أدب.. أم قلة أدب؟
علي المسعودي
كاتب له مؤلفات في الشعر والنقد والقصة
"يا ويح من يظن أن الأدب إنما هو حديث الشهوة ملفوفًا برداء الفن."
كلمة لعلي الطنطاوي رحمه الله، كأنما هي صرخة مستحقة لأدب فج ملأ الأرفف، وشاع في الأذهان وربما حصل على جوائز وتقلّد قلائد التكريم ولم يكن سوى صوراً وقصصاً شهوانية حرفت مسار الهدف النبيل للكلمة.. ودمّرت المعاني الإنسانية التي أوجدت من أجلها اللغة، بوصفها وعاء يختلف شكله باختلاف منتجه.. يعبئه الكاتب أو القائل بأحاسيسه الإنسانية الرفيعة.
لكن الوضاعة التي تتغلغل في كل شيء وجدت لها ملاذاً في مُخيّلات بعض الكتاب فأصبحت داء بدل أن تكون دواء..
ومنها ما صار مرضاً عضالاً من الصعب الشفاء منه، خاصة عندما يتلقاه الطلبة في مقاعد الدرس فينشأون نشأة مائلة عن الحق مثل غصن غرسته في الأرضِ مائلاً فكبر على ذلك وصار شجرة كبيرة تسدّ طريق العابرين..
إن (المثقّف) الذي يروّج للأدب الشهواني ويسلّع الفكرة، ويحيد عن الفضائل الكاتب يشبه طبيباً هيأت له الدولة طريق العلم وتكفّلت بمأكله ومشربه وراحته وتعليمه وتوجيهه حتى إذا أمسك بزمام مهنته وارتدى رداء الأطباء بدأ يحقن مرضاه بالسم الذي يقتلهم قتلاً بطيئا.. وهكذا يعمل الأدب الفاسد.. فإنه يفسد المتلقى رويداً رويداً حتى يميت قلبه حتى يرى المنكر صواباً ويعتبر الصواب منكراً، بنفسٍ تتشهى الرذيلة وتستقبح الفضيلة.
وقد ذكر القيرواني في عمدته أن الكلام كله كان منثوراً فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها، وطيب أعراقها، وذكر أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفرسانها الأمجاد، وسمحائها الأجواد؛ لتهز أنفسها إلى الكرم، وتدل أبناءها على حسن الشيم فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكلام.
وهذا هو هو الهدف الأصيل والحقيقي للأدب، بينما تُطلق اليوم كلمة (أدب) على كل نتاج في مجالات القصة والرواية والشعر والخواطر ومافي فلكها دون النظر إلى محتواه..
إذ أصبح الحكم على اللفظ والسبك لا المحتوى، حتى وإن كان أدب خلاعة ومجون يضرّ بالأمة ويوقع شبابها في مهالك سوء الخلق والتعدّي على الفضائل.. متناسين أنّ التعبير البياني الجميل المؤثر هو وسيلة لاهدف.. فنٌّ يوصل إلى غاية رفيعة، ومتى ماانحرف عن غايتها كان مهلكة وتدميرا.. مثلما تعطي “سيارة فارهة أنيقة” لرجل فيستخدمها لدهس العابرين !
وقد لخّص الرافعي رحمه الله ذلك في قوله:
(وإن الأدب مكلف تصحيح النفس الإنسانية في الوجود ونفي التزوير عنها وإخلاصها مما يلتبس بها على تتابع الضرورات، ثم تصحيح الفكرة الإنسانية في الوجود، ونفي الوثنية عن هذه الفكرة، والسمو بها إلى فوق، ثم إلى فوق، ودائماً إلى فوق)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق