بدايةً نبارك للأمة الإسلامية حلول عيد الفطر المبارك، ونسأله تعالى أن يتقبل منها الصيام والقيام، وأن يعمم أمنه ورحمته على الضعفاء والمظلومين، وينصر المجاهدين المخلصين ويُهلك الطغاة والظالمين.
ثم لا نجد وصية نوصي بها أمتنا خيراً من قوله تعالى للمؤمنين: "خذوا حِذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا"، لا خيرَ من هذه الوصية القرآنية في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة التي تكالب فيها الأعداء والأشرار عليها، بل تكاثر فيها العدوان والإجرام من جهات شتى وطوائف متعددة.
نوصي بهذه الوصية وذلك بعد مسيرة اثني عشر عاماً في رصد مكر ومخططات ومؤامرات الفرق الضالة والملل الكافرة تجاه الأمة المسلمة، ومحاولة توعية المسلمين بحقيقة الأخطار وكيفية التصدي لها بالحكمة والعمل الإيجابي المثمر والنافع، بعيداً عن ردّات الفعل العاطفية والأعمال الطائشة التي تضر أكثر مما تنفع.
نقدم هذه الوصية لأمتنا ونحن نوشك على التوقف خلال شهرين رغماً عن رغبتنا بسبب انعدام الموارد التي تلزم لبقاء الراصد يقوم بدوره الرائد والسباق في هذا الباب، والله المستعان.
المهم إذا كان العقد الأخير من القرن الماضي قد شهد تغيراً كبيراً في استراتيجية حرب الإسلام تمثلت في الهجوم على الإسلام من داخله بدلاً من الهجوم على الإسلام من الخارج، فشهدنا تحولاً كبيراً في اتجاهات رموز اليسار والعلمانية والحداثة من مهاجمة الإسلام بوقاحة ودناءة، إلى محاولة احتكار التحدث باسم الإسلام والعمل على إعادة تفسيره بما يتوافق مع الرؤى اليسارية والحداثية وهدم أي صلة بالفهم السابق والمستقر عند العلماء والمسلمين، وهي الاستراتيجية التي دعيت "بالانبثاق من خصوصيات المجتمع" ليسهل هدمه ونقضه!
وقد نجحت هذه الاستراتيجية في استقطاب مجاميع من الشباب المسلم بسبب جهله الشرعي وافتتانه بالمفاهيم الوافدة التي لم تجد مبكراً جهداً نقدياً إسلامياً مخلصاً وسليماً، فملأت الساحة الثقافية زمناً حتى قيّض الله عز وجل لها من العلماء والمفكرين والباحثين مَن نقضها وأبطلها والحمد لله، ولكن لا يزال الأمر بحاجة للمزيد ومتابعة هدم الجديد من التزوير والتحريف.
هذا كان في نهاية القرن الماضي، أما اليوم فنحن على أعتاب مرحلة جديدة تكاد تكون خطوطها العامة في محاربة الإسلام تتمثل في ثلاثة مسارات:
المسار الأول: استنساخ استراتيجية "الانبثاق من خصوصيات المجتمع" وتطبيقها على الفصائل المجاهدة والمقاومة للطغيان وخاصة ضد العدوان الإيراني الشيعي الطائفي، وضد إسرائيل، ويتمثل ذلك في رعاية وتوظيف وإدامة نموذج داعش، لضرب فصائل الجهاد والثورة، وحماية دول وأنظمة الطغيان، وإدخال المسلمين في دوامة تخريب داخلية باسم الجهاد!
ولذلك أصبحنا نلاحظ في كل بقعة تعرض فيها المسلمون للظلم والعدوان، فقاموا بحماية أنفسهم وعجز الأعداء عن القضاء عليهم، تظهر داعش، لا لترد العدوان، بل لتحارب وتهاجم النبلاء المدافعين عن الإسلام وأهله بدعوى أولوية محاربة المرتدّين!!
المسار الثاني: إعلان الكفار عن اعتمادهم على بعض رموز وهيئات التصوف الغالي في ترسيخ الإسلام الذي يشتهونه، ذلك الإسلام الذي لا يُطالب بالحقوق ولا يدافع عن الحرمات، ويتعايش مع الظلم والعدوان، وينبذ أي تطلع للكرامة والعدل والحرية، وذلك كله تحت شعارات الاعتدال والوسطية، والتعايش والسلمية، وضرورة المرحلة وحالة الضعف.
إسلام لا يتجاوز الشأن الشخصي الروحي، فلا مكان فيه للدعوة إلى الله عز وجل ولا للأمر بالمعروف والخير والنهي عن المنكرات التي تغزو ديارنا بكل صفاقة وسماجة، تريد نشر الفحش في كل بيت وتريد نزع الإسلام من كل قلب.
المسار الثالث: إعادة التفاهم الغربي الإيراني على تقاسم كعكتنا فيما بينهم، فبرغم الخلاف بينهم طيلة السنوات الماضية، إلا أنها لم تصل لمرحل خلاف وجود، وكان يتم إدارة الخلاف، حتى وصلنا اليوم لمرحلة إدارة التوافق فيما يبدو!
وهذه الخطوط الثلاثة الرئيسة يتفرع عنها خطوط فرعية وبعضها يجري في داخل بلادنا وبين أفرادنا، ومنهم المخدوع الساذج الذي يتم توظيفه دون شعور منه، وآخرون دهاة مكرة مدركون لحقيقة الأمور وفرحون بها.
فعلى المسلمين اليوم -مسؤولين وعلماء وعامة- الحذر الحذر مما يجرى ويُخطط له، فجميعهم مستهدف بهذه المخططات، التي لا ترى فيها مكانا لهم إلا عبيدا خانعين لمخططاتهم، أو أمواتا تحت الأرض إن رفضوا وقاوموا.
ولكن هذه المخططات ليست قدراً لا مفر منه ولا راد له، لكنها رؤية وخطة أنفق عليها الكثير من الوقت والجهد والمال، ولن يبطلها إلا رؤية وخطة مناقضة لها ويبذل في سبيلها ما استطعنا من وقت وجهد ومال، وهذه سنة الله عز وجل التي وضعها لعباده في الأرض، فمن أخذ بها سعد وفلح، ومن تنكبها كتبت عليه الخسارة والذل.
ومن هنا فإن الواجب على الجميع وخاصة أهل العلم والقرار ما يلي:
1- الوعي بما يدبر من مخططات ومؤامرات وصفها الله عز وجل بقوله "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال"، وهذا يحتاج إلى متابعة ورصد واستشراف، وجزء كبير من مشكلة داعش والحوثيين في اليمن هي من قلة الوعي، بحقيقة أفكارهم وارتباطاتهم ودورهم، ورغم أن الكثير من الدول والجماعات والعلماء اليوم هم ضد داعش والحوثيين، إلا أنهم ليسوا على وعي كامل بحقيقتهم، ولذلك تجد الصف السني لا يزال منقسماً في التعامل معهم على مستوى الدول وعلى مستوى الجماعات وعلى مستوى العلماء، وهذا التشتت هو أكبر داعم لبقاء داعش والحوثيين وأمثالهم الذين يعيثون في الأرض فساداً.
2- وبعد الوعي يأتي دور التفكير والتخطيط للعمل والمقاومة، ولا بد أن يكون التفكير والتحليل مرتكزين على معلومات صحيحة ومناهج تحليل سليمة، فالخلل في صحة المعلومة وسلامة التحليل كانا السبب في كثير من الكوارث على الأمة الإسلامية، فالمعلومات المغلوطة الشائعة عن الشيعة من كونهم معتدلين ولا فرق بيننا وبينهم وأنه خلاف فقهي محتمل كان سببا لضلال آلاف المسلمين، والتحليل الساذج للسياسات الطائفية لإيران والقوى الشيعية كلفنا دماء مئات الآلاف من الأبرياء.
3- وبعد ذلك تأتي المبادرة للتنفيذ بحكمة ومسؤولية، فكم كان التواني سببا لحلول البلاء والمصائب، وكم كان الاستعجال والتهور جالباً للمشكلات وهادماً للإنجازات.
4- ويجب أن يستصحب في جميع ذلك الحفاظ على المكاسب الموجودة والمقدرات القائمة والعلاقات المفيدة، والحذر من أي صدام مفتعل بين المسؤولين والعلماء والعامة، فهذا لب هذه المخططات القائم على تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، فالمهمة جسيمة والمطلوب كبير، ومن الخلل الكبير أن نزيد ضعفنا بدلاً من أن نقويه.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ أمتنا وييسر لها رجالاً مخلصين يذودون عن حماها ويفدُونها بأرواحهم ودمائهم على وعي وبصيرة يكتب لهم الله بها الأجر وللأمة النصر والرفعة، اللهم آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق