الاثنين، 6 أكتوبر 2025

أسباب صدام الأنظمة الحاكمة مع الإخوان المسلمين (4)

 أسباب صدام الأنظمة الحاكمة مع الإخوان المسلمين (4)

(العهد الملكي)

أحمد هلال
حقوقي وكاتب 



أخطاء فردية للنظام الخاص في ظروف استثنائية

وإن كان حدث منه بعض الأخطاء الفردية الخطيرة مثل مقتل الخازندار أو النقراشي، فقد كان للحادثين ظروف خاصة حيث كانت البلاد تقع تحت الاحتلال،

وقد حكم أحمد الخازندار على شابين من مصر الفتاة بالحبس عشرة سنوات لكونهم ألقوا قنابل على النادي الإنجليزي في الإسكندرية، ولم يكتف بذلك بل عنف محام المتهمين عندما قال المحامي:

إنهم لم يرتكبوا جرمًا؛ لأن بريطانيا دولة معتدية، فرد عليه الخازندار بقوله: كيف تقول هذا الكلام يا أستاذ؛ بريطانيا دولة حليفة وصديقة.

ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل إنه حكم على أحد المقاولين وكان يدعى حسن قناوي والذي أتهم بممارسة الشذوذ مع بعض الشباب، ثم قتلهم بعد كل عملية، وقد شغلت قضيته الرأي العام وانتظر الجميع أن ينفذ فيه حكم الإعدام خاصة بعد أن أثبتت النيابة يقينًا قتله لثلاثة فما كان من الخازندار باشا إلا أن حكم عليه بسبعة أعوام، فكان لهذا الحكم صدى في أركان البلاد.

وما زاد من رصيد الكراهية لدى الشعب أنه حكم على امرأة قذفت مخدومتها في موضع العفة فماتت فحكم عليها بعام مع وقف التنفيذ، ومما زاد الأمر نقمة عندما انتقل إلى القاهرة قدم له اثنان من الإخوان بتهمة إلقاء القنابل على النادي الإنجليزي ليلة عيد الميلاد فحكم على أحدهم ويدعى حمدي النفيس بثلاثة أعوام وتبرئة الآخر،

فصاحب هذا الحكم استياء لدى الشعب، ما دفع عبد الرحمن السندي لاتخاذ قرار بقتله دون الرجوع للإمام البنا أو المجلس الاستشاري للنظام،

وكلف اثنين بذلك واللذان قبض عليهما بعد الحادث مباشرة وقدموا للمحاكمة التي حكمت عليهم، وكان أكبر دليل أن الحادث فردي ولا شأن للجماعة به أن المحكمة لم تدن الجماعة، بل أن النقراشي بعد الحادث أقدم على حل الجماعة غير أنه تراجع بسبب أن الحادث فردي.

غير أن الإمام البنا لم يدع الحادث يمر دون تقصى للحقائق واستبيان للأمر فعقد محاكمة داخلية للسندي لمعرفة الأسباب التي دعته لاتخاذ قرار مثل هذا -وهو مخالف لشرع الله ولمبادئ الإخوان- وكاد الأمر يتطور بسبب استياء الإخوان من تصرف السندي غير أن فتح باب التطوع وذهاب متطوعي الإخوان لفلسطين أجل الأمر بعض الشيء.

اضطهاد متزايد من الاحتلال الإنجليزي

لم يتوقف اضطهاد الجماعة، بل ظل الإنجليز يحاولون ذلك بكل وسائلهم، وزاد هذا الاضطهاد بعد ظهور قوة الإخوان في حرب فلسطين عام 1948م؛ حيث أثبتوا أنهم قوة ضاربة تستطيع أن تزعزع أركان المحتل الإنجليزي، وهذا ما دفع اللواء فؤاد صادق قائد الجيش المصري في فلسطين طلب النياشين لبعض الإخوان، فصدر الأمر الملكي بمنح كلاًّ من كامل الشريف وحسن دوح وسيد عيد وعويس عبد الوهاب نوط الشرف العسكري من الطبقة الأولى من المتطوعين غير العسكريين،.

 هذا غير الضباط وعساكر الجيش الذين حصلوا على نوط الشرف العسكري ..(ورد ذلك في الصفحة الثالثة من جريدة الأهرام الموافق 4 مارس 1949م).

جهود الإخوان في دعم القضية الفلسطينية

لقد كان هدف الإمام البنا الثاني من النظام الخاص هو الدفاع عن فلسطين ضد عصابات اليهود وانطلاقا من هذا الهدف وقبل تشكيل النظام الخاص قام بدعم الانتفاضة الفلسطينية منذ اندلاعها على يد عز الد.ين القسا.م عام 1936م، بل لقد قام بتوزيع كتاب يكشف الجرائم التي ارتكبها الإنجليز ضد العزل الفلسطينيين كان تحت عنوان: (النا.ر والد.مار في فلسطين الشهيدة) في يوليو 1938م، كما أنه أخذ في جمع التبرعات وإرسالها للفلسطينيين، وعندما أعلنت بريطانيا أنها ستنسحب من فلسطين في 15/ 5/ 1948م .

عقد الإمام البنا مع باقي القوى السياسية مؤتمرًا في الأزهر أعلن أنه سيرسل عشرة آلاف مقاتل من الإخوان إلى فلسطين للتصدي لعصابات اليهود، فكانت ضربة قوية أفزعت الإنجليز والأمريكان واليهود عن كون هذه القوى موجودة ولا يعلمون بها، وأنها ستكون سببًا في عرقلة المخطط الصهيوني لتوطين اليهود في فلسطين،

 وزاد فزعهم بعدما تحركت كتيبتان من متطوعي الإخوان، الأولى اتجهت إلى قطنة في سوريا، والثانية عسكرت في معسكر البريج، وكانت تحت قيادة الشيخ محمد فرغلي ويوسف طلعت وكامل الشريف، وهذا يرد على من يشكك بأن الإخوان لم يشاركوا في حرب فلسطين، شهداؤهم وشهادة قادة الجيش المصري والأوسمة الشرفية التي حصلوا عليها كفيلة بالرد، ولقد استطاع الإخوان أن يكبدوا اليهود هزائم شديدة مما كانت سببًا في فزعهم.

الحملة الصهيونية الدولية ضد الإخوان

لقد أدرك اليهو.د ما ينطوي عليه هذا التدخل من خطر شديد على أهدافهم وخططهم فقاموا ينشرون المقالات الطوال في صحف أوروبا وأمريكا ويتهمونها  بالتهم الخطيرة عن الإخوان المسلمين،

 وحقيقة خطرهم على الولايات المتحدة وبريطانيا، وكانوا يحاولون بذلك استعداء الحكومة الأمريكية لتقوم بعمل حاسم وسريع، وتستأصل هذا الخطر الإسلامي الذي يهدد مصالحها بالزوال، وليس أدل على ذلك من مقال كتبته فتاة صهيونية تدعى «روث كاريف» ونشرته لها جريدة« الصنداي ميرور» في مطلع عام 1948م ونقلته جريدة« المصري» لقرائها في حينه،.

 ونحن ننقل بدورنا أهم ما جاء به من التهم ليرى القارئ مدى النجاح الذي أحرزته الدعاية اليهو.دية حين أقنعت حكومات أوروبا بخطورة حركة الإخوان، ودفعتها لمحاربتها بشده، قالت الكاتبة في مقالها :

إن الإخوان المسلمين يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة، وأن الإسلام هو خير الأديان جميعًا، وأفضل قانون تحيا عليه الأرض كلها» ثم استطردت تصف خطورة حركة الإخوان إلى أن قالت: والآن وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة في شئون الشرق الأوسط، وأصبحوا يطلبون من كل مسلم ألا يتعاون مع هيئة الأمم المتحدة، فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه، وأي رجال يتسترون وراء هذا الاسم الرومانتيكي الجذاب اسم «الإخوان المسلمين».

وقالت -وهذا هو بيت القصيد: إن اليهود في فلسطين الآن هم أعنف خصوم الإخوان المسلمين، ولذلك كان اليهود الهدف الأساسي لعدوان الإخوان، وقد قام أتباعهم بهدم أملاك اليهود ونهب أموالهم في كثير من مدن الشرق الأوسط، ويعدون الآن العدة للاعتداء الدموي على اليهود في عدن والبحرين، وقد هاجموا دور المفوضيات والقنصليات الأمريكية، وطالبوا علنًا بانسحاب الدول العربية من هيئة الأمم المتحدة.

الإخوان المسلمون في مظاهرات شعبية أمام قصر عابدين ضد قرار تقسيم فلسطين

وبعد هجوم عنيف على سماحة المفتى الأكبر وعلى فضيلة الإمام الشهيد حسن البنا ختمت مقالها قائلة: «وإذا كان المدافعون عن فلسطين –أي: اليهود- يطالبون الآن مجلس الأمن بإرسال قوة دولية لتنفيذ مشروع التقسيم الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة،

 فإنهم لا يطالبون بذلك؛ لأن الدولة اليهودية في حاجة إلى الدفاع عن نفسها، ولكنهم يريدون إرسال هذه القوة الدولية إلى فلسطين لتواجه رجال الإخوان المسلمين وجهًا لوجه، وبذلك يدرك العالم كله الخطر الحقيقي الذي تمثله هذه الحركة،.

 وإذا لم يدرك العالم هذه الحقيقة في وقت قريب فإن أوروبا ستشهد ما شهدته في العقد الماضي من القرن الحالي إذ واجهتها حركة فاشية نازية فقد تواجهها في العقد الحالي إمبراطورية إسلامية فاشية تمتد من شمالي إفريقيا إلى الباكستان، ومن تركيا إلى المحيط الهندي»، وهذا المقال يوضح جليا السبب الرئيسي للصدام وحل الإخوان عام 1948م.

قرار الحل بناء على طلب السفارات الأجنبية

ومن ثم اجتمع سفراء الإنجليز وأمريكا وفرنسا في مدينة فايد في 11 نوفمبر 1948م وطلبوا من النقراشي باشا إصدار قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين، فكما جاء في الوثيقة الممهورة بإمضاء الماجور (أوبريان ماجور) السكرتير السياسي للقائد العام للقوات البرية البريطانية في الشرق الأوسط والتي جاء فيها أنها مرسلة إلى رئيس إدارة المخابرات رقم (13) تحت رقم قيد: (1843 /أى/ 48) يعلمه فيها باجتماع السفراء واتخاذ قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين عن طريق السفارة البريطانية، فرفع الكولونيل (أ. م. ماك درموث) رئيس المخابرات البريطانية هذا الأمر تحت رقم قيد (1670/ أ ن ت/ 48) إلى إدارة: ج . س . 3 بتاريخ 20/ 11/ 1948م ليعلم حكومة الملكة بذلك، وفعلًا كلف السفير البريطاني النقراشي باشا باتخاذ الإجراءات اللازمة للحل.

محاولات سابقة لحل الجماعة

ولقد صدرت أوامر حل قبل هذا الحل كما ورد في صحيفة روزا ليوسف العدد (1035)، 4جمادى الآخرة 1367هـ / 13 أبريل 1948م، منها ما حدث عام 1941 في وزارة حسين سري عندما أراد الإخوان عمل احتفال في السيدة زينب بالقاهرة فأعدوا لذلك سرادقًا كبيرًا حضره كثير من الإخوان عام 1941م، الأمر الذي أزعج السفارة البريطانية في وقت كان الإنجليز يعانون فيه من الهزائم المتوالية أمام الألمان، فقدمت السفارة البريطانية احتجاجًا لدولة سرى باشا لتهاونه في السماح للإخوان بمزاولة نشاطهم العدائي للإنجليز وتهديدهم لسلامة الإمبراطورية البريطانية،

 وطلبت منه حل هذه الجمعية، ولكن سرى باشا رفض ذلك -حيث إن الأمر لا يستدعي- فاضطرت السفارة أن تنشئ جمعية “إخوان الحرية” لمناهضة الإخوان، كما طلب اللورد كيلرن من النحاس باشا حل جمعية الإخوان المسلمين، وقد دهش النحاس لاهتمام الإنجليز بهذه الهيئة الناشئة، وتكرر طلب اللورد كيلرن، وفى هذه المرة أضاف طلبًا جديدًا، وهو الحيلولة دون فوز الإمام البنا في دائرة الإسماعيلية التي تعسكر فيها قوات الإنجليز، .

وفي وزارة أحمد ماهر (ديسمبر 1944م- فبراير 1945م ) طالب الشيخ المراغي بحل الهيئات الدينية كلها بما فيها الإخوان بسبب استصدار هذه الهيئات للفتاوي، غير أنه توفي قبل تنفيذ القرار، كما طالب السيد علي المؤيد مندوب اليمن في الجامعة العربية حل جمعية الإخوان المسلمين بعد حادث اليمن غير أن الطلب قوبل بالرفض-.

وفي المقال القادم تكتمل

وللقصة بقية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق