ما التطور القادم بين إيران وسوريا والعراق؟
ياسر الزعاترة
في تصريح لافت قبل أيام لعلي أكبر ولايتي، رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية بمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، قال الرجل إن وزير الداخلية السوري زار طهران مؤخرا وتقرر خلال الزيارة «عقد اجتماع ثلاثي بين وزراء الداخلية للدول الثلاث، إيران والعراق وسوريا، في القريب العاجل، حول قضية محاربة الإرهاب».
وأضاف ولايتي: «أعتقد أن الاجتماع الثلاثي المشترك سيشكل أهم تطور في المنطقة، نظرا لآثاره المهمة، سواء في النظرة المشتركة للإرهاب، أو لسبل مواجهته».ولم يترك ولايتي فرصة للكثير من التكهنات كما فعل زملاؤه في النظام الإيراني ممن تحدثوا في هذا الشأن سابقا، مثل عبداللهيان وغيره، فقد أوضح أن من المحتمل أن تصل الدول الثلاث إلى إبرام «معاهدة مشتركة»، لكنه كان ديمقراطيا أكثر من اللازم حين رأى بأن هذا الأمر «لو حصل» فإنه «ينبغي أن يمر بمراحله القانونية في الدول الثلاث».
كثر الحديث في الأيام الماضية عن اللقاء المذكور، الذي تم التوافق على تسميته بالاجتماع الثلاثي، ولو كانت للحوثيين ومخلوعهم في اليمن حكومة شرعية معترف بها لأصبح الاجتماع رباعيا بكل تأكيد، مع العلم أن لبنان مشارك عمليا في الاجتماع عبر حزب الله الذي يتلقى أوامره من «الولي الفقيه»، وهو هنا لا يحتاج للتصديق على المعاهدة أو الاتفاق عبر مجلس النواب، بدليل أنه يطبق الجزء المتعلق به منه على الأرض من دون الحاجة إلى العودة لأي مجلس نواب أو حكومة.
يأتي الاجتماع المرتقب وسط جملة من التطورات بالغة الأهمية، تتمثل الأولى في التقدم المتواصل الذي أحرزته المعارضة السورية منذ شهور، وهو التقدم الذي جاء في شق منه نتاج تنسيق بين تركيا والسعودية وقطر، مقابل التقهقر المتواصل للنظام، الذي لا يغير فيه هجوم الزبداني وبعض التقدم في القلمون حيث يستميت النظام وحزب الله والحرس الثوري في تأمين الخط الساحلي والحدود اللبنانية السورية من أجل أن تبقى إمكانية تأمين الدويلة العلوية قائمة، في حال الاضطرار، وليس بعيدا عن ذلك تواطؤ نظام الأسد مع مساعي الأكراد الانفصالية كي يصبح التفكير الآخر (العلوي) مقبولا وممكنا.
التطور الآخر هو المتمثل في عاصفة الحزم التي لا يبدو أن ثمة قيمة كبيرة للقول إنها لم تحقق الكثير، لأننا قلنا منذ البدء أن هنا في اليمن (سوريا أخرى)، ومعركة طويلة، مع فارق أن الثوار اليمنيين سيجدون سندا أفضل من السوريين، فضلا عن الغطاء الجوي.
البعد العراقي حاضر بقوة أيضا، وهنا تحديدا لا يجد مئات الآلاف ممن جرى تجميعهم تحت لافتة «الحشد الشعبي» أي إنجاز يذكر يمكن أن يقولوا إنهم حققوه بعيدا عن الطيران الأميركي، ربما باستثناء ديالى التي تعد خاصرة إيران، ودخلت القوات الإيرانية معركتها بشكل مباشر. ولأنهم يدركون ذلك، فإنهم في حاجة إلى تدخل أكبر من إيران يتجاوز الإشراف.
تكريت مثلا، لم يدخلها الجيش العراقي ومليشيات «الحشد» إلا بعد تدخل الطيران الأميركي، أما المناطق الأخرى فلا تقدم يذكر، بل خسائر متواصلة، وها هي بيجي «تحرر» لعاشر مرة، وكذلك مصفاتها، من دون جدوى، وبالطبع لأن الطرف الأميركي لا يتدخل بما فيه الكفاية، فضلا عن ضعف الجيش والمليشيات، مقابل عقائدية الطرف الآخر، وبمصدر قوة يتمثل في «قنابله النووية المحلية» بتعبير حيدر العبادي (أي المفخخات).
والحال أن موقف واشنطن هنا ليس اعتباطيا، فهي أولا وآخرا تخوض مفاوضات نووية صعبة مع إيران، وليست لها مصلحة في جعلها أقوى في العراق أو في غيره في الوقت الراهن، حتى لو كانت ضد تنظيم الدولية جذريا، فضلا عن أن تكون مع إطالة النزاع في كل المنطقة وفقا للرؤية الصهيونية، وبالطبع من أجل تدمير جميع الخصوم. كما أن واشنطن لا تبدو معنية بإعادة العراق إلى حضن إيران من جديد، هي التي تدرك أن العبادي يفقد السيطرة عمليا لحساب المليشيات التي يديرها قاسم سليماني.
ولأن محافظي إيران يدركون أن توقيع اتفاق النووي -وهم بحاجته- سيقوي الإصلاحيين داخليا، ويجعل من فشل مشروع التمدد في المنطقة كارثيا عليهم، وقد يكلفهم وجودهم في السلطة، فهم سيقاتلون بكل ما أوتوا من قوة كي لا يحدث ذلك.
على هذه الخلفية يأتي الاجتماع الثلاثي وما سينبثق عنه، وهو على الأغلب شكل من أشكال معاهدات الدفاع المشترك بين الدول الثلاث تمنح إيران فرصة التدخل العسكري المباشر لصالح أتباعها دون شبهة الغزو العسكري.
ما سيحدث عمليا هو أن التدخل الإيراني سينتقل من مرحلة التمويل والتسليح والإشراف إلى مرحلة القتال المباشر، إن كان عبر قوات الحرس الثوري أم الباسيج أم الجيش نفسه، وهذا سيعني الزج بعشرات الآلاف من المقاتلين في كل الجبهات، بخاصة السورية والعراقية، مع بقاء ما تبقى قائما في حالة اليمن وحده لصعوبة ذلك في ظل لا شرعية السلطة الحوثية هناك.
والسؤال الذي يطرح نفسه تبعا لذلك، هل سيؤدي ذلك إلى تغيير ميزان القوى في سوريا والعراق؟ لا يستبعد أن يكون الجواب (نعم) في المدى القريب، لكن في المدى المتوسط لن يعني سوى مزيد من النزيف البشري الذي يضاف للنزيف الاقتصادي، وهو ما يؤكد ما قلناه منذ الشهور الأولى لعسكرة الثورة السورية، ممثلا في أن سوريا ستكون أفغانستان إيران، ولم نتوقع أن اليمن سيضاف إليها، وهو نزيف سيتواصل حتى تتعب إيران، وتتجرع كأس السم، وتأتي إلى صفقة إقليمية يقبل بها العرب وتركيا.
• @yzaatreh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق