مطاردة لجماعة أم تغييب لمجتمع؟
ياسر الزعاترة
بوسعك أن تشاهد ليوم وليلة وسائل الإعلام المصرية، المرئي منها والمقروء، ومعها أو من خلالها حشد من التصريحات لسياسيين ومثقفين يدورون في فلك النظام، فضلا عن الأخبار المتعلقة بالداخل بمعظم مفرداتها، فما الذي يمكن أن تستنتجه كمراقب محايد لا صلة لك بالصراع الدائر، ولا حتى بالبلد، ولنقُل كسائح أجنبي؟
ستستنتج أنك أمام ثنائية سافرة؛ الطرف الأول منها تمثله الدولة بكل مؤسساتها الأمنية والعسكرية والإعلامية والقضائية والمدنية، فيما يمثل الطرف الثاني جماعة سياسية مطاردة، يقبع أكثر من 40 ألفا من قادتها وعناصرها وأنصارها في السجون، بينما يُطارَد من تبقى بشتى الوسائل.
لا وجود لقوة سياسية تذكر غير هاتين القوتين في الحالة المصرية، وذلك بعد عامين اثنين على الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب؛ والذي حكم بالإعدام في مهزلة قضائية بامتياز، ومعه المئات من قادة الجماعة وعناصرها.
وحين يطلب الرئيس، أو قائد الانقلاب من القوى السياسية أن تشكل قائمة موحدة في الانتخابات، فلك أن تتخيل ما الذي يعنيه ذلك، ليس على الواقع السياسي الراهن من حيث غياب أية قوة سياسية يمكنها الحصول على نسبة معتبرة في انتخابات حرة، بل أيضا على حقيقة الديمقراطية التي يبشر بها من جاؤوا بزعم أنهم سيستكملون ثورة يناير، إذ لا تعرف أية ديمقراطية في العالم شيئا اسمه قائمة موحدة يطلبها الرئيس، وسيحدد بالتأكيد حصص كل فريق منها!!
وحين يشرع النظام في مطاردة شركائه في الانقلاب، مثل أحمد شفيق على سبيل المثال، وتبدأ حشود من النخب التي شاركته مسرحية 30 يونيو في الانفضاض من حوله، منددة بالدولة البوليسية، وتقوم أجهزة الأمن بتسريب مكالمات السياسيين لمذيع «مخبر» كي ينشرها على الهواء، فلك أن تتخيل الدرك البائس الذي وصلته اللعبة السياسية في البلاد.
وحين يصبح قادة الرأي في مصر التي خرّجت جحافل من المفكرين والمبدعين، هم حفنة من مقدمي برامج «التوك شو»، من أرباع المثقفين، وممن يقفزون من حضن إلى حضن، بما في ذلك حضن القذافي نفسه، فلك أن تتخيل واقع البلد على مختلف الأصعدة.
وحين يفشل الوضع الجديد في تقديم أي إنجاز للناس، غير مشاريع يصفها الناس بأنها «فنكوش»، أي بيع للوهم، بينما يناشد نجوم «التوك شو» الناس بالصبر، لأن الرئيس قلبه معهم، ولكن «الإيد قصيرة»، و»الوضع صعب»، فهذا يشير إلى حقيقة ما يبشر به الوضع الجديد الناس. يحدث ذلك رغم عشرات المليارات التي تدفقت على البلد منذ الانقلاب وحتى الآن.
ما يعنينا في هذا المشهد المحزن هو أن الانقلاب بات حقيقة لا يماري فيها عاقل، وأن كل عملية الشيطنة التي مورست ولا تزال ضد جماعة سياسية لم تغير في حقيقة أنها ما زالت تحظى بتأييد قطاع عريض من الناس، ولو كان الأمر غير ذلك لما كانت هناك حاجة لاستمرار هذه الحملة اليومية ضدها.
وقد قلنا مرارا إن المشكلة التي يواجهها النظام تتمثل في أن من المستحيل عليه أن يقمع القوة السياسية الأولى في البلاد من دون أن يعسكر المجتمع برمته، وينشر رداء القمع على رؤوس الجميع، ويحوّل البلد إلى ساحة للكذب والتهريج من قبل أبواق تعمل بـ»الريموت كنترول»، وتتحدث عن مؤامرات خارجية لا وجود لها من أجل إقناع الناس بتجاهل حالة القمع، ومعه الفشل على كل صعيد، في حين يدرك الجميع أن الوضع العربي والدولي ما زال داعما بكل قوة للنظام، تبعا لموقفه من القوة الأخرى، ومن فكرة أن تستعيد مصر حريتها وريادتها التي ضاعت بدورها، لأن من يريد تغطية القمع لا بد له من أن يستكين لمتطلبات الخارج.
إلى أين يمضي هذا الحال البائس؟ من الواضح أن الرحلة قد تطول في مواجهته، وذلك حتى يستعيد المجتمع عافيته بالتدريج، وصولا إلى إدراك حقيقة أنه أمام دولة بوليسية لا تنتج غير الفشل والقمع في الداخل، وتضييع الدور في الخارج، وأن عليه أن يتجمع من جديد لاستعادة ثورته المسروقة، ومعها أمله في حياة أفضل في ظل نظام يعبر عنه، وليس عن أحلام جنرال، ومطالب نخب همها الدفاع عن مصالحها وحسب.
• @yzaatreh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق