الخميس، 25 يونيو 2015

خطة تنمية سيناء قوبلت بالعوائق (ج2)

خطة تنمية سيناء قوبلت بالعوائق (ج2)

صلاح عبد المقصود
وزير إعلام مصري سابق


أشرت في المقال السابق إلى أن الرئيس مرسى أولى قضية سيناء وتنميتها اهتماما خاصا، كما وضعت حكومته ملف التنمية في سيناء على رأس جدول أعمالها منذ اجتماعها الأول، ورصدت لمرحلتها الأولى مبلغ مليار وثلاثمئة مليون جنيه، زاده الرئيس مرسي إلى ملياري جنيه لإنشاء عدد من المشرعات الخدمية من مدارس ومستشفيات ومساكن، واستصلاح أراض، وشبكات طرق، ومشروعات ري وصرف صحي وغيرها.
كان الرئيس مرسي ومعه الحكومة يعملون بجد على تنمية سيناء، وإنصاف أهلها، ثم استثمار خيراتها المكنونة لصالح أهلها وشعب مصر عموما، ويعتبرون ذلك بمثابة طوق نجاة يمكنه أن ينهض باقتصاد مصر ويحقق لأهلها العيش الكريم.
 في سيناء -كما في غيرها من المناطق- عملت الحكومة على تعظيم القيمة المضافة لصناعة التعدين بدلا من تصدير المواد الخام فقط، ويكفي أن نشير إلى عملية تصدير رمال سيناء التي تعد من أجود رمال العالم بأسعار زهيدة، ليعاد بيعها إلينا وإلى مختلف دول العالم في شكل منتجات لأرقى أنواع الزجاج والسليكون والإلكترونيات، وغيرها.

لم تكن المشروعات التي أشرت إليها سابقا هي وحدها التي عملت الحكومة على تنفيذها لتعود بالخير على أهل سيناء، بل كان هناك مشروع عملاق مثّل تحقيقه أمل الرئيس والحكومة والمخلصين من المصريين، وكان إنجازه سيعود ببالغ الخير على أهل سيناء خصوصا، وعلى المصريين عموما، وهو مشروع  تنمية قناة السويس، والذي يشمل:
تطوير مجرى قناة السويس، وازدواج القناة بطولها الممتد من البحر المتوسط شمالا إلى البحر الأحمر جنوبا، وتطوير الموانئ والممرات الفرعية، بما يسمح بوجود ثلاثة موانئ عملاقة في بورسعيد والإسماعيلية والسويس لخدمة التجارة العالمية، وإقامة مناطق لوجستية للتجارة والصناعات التحويلية للتنمية وتعظيم القيمة المضافة.
"في كلمته أمام ممثلي قبائل سيناء حرص مرسي على تأكيد ما وعد به في برنامجه الانتخابي، واصفا تنمية سيناء بأنها العبور الثالث للمصريين بعد العبور الأول في حرب رمضان-أكتوبر 1973، والعبور الثاني في الثورة المصرية الشعبية على نظام مبارك الظالم"
زيارة مرسي الثالثةفي 5 أكتوبر/تشرين الأول 2012 قام الرئيس مرسي بثالث زيارة له إلى سيناء خلال شهرين، والتقى بممثلي القوى السياسية والاجتماعية والقبلية، واستمع إلى مطالبهم وهمومهم.
وفي كلمته أمامهم حرص الرئيس على تأكيد ما وعد به في برنامجه الانتخابي، واصفا تنمية سيناء بأنها العبور الثالث للمصريين بعد العبور الأول في حرب رمضان-أكتوبر 1973، والعبور الثاني في الثورة المصرية الشعبية على نظام مبارك الظالم.
 
وقال إن سيناء جزء عزيز من مصر، يسري عليها ما يسري على كل مصر أرضا وبشرا.

وأكد الرئيس لأهالي سيناء أنه سيتخذ قرارا بإعادة محاكمة أبنائهم، وتوفير ضمانات العدالة لهم بعد أن حكم القضاء على المئات منهم حضوريا وغيابيا بالإعدام والسجن المؤبد وعقوبات أخرى، ويرى الأهالي أن أبناءهم براء من الاتهامات الموجهة إليهم، ووعدهم بتحقيق الأمان لهم ولعائلاتهم بعد حملات القهر والتنكيل التي تعرضوا لها منذ تفجيرات جنوب سيناء في العام 2005.
واختتم الرئيس حديثه لأبناء سيناء في هذا اليوم بقوله إن عهد الفساد والإقصاء والتهميش قد انتهى، الأمر الذي ترك أثرا كبيرا في نفوسهم، ودعاهم إلى اختيار وفد يمثلهم ليلتقي به في القصر بوجود عدد من المسؤولين عن تنفيذ خطط تنمية سيناء.
وجاء أبناء سيناء إلى القاهرة، ودخلوا القصر الجمهوري لأول مرة، واستقبلهم الرئيس بكل احترام، واجتمع بهم واستمع إلى همومهم، ووعدهم ببذل كل الجهود للاستجابة لكافة مطالبهم المشروعة.
الخلاف مع الجيش
كانت مشروعات تنمية سيناء، وكذا مشروع تنمية قناة السويس من النقاط التي شهدت خلافات حادة بين الحكومة وجهاز تنمية وتعمير سيناء الذي شكله الرئيس من جهة، وبين قيادات الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة من جهة أخرى.
كنا في الحكومة نرى أن تنمية سيناء وإعمارها بالسكان، وتشجيع الاستثمار فيها خير وسيلة لحمايتها من مخاطر الاحتلال الصهيوني وغيره، باعتبار سيناء بوابة مصر الشرقية التي دخل منها الغزاة على مدى العصور منذ آلاف السنين وحتى القرن الماضي عندما احتلها العدو الإسرائيلي في حرب العام 1967، ونجح في احتلالها بالكامل، والتغول حتى وصل إلى مدن بور سعيد والسويس والإسماعيلية والقنطرة في الضفة الغربية للقناة في الضفة الغربية لقناة السويس، ولم يعد بينه وبين العاصمة القاهرة إلا ثمانين كيلومترا فقط.

كل ذلك نجح في تحقيقه العدو خلال ستة أيام فقط، بسبب خلو معظم مناطق سيناء من السكان، وانسحاب الجيش المصري تاركا أسلحته بعد أن دمر العدو الإسرائيلي طائرات الجيش المصري في مرابضها قبل أن تقلع، وكذا المضادات الجوية، وقتل من قتل، وأسر من أسر من الجنود والضباط خلال ساعات محدودة من صبيحة يوم الخامس من يونيو المشؤوم.
كنا نؤمن في الحكومة بأن الأهالي الذين سيسكنون سيناء ويعمرونها سيصبحون بمثابة جيش شعبي يعاون قواته المسلحة في الدفاع عن سيناء دفاعا عن وطنهم أولا، ودفاعا عن بيوتهم وممتلكاتهم ثانيا، خصوصا وقد كبلت اتفاقية كامب ديفد الجيش المصري، وجعلت تواجده في سيناء محدودا للغاية، مما يعطي لقوات العدو إمكانية إعادة احتلال سيناء -لا قدر الله- في ساعات معدودة، وليس في أيام كما حدث في العام 1967.
  
مواجهة البيروقراطية
كانت الحكومة، وكذا اللجنة المعنية بمشروع تنمية قناة السويس في خلاف دائم مع قيادات الجيش حول خطط التنمية الموضوعة، فكثيرا ما تعترض قيادات الجيش على هذه الخطط بحجة دواعي الأمن القومي، واحتياجات القوات المسلحة،  وفي حالات كثيرة كان الرئيس يتدخل لتقريب وجهات النظر، وكان قادة الجيش يظهرون اقتناعهم وموافقتهم، لكننا على الأرض لم نكن نلحظ تطبيقا أو تقدما.
"كثيرا ما تعترض قيادات الجيش على هذه الخطط بحجة دواعي الأمن القومي، واحتياجات القوات المسلحة، وفي حالات كثيرة كان الرئيس يتدخل لتقريب وجهات النظر، وكان قادة الجيش يظهرون اقتناعهم وموافقتهم، لكننا على الأرض لم نكن نلحظ تطبيقا أو تقدما"
كنا نفاجأ بحملات منظمة من الشائعات وإثارة الشكوك في برنامج الرئيس وحكومته عبر الفضائيات بدءا من شائعة أن الرئيس مرسي يريد أن يفصل إقليم قناة السويس عن مصر، أو أنه اتفق على بيع قناة السويس لدولة قطر، وأنه سيوطن حركة حماس في سيناء، انتهاء بأن الرئيس قد اتفق مع الأميركيين على حل القضية الفلسطينية بإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين على قطاع غزة وجزء من سيناء.
كل هذه الأكاذيب وغيرها راحت الأذرع الإعلامية للدولة العميقة تروجها ليل نهار، وفتحت أبواب قنواتها لقيادات أحزاب سياسية راحت تعوض فشلها في الشارع بترويج الأكاذيب حول الرئيس وحكومته، وحول حزب الحرية والعدالة صاحب الأكثرية البرلمانية الذي كان الرئيس مرسي يترأسه قبل فوزه في الانتخابات.
4.4 مليارات
بعد مرور عدة أشهر من خطة الحكومة لتنمية سيناء ناقش مجلس الوزراء تقريرا مقدما من وزير التنمية المحلية الدكتور محمد علي بشر (المحبوس حاليا مع رئيس الجمهورية المنتخب وعدد من الوزراء والمحافظين، ونواب الشعب، إضافة إلى عشرات الألوف من معارضي الانقلاب).

وضع الوزير بشر في تقريره تصورا لدفع العمل في مشروعات سيناء وغيرها من المحافظات المصرية، وقال إن الميزانيات المرصودة للمشروعات لم ينفق منها إلا جزء يسير بسبب البيروقراطية وتعقيدات قانون المناقصات والمزايدات، وبسبب خوف الوزراء من الوقوع في مخالفة القانون، ودعا إلى ضرورة تعديل القوانين بما يضمن تحقيق الشفافية والحفاظ على المال العام، وفي نفس الوقت ضمان سرعة الإنجاز.
كنا في الحكومة نسابق الزمن -كل في وزارته- رغم العقبات التي كانت تواجهنا، والأزمات التي توضع في طريقنا، فكنا نحاول البناء بيد ونطفئ الحرائق التي يشعلها المتآمرون أو الجاهلون باليد الأخرى، لذلك بدأت بعض الوزارات تلجأ إلى مجلس الوزراء لاتخاذ قرارات في بعض المشروعات تغلبا على الروتين والبيروقراطية، وبعض القيود التي تغل أيديهم عن الإنجاز.
"سعيا نحو التغلب على العوائق التي وضعت في طريق تنفيذ خطة التنمية، ورغبة في سرعة الإنجاز لإشعار المواطنين بالتغيير الذي وعدتهم به الحكومة فقد وافق مجلس الوزراء على إصدار أمر إسناد بقيمة بلغت 2500 مليون جنيه (ملياران ونصف المليار جنيه) لجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة "
المشروعات للجيش
وفي 19 يونيو/حزيران 2013 -أي قبل الانقلاب العسكري بأسبوعين- قرر مجلس الوزراء تخصيص 4.4 مليارات جنيه لتنمية سيناء.
وسعيا نحو التغلب على العوائق التي وضعت في طريق تنفيذ خطة التنمية، ورغبة في سرعة الإنجاز لإشعار المواطنين بالتغيير الذي وعدتهم به الحكومة فقد وافق مجلس الوزراء على إصدار أمر إسناد بقيمة بلغت 2500 مليون جنيه (ملياران ونصف المليار جنيه) لجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة لأعمال محددة القيمة بمشروعات تنمية سيناء ذات الأولوية، نظرا لعدم خضوع الجيش لقانون المناقصات، الأمر الذي يساعده على سرعة الإنجاز.
واشترطت الحكومة على القوات المسلحة إنجاز هذه المشروعات في مدة زمنية لا تتجاوز الستة أشهر، وسمحت الحكومة للوزارات المختلفة بأن تتعاقد مباشرة مع جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة على المشروعات المطلوبة في مجالات الزراعة، والإسكان، والمدارس، والوحدات الصحية، ومراكز الشباب، ومحطات تحلية المياه، وحفر الآبار اللازمة للمشروعات الزراعية، وإقامة شبكات للصرف الصحي.
وأذكر أن وزير الدفاع آنذاك الفريق السيسي قال إن القوات المسلحة يمكنها إنجاز هذه المشروعات خلال ستة أشهر في حال قيام وزارة المالية بتوفير التمويل الذي تم تخصيصه، ورد عليه وزير المالية آنذاك الدكتور فياض عبد المنعم بأن المبلغ المذكور سيتم توفيره على الفور، لكن وزير الدفاع انقلب على الرئيس والحكومة، كما انقلب على سيناء ومشروعاتها فلم ينجز إلا الخراب والقتل والهدم والتدمير.
فبدلا من أن تسهم وزارة الدفاع في معركة التنمية والنهوض بسيناء انقلب قائدها بعد تعهده لمجلس الوزراء بأسبوعين فقط، وراح يدمر بيوت سيناء بحثا عمن سماهم الإرهابيين، ويهجر سكانها، ويقيم منطقة عازلة مع قطاع غزة بعد إزالة مدينة رفح الموجودة منذ مئات السنين، ويهدم الأنفاق التي تمد الفلسطينيين بمقومات الحياة عندما يخنقه العدو والشقيق، ويغلق المعابر ليحكم الحصار على أهل غزة، وبذل كل ما يستطيع لتحقيق المطالب الإسرائيلية الأميركية التي فشل مبارك والمجلس العسكري من بعده في تحقيقها، لكنه راح يحققها بقوة الحديد والنار وعبر القتل والتدمير والاعتقال.

وبعد ما رأيناه خلال تجربة عام من حكم الرئيس محمد مرسي فإنني الآن أشعر وكأن تنمية سيناء وإعمارها بالبشر والمشروعات خط أحمر قد تجاوزه الرئيس وحكومته ضمن خطوط حمر أخرى استوجبت انقلاب قادة العسكر على التجربة الديمقراطية الوليدة وسط تآمر إقليمي وتواطؤ دولي.
وللحديث بقية بمشيئة الله.. 

أزمة سيناء بين الرئيس مرسي والفريق السيسي (ج1)


المصدر : الجزيرة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق