الخميس، 9 يوليو 2015

الخليج الجديد في السيناريو الغربي

الخليج الجديد في السيناريو الغربي


مهنا الحبيل

في الثاني من أغسطس/آب 1990 وعند الخامسة فجرا، وصلت القوات العراقية إلى قصر دسمان، مقر أمير الكويت الرسمي وقتها الشيخجابر الأحمد الصباح، واستغرق الأمر نحو ثلاث ساعات فقط بعد بدء تنفيذ الغزو، ثم استكملت في سرعة الإطباق على الدولة وحدودها. وحينها كانت هذه الصورة المروعة في مستوى التجهيز الدفاعي قد وصلت في دهشة لبقية دول الخليج العربي، والذي أعقبه استدعاء التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

ومع إخراج القوات الغازية، كانت هناك عملية نوعية ضخمة، نُفّذت على الجيش العراقي كقرار مضمّن ورئيسي للبنتاغون والسياسة الأميركية، خطّطت له منذ بدء الحرب، وهو قصف القوات العراقية المنسحبة والتي أَشعرت واشنطن بخروجها، عبر طريق الكويت العراق الدولي، وقصف الأميركيون الأرتال العراقية، وهي في وضعية انسحاب سريع، وأُبيد عدد ضخم من الجيش العراقي وآلياته.

وهي عملية تكتم عليها الطرفان وقتها، حزب البعث الحاكم حتى لا يتسرب خبر الكارثة إلى الشعب وبقية الجند، والبنتاغون، كونها جريمة منظمة ومقررة مسبقا، سعت واشنطن لتنفيذها في غمرة ضجة النصر، وهزيمة القوات العراقية المريعة، والتي كانت إحدى نتائج كارثة القرار الأحمق للقيادة العراقية، الذي لم تقف سيناريوهات استثماره حتى أسقطت بغداد في أبريل/نيسان 2003 بتعاون مباشر عسكري وطائفي وسياسي مع إيران.
"ومع زحف داعش وصلف الموقف الحوثي الموالي لإيران، والذي قد يُحقق تقدما سياسيا وعسكريا في اليمن، فإن دائرة الاضطراب تتصاعد في جغرافيا الخليج ومواقف دوله، ما يفتح الباب لمستقبل مختلف ويزيد من التحديات التي تواجه الخليج"
ومنذ ذلك الحين كانت رسالة الموقف واضحة في قدرات دول الخليج وتجهيزاتها العسكرية، والتي تسابقت في عقود تسلح ضخمة واتفاقات دفاع، لكن بقي السؤال الكبير الذي تُقر به كل دولة، وهو فقدان القدرة الذاتية أو الجماعية لدول المجلس الخليجي، لصد أي هجوم مماثل.

ومع التغيّر الدراماتيكي اليوم في سير الأحداث وتتابع الأزمات والاهتزاز الضخم للجغرافيا السياسية، فإن السؤال يبقى مطروحا حول هذه الإمكانيات، التي لا تزال تعتمد على اتفاقات دولية تغيّرت حساباتها، وإن لم يُكشف ذلك بالضرورة، وقد لا يكشف إلا في الوقت الحرج لعمر الدول، في وقت صعدت فيه قوة إيران الإقليمية والتفاوضية، بعد أن ضمت العراق، كما أن القطب الروسي والصيني باتا جزءا من قواعد اللعبة الدولية، وتأثيراتها على الخليج العربي.

في المقابل ليست العلاقات الخليجية في أحسن أحوالها، بل العكس، هناك حركة تشتعل في دهاليزها الدبلوماسية الخليجية الخاصة تميل إلى المصلحة الانفرادية مقابل مجرد مجاملة أو خطاب دبلوماسي مع الدولة الأخرى، في ظل تنسيق كل طرف مع واشنطن أو وكيل غربي مساند، والبحث عن مخرج مع إيران في حال تطور الموقف مع جبهاتها أو جبهة داعش.

ومع زحف داعش (تنظيم الدولة) وصلف الموقف الحوثي الموالي لإيران، والذي قد يُحقق تقدما سياسيا وعسكريا في اليمن، فإن دائرة الاضطراب تتصاعد في جغرافيا الخليج ومواقف دوله، وهو ما يفتح الباب لمستقبل مختلف في حضور الموقف الدولي وطبيعته السياسية والعسكرية، يضاف إلى ذلك انفجار أقاليم الشرق المهمة في مصر وسوريا، والمزاج شديد الاضطراب في المنطقة العربية أمام كتلة اللهب المتدحرجة.

وأمام هذا التصعيد تبقى أساسية في فهم المستقبل الخليجي وموقف القوة الدولية منه، وسيناريوهات التعاطي التي يفرضه الواقع السياسي القادم، فلن يتخلّى الغرب قبل أو بعد أوباما عن مصالحه واستخدام الخليج العربي كحديقة خلفية لسوقه وإمداداته وبنيته اللوجستية والإستراتيجية في العالم، ودور المخزن الخليجي فيها.

وعلى مدى 700 عام كانت كل إمبراطورية صاعدة في الغرب تحضر بقوة في الخليج العربي وتفرض سيطرتها، من البرتغاليين وهولنداإلى الإنجليز وأميركا، ولم يتخلوا عن المياه الدافئة، وإن واجهوا مقاومة قديما، من الجبريين العقيليين والحنابلة القواسم واليعاربة العمانيين، ولكنهم واصلوا تثبيت نفوذهم وتوارثه.

واستخدمت الأرض الإيرانية وهي تحت الاحتلال، أو من خلال التقاطع مع أسرة الشاه في ضبط هذه المنطقة، وصناعة مصالح الغرب فيها كسوق إمداد وموقع إستراتيجي، ولكن مع الصراعات الداخلية القاسية والعنيفة، كان الغرب القديم يراقب عن بعد مآلات الأوضاع وما قد تسفر عنه، وهو اليوم يفعل ذلك في كلا الاتجاهين داعش وإيران مستثمرا حصادهما الكبير.
"رغم أن داعش اليوم لا يزال في حالة تشظ وانشطار وتقدم وتراجع، فليس صحيحا ما يروجه البعض من أنّه يعمل بالريموت كنترول، أو أنه يخضع لقرار إيراني -حتى ولو استفادت منه طهران والأسد موسميا- لكنّه مع ذلك قد يكون مشرطا فعالا في الجغرافيا السياسية"
ولذلك فإن السياق الوقتي سيستمر في التعامل مع دول المنطقة لاستكمال آخر مجال لبقائها في واقعها الحالي، فيما سيكون الغرب مستعدا مباشرة للتعاطي مع صناعة الخليج الجديد، سواء بعد دوامة حرب داخله أو صعود أحد عناصر التأثير الجديد، وتساعده كثيرا حالة الاضطراب وهستيريا ملاعنة إيران والشيعة، كبديل عن خطط المواجهة والاحتواء الذكي، وتوظيف إعلام وعناصر عربية مثقفة تخدم هذا المسرح.
ومن الواضح للغاية أن التعامل مع مسطرة الجغرافيا السياسية نفوذا أو حدودا يَحضُر في قلق دول المجلس، وهو ما يعزّز تعاملها الانفرادي الذي قد يضر ببعض أعضائها ويعطي الطرف المتعاون مع ترويكة الغرب مقعدا في الخطة الجديدة للمستقبل، وقد لا تشفع له إلا مؤقتا، لكنه اليوم يقدمها للراعي الغربي الذي ينشط في مباحثات سرية كبيرة.

ومستقبل هذا الخليج الجديد قد يتقاطع بالضرورة مع تطور عمليات داعش وتأثيراتها، ومن المبكّر الحكم على مستقبل الموقف من داعش حين يرى الغرب منحه مساحة احتواء والاعتراف بدولة له، وتخصيص تطرفه وغلوه إلى عمق المنطقة وليس لأطراف الغرب الذي يهمه بقاء هذا الانفجار في الشرق، وبقاء تدفق مصالحه منه، ولا يعنيه أي أمر آخر.

وإن تعاطت بعض الأصوات في الغرب مع هذا الاتجاه، أي الاعتراف بداعش بحدود إقليمية أو نفوذ في المستقبل، فهذا لا يُعتبر خلاصة للموقف السياسي الغربي، وإن صدر من محاضر أو حتى مركز بحث، لكن المؤكد أنّ داعش عنصر تأثير كبير اليوم في الجغرافيا السياسية، خاصة مع تقاطعات المشروع الإيراني الملاصق لدول المنطقة في العراق واليمن.

ورغم أن داعش اليوم لا يزال في حالة تشظ وانشطار وتقدم وتراجع، فليس صحيحا ما يروجه البعض من أنّه يعمل بالريموت كنترول، أو أنه يخضع لقرار إيراني -حتى ولو استفادت منه طهران والنظام الأسدي موسميا- لكنّه مع ذلك قد يكون مشرطا فعّالا في الجغرافيا السياسية، ثم ينفجر من الداخل أو يُفجّر، وعندها ترسم المسودة النهائية للخليج الجديد بين نفط ودم، لا تعرف عواقبه.
المصدر : الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق