الجمعة، 3 أكتوبر 2025

أسباب صدام الأنظمة الحاكمة مع الإخوان المسلمين (3)

أسباب صدام الأنظمة الحاكمة مع الإخوان المسلمين (3)
أحمد هلال
حقوقي وكاتب 


الأحزاب السياسية بعد وفاة الزعماء الكبار

لقد تعاقب على الحياة السياسية بعد وفاة الزعيم مصطفى كامل ثم محمد فريد زعماء أحزاب لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية ورضى الإنجليز ونيل الحظوة لدى المندوب السامي البريطاني.

ومن ثم اشتد التنافس بينهم على الوصول إلى الكرسي بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة، فلم يكن في خلدهم مصلحة البلاد أو الشعب، بل كانت مصالحهم ومصالح ذويهم هي المحرك لهم.

التنافس على رضا الملك والإنجليز

كان كل حزب يسعى للحصول على تعضيد مكانته عند الملك والإنجليز، فقد تم إنشاء حزب الأحرار الدستوريين في عام 1922 بعد الخلافات الشديدة بين سعد زغلول وعدلي يكن، وتولى يكن رئاسة الحزب.

كما ألف إسماعيل صدقي حزب الشعب ليكون عَضُدًا للملك، وانشق عن الوفد أيضًا حزب الهيئة السعدية تحت رئاسة أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي بسبب الخلافات بينهم.

كما انشق مكرم عبيد عن حزب الوفد أيضًا وأنشأ حزب الكتلة الوفدية.

كل ذلك أضعف الحياة السياسية، وأصبح الصراع سمة الأحزاب للوصول إلى كرسي الوزارة.

غياب البرامج السياسية والولاء للمستعمر

لم يكن لهذه الأحزاب برنامج محدد تسير على نهجه، كما لم يكن في أجندتها ما يدل على محاولتها تحرير البلاد.

ومما يدل على ذلك:

عدم اتفاق هذه الأحزاب على حكومة ائتلافية إلا نادرًا.

سعي كل حزب لإزاحة خصومه وتولي الحكم.

ولاء معظم الأحزاب للاستعمار.

كان قصر الدوبارة ملاذ الأحزاب لنيل الحظوة والوصول للحكم.

ويذكر التاريخ الاتهامات المتبادلة بالفساد مثل الكتاب الأسود الذي أخرجه مكرم عبيد.

شهادة عبد اللطيف البغدادي

كان هذا حال الحياة السياسية والحزبية التي تحكم مصر.

ويقول عبد اللطيف البغدادي في مذكراته (ص31):

“لقد كانت الأحزاب تتطاحن من أجل الثراء وكان أغلب السياسيين يسعون حثيثًا إلى التقرب من المسئولين في دار المندوب السامي ليكونوا لهم سندًا وطريقًا سهلاً للوصول للكرسي، ولم يكن يهم الكثير منهم أمر العمال أو الفلاحين”.

سيطرة الاحتلال الإنجليزي على الحياة السياسية

يتضح أن السياسة كانت تسير وفقًا لرغبة المحتل الإنجليزي، الذي لم يكن يرغب في وجود جماعة أو مؤسسة أو هيئة تعرف معاني الجهاد وطرق طرد المحتل.

كان الاحتلال يريد إيجاد مثل هذه الأحزاب التي لا يهمها سوى الثراء ومصلحة أفرادها الخاصة.

ومن ثم حدث الصدام مع جماعة الإخوان المسلمين عندما أدرك أهدافها، خاصة بعدما اتضح له مدى تربية أفراد هذه الجماعة ومدى إدراكهم لخططه التي تهدف إلى السيطرة التامة على الدولة وعدم رغبته في إعطاء الشعب حقه في الاستقلال.

موقف حسن البنا من الأحزاب

يقول الإمام حسن البنا في رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي:

“لقد انعقد الإجماع على أن الأحزاب المصرية هي سيئة هذا الوطن الكبرى، وهي أساس الفساد الاجتماعي الذي نصطلي بناره الآن، وأنها ليست أحزابًا حقيقية بالمعنى الذي تعرف به الأحزاب في أي بلد من بلاد الدنيا، فهي ليست أكثر من سلسلة انشقاقات أحدثتها خلافات شخصية بين نفر من أبناء هذه الأمة، اقتضت الظروف والحوادث في يوم ما أن يتحدثوا باسمها وأن يطالبوا بحقوقها القومية.

كما انعقد الإجماع على أن هذه الأحزاب لا برامج لها ولا مناهج، ولا خلاف بينها في شيء أبدًا إلا في الشخصيات، وآية ذلك واضحة فيما تعلن من بيانات خارج الحكم وفيما تطلع به من خطب العرش داخل الحكم.

وبما أن الأحزاب هي التي تقدم الشيوخ والنواب، وهي التي تسيّر دفة الحكم في الحياة النيابية، فإن من البديهي ألا يستقيم أمر الحكم وهذا حال من يسيّرون دفته”.

محاولات الاحتلال في عرقلة الإخوان المسلمين

أولاً: قرار نقل حسن البنا

عمل الاحتلال منذ أن تبين له أمر الإخوان على عرقلة مسيرتهم بالاستعانة بالوزارات الضعيفة.

فقد أوعز إلى رئيس الوزراء حسين سري باشا أن يأمر بنقل حسن البنا إلى قنا، وتم ذلك الأمر.

فأصدر محمد حسين هيكل وزير التعليم قرارًا بنقل حسن البنا إلى قنا، كما تم نقل وكيل الجماعة أحمد السكري إلى دمياط.

ويقول هيكل في مذكراته (في السياسة المصرية الجزء الثاني، ص177):

“كان الإنجليز يومئذ شديدي الحساسية، وبخاصة إزاء ما يبديه بعض ذوي الرأي من المصريين من ميولهم المحورية، وإزاء بعض العناصر ذات النشاط بين سواد الشعب، وكانت جماعة الإخوان المسلمين تدعو للتخلق بالأخلاق الإسلامية، وللأخذ بقواعد التشريع الإسلامي في النظام المصري، وكان الشيخ حسن البنا مرشدها العام، وكان معلمًا للغة العربية في مدرسة المحمدية الابتدائية الأميرية.

وقد أبلغت السلطات البريطانية رئيس الوزراء حسين سري أن هذا الرجل يعمل في أوساط جماعته لحساب إيطاليا، ورغبت إليه العمل على الحد من نشاطه، ورأى حسين سري أن نقل الرجل من القاهرة إلى بلد ناءٍ بالصعيد يكفل هذا الغرض، فحدثني في الأمر وطلب إليَّ نقله لقنا، ولم أجد بأسًا بإجابة طلبه، فنقل مدرس في مدرسة ابتدائية ليس أمرًا ذا بال؛ إذ يقع مثله خلال العام الدراسي في كل سنة ولا يترتب عليه أي أثر”.

وصدر قرار النقل في 19 مايو 1941م. غير أن النائب محمد عبد الرحمن نصير تقدم في جلسة مجلس النواب المسائية بسؤال عن القرار، مطالبًا بعودة حسن البنا.

وبضغط شعبي، ومع دعم بعض نواب حزب الأحرار الدستوريين، صدر قرار بعودة البنا في يوليو 1941م.

ويقول هيكل باشا في مذكراته (ص178):

 “ترى أأحسن حسين سري باشا في تراجعه هذا أم أساء؟ لعله خشي أن يزداد ضغط النواب جسامة حين رأى سؤالًا يقدم للبرلمان في هذا الشأن، فأراد اتقاء ما قد يجر إليه ذلك من نتائج الأمر”.

ثانياً: الجناية العسكرية العليا (1942م)

لم تتوقف مؤامرات المحتل الإنجليزي، فقد قام “المجلس العسكري البريطاني” بطنطا عبر أحد عملائه بتلفيق قضية خطيرة ضد الإخوان باتهام:

محمد عبد السلام فهمي (مهندسًا في مصلحة الطرق والكباري بطنطا).

جمال الدين فكيه (موظفًا ببلدية طنطا).

بأنهما يعدان جيشًا للترحيب بمقدم الألمان، ويثيران البلبلة، ويعدان عناصر معادية للحلفاء.

تم القبض عليهما وقدما للمحاكمة العسكرية، وكانت أول محاكمة عسكرية للإخوان، وسميت هذه القضية بـ الجناية العسكرية العليا (883) لسنة 1942م قسم الجمرك.

غير أن القضاء برأهما من هذه التهمة.

ثالثاً: اعتقال البنا وقيادات الجماعة

عمدت السلطات في أكتوبر 1941م إلى اعتقال:

الأستاذ حسن البنا.

الأستاذ أحمد السكري (وكيل الجماعة).

سكرتير الجماعة.

وأمام الضغط على الحكومة من الطلبة والشعب، وخوفها من انتقال الأمر مرة أخرى إلى البرلمان، مما سيزيد السخط العام، تم إرسال حامد بك جودة (سكرتير حزب السعديين ووزير التموين في وزارة حسين سري) إلى الإمام البنا في المعتقل بعد مضي حوالي عشرين يومًا على اعتقاله للتفاوض معه.

وبعد ذلك تم الإفراج عنه في 13 نوفمبر 1941م.

تأسيس النظام الخاص (1941م)

أهداف النظام الخاص

عندما أدرك الإمام البنا مرامي وأهداف الإنجليز ومماطلتهم في الانسحاب من البلاد، قام بتكوين جهاز النظام الخاص عام 1941م.

وكان يهدف إلى:

1- محاربة المحتل الإنجليزي داخل القطر المصري.

2- التصدي للمخطط الصهيوني اليهودي لاحتلال فلسطين.

تأسيس النظام وأعضاؤه

دعا الإمام البنا خمسةً من الإخوان:

صالح عشماوي

حسين الدين كمال

حامد شريت

عبد العزيز أحمد

محمود عبد الحليم

وعهد إليهم بإنشاء النظام الخاص وتدريبه، ورتب القيادة بحيث يكون صالح عشماوي الأول، ويليه حسين الدين كمال.

برنامج النظام الخاص

وضع المؤسسون برنامجًا للدراسة داخل النظام شمل:

1- دراسة عميقة ومستفيضة للجهاد في الإسلام من خلال القرآن والسنة والتاريخ الإسلامي.

2- التدريب على الأعمال العسكرية.

3- السمع والطاعة في المنشط والمكره.

التنظيمات العسكرية الأخرى في تلك الفترة

لم يكن النظام الخاص هو التنظيم العسكري السري الوحيد في مصر، بل كانت هذه سمة العصر.

فقد تشكلت تنظيمات علنية وسرية عسكرية عديدة، مثل:

القمصان الزرقاء (الوفد).

القمصان الخضراء (مصر الفتاة).

جماعة اليد السوداء بقيادة أحمد ماهر (وكان نائبه النقراشي)، وهي الجمعية السرية لحزب الوفد.

وقد قامت بعمليات اغتيال كثيرة، مثل:

السير لي ستاك.

حسن عبد الرازق باشا.

إسماعيل زهدي بك (عضوان من حزب الأحرار).

كما اشترك كل من إبراهيم عبد الهادي (رئيس الوزراء فيما بعد) وعبد الرحمن فهمي بك في جرائم اغتيال سياسية، ولم يتهمهم أحد بالخيانة.

ومن أهم الأحداث والاغتيالات السياسية: حادث مقتل أمين عثمان، الذي قام به حسين توفيق ومحمد أنور السادات، وكان السادات يعتبره عملًا بطوليًا ويفتخر به، ولم يصفه أحد بأنه قاتل.

دور النظام الخاص في المقاومة

لقد قام النظام بعدة عمليات ضد الإنجليز، كما قام بدور كبير نحو فلسطين من جمع السلاح والمال وإرساله للمجاهدين في فلسطين أثناء الحرب العالمية الثانية.

الأخطاء الفردية للنظام الخاص

رغم ما سبق، حدثت بعض الأخطاء الفردية الخطيرة مثل:

مقتل الخازندار.

مقتل النقراشي.

لكن لهاتين الحادثتين ظروف خاصة؛ إذ كانت البلاد تحت الاحتلال.

وقد حكم أحمد الخازندار على شابين من مصر الفتاة بالحبس عشر سنوات لكونهم ألقوا قنابل على النادي الإنجليزي في الإسكندرية، ولم يكتف بذلك بل عنّف محامي المتهمين عندما قال: إنهم لم يرتكبوا جرمًا؛ لأن بريطانيا دولة معتدية.

فرد عليه الخازندار بقوله: كيف تقول…

في المقال القادم

نرى كيف قال

وللقصة بقية

أسباب صدام الأنظمة الحاكمة مع الإخوان المسلمين (2)


أسباب صدام الأنظمة الحاكمة مع الإخوان المسلمين (1)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق