Why Tony Blair is talking to Hamas' Khaled Meshaal
لماذا الان يتحدث بلير مع خالد مشعل؟
ديفيد هيرست
الكشف عن أن طوني بلير وطاقم موظفيه يخوضون مفاوضات مع زعيم حركة حماس خالد مشعل لوضع حد لحصار غزة المستمر منذ ثمانية أعوام قد يأتي مفاجئاً لأولئك الذين يعرفون سجل المبعوث السابق إلى الشرق الأوسط.
فقد وفر بلير غطاء دولياً لا يقدر بثمن لأعمال إسرائيل، وما فتئ يعلن على الملأ دعمه للانقلاب العسكري في مصر، ووضع نفسه أيديولوجياً في موقع الخصم العنيد للإسلاميين من كل لون.
لن تجد الكثير من السياسيين المخضرمين ممن يمكن أن يحضروا جنازة آرييل شارون ويقول في نعي القائد السابق للوحدة 101 المسؤولة عن ارتكاب مذبحة بحق 42 قروياً في قبية ووزير الحرب الاسرائيلي الذي استدعى قوات الكتائب اللبنانية لاجتياح مخيمات صبرا وشاتيلا ما نصه: “إن الدولة التي قاتل في سبيل إيجادها وهو في الرابعة عشرة من عمره ينبغي أن تحظى بالحماية لأجيال قادمة. عندما كان يعني ذلك القتال، تجده يقاتل، وعندما كان يعني ذلك صنع السلام، تجده يسعى وراء السلام.”
وحتى وقت قريب لم يكن بلير يخفي رغبته في الإطاحة بحركة حماس. وإذ يعبر عن رفضه للخيار العسكري لتحقيق ذلك تراه يقترح بأن نفس الغاية يمكن تحقيقها من خلال وسائل مختلفة، وفي هذا يقول: “لن يكون هناك تدمير لحماس … أنت لن تدمر حماس ككيان سياسي … ما أعرفه يقيناً أن ذلك يمكن أن يحدث فقط إذا جرى ضمن سياق طريق يتجه نحو الأمام، وخاصة بالنسبة لشعب غزة، طريق يمنحهم بعض أمل في المستقبل، لأن حركة سياسية كهذه، في نهاية المطاف، لديها دعم على الأرض، وأنت بحاجة لأن تحوله عنها … أن تسلبها ذلك الدعم.”
فلم إذن تجري هذه المفاوضات، ولم الآن بالذات؟
أول مكان يبحث فيه عن دليل على إعادة التفكير في الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ثمانية أعوام هو المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي خاضت خلال تلك المدة الزمنية ثلاثة حروب ناهيك عن العديد من الاجتياحات الأصغر حجماً والغارات الجوية وعمليات الاغتيال.
لقد أمطرت القوات الإسرائيلية قطاع غزة بكميات لا يمكن تصور حجمها من المتفجرات من البحر ومن البر ومن الجو على مدى خمسين يوماً خلال الحرب الأخيرة. وبلغ حجم المتفجرات المستخدمة في قصف رفح في لحظة ما مستوى روع حتى البنتاغون الذي اعترض على ذلك ورفض مؤقتاً فتح مخازنه من القنابل الموجهة أمام إسرائيل لتعويض النقص الحاصل لديها. زعم رئيس الفريق الفلسطيني للمتفجرات، قبل أن يقتل، بأن الحجم الإجمالي للقنابل المستخدمة في قصف غزة تراوح ما بين 16 و 20 ألف طن، أي ما يعادل قنبلة هيروشيما. بل إن سلاح الجو الإسرائيلي اعترف بإسقاط ما مجموعه 400 طن من القنابل خلال يومين فقط.
تمخضت هذه الحملة العسكرية الساحقة الماحقة عن تعزيز قدرات حركة حماس العسكرية، فلقد طورت، وماتزال تختبر، صواريخ ذات مدى يغطي معظم إسرائيل، الأمر الذي لا يدع أمام المخططين العسكريين الإسرائيليين سوى خيار واحد ألا وهو احتلال قطاع غزة بأسره. إلا أن ذلك ليس بالأمر اليسير.
سوف يؤدي ذلك إلى خسائر جسيمة في أرواح المدنيين وإلى إصابات إسرائيلية كبيرة في حرب المدن، وسوف يعني في نفس الوقت استئناف تحمل إسرائيل المسؤولية عن سكان القطاع المدمر، ناهيك عن أنه لا يمكن بحال التنبؤ بالعواقب الكارثية للحرب.
تبقى حماس، إلى جانب حزب الله، أكثر أعداء إسرائيل نشاطاً. صحيح أنه ليس بإمكانها القضاء على الجبروت العسكري لإسرائيل، ولكنها تمكنت من إقامة جيش أساسي على أرض فلسطين ذاتها، ومايزال يوجد داخل إسرائيل معسكر قوي، يترأسه أفيغدور ليبرمان، يضغط باتجاه تصفيتها بالكامل.
ولكن هناك في نفس الوقت معسكر آخر يعتبر أن الفوضى هي العدو الأكبر.
وهؤلاء يرون أنه من الأفضل لإسرائيل أن تكون حماس مسيطرة على غزة من أن تؤول السيطرة على القطاع إلى الدولة الإسلامية أو إلى أي من الفصائل التي تنتسب إليها. وهذه الفكرة ليس جديدة. فقبل عامين قال اللواء ميكي إديلستين، آمر الجيش الإسرائيلي في غزة، إن حماس تقوم بدور الشرطي في غزة: “يقوم قادة حماس، سواء العسكريون منهم أو السياسيون، بكل ما في وسعهم من أجل ضبط الأمور وإبقائها تحت السيطرة. كما أن واحداً من أهم ألويتهم يقوم الآن بدور "شرطي الحدود"، حيث يتناوب ثمانمائة مقاتل في دورات عمل على مدى الساعة لمنع كل أنواع المنظمات الصغيرة التي ترغب في إطلاق الصواريخ أو زرع الألغام والعبوات الناسفة على الطرق (على امتداد الحدود).”
وقد برزت نفس الفكرة في مقال نشره رئيس الموساد السابق إفراييم هاليفي الذي صاغ لفظة لوصف حماس اشتق أحرفها من كلمة عدو وكلمة صديق في نفس واحد، وقال: “حماس على سبيل المثال في حالة حرب معلنة مع إسرائيل، بينما نجدها توفر احتياجات إسرائيل الأمنية من خلال المعركة التي تخوضها داخل قطاع غزة ضد المنظمات الأخرى التي ترفض سلطتها.”
وأضاف: “إذا ما نضجت المحادثات الأخيرة لتثمر اتفاقية بين إسرائيل وحماس إلى أجل محدود، فسيكون من الضروري تحويلها إلى مرحلة أولى من انتهاج طريق جديد. يتوجب أن يتحول التكتيك المرحلي إلى استراتيجية من الحوار الدائم. إن قوة أي اتفاقية ستعتمد دوماً على طبيعة العلاقات بين مواطني إسرائيل على هذا الجانب من الحدود والعرب على الجانب الأخر منه. لقد نقل عن مصدر رسمي مؤخراً القول بأن لدينا حالة من الهدوء حتى دون أن نعطي الفلسطينيين في غزة ميناءً بحرياً أو مطاراً.
ولكن دون التعامل مع هذين الطموحين، ستثبت المباحثات الأخيرة بأن "الهدوء مقابل الهدوء" صيغة قد عفا عليها الزمن، ومثل هذه المقاربة ستضمن اندلاع جولة أخرى من القتال لا محالة.”
والمكون الثالث هو أنه في حالة عدم حدوث أي شيء من شأنه تغيير الوضع القائم فإن من الممكن جداً أن تتحول غزة إلى مركز متفجر لا قبل لأحد بضبط الأمور فيه.
وهذا ما قصده فرانك والتر ستاينماير، وزير الخارجية الألماني، حينما قال مؤخراً إن غزة عبارة عن برميل من البارود. وهذا ما صرح به ستاينماير في الأول من يونيو: “لقد خرجت من محادثاتي بالأمس في القدس وفي رام الله يحدوني الأمل بأن تكون جميع الأطراف مدركة أننا هنا نجلس على برميل من البارود وأن علينا الحيلولة دون أن تصل النيران إلى فتيل الصاعق.”
ليس مما يسر حدوث انهيار في غزة يؤدي إلى أن تفقد حماس القدرة على ضبط الأمور وترشيد المجموعات المسلحة الأخرى داخل القطاع. إذا ما أخذنا بالاعتبار وجود الجماعات الجهادية في سيناء، والتي أعلنت بيعتها للدولة الإسلامية، وكذلك المعركة التي تدور رحاها حول دمشق على امتداد الحدود الشمالية لإسرائيل، فإن تشرذم غزة وتحولها إلى جيوب صغيرة تسيطر على كل منها مجموعة أو أكثر من المجموعات المسلحة بكثافة وغير المنضبطة في نفس الوقت سيشكل خطراً أمنياً كبيراً على إسرائيل.
وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي أجبر مؤخراً على مراجعة الإجراءات المتبعة لانتشال المهاجرين الذين يحاولون خوض عباب البحر المتوسط انطلاقاً من ليبيا، فإن انفجاراً كبيراً في غزة قد يتمخض عنه نزوح جماعي لمئات الآلاف من المدنيين، وهؤلاء لن تقبل بهم لا إسرائيل ولا مصر، وحينها فلن يجدوا أمامهم ملاذاً سوى البحر الذي سيحاولون خوضه سعياً للوصول إلى ما وراءه.
ولعل العنصر الرابع في هذه الحسابات هو احتمال أن يكون لدى حماس عدد من الأسرى العسكريين الإسرائيليين. هناك على سبيل المثال الحكاية التي تتردد بأن مواطناً إثيوبياً اسرائيليا كان قد تجاوز الحدود باتجاه غزة بعد الحرب وأنه الآن معتقل هناك. إضافة إلى ذلك، وكما ورد في تقرير نشره ريتشارد سيلفرستين، لقد عمدت حماس إلى وضع لوحة إعلانات كبيرة نشرت عليها صورة للجندي الإسرائيلي أورون شاؤول، والذي تدعي إسرائيل بأنه قتل أثناء الحرب. يبدو شاؤول في الصورة واقفاً وراء القضبان، في إشارة إلى أن حماس تزعم بوجوده حياً لديها. وكان قد أشيع بأن الوزير الألماني ستاينماير نفسه ربما كان يتفاوض مع حماس لإعادة أشلاء كل من شاؤول وهادار غولدين إلى إسرائيل.
لا توجد حتى الآن صفقة جاهزة لإنهاء الحصار ولا يبدو أننا قريبون من التوقيع على صفقة من هذا النوع. ولعل المفاوضات بين بلير مشعل تسير ببطء لسببين رئيسيين: هناك ارتياب عام بنوايا بلير وبدوافعه للقيام بدور الوسيط بين إسرائيل وحماس. وليس خاف عن سمع وبصر الناس في مدينة غزة ذلك الارتباط الوثيق بين بلير وكل من الإماراتيين والسلطات المصرية.
ولكن الأهم من ذلك أن حماس لا ترغب في أن تبدو كما لو كانت تسير على خطى فتح بعد اعترافها بدولة إسرائيل. فحماس ليست مضطرة للاعتراف بإسرائيل وليست مضطرة كذلك إلى التخلي عن سلاحها وقواتها العسكرية من أجل ضمان فتح ثغرة في الحدود المحاصرة. كل ما عليها أن تفعله ببساطة هو الموافقة على الحفاظ على وقف لإطلاق النار، وهو ما تقوم به فعلياً في الوقت الحاضر.
ولكنها في ذات الوقت لا تستطيع مقايضة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بعربات محملة بالموز والمكرونة، فهذا سيكون بالتأكيد بيعاً بخساً جداً. إن لدى الفلسطينيين ذاكرة جمعية مؤلمة تجاه عقدين من مفاوضات سلام كل ما فعلته هو أنها أتاحت الفرصة لستمائة ألف مستوطن لكي يفرضوا أنفسهم على واقع الحياة في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية.
لا مفر هذه المرة من أن يسفر وقف إطلاق النار عن مكاسب سياسية ووجودية ملموسة بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة على حد سواء. إذا كان ما نراه يجري الآن هو الخطوات الأولى لرفع العزلة عن حركة حماس، فإن التحدي الاستراتيجي الذي ينتظرها هو إنجاز الانعتاق من الاحتلال لكافة الفلسطينيين دون التفريط بأي من المبادئ المؤسسة لهذا النضال ومنها على سبيل المثال حق العودة. وهذا ليس مجرد مبدأ أو ذاكرة نائية. فما عليك إلا أن تتذكر من أين جاءت الغالبية العظمى من سكان غزة. إنهم في الأصل لاجئون من داخل العمق الفلسطيني الذي تحول بعد إخراجهم من ديارهم عام 1948 إلى ما بات يعرف بإسرائيل.
يمكن للمشاركة البريطانية في محادثات الدوحة أن يكون لها تداعياتها السلبية على دافيد كاميرون، وهو الذي تحفظ حتى الآن على تقرير أعده السير جون جينكينز وخلص من خلاله إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ليست منظمة إرهابية. ومع ذلك، لم يمنع ذلك بعض الوزراء في حكومة كاميرون من السعي إلى استغلال التقرير كأساس لإعلان الحكومة أن الإخوان المسلمين منظمة متطرفة تشكل خطراً على النسيج الاجتماعي في بريطانيا. ولكن أنى لهم أن يستمروا في ذلك وقد باتوا الآن على تواصل بحركة حماس.
سوف يكون صعباً على كاميرون نشر مقترح يرى بأن نفوذ الإخوان المسلمين في بريطانيا موضع ارتياب بسبب الاشتباه بعلاقة الجماعة بالتطرف بينما ينهمك رئيس وزراء بريطاني سابق – بعلم من كاميرون وتفويض كامل منه – بالتحدث مع زعيم حركة حماس. بمعنى آخر، يمكن أن يؤثر نشر تقرير جينكينز بشكل سلبي على الحوار الذي يسعى كاميرون، من خلال بلير، إلى إقامته مع حركة حماس.
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق