بروتوكولات حكماء العرب
-7-
الجنس الثالث..!!..
البروتوكول الخامس
من حسن حظكم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات أن التاريخ ليس كالجغرافيا..!!..
انظروا إلى مجسم الكرة الأرضية الذي أديره أمامكم الآن.. تستطيعون بلمحة خاطفة أن تتصوروا تصورا واضحا وصحيحا مكان كل قارة وكل محيط بل كل وطن وكل بحر.. بقليل من تمحيص النظر تستطيعون تمييز الأنهار والجبال والصحراء والوديان بل وكل المدن المهمة تقريبا.. فلو حدث أن أي واحد منكم أراد مزيدا من التفاصيل عن مدينة أو عن المدن الأصغر بل والقرى والنجوع فمن السهل أن يرجع إليها في المراجع بعد أن يحدد أين يبحث.. من الصعب.. بل من المستحيل أن يخطئ الواحد منكم خطأً فادحا في هذا الأمر.. كأن يقول مثلا أن الرياض تتبع ولاية نيويورك في أمريكا الشمالية.. أو أن القاهرة تقع في نطاق محافظة تل أبيب.. أو أن الكعبة في البيت الأبيض.. تلك أخطاء لا يمكن لأي واحد أن يقع فيها مادام قد رأى مثل هذا النموذج المجسم ولو مرة واحدة في العمر كله..
لننتقل الآن إلى افتراض آخر.. وهو ليس افتراضا بالضبط.. لأنه ظل هو الحادث على سطح هذه البسيطة آلاف الأعوام.. عندما قضى البشر كل هذا الزمن الطويل.. لا يدركون أن الأرض كرة وأنها تدور.. في ذلك الزمن.. كان من الممكن لأي واحد أن يقع في الأخطاء الفادحة كتلك التي ضربت لكم عليها الأمثال.. أخطاء تتجسد في أساطير وأساطير تعشش فيها الأخطاء و تنمو.. فلنفترض أننا رجعنا إلى الوراء ألف عام.. وأن عالما من العلماء - لكي يفهم الجغرافيا راح يجوب البلاد والقفار والبحار كي يلم بتضاريس الأرض وحدودها و أبعادها.. فحتى لو افترضنا أن عمر هذا العالم سيتسع لتغطية الأرض.. وهذا محال.. فإن مثل هذا العالم سينسى في آخر عمره ما شاهده في أوله.. لتختلط عليه الأمور.. فكثير الأمور ينسى بعضها بعضا.. ولو تصورنا أننا دسسنا على هذا العالم من يزور له الخرائط.. ويغير اللافتات .. فيضع اسما مكان اسم..ويبدل مواقع البلاد.. ويغير أطلس الخرائط أمام ذلك العالم فيضع مكان الصحراء نهرا ومكان الجبال غابات ومكان الغابات صحارى.. ويجعل الرياض في أمريكا والقاهرة في إسرائيل والكعبة في البيت الأبيض.. لو فعلنا ذلك.. لو فعلناه بدقة وبخبرة.. ولو جعلنا المدارس والمعاهد والجامعات تدرسه.. والتليفزيون يذيعه.. والإذاعة تنوه عنه.. والصحف لا تكف عن نشره.. ولو تسللنا إلى المراجع في كل المكتبات الكبرى.. فأثبتنا فيها هذا التزوير.. وأخفينا قدر ما نستطيع .. أي أطلس صحيح.. لو نجحنا في ذلك.. وسلطناه على هذا العالم الذي قضى عمره كله يدرس جغرافيا الأرض.. فهل سيستطيع هذا العالم أن يستفيد من علمه أي فائدة.. بل هل يستطيع أن يكون أي تصور صحيح عن الجغرافيا؟..
فإذا كانت الإجابة بالقطع : لا.. لا .. لا بالنسبة للعالم الذي قضى عمره كله يحاول أن يفهم الجغرافيا.. فكيف يكون الوضع بالنسبة للرجل العادي.. الذي لم يبذل أي جهد سوى الجلوس السلبي الأبله أمام التلفاز الذي نقف نحن خلفه نبث في عقله ما نريد.. هل سيستطيع هذا الشخص أن يفهم أي فهم أو أن يكوِّن أي يقين؟!.. وهل يستطيع أن يخرج عن نطاق التصور الذي نضعه له..؟
الإجابة واضحة..
فإن النظرة الشاملة للجغرافيا هي التي مكنتنا من التصور الكلى على الوجه الصحيح.. هي التي مكنتنا من أن نفهم حتى المتناقضات .. بل ومكنتنا من أن نحول هذه المتناقضات إلى بديهيات.. كأن تقول مثلا أن أقصى الشرق هو بالضبط آخر الغرب.. وأن يقبل أي إنسان مهما قل علمه.. أنه لو سار في اتجاه واحد مستقيم عبر الأرض كلها فإنه سيعود إلى ذات النقطة التي بدأ منها..
نعم .. التصور الصحيح للكل هو الطريق إلى التصور الصحيح للجزء..
وهذا هو حسن حظكم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات.. والذي لولاه ما استقر كرسي الحكم تحتكم يوما واحدا..
ذلك أن التاريخ ليس كالجغرافيا.. ونحن لا نستطيع أن نأتي بكرةٍ للتاريخ.. كي نديرها أمامكم.. لتستطيعوا في لمح البصر.. الإلمام بخط سير التاريخ الكلى.. بتضاريسه العظمى.. وكيف تدافعت الأمور عبر التاريخ المكتوب لتصل بنا إلى زماننا الآن..
وهذه هي فرصتكم الكبرى.. عليكم ألا تكفوا أبدا عن تزوير التاريخ.. أن تمحو كل التذكرات القديمة التي لا تناسبكم وأن تجففوا منابعها لتضعوا مكانها تذكرات جديدة تبرر أمام السفهاء حكمكم وتعطيكم الشرعية..
ليست هذه مهمة سهله.. بل إنها تكاد أن تكون محور وجودكم كله.. وسوف أعود إلى ما قلته لكم في البروتوكول الأول عن معنى الكلمات.. لأقول لكم أن الصدق لا يعنى الأمانة في رواية ما حدث.. بل إن الصدق هو ما تستطيعون إيهام الآخرين به وفرضه عليهم .. فرض وإيهام تستعملون فيه كل أدواتكم الرهيبة من بوليس جبار ووزراء وكتاب وإعلام و إعلان و أجهزة ومقاصل وسجون.. لكن معضلة صعبة ستترتب على ذلك..
لأن التاريخ الذي حاولنا إيهام الرعاع والسفلة أنه هو التاريخ الصحيح منذ خمسين عاما قد أصبح مشكلة أمامنا.. لقد قال آباؤكم – وما زلتم تؤمنون على قولهم- على سبيل المثال أنهم كانوا أبطالا.. الآن.. لو عرض التاريخ الصحيح لاكتشف الرعاع أنهم كانوا جواسيس وخونة.. وليس أمامكم من سبيل إلا تغيير الوقائع وإنكار ما سبق لكم أن تباهيتم به.. نعم.. فالتاريخ كحبل مددناه فالتف حول أعناقنا.. فطبقا لذلك التاريخ.. فما من واحد منكم الآن إلا وهو مجرم.. خان الدين والأمة والتاريخ وباع شهداء شعبه وانقلب على ما كان يقول به أسلافه بل وفى بعض الأحيان هو نفسه... إنها مشكلة خطيرة.. لكن عليكم أن تفهموا أن الصراع بينكم وبين الرعاع والسفلة هو صراع مستمر.. والحبل الذي التف حول أعناقكم.. استديروا ليلتف حول أعناق أعدائكم.. وذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا أعدتم كتابة التاريخ مرة أخرى..
إنكم لن تقوموا بهذا العمل بأنفسكم بالطبع.. سيقوم به بعض خدمكم وخولكم.. وهنا علينا أن ننتقل إلى فئة أخرى لمسناها لمسا سريعا قبل ذلك.. فئة ليست من طبقة الملوك والرؤساء وليست أيضا من طبقة الرعاع والسفلة.. طبقة أخرى.. يمكن أن نطلق عليها مع بعض التجاوز فئة الجنس الثالث.. جنس لا هو من جنس الملوك ولا هو من جنس الرعاع.. جنس يأتي منه النظار و الوزراء والحاشية.. وأقول تجاوزا لأن هذا الجنس يشمل الكثيرين من غير النظار و الوزراء والحاشية .. كرؤساء تحرير الصحف الملكية وبعض كبار الكتاب فيها..وبعض رؤساء الهيئات والمؤسسات .. والمذيعين ومقدمي البرامج كما تشمل فئات أخرى سنتناولها في حينه..
هذا الجنس ليس من السفلة الرعاع وإن نبت فيهم .. ليس منهم لأنه انقلب عليهم.. وهو ليس منا بالطبع .. إنه جنس بين بين.. لا هو من السادة ولا هو من العبيد.. جنس بين بين.. كالخصيان في العصور القديمة.. جنس بين بين.. ولو جاز أن أشبهكم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات بالجياد الأصيلة.. ثم لو جاز لي أن أشبه الرعاع والسفلة بالحمير.. فإن الجنس الثالث هذا .. هو فئة تستولدونها من الحمير لكنها ليست جيادا مثلكم ولا هي حمير مثلهم.. هي البين بين.. فئة لا تستطيع أبدا أن تتحول إلى جياد.. ولا ترضى أبدا أن تعود إلى الحمير..
إنني أعتذر يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات عن فجاجة التعبير..لكننا في علمنا هذا.. علم الرؤساء والملوك.. علينا أن نستفيد من كل منجزات العلم.. وأن نحاكى تقدم الفروع الأخرى.. وأقول نحاكيه.. لأن وضعنا الصعب لا يمكننا من إجراء الدراسات والتجارب في وضح النهار.. وما أندر مراجعنا.. وما أقل التجارب التي تتاح لنا.. لذلك فإن علينا أن نستغل تقدم الفروع الأخرى.. كي نجعل منها محاكيا كمحاكي الطائرة.. الذي يدرب الطيار فيه على ما يمكن أن يوجهه من كوارث وأخطار دون أن تسقط الطائرة.. والطائرة في مثلنا هذا هي الملك أو الرئيس.. الذي لا نستطيع أن نغامر به كي نجرى تجربة.. علينا أن نستعير من دارون مثلا سلمه الحيواني.. وأن نحاكى سلما كسلمه..
إنكم لن تقوموا بهذا العمل بأنفسكم بالطبع.. سيقوم به بعض خدمكم وخولكم.. وهنا علينا أن ننتقل إلى فئة أخرى لمسناها لمسا سريعا قبل ذلك.. فئة ليست من طبقة الملوك والرؤساء وليست أيضا من طبقة الرعاع والسفلة.. طبقة أخرى.. يمكن أن نطلق عليها مع بعض التجاوز فئة الجنس الثالث.. جنس لا هو من جنس الملوك ولا هو من جنس الرعاع.. جنس يأتي منه النظار و الوزراء والحاشية.. وأقول تجاوزا لأن هذا الجنس يشمل الكثيرين من غير النظار و الوزراء والحاشية .. كرؤساء تحرير الصحف الملكية وبعض كبار الكتاب فيها..وبعض رؤساء الهيئات والمؤسسات .. والمذيعين ومقدمي البرامج كما تشمل فئات أخرى سنتناولها في حينه..
هذا الجنس ليس من السفلة الرعاع وإن نبت فيهم .. ليس منهم لأنه انقلب عليهم.. وهو ليس منا بالطبع .. إنه جنس بين بين.. لا هو من السادة ولا هو من العبيد.. جنس بين بين.. كالخصيان في العصور القديمة.. جنس بين بين.. ولو جاز أن أشبهكم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات بالجياد الأصيلة.. ثم لو جاز لي أن أشبه الرعاع والسفلة بالحمير.. فإن الجنس الثالث هذا .. هو فئة تستولدونها من الحمير لكنها ليست جيادا مثلكم ولا هي حمير مثلهم.. هي البين بين.. فئة لا تستطيع أبدا أن تتحول إلى جياد.. ولا ترضى أبدا أن تعود إلى الحمير..
إنني أعتذر يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات عن فجاجة التعبير..لكننا في علمنا هذا.. علم الرؤساء والملوك.. علينا أن نستفيد من كل منجزات العلم.. وأن نحاكى تقدم الفروع الأخرى.. وأقول نحاكيه.. لأن وضعنا الصعب لا يمكننا من إجراء الدراسات والتجارب في وضح النهار.. وما أندر مراجعنا.. وما أقل التجارب التي تتاح لنا.. لذلك فإن علينا أن نستغل تقدم الفروع الأخرى.. كي نجعل منها محاكيا كمحاكي الطائرة.. الذي يدرب الطيار فيه على ما يمكن أن يوجهه من كوارث وأخطار دون أن تسقط الطائرة.. والطائرة في مثلنا هذا هي الملك أو الرئيس.. الذي لا نستطيع أن نغامر به كي نجرى تجربة.. علينا أن نستعير من دارون مثلا سلمه الحيواني.. وأن نحاكى سلما كسلمه..
تحتلون أنتم فيه يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات درجاته العليا.. درجة الإنسان.. أما الرعاع من شعوبكم فهم كالحيوانات البدائية .. كالأميبا.. ولاحظوا دقة التشبيه هنا.. فكلما سحقتموهم نشئوا من جديد.. تماما كالأميبا.. من أصغر جزء يبقى حيا منه ينبتون.. ليعودوا كما كانوا .. لكن السلم بين الأميبا والإنسان لن يكون خاليا.. بل توجد فيه الزواحف والحيات السامة وكلاب الصيد الشرسة والذئاب والثعالب والببغاوات والحمير والبغال والقرود..
كل هذه الفئات يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات هي أدواتكم للسيطرة.. ولكن لاحظوا دائما أن البغل على سبيل المثال لا يستطيع أبدا أن يتحول إلى جواد ولا إلى حمار.. وأن القرد لا يمكن أن يصبح إنسانا ..
إنني أعتذر مرة أخرى عن تشبيهات فجة أخرق بها قواعد الإيتيكيت والبروتوكول - لكننا كما اتفقنا منذ البداية – قد عقدنا جلساتنا السرية هذه خارج كل النطاقات والأعراف لنتدرب على علم لا يعلمه سوانا.. علم الرؤساء والملوك.. وقد يخدش جليل مسامعكم ما أقول.. لكن وضعنا الوعر هو الذي يدفعني لذلك.. وما دفعني لركوب الصعب إلا الأصعب.. ثم أن الضرورات تبيح المحظورات..ونحن نبحث عن شرعية فقدناها منذ قرون.. كان عصرنا الذهبي هو عصر الحق الإلهي لنا.. فمع الديانات المحرفة القديمة كانت صورة الله مشوهة تماما..(كل الأديان كذلك) فهو عاجز يتصارع مع البشر يحب الدماء.. وفى إطار هذه الصورة كان يمكننا أن ننادى بالحق الإلهي في الملك والحكم.. كان يمكننا ذلك مهما بلغت الانحرافات والتشوه والعجز والنقص فينا..
إنني أعتذر مرة أخرى عن تشبيهات فجة أخرق بها قواعد الإيتيكيت والبروتوكول - لكننا كما اتفقنا منذ البداية – قد عقدنا جلساتنا السرية هذه خارج كل النطاقات والأعراف لنتدرب على علم لا يعلمه سوانا.. علم الرؤساء والملوك.. وقد يخدش جليل مسامعكم ما أقول.. لكن وضعنا الوعر هو الذي يدفعني لذلك.. وما دفعني لركوب الصعب إلا الأصعب.. ثم أن الضرورات تبيح المحظورات..ونحن نبحث عن شرعية فقدناها منذ قرون.. كان عصرنا الذهبي هو عصر الحق الإلهي لنا.. فمع الديانات المحرفة القديمة كانت صورة الله مشوهة تماما..(كل الأديان كذلك) فهو عاجز يتصارع مع البشر يحب الدماء.. وفى إطار هذه الصورة كان يمكننا أن ننادى بالحق الإلهي في الملك والحكم.. كان يمكننا ذلك مهما بلغت الانحرافات والتشوه والعجز والنقص فينا..
فالمثل الأعلى الذي ترنو عيوننا إليه كذلك.. مع الإسلام اختلف الوضع.. لقد استطاعوا الحفاظ على صورة الله نقية ومطلقة الصفات مطلقة القدرة.. وعلى هذا فلم ينجح أحد قط تحت عباءة هذا الدين أن يدعى حقا إلهيا.. فالكل بشر.. وليس ثمة معصوم.. كنا قبل ذلك نعطى صكوك الإيمان والغفران ونبيع حتى الجنة..
الآن تحت ظل المفهوم المدمر للإسلام لا أحد – حتى الرؤساء والملوك – يضمن الجنة لنفسه.. ونحن لا نستطيع قبول هذا الوضع.. لكن علينا أن نتعامل معه.. لا بالخضوع ولا بالمواجهة بل بالمداورة والمناورة.. أو – بلغة الرعاع – بالنفاق..
ولنتفق أن الإنسان في سلم دارون مجرد حيوان وأنه يختلف اختلافا جذريا عن إنسان الله.. إنسان الله لا يمكن التعامل معه.. وهو خطر علينا كما وضحت من قبل لكم .. نحن إذن نريد إنسان دارون لا إنسان الله.. إنسان دارون حيوان يمكن دراسته وترويضه كما يتم دراسة وترويض أي حيوان آخر.. في عالم الحيوان نسود.. عالم ما يجعل الأسد فيه أسدا هو قوته.. وما يجعل القرد قردا هي مهارته.. وما يجعل كلب الصيد كلب صيد هي شراسته.. وما يجعل الذئب ذئبا غدره.. وما يجعل البغل بغلا هو صبره واحتماله.. ثم أن البغل لا يلد بغلا.. وهذه ميزة إضافية سيبدو لكم الكثير من آثارها.. ذلك أن ابن الملك يكون ملكا أو أميرا.. وكذلك الرئيس.. وفى طبقة الرعاع يحدث نفس الشئ.. مع الجنس الثالث لا..
الإنسان حيوان.. ولقد حاول بالغيب والخرافة والأساطير أن يتنكر لأصله الحيواني ذلك.. وأن يطول بيده القصيرة المجذوذة الأصابع .. سماوات يصبح فيها أرقى من الملائكة.. لكننا اكتشفنا أن هذا ليس سوى أساطير الأولين..
الإنسان حيوان.. وهو كشريط التسجيل إذا جاز لي التشبيه.. وشريط التسجيل ليس سوى مادة البلاستك معالجة بصور مختلفة.. وشريط التسجيل هذا تستطيع أن تسجل عليه أغنية لأم كلثوم أو سيمفونية لتشايكوفسكى..
ولنتفق أن الإنسان في سلم دارون مجرد حيوان وأنه يختلف اختلافا جذريا عن إنسان الله.. إنسان الله لا يمكن التعامل معه.. وهو خطر علينا كما وضحت من قبل لكم .. نحن إذن نريد إنسان دارون لا إنسان الله.. إنسان دارون حيوان يمكن دراسته وترويضه كما يتم دراسة وترويض أي حيوان آخر.. في عالم الحيوان نسود.. عالم ما يجعل الأسد فيه أسدا هو قوته.. وما يجعل القرد قردا هي مهارته.. وما يجعل كلب الصيد كلب صيد هي شراسته.. وما يجعل الذئب ذئبا غدره.. وما يجعل البغل بغلا هو صبره واحتماله.. ثم أن البغل لا يلد بغلا.. وهذه ميزة إضافية سيبدو لكم الكثير من آثارها.. ذلك أن ابن الملك يكون ملكا أو أميرا.. وكذلك الرئيس.. وفى طبقة الرعاع يحدث نفس الشئ.. مع الجنس الثالث لا..
الإنسان حيوان.. ولقد حاول بالغيب والخرافة والأساطير أن يتنكر لأصله الحيواني ذلك.. وأن يطول بيده القصيرة المجذوذة الأصابع .. سماوات يصبح فيها أرقى من الملائكة.. لكننا اكتشفنا أن هذا ليس سوى أساطير الأولين..
الإنسان حيوان.. وهو كشريط التسجيل إذا جاز لي التشبيه.. وشريط التسجيل ليس سوى مادة البلاستك معالجة بصور مختلفة.. وشريط التسجيل هذا تستطيع أن تسجل عليه أغنية لأم كلثوم أو سيمفونية لتشايكوفسكى..
كما تستطيع أن تسجل عليه آية قرآن أو ترنيمة شيطان..إنني أريد أن أبسط لكم الأمر.. إن البلاستك في شريط التسجيل هو الجزء المادي في الإنسان..هو الجسد.. وليس لدينا حتى الآن رغم كل جهودنا في الهندسة الوراثية القدرة على إجراء تغيير جذري فيه.. وعلى ذلك فإن كل الشرائط متشابهة.. لا فرق بين شريط وشريط.. ما يخلق الفرق هو ما يسجل على الشريط نفسه..هو الآية أو الأغنية أو الترنيمة.. والتي تشكل في مثلنا هذا روح الإنسان.. وإن كل قدرتنا وبراعتنا وواجبنا ودورنا هو أن نمحو التسجيلات القديمة من على الأشرطة.. وأن نسجل مكانها ما نحبه ونرضاه.. لأننا بهذا نعيد تشكيل البشر.. فلا نكتفي بأن نعطى ما لقيصر لقيصر.. بل نأخذ ما لله فنستولي على عباد الله لنجعلهم عبيدنا نحن.. عبيدنا وخولنا وخصياننا..
أجل يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات.. هذه هي لعبتنا الكبرى.. لكن علينا أن ندرك أننا ونحن نفعل ذلك.. فإنما نطلق كل الشياطين من كل عقالاتها.. فعندما ننزع من تلك الشرائط تسجيلاتها .. أو على الأحرى من الأجساد أرواحها .. لنعيد برمجتها من جديد.. فإننا نشبه من يأتي إلى تليفزيون متعدد الأنظمة ليسحب منه البطاقات التي تتعرف على جميع الأنظمة لنضع بطاقة واحدة بنظام جديد.. ماذا سيحدث؟! سيتوقف الجهاز عن استقبال البث الذي كان يستقبله في الماضي.. وسيستقبل فقط ما نبثه نحن فيه.. أو كأنك جئت بفأر تجارب ورحت تستأصل من مخه مركز الإبصار فلا يرى.. أو مركز السمع فلا يسمع.. أو مركز الخوف فلا يخاف .. وهذا الأمر ليس بسيطا حتى مع الفئران.. فما بالكم به مع الإنسان.. خاصة إذا كنا لن نستأصل لحما وشرايين وأوردة ومراكز عصبية بل صفات معنوية.. نعم .. إننا لن نكف عن المحاولات كي نستأصل من أرواح الرعاع مراكز الغيب والشجاعة والأمانة والشرف والنزاهة والأمانة والشكر والعرفان والامتنان والوفاء والصبر والرحمة والتواضع وتوقير الكبير ورحمة الصغير والاحترام والجود والكرم والتعفف والقيام بحقوق الأبناء وبر الوالدين وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر و إكرام الجار وحسن المعاملة وإنفاق المال في حقه وكف الأذى عن الناس و إماطته عن الطريق.. سوف نحاول أن نفعل ذلك.. وسننجح وسنفشل.. فأما من نفشل معهم فيكفينا أننا زلزلنا يقينهم.. وأما من ننجح معهم فأولئك هم من سنصطفيهم وزراء ونظارا وحاشية وكبار كتاب ورؤساء للهيئات والمصالح.. وهؤلاء لن يحسوا بأي صفة من الصفات التي نزعناها منهم تماما كما تعجز العين المصابة بعمى الألوان عن تمييز الألوان..
أجل يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات.. هذه هي لعبتنا الكبرى.. لكن علينا أن ندرك أننا ونحن نفعل ذلك.. فإنما نطلق كل الشياطين من كل عقالاتها.. فعندما ننزع من تلك الشرائط تسجيلاتها .. أو على الأحرى من الأجساد أرواحها .. لنعيد برمجتها من جديد.. فإننا نشبه من يأتي إلى تليفزيون متعدد الأنظمة ليسحب منه البطاقات التي تتعرف على جميع الأنظمة لنضع بطاقة واحدة بنظام جديد.. ماذا سيحدث؟! سيتوقف الجهاز عن استقبال البث الذي كان يستقبله في الماضي.. وسيستقبل فقط ما نبثه نحن فيه.. أو كأنك جئت بفأر تجارب ورحت تستأصل من مخه مركز الإبصار فلا يرى.. أو مركز السمع فلا يسمع.. أو مركز الخوف فلا يخاف .. وهذا الأمر ليس بسيطا حتى مع الفئران.. فما بالكم به مع الإنسان.. خاصة إذا كنا لن نستأصل لحما وشرايين وأوردة ومراكز عصبية بل صفات معنوية.. نعم .. إننا لن نكف عن المحاولات كي نستأصل من أرواح الرعاع مراكز الغيب والشجاعة والأمانة والشرف والنزاهة والأمانة والشكر والعرفان والامتنان والوفاء والصبر والرحمة والتواضع وتوقير الكبير ورحمة الصغير والاحترام والجود والكرم والتعفف والقيام بحقوق الأبناء وبر الوالدين وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر و إكرام الجار وحسن المعاملة وإنفاق المال في حقه وكف الأذى عن الناس و إماطته عن الطريق.. سوف نحاول أن نفعل ذلك.. وسننجح وسنفشل.. فأما من نفشل معهم فيكفينا أننا زلزلنا يقينهم.. وأما من ننجح معهم فأولئك هم من سنصطفيهم وزراء ونظارا وحاشية وكبار كتاب ورؤساء للهيئات والمصالح.. وهؤلاء لن يحسوا بأي صفة من الصفات التي نزعناها منهم تماما كما تعجز العين المصابة بعمى الألوان عن تمييز الألوان..
نعم .. تلكم هي حاشيتكم المصطفاة التي لا تدرك فارقا بين الجهاد والإرهاب.. ولا بين السفه والكرم.. ولا.. ولا.. ولا.. فئة لا تعرف كيف يكون الإنسان أمينا أو شجاعا أو وفيا.. لأنها لا نعرف أصلا ما هي الأمانة أو الشجاعة أو الكرم.. هذه الفئة.. هي الحامية لكم..المنفذة لأغراضكم .. هي الفئة العالية في سلم دارون ولا يعلوها إلا أنتم.. و ما دمنا قد وصلنا إلى هذه النقطة.. علينا ألا نخجل أو نستهجن أن الإنسان حيوان يحمل صفات الحيوان.. وفى عالم الحيوان لا توجد المودة والمرحمة إلا بين الأم وأبنائها.. مع شذوذ عن القاعدة هنا وهناك.. لا يمكن أن ترى أسدا يحترم أسدا.. أو قردا يفي بالوعد لقرد.. أو كلبا ينكص – أمانة – عن التهام قطعة من اللحم لأنها لا تخصه بل تخص رفيقه.. أو حوتا كبيرا يحنو على سمكة صغيرة.. إن القوة هي القانون وهى المنطق وهى العدل.. وحتى الأسد.. إذا ما فقد قوته.. فإن أحقر جرذ يستطيع أن يسخر منه..
هل ما زلت في حاجة للاعتذار لكم عن الأسلوب الذي استخدمته كي أشرح لكم وأفسر؟..
هل كان يمكن أن أستعمل لغة أخرى؟!..
لم أجد – يا فخامة ويا جلالة- تعبيرات أخرى كي أصف وأوصف بها الجنس الثالث.. وهو جنس من أهم ما يكون.. إنه لسانكم الذي تكذبون به.. ويدكم التي تبطشون بها.. وسمعكم الذي يمدكم بدبيب رعاياكم..وسوطكم الذي تلهبون به ظهورهم.. وصوتكم الذي تزيفون به وعيهم.. وعينكم التي تحصى حركات الرعاع – وبالمناسبة هل سبق لكم أن لاحظتم تشابه الكلمتين: رعايا ورعاع-.. نعم .. علىّ أن أحدثكم عن هذا الجنس كثيرا..
إن بعض ما قلناه عن ولى العهد أو نائب الرئيس ينطبق عليه.. بعضه فقط.. فأقصى طموح للوزير أو لرجل الحاشية – على سبيل المثال - هو أن يبقى في منصبه.. ويظل طيلة احتفاظه بمنصبه.. مهموما بهاجس الإقالة.. مرعوبا من غضب سيده ومولاه عليه.. ومدركا في الوقت نفسه .. أنه ما من رئيس تحرير قد أصبح ملكا أو رئيسا.. و ما من وزير قد عاد إلى طبقة الرعاع.. إنه بذلك محاصر.. وهذا المحاصر هو أفضل من يلبى مطالبكم ..
إن وزيرا منزوع مراكز الروح بهذه المواصفات وبهذه الصفات فقط هو الذي يمكن أن يزور لكم الانتخابات والمبايعات والاستفتاءات كلما شئتم..
ورئيس تحرير أو مقدم برامج من هذا النوع هو الذي يستطيع أن يكذب ويكذب ويكذب بلا نهاية وبلا خجل مهما انكشف كذبه..
وواحد من هذا النوع هو الذي يستطيع تجفيف المنابع فيغير مناهج التعليم كما شئتم ثم يقسم أمام الناس أن شيئا لم يتغير..
وآخر من هذا النوع يصدر لكم من القوانين ما شئتم بل ومن الفتاوى ما أردتم..
وواحد من الجنس الثالث هو الذي يستطيع أن يأمر بالتعذيب دون أية بادرة لتأنيب ضمير- فهو منزوع الضمير- .. ويكشف العالم كله فضائحه فلا يطرف له جفن ويواصل الإنكار تلو الإنكار..
إن الأمثلة بلا نهاية .. وسوف أعود إليها بعد ذلك.. لكن هناك عددا من النقاط أريد أن أركز عليها الآن:
• إن هذه الطبقة مأمونة جدا.. فإن عزل وزير أو رئيس تحرير أسهل من فصل جندي مطافئ أو عامل في مطبعة..
• أنتم الأسود وهم حيوانات أدنى يقتاتون على بقاياكم.. وتكلفتهم بالتالي زهيدة جدا .. ولقد أجرينا إحصاء ذات مرة فاكتشفنا أن ما يحصل عليه مائة وزير ومائة رئيس تحرير ومائة مذيع ومائة رئيس جامعة ومائة شيخ ومائة رئيس هيئة ومائة رئيس مؤسسة.. ما يحصل عليه كل أولئك من موازنة الدولة – شاملا الأموال المهربة للخارج وأموال العمولات وأموال المشروعات الصورية - أقل مما يحصل عليه نجل الملك الأصغر الذي لم يكن حتى وليا للعهد..
• أن هذا الجنس لا يحمل أي خطورة حقيقية عليكم.. فليس ثمة تأييد حقيقي ولا احترام لهم.. فالرعاع يكرهونهم وأنتم تمتهنونهم .. وكراهية الرعاع لهم يتيح لكم صمامات أمان لا حد لها.. حين يروح الرعاع والسفلة يمارسون معهم نوعا من التصريف اللفظي عن الغضب.. وهذا التصريف الدائم هو الذي يمنع تحول الغضب إلى ثورة .. ثم أن الرعاع والسفلة يوجهون إلى هذه الطبقة كل السباب والاحتقار والاتهامات التي لا يجرءون على توجيهها مباشرة إليكم.. فهؤلاء الرعاع عندما يتهمون وزيرا بالفساد فإنما يقصدونكم أنتم .. وعندما يتحدثون عن الرشوة.. فإنهم لا يقصدون الفتات الذي يحصل عليه الجنس الثالث.. بل يقصدون ما يحصل عليه الملك وآل الملك من ثروات البلاد.. وتلك وظيفة أخرى عظيمة القيمة يقوم بها الجنس الثالث.. كقميص يقي من الرصاص.. وهى وظيفة عليكم أن تشجعوها.. ولتحفل أكبر صحفكم بأفدح هجوم على مسئول كبير من أبناء الجنس الثالث.. هجوم لا يتوقف.. وسخرية لا تمل.. فرجل الجنس الثالث هنا يتلقى الطعنات نيابة عنكم.. ورئيس التحرير الذي ينشر ذلك إنما يقدم الرشوة للرعاع.. الذين يريدون توجيه هذه الكلمات لكم.. لكن توجيهها إلى رجل الجنس الثالث ذاك.. يقدم للرعاع عزاء.. ويلهيهم عنكم..
• إن الرعاع كثيرا ما يكشفون عن عبقرية في الوصول إلى الحقائق.. ولولا جهودكم وجهود الجنس الثالث معكم في تشتيت هذه العبقرية وتضليلها لساءت عواقب الأمور.. ومن لمحات الذكاء النادر تلك .. ما حدث في الشقيقة مصر إبان الحملة الفرنسية.. حين باع شيخ كبير من شيوخ الأزهر شرفه لنابليون.. لا أتحدث بالمجاز بل أعنى الحقيقة المجردة.. أعنى أنه اتخذ نابليون عشيقا لابنته .. وكان اسمها زينب.. ابنة الشيخ البكري.. وكانت خلواتهما تتم تحت بصره.. وبعد هزيمة الحملة الفرنسية رجم الرعاع الدهماء الإرهابيون المتخلفون المتطرفون الهمج زينب أمام أبيها.. ولم يمسوه هو بسوء.. ( والدرس: كانت زينب صمام أمان وواق من الخطر) .. ثم أن هؤلاء الرعاع كانوا يتجمعون أمام بيت أبيها وينشدون أنشودة بذيئة تقول: " شد العمة شد.. تحت العمة قرد!!" .. وكانت هذه لمحة عبقرية جعلت أساتذتنا يخشون من توصل هؤلاء الرعاع إلى الأفكار التي شرحتها لكم في بداية هذه المحاضرة عن الإنسان الأسد والإنسان القرد والإنسان البغل والإنسان الحمار.. ( درس آخر: إلى أي مدى يمكن أن يصل حتى شيخ في الأزهر إذا أحسنتم الإعداد والتدريب).. ( درس ثالث: عندما تصادفون مثل هذا الشيخ في أي مجال فعليكم بدفعه إلى أرقى المناصب)..
• لا يحدث إلا في أحوال نادرة أن يمد واحد من هؤلاء جذوره إلى الخارج ليستمد التأييد والعون.. وحتى هذا النمط لا يشكل في أغلب الأحيان أي خطر.. فجذوركم أنتم أيضا ممتدة إلى الخارج تستعينون به على هزيمة رعاياكم .. لكنه في أحوال قليلة جدا يمثل خطرا.. وعليكم التصرف معه كما تتصرفون مع الرجل الثاني..
• إنني رغم كل ما طمأنتكم به عن هذه الطبقة لا بد أن أحذركم أن الخطر أحيانا يأتي منها.. ولعلكم تذكرون زميلكم خمارويه رحمه الله.. وكان كما لابد تذكرون واحدا من أعظم ملوك الدولة الطولونية.. وكان صهرا للخليفة في بغداد بعد أن زوجه بابنته قطر الندى في حفل ما زالت أصداؤه تتردد في أنحاء المعمورة.. خمارويه هذا أنهى ملكه .. بل ودولته بعد ذلك.. عبد خصي كان قد اصطفاه وزيرا .. وخان العبد فذبح مولاه ذبح الشاة..
يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات.. مازال هناك الكثير جدا الذي أريد أن أقوله لكم في هذا البروتوكول.. لكنني أراكم تتثاءبون.. فإلى الجلسة القادمة..
هل ما زلت في حاجة للاعتذار لكم عن الأسلوب الذي استخدمته كي أشرح لكم وأفسر؟..
هل كان يمكن أن أستعمل لغة أخرى؟!..
لم أجد – يا فخامة ويا جلالة- تعبيرات أخرى كي أصف وأوصف بها الجنس الثالث.. وهو جنس من أهم ما يكون.. إنه لسانكم الذي تكذبون به.. ويدكم التي تبطشون بها.. وسمعكم الذي يمدكم بدبيب رعاياكم..وسوطكم الذي تلهبون به ظهورهم.. وصوتكم الذي تزيفون به وعيهم.. وعينكم التي تحصى حركات الرعاع – وبالمناسبة هل سبق لكم أن لاحظتم تشابه الكلمتين: رعايا ورعاع-.. نعم .. علىّ أن أحدثكم عن هذا الجنس كثيرا..
إن بعض ما قلناه عن ولى العهد أو نائب الرئيس ينطبق عليه.. بعضه فقط.. فأقصى طموح للوزير أو لرجل الحاشية – على سبيل المثال - هو أن يبقى في منصبه.. ويظل طيلة احتفاظه بمنصبه.. مهموما بهاجس الإقالة.. مرعوبا من غضب سيده ومولاه عليه.. ومدركا في الوقت نفسه .. أنه ما من رئيس تحرير قد أصبح ملكا أو رئيسا.. و ما من وزير قد عاد إلى طبقة الرعاع.. إنه بذلك محاصر.. وهذا المحاصر هو أفضل من يلبى مطالبكم ..
إن وزيرا منزوع مراكز الروح بهذه المواصفات وبهذه الصفات فقط هو الذي يمكن أن يزور لكم الانتخابات والمبايعات والاستفتاءات كلما شئتم..
ورئيس تحرير أو مقدم برامج من هذا النوع هو الذي يستطيع أن يكذب ويكذب ويكذب بلا نهاية وبلا خجل مهما انكشف كذبه..
وواحد من هذا النوع هو الذي يستطيع تجفيف المنابع فيغير مناهج التعليم كما شئتم ثم يقسم أمام الناس أن شيئا لم يتغير..
وآخر من هذا النوع يصدر لكم من القوانين ما شئتم بل ومن الفتاوى ما أردتم..
وواحد من الجنس الثالث هو الذي يستطيع أن يأمر بالتعذيب دون أية بادرة لتأنيب ضمير- فهو منزوع الضمير- .. ويكشف العالم كله فضائحه فلا يطرف له جفن ويواصل الإنكار تلو الإنكار..
إن الأمثلة بلا نهاية .. وسوف أعود إليها بعد ذلك.. لكن هناك عددا من النقاط أريد أن أركز عليها الآن:
• إن هذه الطبقة مأمونة جدا.. فإن عزل وزير أو رئيس تحرير أسهل من فصل جندي مطافئ أو عامل في مطبعة..
• أنتم الأسود وهم حيوانات أدنى يقتاتون على بقاياكم.. وتكلفتهم بالتالي زهيدة جدا .. ولقد أجرينا إحصاء ذات مرة فاكتشفنا أن ما يحصل عليه مائة وزير ومائة رئيس تحرير ومائة مذيع ومائة رئيس جامعة ومائة شيخ ومائة رئيس هيئة ومائة رئيس مؤسسة.. ما يحصل عليه كل أولئك من موازنة الدولة – شاملا الأموال المهربة للخارج وأموال العمولات وأموال المشروعات الصورية - أقل مما يحصل عليه نجل الملك الأصغر الذي لم يكن حتى وليا للعهد..
• أن هذا الجنس لا يحمل أي خطورة حقيقية عليكم.. فليس ثمة تأييد حقيقي ولا احترام لهم.. فالرعاع يكرهونهم وأنتم تمتهنونهم .. وكراهية الرعاع لهم يتيح لكم صمامات أمان لا حد لها.. حين يروح الرعاع والسفلة يمارسون معهم نوعا من التصريف اللفظي عن الغضب.. وهذا التصريف الدائم هو الذي يمنع تحول الغضب إلى ثورة .. ثم أن الرعاع والسفلة يوجهون إلى هذه الطبقة كل السباب والاحتقار والاتهامات التي لا يجرءون على توجيهها مباشرة إليكم.. فهؤلاء الرعاع عندما يتهمون وزيرا بالفساد فإنما يقصدونكم أنتم .. وعندما يتحدثون عن الرشوة.. فإنهم لا يقصدون الفتات الذي يحصل عليه الجنس الثالث.. بل يقصدون ما يحصل عليه الملك وآل الملك من ثروات البلاد.. وتلك وظيفة أخرى عظيمة القيمة يقوم بها الجنس الثالث.. كقميص يقي من الرصاص.. وهى وظيفة عليكم أن تشجعوها.. ولتحفل أكبر صحفكم بأفدح هجوم على مسئول كبير من أبناء الجنس الثالث.. هجوم لا يتوقف.. وسخرية لا تمل.. فرجل الجنس الثالث هنا يتلقى الطعنات نيابة عنكم.. ورئيس التحرير الذي ينشر ذلك إنما يقدم الرشوة للرعاع.. الذين يريدون توجيه هذه الكلمات لكم.. لكن توجيهها إلى رجل الجنس الثالث ذاك.. يقدم للرعاع عزاء.. ويلهيهم عنكم..
• إن الرعاع كثيرا ما يكشفون عن عبقرية في الوصول إلى الحقائق.. ولولا جهودكم وجهود الجنس الثالث معكم في تشتيت هذه العبقرية وتضليلها لساءت عواقب الأمور.. ومن لمحات الذكاء النادر تلك .. ما حدث في الشقيقة مصر إبان الحملة الفرنسية.. حين باع شيخ كبير من شيوخ الأزهر شرفه لنابليون.. لا أتحدث بالمجاز بل أعنى الحقيقة المجردة.. أعنى أنه اتخذ نابليون عشيقا لابنته .. وكان اسمها زينب.. ابنة الشيخ البكري.. وكانت خلواتهما تتم تحت بصره.. وبعد هزيمة الحملة الفرنسية رجم الرعاع الدهماء الإرهابيون المتخلفون المتطرفون الهمج زينب أمام أبيها.. ولم يمسوه هو بسوء.. ( والدرس: كانت زينب صمام أمان وواق من الخطر) .. ثم أن هؤلاء الرعاع كانوا يتجمعون أمام بيت أبيها وينشدون أنشودة بذيئة تقول: " شد العمة شد.. تحت العمة قرد!!" .. وكانت هذه لمحة عبقرية جعلت أساتذتنا يخشون من توصل هؤلاء الرعاع إلى الأفكار التي شرحتها لكم في بداية هذه المحاضرة عن الإنسان الأسد والإنسان القرد والإنسان البغل والإنسان الحمار.. ( درس آخر: إلى أي مدى يمكن أن يصل حتى شيخ في الأزهر إذا أحسنتم الإعداد والتدريب).. ( درس ثالث: عندما تصادفون مثل هذا الشيخ في أي مجال فعليكم بدفعه إلى أرقى المناصب)..
• لا يحدث إلا في أحوال نادرة أن يمد واحد من هؤلاء جذوره إلى الخارج ليستمد التأييد والعون.. وحتى هذا النمط لا يشكل في أغلب الأحيان أي خطر.. فجذوركم أنتم أيضا ممتدة إلى الخارج تستعينون به على هزيمة رعاياكم .. لكنه في أحوال قليلة جدا يمثل خطرا.. وعليكم التصرف معه كما تتصرفون مع الرجل الثاني..
• إنني رغم كل ما طمأنتكم به عن هذه الطبقة لا بد أن أحذركم أن الخطر أحيانا يأتي منها.. ولعلكم تذكرون زميلكم خمارويه رحمه الله.. وكان كما لابد تذكرون واحدا من أعظم ملوك الدولة الطولونية.. وكان صهرا للخليفة في بغداد بعد أن زوجه بابنته قطر الندى في حفل ما زالت أصداؤه تتردد في أنحاء المعمورة.. خمارويه هذا أنهى ملكه .. بل ودولته بعد ذلك.. عبد خصي كان قد اصطفاه وزيرا .. وخان العبد فذبح مولاه ذبح الشاة..
يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات.. مازال هناك الكثير جدا الذي أريد أن أقوله لكم في هذا البروتوكول.. لكنني أراكم تتثاءبون.. فإلى الجلسة القادمة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق