الأربعاء، 11 ديسمبر 2024

المعارضة السورية تسترد الدولة وتقطع الطريق على التقسيم

 

المعارضة السورية تسترد الدولة وتقطع الطريق على التقسيم



في معركة خاطفة استطاعت المعارضة السورية أن تطيح بطاغية الشام في أيام قليلة، وتقدم للعالم تجربة تحتذى في إدارة الحرب بالحكمة والتسامح والرحمة، وتم تغيير النظام بدون تدمير المدن وسفك الدماء كما اعتاد الرئيس الهارب ووالده من قبله؛ فلا قتل لمن ألقى السلاح ولا مطاردة لمن انسحب وولى مدبرا، وحظي التعامل بالرفق واللين مع كل الطوائف والأقليات في المدن المحررة باحترام المخالفين قبل المؤيدين.

رغم الفرح الذي عم سوريا بالخلاص من أسوأ نظام عربي منذ  نهاية الحقبة الاستعمارية؛ فإن مشاهد تحرير السجناء كانت صادمة، ففي كل مدينة سجن كبير، وحالة السجون مخيفة، فلم يكن النظام الساقط يرحم كبيرا ولا صغيرا، ولا يفرق بين رجل وامرأة وطفل، وقد شاهدنا سجناء سياسيين في الحبس الظالم منذ الثمانينيات، وتم اكتشاف سجون سرية تحت الأرض لا يعرفون مداخلها.

بعد التقاط الأنفاس سيكشف الإعلام السوري المزيد من الفظائع التي ارتكبها النظام الخائن الذي أذل شعبه، وكان يدعي أنه ضمن محور المقاومة ولكنه لم يطلق رصاصة واحدة على “إسرائيل” رغم الضربات التي كانت توجه له. وكان بشار يعلن بعد كل اعتداء أنه يحتفظ بـ “حق الرد” ولكن الانتقام كان دائما ضد الشعب بالصواريخ والبراميل المتفجرة، وحتى الأسلحة الكيماوية لم يتورع عن استخدامها ضد السوريين.

تحديات تواجه الحكم الجديد

نجحت المعارضة في القضاء على المخاوف وتقديم نموذج عاقل في التعامل مع المشكلات المحلية في المدن المحررة، فتصريحات أحمد الشرع القائد العام لـ “إدارة العمليات العسكرية” التي قادت التحرير كانت تحث المقاتلين على عدم الثأر، وكانت الوصايا بتجنب القتال قدر الاستطاعة، والاكتفاء بالحصار وفتح طريق للهروب لمن يرفضون الاستسلام، وحتى عندما تحررت العاصمة كان التركيز على الحفاظ على مؤسسات الدولة وعدم دخول السلاح الثقيل.

هذا السلوك الحكيم ساهم في اتساع حركة الانشقاق لتشمل قمة الجهاز الحكومي، وشجع رئيس وزراء النظام لإبداء الاستعداد للتعاون مع المعارضة وتسليم السلطة بما يحفظ مؤسسات الحكم والممتلكات العامة، فقبلت المعارضة وأبقته في منصبه لحين استلام السلطة بشكل رسمي، وكانت مبادرة ذكية احتوت الخوف الذي سيطر على الموظفين، وزادت من الاطمئنان في العاصمة، وأشارت إلى الحرص على التماسك المجتمعي.

رغم ما يبدو من هدوء والقبول الواسع داخليا بالحكم الجديد فإن التحديات الخارجية كبيرة، خاصة مع وجود تربص دولي وإقليمي، وسعي للتدخل وعدم السماح للمعارضة وحدها بالانفراد بتأسيس نظام مستقل، ويبدو من تحركات المعارضة السورية أنهم خططوا لكل السيناريوهات، ولم يتركوا أي احتمال للصدفة حتى ولو كان صغيرا، لذا حرصت المعارضة على سد الثغرات التي يمكن استغلالها.

التآمر الخارجي

واصلت المعارضة الاندفاع بسرعة للقضاء على النظام تماما، لقطع الطريق على محاولة تسويق بشار أو نظامه مرة أخرى، وكان التمشيط يتم بشكل جغرافي وعدم استبعاد أي مدينة أو قرية، وأعطوا الأمان للمسيحيين والشيعة وحتى العلويين والإسماعيليين، وساعد التمشيط في هروب من تبقى من ميليشيات طائفية وتنظيف المدن.

ولمواجهة ما يُحاك، تأخرت المعارضة في الإعلان الرسمي عن استلام السلطة في دمشق رغم فرار بشار وسقوط النظام، بسبب استكمال تحرير الساحل السوري أولا، لقطع الطريق على أي محاولة للقوى الدولية للتقسيم، ودخلت قوات المعارضة مصياف واللاذقية وبانياس وجبلة وطرطوس وسط احتفالات شعبية حاشدة وتحطيم تماثيل الأسد في الميادين والشوراع.

كما هو معلوم فإن فرنسا هي التي وضعت فكرة التقسيم الطائفي أثناء الانتداب عام 1920 بعد الحرب العالمية الأولى، حيث قررت تقسيم أوصال سوريا إلى 5 دويلات وهي: دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين في الساحل ودولة لبنان ثم دولة الدروز في 1921، وهي الخطوة التي تسببت في اشتعال الثورة السورية ضد التقسيم، وربما يفكر فلول النظام الهاربون من دمشق والمدن المحررة ومعهم دول غربية لتكرار الفكرة لكن تحرك قوات المعارضة قضى على هذا السيناريو، خاصة أن أغلبية السكان في الساحل من السنة في حين يعيش العلويون في الجبل.

محاصرة روسيا والضغط على الأمريكيين

بعد تحرير مدن الساحل لم يعد أمام الوجود الروسي غير القبول بالأمر الواقع، ولم يعد ممكنا استخدام سلاح الطيران الروسي ضد السوريين؛ فالقاعدة الجوية في حميميم تحت الحصار المطبق، وما فعله الروس من فظائع يجعل بقاءهم غير مرحب به، وقد يقررون قريبا الانسحاب من طرطوس ويفقدون الميناء الوحيد في المياه الدافئة.

موقف الأمريكيين والتحالف الدولي في شرق الفرات لن يكون أفضل حالا من الروس، فقوات المعارضة حررت منبج وبدأت في طرد الميلشيات الكردية من غرب الفرات، بل عبرت قوات ردع العدوان إلى شرق الفرات وبدأت عمليات تحرير دير الزور ومطاردة ميليشا “قسد” المدعومة أمريكيا وإسرائيليا، ولن تستطيع الولايات المتحدة البقاء طويلا لأنها ستكون تحت الضغط، وفي مواجهة مباشرة مع قوات الحكم السوري الجديد المسلحة جيدا.

الرعب الإسرائيلي

الكيان الصهيوني المرعوب مما يجري هو الخطر الحقيقي الذي يواجه السوريين الآن، فالإسرائيليون يشعرون بانزعاج شديد من وصول المعارضة للحكم، وهم وإن كانوا يرتاحون لخروج إيران وحزب الله من سوريا فإنهم يشعرون بالرعب من استقرار الحكم الجديد، لذلك بدؤوا التدخل العسكري في نفس يوم سقوط الأسد وقصفوا المعسكرات التي بها الصواريخ والراجمات والأسلحة المتطورة، واحتلوا منطقة حدودية وأعلن قادة الاحتلال عن قرارهم بفتح جبهة استنزاف لسوريا.

الغطرسة تدفع نتنياهو للعدوان على سوريا مستغلا الانشغال بانتقال السلطة، لكن الهجوم الإسرائيلي وإن حقق بعض الدعاية وإرضاء جمهور المستوطنين المتعطشين للدماء، فإن الثمن سيكون مكلفا، فالسوريون أهل قتال وقد تمرسوا على المعارك واعتادوا على الحياة تحت القصف، وسيزيدهم العدوان تماسكا ويجعلهم أكثر توحدا خلف قادتهم الجدد، وليس الفوضى كما يتوهم قادة الاحتلال.

التغيير في سوريا قد تم، ولن تنجح أي محاولة لعرقلة أو احتواء الحكم الجديد، وليس أمام أعداء سوريا غير التعامل مع الواقع الثابت على الأرض، واحترام إرادة شعب واجه الأهوال وتجاوز المحنة بصبر وثبات، وأثبت في كل الدول التي لجأ إليها شرقا وغربا أنه من أفضل الشعوب تحضرا.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق