الاثنين، 25 نوفمبر 2024

موسم الرياض .. إسعاد وترفيه؟ أم إفساد وتدمير؟!

 

موسم الرياض .. إسعاد وترفيه؟ أم إفساد وتدمير؟!

د/عزالدين الكومي

انطلاقاً من قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم : “من رأى مِنْكُم مُنْكرا فليغيره بِيَدِهِ فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان” رَوَاهُ مُسلم .. 
فإنني أحاول هنا في هذه العجالة أن أقوم بواجبي تجاه ما يحدث في أرض الحجاز .
فالله تعالى يقول في كتابه العزيز : “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .. ” التوبة :71 ، قال الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية الكريمة متحدثا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : “جعله الله تبارك وتعالى فرقاً بين المؤمنين والمنافقين”.

كذلك فإن الله عز وجل قد مدح هذه الأمة لقيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالي :(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) آل عمران : 110] .
وذمّ كفار بني إسرائيل وعابهم وتوعدهم لعدم تناهيهم عن المنكر ، ولعنهم على ذلك ، فقال سبحانه وتعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ۝ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) المائدة:78 ، 79 .
فترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى عواقب وخيمة ، منها عدم استجابة الدعاء ، وانتشار المنكر ، وفساد المجتمعات .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُعدّ من كبائر الذنوب ، من هؤلاء : بدر الدين الزركشي ، وابن حجر الهيتمي الذي أورد في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر : أن الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والتسعون بعد الثلاثمائة هي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة ! .
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكُمْ: مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُكُمْ، وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلَا أَنْصُرُكُمْ، وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيكُمْ”
وفي مسند الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتْلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَإِنَّكُمْ تَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ] المائدة: 105، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ – وَفِي لَفْظٍ: إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ – أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْ عِنْدِهِ..
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا خَفِيَتِ الْخَطِيئَةُ لَمْ تَضُرَّ إِلَّا صَاحِبَهَا، وَإِذَا ظَهَرَتْ فَلَمْ تُغَيَّرْ، ضَرَّتِ الْعَامَّةَ) .
ومايحدث اليوم في بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي يمزق نياط القلوب ، ويفتت الكبود ، ويندي له جبين الأمة حياءً من نشر الفساد والانحلال الخلقي وجلب الراقصات والساقطات والشواذ لنشر الرذائل بزعم الترفيه .
فباسم الترفيه تنتهك الحرمات ، وتدنس المقدسات ، فكيف يكون الترفيه على حساب قيم الإسلام ورموزه ومقدساته؟!
ففي موسم الرياض هذا العام وقبل عدة أيام تمّ إقامة مجسم يشبه الكعبة المشرفة في أحد العروض، وظهرت راقصات يطفن حول هذا المجسم مع مغنية خليعة شبه عارية لم تستر من جسدها تقريبا إلا العورة المغلظة ! .
ولم يقف الأمر عند حدّ إقامة حفلات ماجنة في بلاد الحرمين ، ولكن هناك من يسوق التبريرات لهذا الفجور والمجون وانتهاك قدسية الأماكن الدينية بزعم بعدها عن الحرمين الشرفين ، وهناك بعض المرتزقة المرجفون الذين يروجون لهذ المجون بينما يصمت علماء السلطان – أو يتطوعون – بإصدار فتاوي لإرضاء ولي الأمر !! كما فعل
أستاذ الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية الدكتور “سليمان بن سليم” الذي أصدر فتوى هاجم فيها من ينشر المنكرات ويدل عليها بحجة إنكار المنكر !! ، وإنه قد يجمع مع ذلك البُهت بأن تكون المناظر والمقاطع مصطنعة ، وليس هذا من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”!!
وفي ظلّ غياب العلماء العاملين الذين غُيِّبوا في غياهب السجون والمعتقلات لأنهم قالوا كلمة حقّ عند سلطان جائر وغاشم يجد أمثال هؤلاء الرويبضات سوقاً رائجة لترويج أباطيلهم ! .
فهل أمن هؤلاء مكر الله ؟
أم هم استثناء من الأمم السابقة التي أهلكها الله بفسقها وفسادها؟ كما قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (16)الإسراء.
ومما يزيد صنيعهم هذا سوءًا أن يحدث ذلك بالتزامن مع قيام جيش الاحتلال الصهيوني بتدمير غزة وقتل أهلها وتشريدهم وفرض حصار ظالم عليهم ومنع دخول أبسط متطلبات الحياة للعام الثاني على التوالي ، إضافة لاستمرار العدوان على قرى وبلدات جنوب لبنان بل على بيروت ذاتها وضواحيها .
وهنا من حقنا أن نتساءل : أين هذا الرويبضة المدعو “إبراهيم المحيميد”؟ الذي ظهر في مقطع فيديو قبل أيام يقول فيه : 
“في القبر سيسألك الله تعالى عن البول وليس عن فلسطين فلا تشغل نفسك بأوضاعها” !! ، فيا ترى هل سيسألك الله عن صمتك عن هذه المنكرات وطواف الراقصات شبه عاريات حول مجسم للكعبة أم لا؟ أفْتِنا ياشيخ؟!
وما موقف هذا الشيخ وأمثاله من جرأة المغنية الأسترالية “إيجي أزاليا” التي أقامت حفلا لها على هامش “موسم الجيمرز” بالعاصمة الرياض، العام الماضي تضمن عيبا في الذات الإلهية ومشاهد تعَرٍّ وإباحية ، ومزقت سروالها الجلدي وأظهرت عوراتها المغلظة وقالت بكل وقاحة في كلمات أغنيتها “إركع لإلهك الأنثى” !!!!
وإني هنا ناصح أمين لأهل المملكة عامة ولعلمائها خاصة : 
أن من رضي بما يحدث ، أوسكت عنه وهو يقدر على الإنكار ، فهو شريك في المنكر والفساد ، ففي قصة عقر ناقة صالح – عليه السلام – كان العاقر واحداً ، أما الباقون فرضوا وسكتوا فعمّ العقابُ الجميعَ .. العاقر والساكت !! .
نسأل الله السلامة والعافية في الدين والدنيا والآخرة .
كما نسأله تعالى أن يحفظ بلاد الحرمين الشريفين وسائر بلاد المسلمين مما يُكاد لها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق