وَهْمُ “حل الدولتين” .. من كارتر إلى ترامب
د.عزالدين الكومي
يعتبر الرئيس الأميركي الأسبق “جيمي كارتر” هو أول رئيس أمريكي تبنى “حل الدولتين” .
فقد صرح في سنة 1977 قائلاً : “إن من حق الفلسطينيين أن يكون لهم “وطن” !! .
وقد طرح الرئيس كارتر عدة أفكار لحل أزمة الشرق الأوسط تمحورت حول أن إسرائيل تضمن أمنها داخل حدود ما قبل يونيو 1967 ، وعلى الفلسطينيين أن يلعبوا دوراً في عملية السلام ، وأن من حقهم أن يكون لهم “وطن”.
وفي خطاب له بمدينة أسوان جنوب صعيد مصر بتاريخ
4 يناير 1978 أعاد الرئيس الأمريكي “كارتر” التأكيد على إقامة السلام على قاعدة العلاقات الطبيعية بين الأطراف والاتفاق على حدود آمنة ومعترف بها وإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية من جميع جوانبها ، بحيث تعترف التسوية بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتسمح للفلسطينيين بالمشاركة في تقرير مستقبلهم” .
وخلال استقباله للرئيس السادات في كامب ديفيد في 3 فبراير 1978 قال كارتر : “إن المستوطنات في المناطق المحتلة غير شرعية وتشكّل عقبة على طريق السلام ، وأن القرار 242 لا ينطبق على سيناء فحسب بل على كل الأراضي العربية المحتلة” .
ولكن قيام السادات بزيارة الكيان الصهيوني ثم توقيع معاهدة كامب ديفيد بتاريخ سبتمبر 1978 مع “مناحم بيجن” رئيس الوزراء الصهيوني جعل أطروحات الرئيس كارتر منذ 1977 بلا معنى !
لأنه بمقتضي توقيع اتفاقية كامب ديفيد أصبح الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة هو أساس التصوّر الأميركي لحل الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي ، وأن الكيان الصهيوني لن يوافق على قيام دولة فلسطينية .
ومع قدوم “رونالد ريجان” في يناير1981 منح الكيان الصهيوني ضوءًا أخضر للعدوان على لبنان في صيف سنة 1982.
وبعد خروج آخر الوحدات العسكرية الفلسطينية من لبنان .. طرح ريجان مشروعاً جديداً للتسوية تجاهل حل الدولتين الذي كان طرحه الرئيس كارتر ودعا إلى تمكين الفلسطينين في الضفة الغربية وقطاع غزة من التمتع بحكم ذاتي كامل لشؤونهم الخاصة ، وإجراء انتخابات لاختيار سلطة فلسطينية لهذا الحكم الذاتي خلال فترة انتقالية لمدة خمس سنوات ، ليثبت الفلسطينون أنهم قادرون على حكم أنفسهم ، وأن الحكم الذاتي لايشكّل تهديداً لأمن الكيان الصهيوني !! .
ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية بتاريخ 4 مارس 1988 ووصول “إسحاق شامير” لرئاسة الحكومة الصهيونية .. طرحت الإدارة الأمريكية مبادرة سياسية لإقامة سلام شامل يضمن الأمن لكل دول المنطقة والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وفي 16 ديسمبر 1988، تبنت منظمة التحرير الفلسطينية “مبادرة سلام” على أساس الاعتراف بقراري مجلس الأمن رقم 242 و 338 ، مع انطلاق حوار سياسي أميركي/ فلسطيني لم يسفر عن أي نتائج !! .
وبعد الغزو الأمريكي للعراق ألقى الرئيس الأمريكي جورج بوش في 6 مارس 1991 خطاباً أمام الكونغرس دعا فيه إلى سلام شامل في المنطقة على قاعدة قراري مجلس الأمن رقم 242 و 338 ، ومبدأ الأرض مقابل السلام ، بما يضمن لإسرائيل الأمن والاعتراف بها ، ويضمن للفلسطينيين حقوقهم السياسية المشروعة !! .
وفي مطلع نوفمبر1991، وعودة حزب العمل بزعامة إسحاق رابين للسلطة .. نجح في التوصل إلي إتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 لإعاد مشروع الحكم الذاتي .
وفي ظل فشل تطبيق”اتفاق أوسلو” نتيجة لعدم احترام الكيان الصهيوني لتعهداته وفشل المباحثات بين ياسر عرفات وإيهود بارك وعدم التوصل لاتفاق بين الطرفين على قضايا الوضع النهائي ..
اقترح الرئيس كلنتون – الذي كان يَهِمُّ بمغادرة البيت الأبيض – دولة فلسطينية منزوعة السلاح ، على أن يكون لها السيادة على مجالها الجوي .
وفيما يتعلق بالقدس فقد اتفقوا على أن تظل القدس الشرقية مقسمة بحيث تكون المناطق العربية فيها فلسطينية ، والمناطق اليهودية إسرائيلية ، وتكون هناك “سيادة فلسطينية على الحرم” و”سيادة إسرائيلية على الحائط الغربي والمساحة المقدسة لدى الديانة اليهودية.”
وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية ووصول جورج بوش الإبن إلى البيت الأبيض في يناير2001 ونجاح شارون ووقوع تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 .. أعلنت الإدارة الأمركية الحرب على الإرهاب .
وفي خطاب ألقاه الرئيس جورج دبليو بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 نوفمبر 2001 .. أعلن تمسك إدارته بالتزامها بسلام عادل في الشرق الأوسط ، والعمل من أجل اليوم الذي تعيش فيه دولتان – “إسرائيل / وفلسطين – بسلام معاً ضمن حدود آمنة ومعترف بها كما نص القرار رقم 242 .
لكن حكومة شارون بتاريخ 4 ديسمبر 2001 قررت وقف كافة اتصالاتها مع السلطة الفلسطينية باعتبارها كياناً داعماً للإرهاب ، وهو ما أيده الرئيس بوش الذي أعلن في خطاب ألقاه في واشنطن بتاريخ 24 يونيو 2002 فنزع الشرعية عن قيادة ياسر عرفات !! ، واشترط توفر قيادة فلسطينية جديدة كي تستمر أمريكا في دعمها لإنشاء دولة فلسطينية.
وفي 30 أبريل 2003 تقدمت إدارة بوش بمبادرة “خارطة الطريق” بهدف التوصل “إلى حل الدولتين ، اشترطت خلاله ربط قيام الدولة الفلسطينية بأداء القيادة الفلسطينية في محاربة الإرهاب !! ، وأنها مستعدة وقادرة على بناء ديمقراطية تتم ممارستها على أساس التسامح والحرية !! .
وسارعت منظمة التحرير بالموافقة على”خارطة الطريق” ، إلا أن شارون وضع أمامها العراقيل لإجهاضها من خلال التقدم بمشروع “فك الارتباط” الأحادي الجانب من قطاع غزة والذي كان يهدف إلى الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية !! .
ونظراً لفوز حركة حماس بالانتخابات في يناير 2006 قامت الإدارة الأمريكية بتجميد مساعيها لحل القضية الفلسطينية .
وفي نوفمبر2007 وخلال قمة “أنابوليس” وبهدف وضع الأساس لإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل بأمن وسلام .. طرح الرئيس بوش إطلاق مفاوضات ثنائية للتوصل إلى اتفاقية سلام ، وحل جميع القضايا العالقة ، بما فيها جميع القضايا الجوهرية بدون استثناء والتي عرفت بمبادرة “رفع العتب”.
ولكن هذه المبادرة ولدت ميتة لتعنت الجانب الصهيوني من جهة ، وعدم ممارسة الإدارة الأمريكية أي ضغط على حكومة “إيهود أولمرت” التي تشكّلت في مطلع مايو 2006 من جهة أخرى .
وعندما وصل أوباما للبيت الأبيض في يناير 2009 وفي خطابه الذي ألقاه بجامعة القاهرة في يونيو 2009 أعلن أن الولايات المتحدة الأميركية لن تدير ظهرها لتطلعات الفلسطينيين المشروعة في الكرامة وإقامة دولتهم الخاصة ، مؤكداً أن بلاده لا تقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية ، وأن عمليات البناء في المستوطنات تنتهك الاتفاقات السابقة وتقوّض جهود السلام ، وأن القدس يجب أن تكون وطناً دائماً لليهود والمسلمين والمسيحيين يتعايشون فيه بسلام !! .
وفي ولاية أوباما الثانية اقترح وزير خارجيته “جون كيري” وثيقة “الاعتراف المتبادل” التي تقضي بقيام “دولتين لشعبين : فلسطين الدولة القومية للشعب الفلسطيني /وإسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي .
وقبل مغادرة إدارة أوباما البيت الأبيض بأيام امتنعت عن استخدام الفيتو في 24 ديسمبر 2016 ضد قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي طالب إسرائيل بأن توقف فوراً وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية ، باعتبار أن إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967 بما فيها القدس الشرقية ليس له أي شرعية قانونية ، ويشكل انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي !! .
ومع قدوم ترامب إلى البيت الأبيض في يناير2017 .. سعي منذ اللحظة الأولي لتصفية القضية الفلسطينية .
فقد اعترف ترامب في 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ، ونقل السفارة الأمريكية إلي القدس ، وفي 31 أغسطس 2018 قرر وقف التمويل الأمريكي لوكالة الأونروا بصورة كلية ، واقترح “صفقة القرن” خلال خطاب له في البيت الأبيض بتاريخ 28 يناير 2020 ، وانطوت على رؤية جديدة للسلام تقوم على أساس “السلام من أجل الرخاء” ، وإنهاء فكرة حل الدولتين وجعل القدس “عاصمة إسرائيل غير قابلة للتقسيم ، وإبقاء جميع المستوطنين في مستوطناتهم !! .
فبينما وافقت حكومة نتنياهو على صفقة القرن .. عارضتها منظمة التحرير الفلسطينية ، واكتفت إدارة ترامب بتطبيق “اتفاقيات أبراهام” للتطبيع مع الدول العربية .
وعند ترشح بايدن للانتخابات الرئاسية بدأ يستدعي مشروع “الدولة الفلسطينية” .
ففي أغسطس 2020 أدلى بتصريح أمام مجلس العلاقات الخارجية جاء فيه : “أعتقد أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لضمان أمن إسرائيل على المدى البعيد ، والحفاظ على هويتها بصفتها دولة يهودية وديمقراطية ، كما هو الطريق الوحيد لضمان كرامة الفلسطينيين ومصلحتهم المشروعة في تقرير المصير الوطني ، وأنه عندما يصبح رئيساً لأمريكا فإن هدفه دعوة الطرفين إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإبقاء إمكانية حل الدولتين” .
لكن إدارة بايدن لم تبذل جهوداً ملموسة ل”حل الدولتين” وسعت لتوسيع دائرة تطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية ، وأبقت على الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب بشأن الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها.
وبعد معركة طوفان الأقصى التي مرغت أنف الصهاينة في وحل غزة .. أعلنت إدارة بايدن الشريكة في حرب الإبادة على غزة أنه في”اليوم التالي” للحرب سيتم إنهاء دائرة العنف في المنطقة وضمان أمن إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية تمهد الطريق أمام تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
كما أعلن بايدن إمكانية الاعتراف بفلسطين كدولة بعد انتهاء الحرب .
واليوم وبعد مرور أكثر من 400 يوم علي معركة طوفان الأقصى ، وتدمير غزة ، وارتقاء أكثر من 50 ألف شهيد فقد فكر القادة العرب والمسلمين بعقد مؤتمر أعلنوا خلاله التمسك بوهم حل الدولتين ؟!! .
فيا لها من خيبة قوية عربيًّا وإسلاميًّا !! .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق