الاثنين، 13 أكتوبر 2025

أسباب صدام الحكومات مع جماعة الإخوان المسلمين (6)

 أسباب صدام الحكومات مع جماعة الإخوان المسلمين (6)


أحمد هلال
حقوقي وكاتب 

صدام النظام الملكي مع الإخوان

تحدثنا في الحلقة السابقة عن طبيعة العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام الملكي، والأسباب التي أوجدت حالة الصدام بين الجماعة والنظام، وعرفنا أنها كانت نتيجة لسيطرة الإستعمار على البلاد، وعدم رغبته في وجود جماعة تعمل على زلزلة أركان دولته الاستعمارية في مصر، بالإضافة إلى وقوفهم في وجه المخطط الصهيوني الأمريكي البريطاني للسيطرة على فلسطين.

وكيف أن حرب فلسطين كانت المسرح الأكبر الذي كشف عن قوة الإخوان المسلمين وخطرهم على الإنجليز والصهيونية، مما حدا بهم بمطالبة النقراشي باشا بحل جماعة الإخوان المسلمين فاستجاب لهم وأصدر قرارًا بحل الجماعة – بتجاوز اختصاصاته كحاكم عسكري- في ديسمبر 1948م، وكيف أن الجماعة دخلت في طور المحنة والاعتقال، وقتل المرشد العام في عهد إبراهيم عبد الهادي.

الإخوان المسلمون وعهد عبد الناصر والثورة

بعد أن أفرج عن الإخوان عادوا للمطالبة بأحقيتهم في العمل داخل إطار مشروعية الجماعة، وتحقق لهم ذلك بعد أن حكمت لهم المحكمة بذلك، فعادت الجماعة مرة أخرى وفتح المركز العام، كما فتحت الشعب، وعادت الجماعة كما كانت، لكنها تحت قيادة جديدة بعد اغتيال مؤسسها وقائدها الإمام حسن البنا.

ففي 17/10/1951م اختير المستشار حسن الهضيبي ليكون مرشدًا عامًّا للإخوان المسلمين، فقاد الرجل –بالرغم من كبر سنه- مسيرة العمل غير أن شخصيته كانت تختلف عن شخصية الإمام البنا. وكان من الطبيعي في ظل هذه التطورات والمتغيرات أن تحدث بعض الاختلافات في وجهات النظر داخل الجماعة بين بعض الأفراد واليقادات خاصة بين فكر المرشد العام وطبيعة النظام الخاص القديمة وقيادته.

لكن بالرغم من ذلك كان الصف متلاحمًا على غاية واحدة وهي العمل لدعوة الله وإسقاط الملكية، وجاءت الفرصة عندما اشترك الإخوان المسلمون ومجموعة الضباط الأحرار في تحريك ثورة ضد النظام الملكي وزلزلة أركانه.

يقول عبد اللطيف البغدادي في مذكراته الجزء الأول، طبعة المكتب المصري الحديث، ص (24): 

«قمنا بتدريب الإخوان المسلمين عسكريا وأمددناهم بالأسلحة والذخيرة التي كان قد أمكن لنا تهريبها من مخازن الجيش وعملنا على تشكيل كتائب فدائية منهم تحت قيادة ضباط بغرض القيام بغارات فدائية قبل ذهابهم لفلسطين عام 1947م خاصة بعد قرار التقسيم في نوفمبر 1947م».

وقد تحركت هذه الثورة بعد القوة التي أبداها رجال النظام الخاص في حرب القنال عام 1952م وما ظهروا به من كفاءة حربية عالية كانت موضع اهتمام جمال عبد الناصر والذي دفعه للاستعانة بهم في تحريك الثورة وتأمينها.

وفعلا تحركت هذه الثورة بالتعاون بين الضباط والإخوان وتحرك الضابط أبو المكارم عبد الحي لحصار قصر عابدين، كما توجه عبد المنعم عبد الرءوف إلى الإسكندرية لحصار قصر رأس التين، وظل محاصرًا له حتى تنازل الملك عن العرش وطرد في 26 يوليو 1952م.

طبيعة رجال الثورة والصراعات الداخلية

بعد أن استقر الوضع للضباط الأحرار شكلوا مجلس قيادة الثورة لتحكم مصر من خلاله حتى تجرى الانتخابات، وتحكم مصر من خلال نظام ديمقراطي نيابي. غير أن الخلافات والمشاحنات شقت صفوف الضباط، وحدثت تكتلات بينهم وانعدمت الثقة فيما بينهم، فبرزت هذه المشاكل على السطح، وأصبح الوضع ينذر بخطر.

خاصة أن بعض رجال مجلس قيادة الثورة كان لا يرضى عن محمد نجيب بسبب زيادة شعبيته، وخوفهم من أن يقصيهم عن الحياة السياسية، وهو المطلب الذي كان ينادي به محمد نجيب بعودة رجال الجيش إلى أماكنهم بين صفوف العسكريين، فكان هذا لا يرضي هؤلاء الضباط، فعملوا على تهميش نجيب، واحتدم الشقاق خاصة بين نجيب وعبد الناصر.

فيذكر عبد اللطيف البغدادي في مذكراته ص(93) أن عبد الناصر اتصل بمستشار محمد نجيب الضابط إسماعيل فريد، وطلب منه أن يبلغ نجيب بعدم الذهاب إلى حفل ذكرى وفاة حسن البنا، وأنه يحذره من الذهاب، وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة عليه، ثم سب عبد الناصر ولعن محمد نجيب».

لم يكن لدى رجال الثورة رؤية واضحة في كيفية إدارة البلاد ومن ثم كانت الانشقاقات والمشاحنات بين صفوف الضباط كثيرة، وأصبحت مصر تعيش محنة العسكريين. فتارة يتحرك سلاح الفرسان، وأخرى يحرك جمال سالم سلاح الطيران ويهدد نجيب، كما يعلن عبد الحكيم عامر أنه سيدك سلاح الفرسان بالطيران. وأخذ كل فريق يسابق الفريق الآخر في السيطرة على مقاليد الأمور، وحاول كل فريق استرضاء القوى الأخرى لتكون فى صفه كالإخوان وغيرهم.

أساليب عبد الناصر في فرض السيطرة

كما أن جمال أخذ يشيع الرهبة والرعب في قلوب الشعب عن طريق المظاهرات التي كان يحركها الضابط أحمد طعيمة وإبراهيم الطحاوي والانفجارات التي أحدثها عبد الناصر حتى يطلب الشعب أن يظل العسكريون في السلطة يحمون البلاد.

وما كانت هذه التفجيرات إلا بمعرفة وإدارة عبد الناصر كما ذكر بغدادي ص(146) عندما قال: «لقد اعترف عبد الناصر لي ولكمال الدين حسين وحسن إبراهيم يوم الأحد 21/ 3/ 1954م بأن التفجيرات التي حدثت في مبنى محطة السكك الحديدية وحرم الجامعة ومحل جروبي هو التي قام بها بهدف إثارة البلبلة في نفوس الناس حتى يجعلها تشعر بعدم الأمن والطمأنينة».

القيود الدستورية وبداية الحكم العسكري

لقد قيد الحكم العسكري البلاد منذ سيطرته على مقاليد الحكم، ففي 10/ 12/ 1952م أصدر مجلس قيادة الثورة (على ما به من خلافات) قرارًا بإلغاء دستور عام 1923م وإعلان الدستور المؤقت في 10/ 2/ 1953م.

وللقصة بقية

المقال القادم


أسباب صدام الحكومات مع جماعة الإخوان المسلمين (5)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق