الاثنين، 25 نوفمبر 2024

عن الشيعةِ والتشيع.. اقرأ؛ فأنتَ حَجِيجُ نفسِك

عن الشيعةِ والتشيع.. اقرأ؛ فأنتَ حَجِيجُ نفسِك

د. على فريد


 «الحُكمُ على الشيء فرعٌ عن تصوره»..


هذه قاعدةٌ فقهيةٌ جليلةٌ لا يستغني عنها فقيهٌ في واقع، ولا باحثٌ في بحث.. وقد كثرت في زمننا هذا (صناعةُ) رؤوسٍ جهال ليتخذهم الناسُ علماءَ ومشايخ وقادة رأي ومثقفين؛ يُفتون فَيَضِلُّون ويُضلُّون.. بعضهم يتعلق بأذيال (مقاصد الشريعة) لإسقاط الشريعة، وبعضهم يتحجج بـ(فقه الواقع) لتعمية الواقع، وبعضهم يتفلسف حول (المآلات) لتسويغ الضلالات..


وآخرون مخلصون متأولون؛ فيهم من الخير أضعافَ ما فيهم من ضِده، ومِن الإخلاص أضعافَ ما فيهم من نقيضه؛ بيد أنَّ سيل الواقع يجرفهم بِأتِيِّه، ويخلطهم بِزَبَدِه؛ فيتأولون الكوارثَ مخلصين، ويُسوّغون المصائبَ مجتهدين؛ فيضل بهم العامة في هدير السيل، ويتشكك فيهم الخاصة مِن شدة الويل.. وهم على خيرٍ وإن أخطؤوا!!


ولستُ في موقعِ مَن يحكم على الناس؛ فإني منهم ولا أبريء نفسي.. بيد أنَّي أصف مَن ترون بقدر ما أرى.. وكلٌ واصفٌ وموصوف؛ فما الواصف بأعلى من الموصوف لمجرد وصفه له، وما الموصوف بأدنى من الواصف لمجرد وقوع الوصف عليه.. وكلنا- في عيون كُلِّنَا- له وعليه..


لِكُلِّنَا يا دارُ منكِ شَجْوُ


وبعضُنا مِن شَجْوِ بعضٍ خِلْوُ


ولأنَّ الله جل وعلا يقول:” وكلهم آتيه يوم القيامة فردا” فإنَّ العَالِمَ الفلاني والمثقف العلاني لن يملكا لنفسيهما أمام الله نفعاً ولا ضراً؛ فضلاً عن أن يُغنيا عنك من الله شيئاً.. فدع هؤلاء وأضدادَهم؛ لا تصدق أحداً.. بل لا تصدق حتى كاتبَ هذه السطور قبل أن تقرأ لتعرف، وتعرف لتفهم، وتفهم لتحكم؛ كي لا تصعد على أكتاف العلماء مِن أمثالهم أو أكتاف المتعلمين من أمثالي إلى النار!!


وقد يَسَّرَ الله في هذا الزمن مِن أدوات المعرفة وإمكانات الوصول إلى المعلومة ما لم يتيسر مثله في الأزمنة السابقة.. وقد كنا منذ عقدين فقط نقضي الشهور ذوات العدد في البحث عن كتاب أو رسالة علمية أو مقال متخصص، ثم لا نجده- إن وجدناه- إلا بشق الأنفس، وكانت الأجيال قبلنا أشد تعباً وأكثر بذلاً للجهد منا.. بينما الأمر الآن لا يحتاج منك إلى أكثر من (ضَغطةِ زِر) ليكون الكتاب أو الرسالة أو المقال أمام عينيك..


وموضوع (الشيعة والتشيع) هذا من أشد الموضوعات خفاءً في القرن الماضي والحالي؛ ليس على العامة فقط؛ بل على كثرةٍ كاثرةٍ من العلماء وطلبة العلم؛ فغالب هؤلاء كانوا يظنون التشيع- الإمامي خاصة- مذهباً مُضافاً إلى المذاهب الأربعة الإسلامية، وكأنهم طال عليهم الأمد فلم يهتموا بدراسة الشيعة والتشيع لعدم شيوع كتبهم، أو لعدم ظهورهم على مسرح الأحداث ظهوراً يستلزم الدراسة والاهتمام.. ثم لما ظهروا بقوة على يد الخميني الذي (أركبه) النظامُ العالمي ظهرَ الثورة الإيرانية؛ ظهروا بصورة إسلامية مقاومة أو مناهضة لما يسمونه الاستكبار العالمي؛ فكانت الفتنة بظهورهم أشد على كثير من العلماء والمتعلمين مِن الفتنة بخفائهم..


وقد هان الأمر شيئاً ما الآن وافتُضِحَ المشروع الشيعي كله عند كثيرٍ من العامة والخاصة بعدما فعله الشيعة في الشام والعراق واليمن، وبعد ظهور عقائدهم الشركية ومذابحهم البشعة في مقاطع مرئية ومسموعة..


وأنا والله أحمد الله كثيراً على هذا الظهور والافتضاح- وإنْ كان جاء بسبب مجازر تشيب لهولها الولدان-؛ فإنَّا كنا في سنة 2006 إبان الصعود الإعلامي الكاسح لحزب اللات؛ نكاد نكون كالشعرة البيضاء في الثور الأسود؛ ينظر إلينا الناس كما ينظرون إلى كائنات فضائية قادمة من كوكب آخر، أو يروننا كالجرب في الأجساد يجب الابتعاد عنه، ويشتموننا بسبب تحذيرنا المستمر من حزب اللات وقائده حسن.. حتى خسرنا غالب أصدقائنا؛ بل وأكثر أهالينا..


ومع ذلك كله.. ومع كل هذا الظهور الجلي لعقائد الشيعة الشركية، ومجازرهم البشعة في المسلمين؛ إلا أنه لا يزال هناك بعض المشايخ، وبعض مَن (صُنِعُوا) مشايخ، وبعض طلبة العلم المخلصين؛ تُعميهم ألاعيب السحرة عن حقيقة السحر، وتلبيسات الأبالسة عن حقيقة إبليس، ومعجزات الدجال عن قراءة ما بين عينيه!!


مِن أجل ذلك كله.. ولأن المقصود وَعْيَكَ أنت.. ولأنك ستُحاسبُ عن نفسك ولن يغني أحدٌ عنك مِن الله شيئاً؛ فيجب عليك أن تترك هذا الجدل كله؛ بمهاتراته ومناظراته، وتبحث بنفسك لنفسك لتكون حجيج نفسك.


وأصلُ الأمر في كل مسألة يُختلف عليها هو: (غياب التصور الحقيقي الذي به يقوم الحكم على المسألة).. فإنَّ الحكم على الشيء-كما قال الفقهاء- فرعٌ عن تصوره.. والعقلاء لا يَحكمونَ على الفِرق والمذاهب والطوائف إلا مِن خلال أمرين لا أعرف لهما ثالثاً:


الأول: عقائدهم في أُمَّاتِ كتبهم؛ لأنها- غالباً- منطلقات أفعالهم.


والثاني: أفعالهم في الواقع؛ لأنها- غالباً- نتاج معتقداتهم.


أما أفعالهم في الواقع فقد رأيتَهَا أنتَ بنفسك في البراميل المتفجرة، وأجساد المسلمين المتفحمة، وأعراضهم المنتهكة، وأطفالهم المذبوحة، ومدنهم المهدمة، ومساجدهم المقصوفة، وقبور أجدادهم المنبوشة، وشيوخهم المقتولين بالدريل والمنشار الكهربائي، وبلدانهم التي سمح النظامُ العالمي لإيران باجتياحها والسيطرة عليها وتخريبها.. 

بل رأيتها في اعتراف النافق حسن نصر الله نفسه حين تحدث عن النافق سليماني فأوضح كيف ذهب سليماني إلى روسيا لإقناع بوتين بالتدخل العسكري المباشر في الشام لمنع إسقاط بشار بعدما كانت الفصائل السورية قاب قوسين أو أدنى من فتح دمشق.. وقد كان واقتنع بوتين وبدأ الشيعة يقتلون المسلمين ويُسقطون المُدن تحت غطاء الطيران الروسي مدعين البطولة والشجاعة والمقاومة..


ويقيني أنك تساءلت بينك وبين نفسك عن سبب كل هذا الحقد، ودوافع كل هذه المجازر؛ في الوقت الذي يروج فيه الإعلام لهؤلاء أنهم مقاومة إسلامية أو مسلمون فيهم شيء من البدعة..


ولكي تصل إلى إجابة هذا السؤال؛ يجب عليك معرفة منطلقات هذه (الأفعال).. ولا منطلقات لهذه الأفعال سوى تلك (العقائد) التي أُريد لك ألا تعرفها.. فاعرفها؛ ثم أنت بعد ذلك حجيج نفسك!!


وقد يسر الله لي أن أجمعَ لك في هذا المقال (أسهلَ) ما يُمكن أن تقرأ مِن كتبٍ عن عقائد الشيعة التي دفعتهم وتدفعهم- قديماً وحديثاً- إلى ارتكاب هذه المجازر كلما تمكنوا أو استمكنوا..


ومع أني أتيتُ لك بكتبٍ عُرِفَتْ وعُرفَ أصحابُها بشدة التدقيق والتوثيق، والعودة إلى مصادر الشيعة الأصلية؛ فإني أنصحك- مع هذا كله- أن تدخل إلى هذه الكتب بعين القاريء المدقق، وعقل الناقد البصير؛ فإن هَالَك رأيٌ أو عَظُمَ عليك قبولُ نصٍ وأحسست فيه بالمبالغة أو المغالاة أو تجاوز الحد؛ فلا تتكاسل عن العودة بنفسك إلى المرجع أو المصدر الذي ذكره صاحبُ الكتاب لتتأكد بنفسك من وجوده، وتحصل لك- مع الوقت- دُربةُ الرجوع إلى المصادر لمعرفة صحيح الأخبار من سقيمها.


ودونك الكتبَ فتوكل على الله..


(أولاً):

_ سلسلة الأستاذ الشيخ الشهيد-بإذن الله-(إحسان إلهي ظهير) عن الشيعة والتشيع.. والأستاذ إحسان إلهي ظهير رحمه الله كان من أكثر العلماء نشاطاً وإنتاجاً وتخصصاً في القارة الهندية في مجال الأديان والفِرق، وله كتب أخرى عن (البابية) و(البهائية) و(القاديانية) و(الإسماعيلية الباطنية)، وغيرها من الفرق الضالة التي تناسلت من رحم التشيع كما يتناسل الدودُ عن الجِيَف.. وقد قتله الشيعةُ شهيداً بإذن الله بوضع قنبلة موقوتة في مزهرية كانت أمامه وهو يُلقي محاضرة في (جمعية أهل الحديث) بمدينة لاهور بباكستان؛ فاستشهد متأثراً بجراحه هو وتسعة من العلماء الحضور، ودُفن بالبقيع سنة 1987م.


وكتبه المقصودة عن الشيعة والتشيع شهيرة جداً.. وهي كالآتي:

1_ كتاب: الشيعة والسنة.


2_ كتاب: الشيعة وأهل البيت.


3_ كتاب: الشيعة والتشيع (فِرَق وتاريخ).


4_ كتاب: الشيعة والقرآن.


وتمتاز هذه السلسلة- بل وكل كتب الأستاذ إحسان إلهي ظهير- باليسر والسهولة والمباشرة، مع تحري الدقة الشديدة والأمانةِ الكاملة في النقل عن مصادر الشيعة وكتبهم الأصول.. ويستطيع العامي والمتخصص والصغير والكبير قراءتها بيسر وسهولة؛ فيحصل له بها تصورٌ دقيق جداً عن ديانة الشيعة وحقيقة معتقداتهم.


(ثانياً):

حين تنتهي من قراءة الكتب السابقة للأستاذ إحسان إلهي ظهير؛ فيقيني أنك ستعرف أمرين؛ الأول: عقائدَ الشيعة التي هي السبب الأول والدافع الأكبر لكل هذا الحقد والمجازر ضد المسلمين، والثاني: أنَّ التقريب الذي نادوا به من قبل وينادون به الآن بين المسلمين والشيعة باعتبار التشيع مذهباً مخالفاً لا ديناً مختلفاً؛ هو شيء أقرب إلى المناداة بالتقريب بين اليهودية والإسلام، أو بين النصرانية والإسلام.. ومع هذا؛ فلا بأس أن تقرأ عن تاريخ أكذوبة التقريب في العصر الحديث، وكيف ولماذا ظَهَرَتْ، وما هي مؤسساتها ودعاتها، وهل أثمرت شيئاً بعد أكثر من ثمانين سنة مِن ظهورها أكثرَ مِن هذه المجازر التي تشيب لهولها الولدان؟!


وستجد كلَّ هذا في:

_ كتاب الدكتور ناصر القفاري (مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة)، وهو مِن جزئين كانا- في الأصل- رسالة علمية نال بها صاحبُها درجةَ الماجستير في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة؛ ففيها ما في الرسائل العلمية المحترمة- حين كانت الرسائل العلمية محترمة- مِن تدقيق وتحقيق وتحرٍ للحقيقة كما هي لا كما يريدها أهلُ الأهواء.. وقد شرح فيها تاريخَ أكذوبة التقريب بين المسلمين والشيعة بتفصيلٍ شديد يُشكرُ عليه، مع عَرضِ عقائد المسلمين ومقابلتها بعقائد الشيعة.. فهو كتاب أصل في بابه لا غنى لك عنه إن أردت المعرفة.


(ثالثاً):

ثم.. أنا زعيمٌ لكَ إن شاء الله- إن اكتفيت بسلسلة الشيخ إحسان إلهي ظهير، وكتاب الدكتور ناصر القفاري- أن يتكون في عقلك وروحك تصورٌ شاملٌ دقيق عن حقيقة ديانة الشيعة، وعن طبيعة التشيع وفِرَقِهِ وتاريخه، فإن أحببتَ التوقف عند ذلك فقد تم لك ما تريد من تصورٍ يؤهلك للحكم على هؤلاء الناس إسلاماً وكفراً.. 

وإن راق لك المجال وأحببت التوسع فيه؛ فاقرأ:


_ كتابَ الشيخ الدكتور على أحمد السالوس: (مع الاثنى عشرية في الأصول والفروع).. وهو موسوعة ضخمة من أربعة أجزاء جمع فيها الشيخ السالوس كثيراً مما كتبه في رسالتيه (الماجستير والدكتوراه)؛ حيث كانت الرسالتان عن الشيعة والتشيع، في قسم الشريعة بكلية دار العلوم بالقاهرة.. ولا أنصح بالبدء بهذه الموسوعة إلا لمن شاء التبحر في هذا المجال، وأنهى قراءة كتب الأستاذ إحسان إلهي ظهير، وكتاب الدكتور ناصر القفاري.


والظريف أن الشيخ السالوس يذكر في تمهيد موسوعته هذه أنَّ شَيخَه (محمد المدني)-وهو من دعاة التقريب- شّجَّعهُ على الاطلاع على كتب الشيعة والاتصال بعلمائهم باعتبار التشيع مذهباً خامساً مضافاً إلى مذاهب المسلمين الأربعة.. وهي الفكرة المذهلة ذاتها، والمصيبة الكبرى التي ابتُلِيَ بها كثيرٌ من علماء المسلمين في هذا العصر؛ حين يظنون ابتداءً أنَّ التشيع مذهبٌ خامس بعد المذاهب الأربعة، أو سادسٌ بعد المذهب الظاهري؛ يدفعهم إلى ذلك الاستسهال، أو الانشغال، أو المجاملات آن الدعة، أو التأول المذموم طلباً للتقريب أو الوحدة المستحيلة.. فلما أخذ السالوس بالقراءة بدأ يظهر له- على حد قوله- أنَّ الأمر على خلاف ما تصوره دعاةُ التقريب، وأنَّ عقيدةَ الشيعة في الإمامة وما ينبني عليها لا يستقيم معها تقريب.. وهو عين ما يكتشفه أيٌّ عالمٍ أو طالبُ علمٍ أو قارئ حين يبدأ في قراءة كتب الشيعة؛ فما هي إلا مسيرة كتابٍ أو كتابين إلا ويكتشف هولَ الفاجعة وفداحة الخطب واستحالة التقريب بين دينين مختلفين لا يجمعهما إلا مصطلحات هي عند الشيعة على غير معناها عند المسلمين.


(رابعاً):

فإنْ وصلتَ في القراءة إلى هذه المرحلة؛ فأغلب ظني أنك امتلأت بمعرفة حقيقة عقائد القوم وحقيقة مخالفة دينهم لدينك.. كما أظن أيضاً أنه هَالَكَ ما يهول العقلاء مِن حجم التعمية على أصول هذه الديانة وفروعها وفِرَقِهَا وتاريخها.. فإنْ كان حَدَثَ لكَ ذلك فأنصحك أن تُرَوِّحَ عن نفسك قليلاً بالانتقال بالقراءة مِن المجال العقدي إلى المجال السياسي..


والسياسة في حقيقتها الموغلة في العمق والبساطة معاً؛ ليست أكثر مِن (عقيدة، ورجالٍ، ودولة)؛ (عقيدةٍ) يعتقدها(رجالٌ) ليبنوا بها(دولة).. وما دمتَ قد عرفت العقيدة؛ فيجب عليك معرفة رجالها الذين اعتقدوها لتعرف دولتهم التي بنوها.. وقد كان الشاه علمانياً قومياً لا يمكن تسمية دولته آنذاك بـ(الدولة الشيعية)، وإن كان غالب شعبها شيعة؛ لأن الدولة إنما تُعْرَفُ وتُعرَّفُ بنظامها المسيطر لا بديانة أهلها المستضعفين.. وهذا عكسُ ما يريد الخبثاءُ زَرْعَهُ في عقلك الآن؛ فيما يخص دولَ المسلمين الحالية؛ فيقولون لك: وأين هي الدول (السُنِّية) مما يحدث؟! والجواب: لا وجود لدولٍ سُنيةٍ أصلاً؛ لأنَّ الأنظمة ليست كذلك وإنْ كانت الشعوب كذلك!!


وحين أطاح النظامُ العالمي بالشاه ذي الأصول الفارسية- كما يُقال ولا أظنه كذلك- وجاء بالخميني ذي الأصول الهندية- كما يُقال وأظنه كذلك-؛ تغيرت المعادلة تماماً؛ فنهضَ بناءُ الدولة الإيرانية على عمادين اثنين: (التشيع والقومية)؛ مع تقديم أحدهما على الآخر ظاهرياً حسب السياقات والأحداث؛ فصارت الدولة شيعية نظاماً وشعباً، وصار إطلاق هذا المصطلح عليها صحيحاً وواقعياً..


ولأن الخميني مجهولةٌ تفاصيل حياته لكثير من القراء لا يكادون يعرفون عنه إلا ما يُرّوَّجُ عن أمثاله من مُنشئي الدول وقادة الأمم تعظيماً وتفخيماً؛ خاصةً إذا كان نظامُه لا يزال حاكماً باطشاً؛ بخلاف تفاصيل عقيدته التي عُرِفَتْ الآن وقرأتَ عنها في الكتب السابقة، ووضحت في كثير من كتاباته هو نفسه، وسجلها عنه كثيرٌ من العلماء المسلمين والشيعة على حد سواء.. من أجل ذلك فإني أقترح عليكَ هذا الكتاب لتعرف به أصله وفصله ومنشأه وارتباطاته ومراحل حياته قبل الثورة الإيرانية:


 كتاب الدكتور هوشنك نهاوند: (الخميني في فرنسا).. ترجمة مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية.. ونهاوند هذا أستاذٌ إيراني مرموق في الاقتصاد السياسي.. عمل رئيساً لجامعة شيراز، ووزيراً للتنمية، ثم وزيراً للتعليم العالي إبان حكم الشاه، بالإضافة إلى قربه الشديد من الشاه رضا بهلوي وزوجه الامبراطورة فرح، ثم نُفي بعد الثورة الإيرانية خارج إيران.. ومعلومٌ أنَّ رجلاً بهذه السيرة سيكون علمانياً قومياً ذا تدين تقليدي منزوع الدسم، تماماً كعلمانيينا وقوميينا العرب، مع رفضٍ شديدٍ لجعل الإسلام منهج حياة أو أساس حكم.. وستجد في الكتاب هجوماً شرساً ومناهضةً قويةً لما يُسمونه الإسلام السياسي أو الحركات الإسلامية.. بيد أنَّ مركزية الكتاب ليست في هذا وأمثاله؛ فقد تعودنا على أشد منه مِن العلمانيين والقوميين العرب؛ وإنما مركزيته في رصده الدقيق المدعم بالوثائق والأدلة لحياة الخميني، وسيرته الذاتية، وأصله وفصله، وكيف ظهر على مسرح الأحداث فجأة في أوائل العقد السادس من عمره، وكيف التُقِطَ مِن العراق إلى فرنسا ليقضي فيها أكثر من مائة يوم تحت أضواء الكاميرات والتلفزة والدعاية اليسارية التي جعلته قديساً قادماً من السماء، ثم أُعيد- بعد تلميعه- إلى إيران على متن طائرة فرنسية؛ ليهبط منها متكئاً على ذراع ضابط مخابرات فرنسي!!


هذا هو بيت القصيد في الكتاب.. وقد قرأتُ كتباً كثيرة عن حياة الخميني هذا ونشأته وأفكاره؛ منها لمحبيه ومنها لمبغضيه، ومنها لأمثاله من الملالي، ومنها لمغايريه من الأساتذة؛ فما وجدت- كتاباً مترجماً للعربية- هو أفضل من هذا الكتاب في هذا الباب.. وقد يكون غيري قرأ ما لم أقرأ؛ بيد أني أصف لك ما قرأت.. ولعل أهمية هذا الكتاب عائدة إلى أنَّ صاحبه كان قريباً من دوائر صنع القرار، وصديقاً مقرباً لقادة ورؤساء الأجهزة المعنية بالرصد والتحليل داخل إيران وخارجها.. ومعلومٌ أيضاً أنَّ هذا القربَ سيفٌ ذو حدين؛ يمكن أن يجعل صاحبه شاهد عيان روايته أكثر توثيقاً وصدقاً من روايات غيره، كما يمكن أن يجعله مدخول النية بسبب كراهيته للخميني- الذي أسقط به النظامُ العالميُّ دولتهم-؛ فتكون روايته كذباً وافتئاتاً.. والأصل- كما اتفقنا- أن تتوثق من المصادر بنفسك حتى لا يوهمك شاهدُ عيان بوهم، أو يخدعك مدخول النية بكذب..


ومَن لكَ بالمحض وليس محضُ


يخبثُ بعضٌ ويطيبُ بعضُ


(خامساً):

إن كنتَ وصلتَ إلى هنا فقد عرفت حقيقة (العقيدة)، وطبيعة(الرجال)، وشِمتَ- مِن خلالهم- شيئاً مِن المعرفة عما بقي لك معرفته مِن طبيعة (الدولة).. ولا أُخفيكَ أنني قد أصابتني حيرةٌ شديدة في اختيار كتاب أو كتابين يُفهمانك طبيعةَ دولةٍ آن وجودها.. فما مِن كتاب عن دولة- آنَ وجودها- إلا وهو محتاج إلى تذييلاتٍ ومحترزاتٍ واستدراكات؛ وما ذاك إلا لأنها ما تزال فاعلة في الواقع؛ والواقع زئبقيٌ متحركٌ تحتاج معه إلى معرفة الثابت منه لتفهم به المتحرك فيه؛ فلا تعميك عنه الحركة..


مِن أجل ذلك رأيتُ- مجتهداً؛ مصيباً أو مخطئاً- أنْ أتركَ الحاضر كله بتعقيداته، وأعودَ بك إلى الماضي لتعرف طبيعةَ الرَّحِمِ الذي خرجت منه دولة الخميني.. ولا رَحِمَ أوسع ولا أعمق للدولة الخمينية الحديثة مِن الدولة الصفوية القديمة؛ فإنها أُسُّهَا الأول وعمادها الأقوى.. ومهما اختلفت التفاصيل الزمنية أحداثاً ووقائع؛ فإنك واجدٌ- بقليل من المقارنةِ والاستصحاب- هذه بنتَ تلك، وتلك أمّاً لهذه؛ فقراءتك عن الأولى تفيدك في معرفة الأولى والثانية معاً؛ فتكون كمن صاد عصفورين بحجر أو نَظمَ فارسين بطعنة!!


ومعرفة الدول بمعرفة ثلاثة أمورٍ غالباً: عقيدتِها، ورجالِها، وعلاقاتِها الخارجية.. وقد انتهيتَ من معرفة العقيدة والرجال- اللَذَين هما ثابت الدول عموماً-، وبقي لك معرفة (علاقاتها)؛ إذ العلاقات في الدول هي (المتحرك) الذي يُنبئ عن طبيعة (الثابت) فيها؛ فإنها- مع تذبذبها صعوداً وهبوطاً، وتأثرها بعوامل المصلحة والزمان والمكان- صورةٌ عاكسةٌ لحقيقةِ (الثابتِ) ولاءً وبراء، وعداوةً وصداقة.. ورؤيتك لهذه الصورة وتدقيقك في تفاصيلها؛ ستساعدك في معرفة الخانة التي يمكن أن تضع فيها تلك الدولة؛ أفي خانة العدو الدائم أو المرحلي، أم في خانة الصديق الدائم أو المرحلي.. ولكل خانةٍ آليات تعامل وأدوات مواجهة..


والكتاب المختار في هذا الشأن هو:👇

_ كتاب نصر الله فلسفي: (إيران وعلاقاتها الخارجية في العصر الصفوي) ترجمة د. محمد فتحي يوسف الريس.. وهو كتابٌ تأسيسيٌ في بابه، وصَاحِبُه (نصر الله فلسفي) من كبار المؤرخين الإيرانيين المهتمين بتاريخ إيران عامةً وتاريخ الدولة الصفوية خاصةً.. تولى وزارة العدل إبان العصر الملكي، ثم عمل مستشاراً ثقافيا لإيران في إسبانيا وإيطاليا، وتوفي في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين.. وقد أتاح له عملُه مستشاراً ثقافياً لإيران في إسبانيا وإيطاليا- فرصة الاطلاع على كثير من الوثائق والمخطوطات والكتب التي تُظهر ما خفي مِن علاقات الدولة الصفوية بدول أوروبا، وتبدي ما انكتم من تعاملاتها مع الأوربيين بغرض الاستعانة بهم لتحطيم الدولة العثمانية، وتمهيد السبيل- كما يقول الدكتور الريس- للاستعمار الأوربي للاستيلاء على المشرق بأسره، واقتطاع أجزاء مركزية منه، ثم استعماره استعماراً مباشراً بعد ذلك.. وفي الكتاب من الأحداث والقصص الموثقة ما يمكن أن يضيء لك الطريق لفهم دولة الخميني الحديثة بفهم دولة الصفوي القديمة..


وقد يعجب بعضُ القراء، أو يستهجن بعض (المتأيرنين) من اختيارِ كتابٍ عن علاقاتِ دولةٍ قديمة لفهم علاقاتِ دولة حديثة، مع اختلاف الزمان والأحداث والسياقات.. وقد قلت لك سابقاً إنَّ سبب ذلك هو أنَّ هذه بنتٌ لتلك وتلك أمٌ لهذه.. وسبب آخر لا يقل أهمية عن هذا.. وهو أن (طبيعة) علاقات الدولة الخمينية الشيعية الحديثة بأعداء الإسلام؛ عَمَّى عليها سحرُ الصورة، وخَدَرُ الشعارات، وكذب المنافقين.. وما أكثر ما أنكر هؤلاء المنافقون ما أُشيع بقولهم: إشاعات، وسَوَّغُوا ما ثَبَتَ بقولهم: اضطرار.. فلما ظهرت النتائج في شكل مجازر ومذابح أدارتها الدولة الخمينية علينا تحت مظلة علاقاتها بالنظام العالمي؛ قالوا: مشروعهم ومصلحتهم، وأين مشروعنا نحن ومصلحتنا.. فهم يؤولون كل فضيحة، ويسوغون كل كارثة، ثم يهربون إلى الأمام متسائلين: أين دول أهل السُنَّة؟! ولا يكتفون بذلك.. بل يُسَعِّرون الحملاتِ تلو الحملات على الأنظمة العربية العميلة الملعونة- لا بقصد فضح أصل وظيفتها الخيانية-؛ بل بقصد التعمية على سقوط شعارات إيران وادعاءاتها، وظهور (طبيعة) علاقاتها بالنظام العالمي ضد المسلمين.. فقراءتك لطبيعة علاقات الدولة الصفوية القديمة؛ ستعطيك أساساً ثابتاً لفهم طبيعة علاقات الدولة الخمينية الحديثة دون أن تسحرك الصورة أو تخدرك الشعارات أو يستغلك المنافقون..


ثم أنتَ بعد ذلك وما تُريد؛ فلن تُعجزك قراءةُ الكتب أو الاطلاع على الوثائقيات التي تناولت طبيعة علاقات الدولة الخمينية الحديثة- وهي تفوق الحصر- بالنظام العالمي ممثلاً في أمريكا وإسرائيل خاصة، وتذبذبها بين التحالف الكامل والتحالف الجزئي ضدنا؛ لتعرف تفاصيل ما يحدث فوق الطاولة أو تحتها؛ مما يجعل فضيحة (إيران جيت)- أيام الخميني- أشبه بالمقبلات قبل الطعام، أو (مسح الزور) قبل الوجبة الرئيسية.


ختاماً..

فلا أظنك تحتاج مني أن أقول لك إنَّ هذه الكتب غيضٌ مِن فيض، وقطرةٌ في بحر؛ لم تبلغ- مما كُتب عن الشيعة والتشيع- مقدارَ سِوارٍ يُحيط بمعصم، أو خاتماً يجول بإصبع.. فحسبك أن تُطالعَ ثبتَ المراجع، والمصادر، وهوامش الصفحات في هذه الكتب نفسها؛ لينفتح لك عَالَمٌ مترامي الأطراف ِمن العلم والمعرفة في هذا المجال؛ إنْ وَلجتَه فلا أظنك ستخرج منه سريعاً..


وقد أخبرتك سابقاً أني تحرَّيتُ في اختيارها السهولةَ والبساطةَ والمباشَرة؛ مع شدة التوثيق والتدقيق.. وفي غير هذه الكتب- مما ستعرف أسماءَهَا إنْ بدأت بالقراءة- مثل ما في هذه الكتب مِن التدقيق والتوثيق؛ بيد أني اخترت لك ما رأيتُه سهلاً قريبَ المتناول؛ يفهمه العامي والمبتديء والمتخصص.. وأنا ضامنٌ لك- إنْ شاء الله إنْ فَرَّغت نفسَكَ شهراً أو شهرين وقرأتَها_؛ أنْ تفهم كثيراً مما أُخفِيَ عنك عمداً، أو عُمِّيَ عليكَ تأولاً، أو هُوِّنَ لكَ مكراً.. وأنتَ- بعد ذلك وقبله- حَجيجُ نفسِك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق