الخميس، 14 نوفمبر 2024

فلسطين والقضية الصحراوية.. وانشغال العرب بترامب و”إيفانكا”!

فلسطين والقضية الصحراوية.. وانشغال العرب بترامب

 و”إيفانكا”!
شريف عبدالغني
صحفي وكاتب عربي


تتواصل المذبحة الإسرائيلية على أهلنا في قطاع غزة منذ أكثر من عام، بينما نحن العرب- كعادتنا، وربنا ما يقطع لنا عادة- نتابع المشهد دون أي فعل أو حتى رد فعل، بعدما تبلدت مشاعرنا واضمحلت نخوتنا وتحجّرت قلوبنا!

في ظل المذبحة، عادت إلى الواجهة قبل أيام “القضية المنسية” عربياً.. قضية الصحراء “المغربية”، وفق تسمية الرباط ومن يدور في فلكها، و”الغربية” حسب المصطلح الجزائري ومن يقتنع به.

لمن لا يعرف أصل هذه القضية المستمرة منذ خمسة عقود، وتسببت في خلافات وقطيعة بين بلدين عربيين كبيرين، وصلت أحياناً إلى التهديد بالحرب، فإن المملكة المغربية تعتبر الصحراء الفاصلة بينها وبين موريتانيا جزءاً لا يتجزأ من ترابها الوطني، بينما تنادي جبهة “البوليساريو” بانفصالها عن “المستعمر المغربي” وفق رؤيتها، وأعلنت الجبهة بالفعل تأسيس ما يسمى بـ “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” قبيل انسحاب إسبانيا عن الصحراء العام 1975.

وكلمة “البوليساريو” هي المختصر الإسباني المكون من الأحرف الأولى لاسم “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، وإقليم وادي الذهب هو إقليم واسع يغطي ثلثي تلك المنطقة، ويقع إلى الجنوب من إقليم الساقية الحمراء، والمنطقة برمتها- كما أسلفت- تقع جنوب المغرب وشمال موريتانيا، ويحدها من الشرق الجزائر.. وهنا المعضلة!

الجار الجزائري -ووفق الرواية المغربية- كان وما زال يطمح إلى أن يكون له نصيب من أراضي الصحراء، ليكون له منفذ على المحيط فيجمع بين الحُسنيين “المتوسط” و”الأطلسي”. كما أن موريتانيا هي الأخرى كانت تريد نصيبها من “الكعكة الصحراوية”، لكنها تنازلت عن حلمها بعدما فرضت المغرب سيطرتها على الإقليم، فيما احتضنت الجزائر “البوليساريو” ومناصريها في تندوف، الواقعة جنوبي غربي أراضيها، والقريبة من الحدود مع الصحراء، وذلك نكاية بالرباط، ودعماً لاستقلال هذه المنطقة لتحرم المغرب منها، وفي الوقت نفسه تجد لها موطئ قدم أطلسي عبر توطيد التعاون مع “الجمهورية الصحراوية” المنتظرة، والتي نالت بالفعل اعترافاً من عشرات الدول الإفريقية واللاتينية.

قبل نحو أسبوع، وتحديداً في 6 نوفمبر الجاري، احتفل المغاربة بذكرى “المسيرة الخضراء”، وهي مسيرة شعبية سلمية كان قد دعا إليها الملك الراحل الحسن الثاني في 6 نوفمبر 1975، وشارك فيها 350 ألف مغربي، تمكنوا من اجتياز الحدود التي كان يفصل بها الإسبان الصحراء عن الأراضي المغربية.

وبالمناسبة وجّه العاهل المغربي الملك محمد السادس خطاباً إلى الشعب، كرر فيه الرواية الثابتة في الرؤية المغربية بشأن الجزائر- دون أن يسميها- وقال إن “هناك من يستغل قضية الصحراء للحصول على منفذ إلى المحيط الأطلسي”، ثم زاد: و”هناك من يستغلها للتغطية على مشاكله الداخلية الكثيرة”، مطالبا الأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتها، وأن “توضح الفرق الكبير بين العالم الحقيقي الذي يمثله المغرب في صحرائه وعالم آخر غير واقعي”.

وفك العاهل المغربي طلاسم ما ذكره عن “العالم الحقيقي والعالم غير الواقعي”، فأوضح أن المغرب “تمكن من ترسيخ واقع ملموس قائم على الحقيقة والشرعية، من خلال تمسك أبناء الصحراء بمغربيتهم، وتعلقهم بمقدسات الوطن، في إطار روابط البيعة بين سكان الصحراء وملوك المغرب، وكذلك من خلال النهضة التنموية والأمن والاستقرار الذي تنعم به الصحراء المغربية، والاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، والاعتراف الواسع بالحكم الذاتي”.

وأضاف أنه “بالموازاة مع هذا الوضع الشرعي والطبيعي، هناك مع الأسف عالم آخر منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن”. ثم زاد من نبرة حديثه بأن “هناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه، وفي الوقت نفسه يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخذهم رهائن في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة، والحرمان من أبسط الحقوق.”

في المقابل، الجار الجزائري -كعادته- لم يصمت.. خرجت تصريحات عديدة -ومكررة أيضاً- بأن الشرق الأوسط لن يستقر إلا بحل القضيتين الفلسطينية و..الصحراوية !!

ومثلما كانت هناك فعاليات فنية وندوات ثقافية في المغرب، بمناسبة “المسيرة الخضراء”، فقد فعلت الجزائر الأمر نفسه، واستغلت مناسبة معرضها الدولي للكتاب المتواصل حالياً، وخصصت جناحاً معتبراً لـ”الجمهورية العربية الصحراوية”، حوى العديد من الكتب والمؤلفات عن قضية الصحراء- وفق منظور “البوليساريو” بالطبع-، وزار الجناح كثير من المسؤولين الجزائريين، وتكررت تصريحات الربط بين القضيتين الفلسطينية والصحراوية، فضلاً عن أن الصحف الجزائرية لا تكف عن نشر أخبار “تطبيع المخزن المغربي مع الصهاينة”، وآخرها زيارة وفد صحفي مغربي إلى إسرائيل، واتهامه المقاومة الفلسطينية -وفق هذه الصحف- بالـ”إرهاب”!

اللافت أنه لا يوجد أي تحرك عربي لتقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر لحل القضية الصحراوية، التي تعد أطول نزاع في القارة الإفريقية، منذ محاولة العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز الوساطة بين البلدين عام 1989، وجمع الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد بالعاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، خلال إحدى القمم الإسلامية، للتصافح فقط عند البيت العتيق في مكة المكرمة.

 وحين لم يستطع الملك فهد جمع الرجلين، عاد إلى أعراف التاريخ العربي القديم في التصالح، ونصب خيمته على الحدود بين البلدين للضغط الإيجابي لتحقيق هدف الوئام، ودعا كلاً من “بن جديد” و”الحسن الثاني” لخيمته، وحضرا.. فكانت أول جلسة مشتركة لفتح باب الحوار، وقد أسفر عن وقف الصراع مؤقتاً، لتعود النار وتشتعل بين وقت وآخر.

وإذا كانت الجزائر تتحدث عن ضرورة حل قضية “الصحراء الغربية” كأساس لاستقرار المغرب العربي الكبير، فإن المملكة المغربية -وعبر لسان بعض مسؤوليها وكثير من سياسييها ونشطائها على مواقع التواصل الاجتماعي- قامت بقفزة أمامية، وأكدت أن الأزمة تكمن في “الصحراء الشرقية”، وتقصد بها مناطق واسعة على حدودها الشرقية تقع ضمن الأراضي الجزائرية، ومنها ولاية تندوف مترامية الأطراف، التي تستضيف فيها الجزائر جبهة “البوليساريو” ومخيمات اللاجئين الصحراويين.

يقول هؤلاء المغاربة إن كل هذه المنطقة هي في الأصل جزء من بلادهم، وإن فرنسا ضمتها للجزائر بعدما خططت لعدم الانسحاب من هذا البلد الذي اعتبرته الأرض الفرنسية جنوب المتوسط، ولذا كانت تزيد وتُعظم من هذه الأرض بضم مساحات من المغرب.

ربما لا يدرك كثيرون في المشرق العربي أبعاد هذه القضية وخطورتها، كما لا يهتم المسؤولون العرب بمحاولة حلها، مثلما هم غير مهتمين بإبادة غزة وأهلها.

 لكنهم على كل حال لديهم عذرهم، فهم مشغولون بعودة ترامب إلى البيت الأبيض، وتبعات ومآلات ذلك على المنطقة. إنهم حالياً حائرون.. يفكرون.. يتساءلون في جنون: حينما يحل ترامب إلى ديارنا ضيفاً عزيزاّ وأخاً مقدراً صاحب بيت وقصر وشاليه ويخت.. هل سيأتي وحده، أم ستكون معه المحروسة من عين البشر “إيفانكا”؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق