الخميس، 12 نوفمبر 2015

أطعموا الجنرال أكباد أولادكم


أطعموا الجنرال أكباد أولادكم

وائل قنديل

يقول لكم عبد الفتاح السيسي: املأوا زنازيني بأولادكم وبناتكم، وجوعوا، وقاطعوا الأكل حتى أبني لكم وطنا.
ليست المرة الأولى التي يطالب فيها عبد الفتاح السيسي المصريين بالجوع، كي يستمر هو في السلطة، منتحلاً شخصية الحكام، ومتقمصاً دور بناة الأوطان.
منذ دعوته الخالدة للشعب بأن يقسم الرغيف إلى خمسة أجزاء، لحل مشكلة الغذاء، في بداية الإعلان عن رغبته في تولي الرئاسة، لا يترك السيسي مناسبةً إلا ويقايض فيها المصريين على حياتهم.
في البداية، كان يسرق منهم الحرية والديمقراطية، مقابل أن يأكلوا ويشربوا، ثم تطور الأمر، حتى وصلنا إلى مرحلة بات معها يساومهم على التخلي عن مطلب الغذاء مقابل أن يبقوا على قيد الحياة، مطلقاً شعار "نجوع كي لا نهدم الدولة".
الدولة هنا هي النظام، هي الجنرال، رأس النظام وعضلاته.
تفوق السيسي، أمس، في مطار شرم الشيخ على نفسه، محطما أرقامه السابقة في الفكاهة السياسية، وهو يرد على سؤال مراسلة تلفزيونية، حين جدد مطلبه من المصريين بالامتناع عن الطعام، كي يبني لهم مصر. يعلم العقلاء في مصر أن عملية البناء الوحيدة المنتظمة هي بناء السجون الجديدة، وتوسعة الزنازين القديمة، فيما كل شيء ينهار، منذ جاء الحاكم السعيد. 
في مارس/ آذار الماضي، كانت الدعوة الرسمية الأولى من عبد الفتاح السيسي للمصريين للإضراب عن الطعام، حين وقف يقول "لازم لازم إن شالله ما ناكلش عشان نبني بلدنا".
قالها وبجواره يقف معلمه، في أثناء افتتاح مسجد المشير حسين طنطاوي، وأسنانه بارزة من السعادة. سجلتُ، وقتها، أن الجنرال يطالبكم بالجوع، كي يبني مسجداً يحمل اسم رجل مبارك الوفي، تكريما له على ما أسداه لمصر من مجازر طوال فترة توليه رئاسة المجلس العسكري.
وطرحت مجموعة من الأسئلة والملاحظات، تفرض نفسها على اللحظة الراهنة، أهمها أنه كان من الممكن اعتبار طلب السيسي من المصريين أن يجوعوا، تعبيراً عن نزعة وطنية حقيقية، لو أنه امتلك الشجاعة، وصارحهم بمصير 47 ملياراً من الدولارات، حصل عليها من ممولي انقلابه. 
ولماذا لم يظهر أثرها على حياة شعبه الموعود "بوطن قد الدنيا". ماذا فعل بالمساعدات والمنح سوى أنه صنع وطناً محترقاً، ودمّر وشائج مجتمع، وأدخل الجميع في أتون حروب إبادة وإقصاء، وزرع مساحات هائلة من الكراهية، وجرّ جيش مصر إلى حروب شريرة على مصريين وعرب؟
ماذا فعل منذ استولى على الحكم سوى تربية الإرهاب وتسمينه، وتحويل البلاد إلى ساحة للانفجارات، بفعل سياسات خرقاء، تهين العسكرية المصرية، بالقدر نفسه الذي تحتقر به حق الشعب في الحياة.
كان من الممكن أن يقبل المصريون بالجوع والفقر، لو لمسوا أن عندهم قيادة سياسية، لديها مشروع بناء أمة، لا بناء قلاع من الوهم والخرافة، لو أنهم شعروا بأن من يحكمهم يرغب بصدق في أن يعيشوا بكرامة في ظل نظام، كل ما يفعله أنه يسأل العالم إلحافاً، ويمد يداً بالتسول للخارج، والأخرى بالقتل في الداخل.
والآن، يلجأ عبدالفتاح السيسي إلى سلاحه الأثير، وربما الوحيد، وهو حقن الجماهير بمخدر الوهم، متصوراً أنه مع تكثيف الجرعات، تحدث حالة من الإدمان، غير أنه، بمضي الوقت، اكتشف أن مفعول الجرعات الاعتيادية لا يصمد أمام الانهيارات المدوية، فقرر استدعاء مخدر "الوهم النووي"، معلنا بدء معركة امتلاك المحطات النووية، بعد سويعات من دعوة "الجوع من أجل البناء"، منتحلا شخصية قائد باكستان، ذو الفقار علي بوتو، صاحب الصيحة الشهيرة "نجوع أو نأكل العشب حتى نمتلك السلاح النووي".
لكن، شتان بين قائد أمة حقيقي وجنرالكم السعيد الذي يطالبكم بالجوع، حتى يبني لكم سجوناً ومعتقلات ويعادي أشقاءكم، ويتحالف مع عدوكم الصهيوني. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق