السبت، 21 سبتمبر 2013

الخروج عن المعتاد! 1/2


الخروج عن المعتاد! 1/2


د. سلمان بن فهد العودة
السبت 15 ذو القعدة 1434 الموافق 21 سبتمبر 2013

الحجر لا يتعلم الصعود، وإن رميته في الفضاء ألف مرة، ولهب النار لا يتعود الهبوط.

العادة ملازمة لتلقائية الحياة المرنة ومرتبطة بالإدراك وكأنها الذاكرة الخفية تملي علينا الخطوات الواجب اتخاذها في معظم المواقف.

لذا يراها أرسطو طبيعةً ثانية لأنها ترجع في النهاية إلى الطبيعة الأولى: الفطرة، ولكنها طبيعة مكتسبة.

العادة تسهل القيام بأعمال مختلفة وإتقانها في آن واحد، فالضارب على الآلة الكاتبة يفكر ويتحدث ويضحك ويشرب لأن فعل الكتابة يخلو من الانتباه الذهني، والشاب يتابع الشاشة ويغرد في حسابه في تويتر، ويتحدث مع صديق!

تشجع على التكيف مع المواقف الجديدة واكتساب عادات قريبة من العادات السابقة، فلاعب كرة السلة يمكنه تعلم كرة اليد، فهي تمنح الجسم الرشاقة والسيولة.

المنهجية التي يتعود عليها الباحثون توفر لهم الجهد والوقت في تطوير معارفهم وتقدم حركة البحث العلمي والحصول على نتائج جديدة.

يمكن للإنسان في المجال النفسي والاجتماعي التعود على سلوكيات إيجابية مثل ضبط النفس وكظم الغيظ والتضامن وحب الخير والكرم، ولهذا رأى بعضهم أن جميع القيم هي "عادات أخلاقية"، ولهذا جاء في الحديث المرفوع « الْخَيْرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ » (رواه ابن ماجة والطبراني وأبو نعيم عن معاوية).

هي وسيلة لحفظ التراث والقيم الاجتماعية، تحفظ الماضي وتهيئ ظروف المستقبل، وتحمي الناس من التغيرات المفاجئة.

تحقق للفرد قدرة على التعلم بسرعة فائقة فيعتاد على ضبط أفكاره ومواكبة المستجدات ، يصبح الفعل السابق آلياً تلقائياً لا يحتاج إلى جهد أو انتباه ويبقى العقل طليقاً ينتبه إلى ما هو أسمى.

تكسب المهارة والدقة في الإنجاز والسرعة؛ قيادة السيارة، الدراجة، السباحة، الكتابة، الكلام، الأعمال العقلية، العادات النفسية.

ولكنها تقتل روح الإبداع وتشجع على الروتين على مستوى السلوك والفكر، والطبيعة البشرية تميل إلى الفعل السهل وتتجنب الصعب؛ خوفاً من الجهد والخطر، وهذا يعوق طريق الإبداع والتقدم ومعالجة الأفكار الجديدة، ولذا قال أحدهم "العلماء يفيدوننا العلم في النصف الأول من حياتهم ويضرون به في النصف الثاني منه".

ربما كان المقصود هنا أن العادة تقتل الروح النقدية، وتقف في وجه المعرفة المتجددة، وتجعل العالم أسيراً للنتائج التي تعب في تحصيلها ولا يبدو راغباً في اكتساب المزيد أو التخلي عن نتائج طالما سهر في تحقيقها والتأكد منها.

"كوبر نيك" أُحرق لأنه جاء بفكرة مخالفة للعادة من أن الأرض هي مركز الكون، "وغاليليو" حوكم وهُدد بالموت إن لم يتراجع عن فكرة دوران الأرض.

والحقيقة التي أعلن عنها الطبيب "هانري" حول الدورة الدموية في الإنسان ظل الأطباء يرفضونها أربعين سنة لأنهم اعتادوا على فكرة غيرها.

وبالتأكيد فكشوف هؤلاء وغيرهم كانت بسبب عزوفهم عن الطريق المعتاد في التفكير .

لم يكن "آينشتاين" ليكتشف نظرية النسبية، ولا "كولومبوس" ليكتشف أمريكا، ولا "ابن ماجد النجدي" أو "فاسكودي جاما" ليكتشفا رأس الرجاء الصالح لو أنهم فكروا ضمن المعتاد فحسب.

اجتماعياً فالعادات البالية والأفكار القديمة تقف ضد كل تقدم اجتماعي، وما صراع الأجيال سوى مظهر لتأثير العادة في النفوس.

تقضي العادة على بعض الصفات الإنسانية مثل الرحمة والشفقة، كما هو حال المجرم المحترف؛ الذي يمارس القتل بدم بارد، والطبيب الذي اعتاد على تشريح الجثث ومشاهدة الدماء والجراح والآلام دون أن ينبض له عرق، والجلاد والسجان يبدو وكأنه لا قلب له يتألم ولا أذن تسمع تأوهات المظلومين.

إن المعاينة المتكررة للآلام تقسّي القلوب.

اعتياد مشاهد القتل والدمار في نشرات الأخبار تجعل المشاهد أقل تفاعلاً وتأثراً، وهذا ما وجدناه في متابعة الانهيارات الخطرة في العراق، وسوريا، ومصر، وبورما، وبلاد أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق