أدهم شرقاوي
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على مفترق طرق، وإن الناظر بعينه يتملكه اليأس، أما الناظر بعقيدته فلا يرى غير قول نبيه ﷺ يهمس لزيد وقد ضاقت: يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً!
ولست أبيعك الوهم، وما كنت لأخدرك، أنا القادم من الغد، حيث المشهد الأخير الذي أعرفه وتعرفه.. لن تقوم الساعة حتى نقاتلهم فنقتلهم! فعلام اليأس وقد سربت إليك خاتمة الحكاية؟!
أعرني قلبك يا فتى، فإن القلوب تحتاج من يشد أزرها بين الفينة والفينة، وما نحن إلا كالعصيّ، إن فُرِّقت كسرت كل واحدة على حدة، وإن اجتمعت صارت حزمةً عصيّة!
هاك قلبي، وهات قلبك، دعنا ندندن حول الجنة، كما دندن النبي ﷺ ومعاذ حولها، فما من شيء يعزّي غيرها، دعنا نتخيل تلك الغمسة التي سنقول بعدها: ما مسنا سوء قط!
أعرني قلبك يا فتى، وأخبرني منذ متى كانت الدنيا راحاً ومستراحاً لمؤمن، ونحن المخلوقون أساساً في كَبَد! وإني أعيذك أن تخرج من كبَد زائل إلى كبَد مقيم، فاشتر الآن هذا بذاك، ولا تكن أعمى لا ترى من المشهد إلا ظاهره!
ولست أصادر حقك في أن تتعب؛ كانوا صحابةً أولئك الذين جاؤوا يوماً فقالوا: يا رسول الله ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟! ولكنه -بأبي هو وأمي- لم يبشرهم بقرب الفرج إلا بعد أن أخبرهم أن سلعة الله غالية، وأن دونها الأموال والجماجم والدماء، وأنه قد أتى على الدنيا زمان، كان المؤمنون فيه تمشط أجسادهم بأمشاط الحديد حتى تختلف لحومهم عن عظامهم، وتوضع المناشير على مفارق رؤوسهم، ويُشقّ الرجل نصفين، فما يردهم ذلك عن دينهم شيئاً!. ثم قال لهم: ليُظهرنّ الله هذا الأمر، ولكنكم قوم تستعجلون.
أعرني قلبك يا فتى، وتعال نتذاكر ساعةً.. نحن الذين تبهرنا النتائج ونغض الطرف عن أثمانها! إننا نروي حديث المعراج، ورائحة الماشطة وأولادها، ولكننا ننسى أنهم ما عرجوا إلى الجنة إلا على سلَّم الزيت المغلي في قِدر فرعون!
وإننا نروي معجزة الرضيع الذي قال لأمه: يا أماه، اثبتي فإنك على الحق، وننسى أن الثبات على الحق كان ثمنه أن يحرقوا جميعاً أحياء!
وإننا نروي أن سيد الشهداء حمزة، وننسى أنه ما نال السيادة إلا بعد أن رُمي بحربة وحشي حيًا، ثم بُقرت بطنه، وأُخرجت أحشاؤه ميتاً!
وإننا نروي حديث شهادة مصعب بن عمير، مصعب إياه، فتى قريش المدلل، الثري الوسيم، أعطر أهل مكة، منية الفتيات وحلم النساء.. وننسى أن مصعباً كان في قيد أمه خناس بنت مالك، لأن الآخرة والدنيا قلما تجتمعان في صعيد واحد، وأنه هاجر إلى الحبشة مشياً على الأقدام حتى نضح الدم من قدميه! وأنه عاد من أرض الغرباء إلى أرض الغرباء!
إننا ننسى مصعباً السفير الذي وصل ليله بنهاره في المدينة، حيث فتحها دعوةً وأسلم على يديه سيدا الأوس والخزرج، السعدان، ابن معاذ وابن عبادة! وإننا ننسى أن مصعب بن عمير كان آخر عهده في الدنيا صريعاً على تراب أحد، وقد قطع ذراعاه، وأن الوسيم الذي كان يرتدي من الثياب الحضرمي المنقوع بماء الورد، لم يجدوا له يومذاك كفناً يستره!
وإننا نروي أن حبيب بن زيد أذلَّ كبرياء مسيلمة الكذاب في كل مرة كان مسيلمة يقول له: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ فيقول: نعم أشهد، فيسأله: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول له: إني أصم لا أسمع!. وننسى أنه بين كل سؤال وسؤال كان مسيلمة يقطع منه عضواً!
أعرني قلبك يا فتى، أذكّرك أن الدنيا سكين يناولها مجرم إلى مجرم، وأُمتك هي الذبيحة، أمة ما رق دمها ولا دمعها منذ زمن! وفي خضم هذا يراودونك عن عقيدتك بعدما استباحوا دمك! يريدون أن يقنعوك أن الذين حملوا البنادق، وباعوا دماءهم لله، دفاعاً عني وعنك، وعن ديني ودينك، هم كل سبب هذا الخراب! وكأنها المذبحة الأولى، وكأنهم يحتاجون إلى سبب ليقتلوك لأجله!
سل أهل الجزائر عن جرائم فرنسا، وسل أهل ليبيا عن جرائم إيطاليا.. سل الفلوجة والرمادي، سل كابول المذبوحة مرتين بسكين الإمبراطوريتين، اللتين ما اتفقتا على شيء إلا على ذبحها!
سل بلفور عن وعده، حين منح وطناً كاملاً لطارئ بشحطة قلم!
سل مجلس الأمن عن دير ياسين، وصبرا وشاتيلا!
كل هذا ليس إرهاباً، أما أن يأتي شيخ مشلول على كرسيه ليدفع عن شعبه الذي خذله الأصحاء، فنحن خطر على العالم!
يريدون أن يقنعوك أن القادم من بعيد على صهوات حاملات الطائرات هو رسول خير، وعلى الرغم أن سكينه في رقبتك، ممنوع عليك أن تنتفض حتى لا تصيب سيد العالم المتحضر ببعض دمك!
عليك أن تُذبح وتقبِّل اليد التي تذبحك! وإذا ما انتفضت.. إذا ما آثرت أن تموت واقفاً على قدميك، وبندقيتك في يدك، فأنت إرهابي!
كل هذا ليس إرهاباً، أما أن يأتي شيخ مشلول على كرسيه ليدفع عن شعبه الذي خذله الأصحاء، فنحن خطر على العالم!
يريدون أن يقنعوك أن القادم من بعيد على صهوات حاملات الطائرات هو رسول خير، وعلى الرغم أن سكينه في رقبتك، ممنوع عليك أن تنتفض حتى لا تصيب سيد العالم المتحضر ببعض دمك!
عليك أن تُذبح وتقبِّل اليد التي تذبحك! وإذا ما انتفضت.. إذا ما آثرت أن تموت واقفاً على قدميك، وبندقيتك في يدك، فأنت إرهابي!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق