الجمعة، 13 ديسمبر 2024

مصيبة العلماء في واقعنا المعاصر

مصيبة العلماء في واقعنا المعاصر

إن علماء المسلمين هم الذين كانوا يقودون حملات الجهاد ويرفعون رايات الإصلاح، ويدافعون عن حقوق أمتهم، فلم ينزلوا في مساجدهم أو منازلهم أو يقتصروا على تدريس طلابهم، وإفتاء الناس في قضاياهم الخاصة من طلاق ووضوء وصلاة وبيع وشراء وغيرها ـ مع أهمية ذلك كله ـ بل كانوا يعْلمون أن مسؤوليتهم أكبر من ذلك بكثير، وأن واجبهم تجاه الأمة يتعدى هذه الأمور كلها ليصل إلى مناصرة المسلمين، ومناهضة الكافرين، وكشف ضلال الفاسقين وردّ الظالمين عن ظلمهم، وحماية شرع الله من التحريف أو التعديل ونبْذ التحاكم إلى القوانين الوضعية أو التلاعب بأوامر الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم


الحكم بغير الشرع مادة كل فتنة وباب كل بلاء وأساس كل شر

لم يُصب الإسلام في علمائه كما أصيب في عصرنا الحاضر! فلقد أخلى كثير من العلماء ساحة المعركة الحقيقية، وهي معركة الحكم بما أنزل الله، فلأول مرة صار المسلمون يُحكَمون بشريعة علمانية حكماً عاماً!

وهذه هي المعركة الحقيقية، لأن عدم الحكم بالشرع مادة كل فتنة وباب كل بلاء وأساس كل شر، ومن ثم يترتب على ذلك تغلغل الوهن العام في كيان الأمة، فتتفكك وحدتها، وتتمزق نسيجها، فتكون لقمة سائغة للأعداء يتلاعبون بها كما يشاؤون، فتفقد بذلك واجبها الرسالي بين البشرية!

وأكبر من هذا؛ لأن الحكم بالشريعة أحد أعظم مظاهر التوحيد وبراهين الإيمان ومقاصد النبوات، إذ حقوق الله تعالى على العباد ثلاثة: الإقرار له بالربوبية والخالقية، والإقرار له بالعبادة والطاعة، والإقرار له بالحكم والتشريع. وكل هذه الحقوق المطلوب أن تكون خالصة لله سبحانه بلا شريك.

فهذه الثلاثة، هي ثلاثية التوحيد الذي جاءت الأنبياء ونزلت الشرائع لأجله وبيانه، فهي مظاهر أسماء الله وصفاته، وتجليات كماله وعظمته اللامتناهية. ولهذا لا يمكن إقامة عنصر منها مع إهمال العنصرين الآخرين، بل هي متلاحمة متشابكة، بعضها يتولد عن بعض، فالله هو الرب الحق، وهو المعبود الحق، وهو المشرّع الحق، فلا يستقيم مثلاً اعتقاد أنه الرب الحق مع صرف العبادة لغيره، ولا يستقيم اعتقاد أنه المعبود الحق مع صرف التشريع لغيره.

مصيبة العلماء في واقعنا المعاصر

ومع كل هذه الأهمية والخطورة، فقد أخلى كثير من المشايخ والعلماء ساحة هذه المعركة الحقيقية، وانصرفوا إلى معارك جزئية أو على الأقل معارك لا يمكن أن تكون لها نتائج بدون الانتصار في ساحة الحكم بالشريعة ضد العلمانيين.

فبعضهم فعل لأنه خشي على نفسه البلاء، وبعضهم فعل لأن الدنيا خدعته ببريقها، وبعضهم فعل لسوء تقديره طبيعة المعركة القائمة على الإسلام، وبعضهم فعل ظنا منه خلو الذمة بسبب وجود مجالس علمية نصبتها الدولة العلمانية.

والله المستعان.


    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق