أين سيكون موقع شعوبنا بعد هذا الطوفان؟ (1)
د. محمد عياش الكبيسي..
مفكر وداعية إسلامي، دكتوراه في الفقه الإسلامي
أقصد بشعوبنا المنكوبة: الشعوب التي تخضع للاحتلال الأجنبي بشكل أو بآخر، وليست لها دولة ذات سيادة حقيقية، ولا حكومة قادرة على فرض هيبتها وقيادة دفّة سفينتها في هذه الأمواج المتلاطمة، وتلك بالتحديد هي شعوبنا في سورية العراق لبنان فلسطين اليمن.
إن هذه الشعوب ستجد نفسها في لحظة ما على مفترق طرق ومطلوب منها أن تقرر،قبل أن تنصدم بالأحداث القادمة وتجد نفسها ضائعة بين المشاريع الفاعلة والمتنازعة على أرضها، وهذا بخلاف الدول المستقرة والتي تستند إلى مؤسسات متخصصة لمواجهة الأزمات وكل السنيوريهات المحتملة، بغض النظر عن توجهات هذه الدول، ولذلك خصصت هذه الشعوب بالحديث.
لقد كانت القراءة الأولية أو السطحية للطوفان أنه صولة قسّامية بوجه الاحتلال الصهيوني ستنتهي برد فعل انتقامي ثم مفاوضات وتبادل أسرى، وهكذا كما في كل مرّة، لكن مع مرور الأيام تبيّن خطأ هذه القراءة، وأن الموضوع أعمق وأبعد من ذلك بكثير، فمن الواضح أن إسرائيل هذه المرة قد أعدّت نفسها لشيء آخر، أبعد من غزة وفلسطين وأكبر من حماس والقسام.
وللأمانة فقد كنت بعد أيام قليلة من 7 أكتوبر أصغي باهتمام لندوة من مجموعة خبراء ولعدة ساعات يتكلمون عن معلومات وقاعدة بيانات ومتابعات وليس عن عواطف ورغبات ولا حتى مجرد تخمينات أو تحليلات، قالت دكتورة مشاركة: أعتقد أن هذه الحرب ستأخذ ما بين السنة إلى السنتين، فردّ عليها دكتور آخر: وربما ثلاث سنوات أو أكثر! في حين كان أكثرنا تشاؤما يرى أن ردة الفعل الانتقامية هذه لا تزيد على ثلاثة أشهر.
والسؤال الأهم اليوم؛ ماذا بعد؟
أعتقد من الناحية المنطقية أنه إذا كان مجموعة من الخبراء يمتلكون كل تلك المعلومات والبيانات فما بالكم بدولة مثل الأردن –وهي الآن في تقاطع النيران- وكذا مصر والسعودية وبقية دول الخليج، ولذلك فلا أظن أننا نستطيع أن نضيف أو نؤثر في قرار هذه الدول مهما كانت رؤيتهم ومهما كان قرارهم، بمعنى أنهم ليسوا بحاجة إلى مثل هذا النقاش أصلا.
ولذلك أتوجّه برسالتي هذه الى “شعوبنا المنكوبة” ليس من أجل إقناعها برؤية معيّنة، لا، بل من أجل أن تفكّر هي بجدية واستقلالية وتستعد لمواجهة الأحداث القادمة والتي قد تحل قريبا من دارها، برؤية واضحة ودراسات معمّقة، قبل أن “نضيع بين الرِجلين” كما يقول المثل العراقي، وربما تكون لنا حلقات أخرى، والله المستعان.
مع ملاحظة أني لا أدعو لمناقشة هذه القضية على صفحات التواصل، بل هي دعوة لأهل الفكر والمهتمين بالشأن العام أن يبحثوا في الطرق المناسبة لتبادل المعلومات والآراء لنشر الوعي اللازم على الأقل حتى يكون الناس على بينة من أمرهم ومستقبل أجيالهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق