسؤولية وطنية وحرص على القوانين".

ودعا إلى "التعامل مع هذا الملف برويّة وحصره في إطاره القانوني بعيدا عن الغرضية السياسية والتحريض الذي يسيء للاستقرار ويضرّ بالصالح العام"، مؤكدا في الوقت نفسه حرصه على "حماية مؤسسات الدولة وتحصينها".
 
"اعترافات وزير الداخلية":

وعلى صعيد متصل أكد وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق إنه مستعد للاستقالة على خلفية كشف حالات تعذيب ضد المعتقلين في أحد سجون البلاد، ولفت إلى أن المساجين الإسلاميين سينالون الحقوق نفسها التي يتمتع بها المساجين الآخرين.

وقال المشنوق، في مؤتمر صحافي من داخل سجن رومية بعد زيارة التقى خلالها ثلاثة من المساجين الذين تعرضوا للضرب، إنه "إذا كانت استقالتي ستمنع التطرف في البلاد فأنا مستعد للاستقالة".

واستدرك بالقول "إن استقالتي أو بقائي ليسا الموضوع بل الموضوع هو استقالة أو بقاء الدولة من دورها بمعنى إفراغ مؤسسات الدولة الأمنية من مضمونها وهذا أمر لن أسمح به".

ولفت إلى أن ممارسة الصلوات والشعائر الدينية في السجن هو أمر سلمي مسموح، مشددا على أن "كل حقوق المساجين الإسلاميين ستصلهم دون أي جدل كما باقي المساجين".

وأضاف المشنوق أنه كان جرى توقيف عنصرين أمنيين شاركا في التعذيب "قبل شهرين" من دون كشف ذلك للإعلام، زاعمًا إلى أنه ليس من بعد طائفي في الموضوع.

وأشار إلى أن "نتائج التحقيق والأحكام ستكون علنية ولن يكون هناك من سر في الموضوع".

ولفت الوزير إلى أن "المسؤولين عن التعذيب موقوفون والأرجح ان تكون محاكمتهم سريعة ضمن تحقيق قانوني بطلب من المدعي العام التمييزي، وكل اسم يظهره التحقيق سيتم استدعاؤه".
 
"نقطة سوداء":

واعتبر أسعد بشارة مستشار وزير العدل اللبناني عملية التعذيب التي تم الكشف عنها من خلال التسجيلين المصورين نقطة سوداء في سجل دولة المؤسسات وحقوق الإنسان في لبنان.

وشدد على أن المدخل لتصحيح المسار هو مدخل قضائي وقانوني، قائلا "في النهاية لا بد من الاحتكام إلى المؤسسات في عملية المحاسبة".

ووصف المستشار سجن رومية بالقنبلة الموقوتة وما يحصل داخله بالمأساة الحقيقية، مشيرا إلى وجود نحو 7000 سجين في وقت لا تتجاوز فيه قدرة استيعاب السجن ألفي سجين.

وحذر من أن حصر عملية التعذيب في زاوية مذهبية ضيقة يضر بالقضية، منوها إلى أنها قضية حقوق سجناء بغض النظر عن انتمائهم الطائفي والمذهبي.
 
"تقارير دولية":

ويعد التعذيب لأهل السنة في لبنان ليس أمراً جديداً، ولم يرغب أحد في السلطة السياسية في مواجهته. ففي تقرير للجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، أعدته بعثة تحقيق تابعة للجنة، ونشر ملخص "سري وعاجل جداً" منه في نوفمبر الماضي ـ وقد رفضت الدولة اللبنانية نشره ـ خلص إلى أن "التعذيب يُمارس ومورس على نحو منهجي في لبنان، لا سيما في سياق التحقيق وبغرض انتزاع الاعترافات". هذا حصل في أكتوبر2014. لم يتغيّر أي شيء، قال التقرير حينها ما حرفيته: "أساليب التعذيب التي تلجأ إليها مختلف الأجهزة الأمنية تراوح بين الضرب وأساليب التعذيب الأكثر شدة وتعقيداً مثل "البالانكو" (تعليق المحتجز من معصميه المكبلين خلف ظهره)، و"الفروج" (التعليق من الأرجل مع ربط اليدين بقضيب حديدي تحت الركبتين)، اللذين يُقال إنهما الأسلوبان الأكثر شيوعاً". ويتحدث التقرير عن وجود تعذيب ومعدات له في غرف التحقيق لدى فرع المعلومات واستخبارات الجيش.

كما أن الموقوفين الإسلاميين ليسوا أول ضحايا للتعذيب في لبنان، فقبلهم توفى إسماعيل الخطيب ونادر بيومي لدى استخبارات الجيش من دون حصول محاسبة جدية، كما تعرض عدد من الموقوفين خلال وبعد معارك نهر البارد (2007) وعبرا (2013) للتعذيب وانتهكت حقوقهم من دون أي محاسبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق