الشيخ عبد الله بن فيصل الأهدل
يتعرض شعب غزة المسلم الأبي لخذلان كبير من حكام الدول العربية والإسلامية وجيوشها؛ بتركه فريسة للحصار والهجوم والقصف اليهودي الهمجي المدعوم أمريكيا وأوروبيا…
وقد انتظر المسلمون في غزة الغوث من الدول العربية والإسلامية فلم يجدوا إلا القليل من المعونات -مما سمح به اليهود- والتي لا تكفي أدنى متطلبات شعب يقارب مليونين ونصف.
قمة عربية إسلامية ضعيفة
وأخيرا تنبهوا…
فقد اجتمعت ٥٧ دولة عربية وإسلامية -بعد مضي ٣٦ يوما من المجازر زاد عدد قتلاها عن ١١ ألفا، وجرحاها عن ٢٧ ألفا-.
وليتهم ما اجتمعوا؛ فقد كان اجتماع العاجزين، وكأنهم استجابوا لرئيس وزراء العدو اليهودي نتنياهو -عليه لعنة الله تعالى- وهو يقول لزعماء العرب:
أقول للزعماء العرب: إذا أردتم الحفاظ على مصالحكم عليكم أن تفعلوا شيئًا واحدا: ابقوا صامتين…. وقد كان كلامهم ضعيفًا متهافتا – لا قيمة له -؛ فلم يزد على المعتاد من الإدانة والشجب ودعوة من لا يستجيب، ورجاء من لا يُرجى خيره… ونحوها من ألفاظ الضعف والفشل.
مقترحات بسيطة ولكنها لم تمرر
وقد تسرب أن دولة الجزائر قدمت بعض المقترحات البسيطة البدهية فتم رفضها -خوفا من اليهود وأمريكا-، وهي:
١. منع استخدام القواعد العسكرية الأمريكية وغيرها في الدول العربية لتزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر.
- تجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بين الدول العربية وإسرائيل.
- التهديد باستغلال الفرص النفطية والاقتصادية للدول العربية للضغط لوقف العدوان.
- منع رحلات الطيران المدني الإسرائيلي في أجواء الدول العربية.
- تشكيل لجنة وزارية عربية تسافر فورا إلى نيويورك وواشنطن وبروكسل وجنيف ولندن وباريس لنقل طلب القمة العربية لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ورغم أنها مقترحات غير كافية فقد قوبلت بالإعراض عنها واستبدالها بما هو أضعف..
أسوأ ما جاء في بنود البيان الختامي للقمة
وقد كان من أسوأ ما جاء في بنود البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية:
اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل القانوني الوحيد للشعب الفلسطيني، والتي لم تجلب للشعب الفلسطيني إلا الذل والعار على مدى عقود، واليوم يلمعون دحلان لما بعد حماس لدور مرتقب في غزة خيب الله مكرهم..
وفي البيان التدخل في شؤون المقاومين للاحتلال الذين أذلوا اليهود، ومطالبتهم بالاستكانة تحت العلمانيين ليتم لليهود ما يريدون.
وفيه أيضا التبرؤ من حماس وكافة الفصائل الفلسطينية المجاهدة في نحر اليهود وأمريكا وحلفائهما، وكأن ذلك تأكيد لتعليق محمود عباس – في اليوم الأول – على قيام حماس والفصائل المجاهدة معها باقتحام أراضي غزة المغتصبة وقتل وأسر اليهود المغتصبين عندما قال – بعمالة وخيانة ليست غريبة عنه -: إن حماس لا تمثل إلا نفسها.
ولكن من رضي وتابع
ونقول وبالله التوفيق:
عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع». قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلوا»١.
قال النووي: وقوله صلى الله عليه وسلَّم: «ولكن من رضي وتابع» معناه: ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع، وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت، بل إنما يأثم بالرضى به، أو بأن لا يكرهه بقلبه، أو بالمتابعة عليه..٢.
ونحن نبرأ إلى الله عز وجل من كل من يحكم بغير ما أنزل الله تعالى، ويخذل المسلمين ويسلمهم لعدوهم ويقف متفرجا على عشرات الآلاف من المسلمين القتلى والمنكوبين متجاهلا ما ثبت عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم»٣.
فكأنما قتل الناس جميعا
قال المناوي: … فمن حاول قتل من خلقت الدنيا لأجله فقد حاول زوال الدنيا٤.
وقد جعل الله عزَّ وجلَّ جرم قاتل النفس الواحدة عظيما كجرم قتل جميع الناس؛ كما ذكر الله تعالى أن ابن آدم الذي قتل أخاه عليه آثام من يقتل ظلما بعده؛ قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة:٣٢].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل»٥.
وقال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) [التكوير:٨].
خذلان وخيانة حكام المسلمين أساس هزيمة الأمة الإسلامية
ونحن نرى طوال تاريخ مراحل الصراع مع اليهود في العصر الحديث حتى يومنا هذا أن خذلان وعمالة وخيانة حكام المسلمين في زماننا هو أساس هزيمة الأمة الإسلامية وتمكين اليهود.
ومن يخذل المسلمين يستوجب بفعله هذا خذلان الله تعالى له؛ عن جابر وأبي طلحة بن سهل رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته»٦.
إن مشكلة الأمة اليوم هو في حكامها الظلمة المعرضين عن شرع الله تعالى. وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء وبين صفتهم؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: «أعاذك الله من إمارة السفهاء». قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: «أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهدي، ولا يستنون بسنتي؛ فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي»٧.
وأي ذم وعقوبة أعظم ممن يتبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرد على حوضه .. قال الله تعالى: (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ…)[البقرة:١٣٠].
حكام زماننا ما أظلمهم وما أكذبهم
وما أكذب حكام زماننا وما أظلمهم كما يشهد بذلك أهل الإيمان، ومن ظلمهم الواضح رفع شأن شرار الناس، فعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفا، ولا شرطيا، ولا جابيا، ولا خازنا»٨.
وقد أخبر صديق هذه الأمة أن بقاء الدين باستقامة أئمته – وهم العلماء والأمراء -؛ عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب.. قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: «بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم». قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رءوس وأشراف، يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس٩.
ألب أرسلان في مواجهة مائتي ألف غير هياب ولا وجل
وقد رأينا أن تفريط الحكام يؤدي إلى استعلاء الكفار وخذلان المؤمنين، والعكس يؤدي إلى استعلاء المؤمنين وهزيمة الكفار مهما كانت قوتهم وعددهم وعدتهم، وقد كان بإمكان ٥٧ دولة إسلامية وعربية أن تكون – وحدها – قوة عظمى يهابها الجميع بما أعطاها الله من ثروات وإمكانات هائلة ومواقع هامة..، ولكن الله يوفق من يشاء ويخذل من يشاء؛ فهذا السلطان والملك العادل ألب أرسلان في القرن الخامس الهجري يواجه بخمسة عشر ألفا من الجنود مائتي ألف من الكفار غير هياب ولا وجل؛ قال الذهبي: قال ابن الأثير: خرج أرمانوس في مائتي ألف، وقصد الإسلام، ووصل إلى بلاد خلاط.
وكان السلطان ألب أرسلان بـ”خوي”، فبلغه كثرة العدو، وهو في خمسة عشر ألف فارس لكنها حرب دفاعية عن الحق لا مناص منها، فقال: أنا ألتقيهم، فإن سلمت فبنعمة الله، وإن قتلت فـ”ملكشاه” ولي عهدي – يعني ابنه -.
فوقعت طلائعه على طلائعهم فانكسر العدو، وأسر مقدمهم، فلما التقى الجمعان؛ بعث السلطان يطلب الهدنة، فقال أرمانوس: لا هدنة إلا ببذل “الري” – مقاطعة من مقاطعات المسلمين -.
إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على الأديان
فانزعج السلطان، فقال له إمامه أبو نصر: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على الأديان، فأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، والقهم يوم الجمعة والساعة يكون الخطباء على المنابر يدعون للمجاهدين، فصلی به، وبكى السلطان، وبكى الناس، ودعا، وأمنوا، وقال: من أراد أن ينصرف فلينصرف، فما ثم سلطان يأمر ولا ينهى، ورمى القوس، وسل السيف، وعقد بيده ذنب فرسه، وفعل الجند كذلك، ولبس البياض، وتحنط وقال: إن قتلت فهذا كفني.
ثم حمل، فلما لاطخ العدو، ترجل، وعفر وجهه في التراب، وأكثر التضرع، ثم ركب، وحصل المسلمون في الوسط، فقتلوا في الروم كيف شاؤوا، ونزل النصر، وتطايرت الرؤوس، وأسر ملك الروم، وأحضر بين يدي السلطان… إلخ القصة١٠.
وفيها استشارة الملوك للعلماء والأخذ بقولهم، والاستنصار بدعاء المسلمين، وخوض المعارك دفاعا عن الإسلام بالعدد القليل في مواجهة الجحافل الضخمة.
هذا الجيش دخل غزة مهزوما وسيخرج منها مهزوما
وها هم جنود غزة البواسل يخوضون المعركة – منتصرين ولله الحمد- في مواجهة أقوى وأعتى جيوش العالم، يقول اللواء الأردني المتقاعد فايز الدويري – عن جيش اليهود ومن معهم -:
أقول لكم وبالثقة التي تعرفونها هذا الجيش دخل غزة مهزوما وسيخرج منها مهزوما… سيتحول هذا الجيش إلى فريق من الحدادين لإصلاح العطب المهول بآليته، وسيستقدم الأطباء النفسيين من حول العالم لعلاج من سيخرج منهم على قيد الحياة من ضباطه وجنوده… والله لولا الخشية من سوء الفهم لقلت إن جغرافيا غزة ذاهبة للاتساع … انتهى
أعز الله تعالى إخواننا في غزة وخذل من خذلهم.
الهوامش
(١) [ رواه مسلم (١٨٥٤)].
(٢) [شرح مسلم (٢٤٣/١٢)].
(٣) [رواه الترمذي (۱۳۹٥) وحسنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥٠٧٧)].
(٤) [فيض القدير (۳۳۷/٥)].
(٥) [رواه مسلم (١٦٧٧)].
(٦) [رواه أبو داود (٤٨٨٤) وأحمد (١٦٣٦٨) ، وحسنه الهيثمي في المجمع (۱۲۱۳۸)، والألباني في صحيح الجامع (٥٦٩٠)].
(٧) [رواه أحمد (١٤٤٤١) وابن حبان (٤٨٦٧)، وصححه الألباني في الترغيب والترهيب (٢٢٤٢)].
(٨) [رواه ابن حبان (٤٥٨٦)، وحسنه الألباني في الصحيحة (٣٦٠)].
(٩) [رواه البخاري (٣٨٣٤)].
(١٠) [انظر سير أعلام النبلاء (٣١٥/١٨ وما بعدها)].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق