ماذا يقول الخروف الآن؟
وائل قنديل
دخل ممدوح حمزة، وفي يده خروف، إلى استوديو برنامج يقدمه الممثل هاني رمزي في مساء ذلك اليوم، الخامس والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 2012، في ذروة الاستقطاب السياسي، والحشد العنصري، والحشو الطائفي، المصاحب لأحداث قصر الاتحادية، واعتماد ثنائية (المصريون والخرفان) أساساً فكرياً لمشروع الانقلاب على محمد مرسي.
في تلك الليلة، دخل حمزة ورمزي في منافسة طاحنة على اصطياد "الإيفيهات"، الأكثر سخرية من المدافعين عن شرعية الرئيس محمد مرسي، والأكثر حصداً لصيحات الإعجاب وهتافات الكراهية، داخل المعسكر الآخر الذي كان يترقب موعد الذكرى الثانية لثورة يناير، لتكون اليوم الأخير في عمر تجربة أول رئيس منتخب.
كانت رائحة العنصرية تفوح بكل عفنها، من كل جنبات الاستوديو، يختلط فيها الديني بالمجتمعي بالحزبي، إذ كان استحضار الخروف إلى الإعلام في إطار الاستهزاء بالجمهور المؤيد للرئيس، أو كما اعتبره ثنائي الاستوديو ضرورة درامية، لتناول فكرة "السمع والطاعة"، إذ قال ممدوح حمزة وقتها إنه لا يستبعد أن تكون الخرفان تتغذى على "الزيت والسكر"، في اللحظة التي كان فيها هاني رمزي يقدم للخروف هدية بسيطة من البرسيم.
في ذلك الوقت، تقدم أحد المؤيدين للرئيس محمد مرسي ببلاغ للنيابة ضد هذه الإهانة العنصرية المجسدة بالصور التلفزيونية، فلم يلتفت إليه أحد، كما لم يكلّف واحد من النقاد والمعلقين نفسه عناء الكتابة عن "الحادثة التلفزيونية" الأكثر انحطاطاً في مسيرة إعلام الثورة المضادة.
اترك 2012 وانتقل إلى 2015، وامسك بالريموت كونترول، وقف عند أي قناة من القنوات المؤيدة لعبد الفتاح السيسي، ستسمع سباباً قبيحاً لكل من يعارضه يطال الأب والأم، واتهاماً بالخيانة والعمالة والطعن في الشرف وانتهاك للأعراض، في ظل يقين بأن أحداً لن يعاقب على جريمة، ما دامت ترتكب لصالح عبد الفتاح السيسي ونظامه.
وتصلح واقعة أسامة الغزالي حرب (صهر ممدوح حمزة) مع أحمد موسى، نموذجاً صارخاً على أن لا كرامة ولا حق لأحد في مصر، من المنتسبين لثورة يناير الذين هم، بنظر الإعلام والقضاء وقانون دولة السيسي، أعداء الشعب. وكما تعلم، تقول القاعدة الاستبدادية الخالدة "كل الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب"، وأعداء الشعب، حسب الثابت من أحكام القضاء السيسي، هم جمهور "مؤامرة يناير".
الآن ممدوح حمزة الذي صال وجال بالخروف على الهواء مباشرة، في تحدٍ مهين للرئيس المنتخب ومؤيديه، لا يستطيع الوصول إلى صحيفة أو برنامج تلفزيوني يشكو فيه وجيعته من محاربة دولة العسكر له في شغله، بالاستشارات الهندسية، ولا يجد بداً من رفع الراية البيضاء أمام جبروت العسكر، فيمارس نوعاً من الأنين الخافت بين موظفي شركته، معلناً انسحابه واعتزاله العمل.. فيما لا يستطيع صهره، أسامة الغزالي حرب، أن يفتح فمه بعد إذلاله قضائياً، في معركته مع أحد أطفال الثورة المضادة المدللين، بينما لا يزال عمرو حمزاوي يفكر في طريقة للرحيل عن مصر، فيما تكسرت أجنحة طيور الإعلام الكواسر التي كانت تنهش في محمد مرسي ونظامه، انطلاقاً من قواعد مؤمّنة عسكرياً وشرطياً، كانت توفر لها الحماية. وبعد أن نجحت مهمة إسقاط الرئيس/ ذبح الثورة، أصيب الزاعقون بالخرس، منهم من هاجر، ومنهم من اختبأ في أحراش السكوت، ومنهم من يلطم الخدود، ويشق الصدور على "الشقة التي ضاعت".
ونحن نقترب من الذكرى الثالثة لجريمة الانقضاض على ثورة يناير، لا أستطيع أن أنسى تلك المقولة الخالدة للزعيم، نجيب ساويرس، على موقع "تويتر"، حين كتب "صباح النصر على الاحتلال"، كما لا تزال الأدوار الجبارة التي قام بها حمدين صباحي لفتح ميدان التحرير لاستقبال فلول دولة مبارك، ولا محاولات محمد البرادعي لاستقطابهم حزبياً وسياسياً.. لا تزال محفورة في ذاكرة التاريخ.
غير أن الأكثر إلحاحاً على الذاكرة يبقى مشهد ممدوح حمزة مع هاني رمزي، وبينهما الخروف.. ماذا يقول الخروف بعد أكثر من عامين على إطلالته التلفزيونية المبهرة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق