جنرال بطعم مبارك
نظريا هو القائد العام للقوات المسلحة، ووزير الدفاع في الحكومة المصرية، وواقعيا هو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، والرجل الأول والأخير في منظومة مصر ما بعد الانقلاب، وهو الأمر والناهي في المشهد السياسي في مصر، وعلى مقاسه تفصل المقالات والخطب العصماء.
هو يستقبل الوفود الزائرة ويطلق التصريحات الصحافية ويضع خارطة الطريق للجميع.
يرفع من يسير بركبه، ويذل من يخالفه الرأي ويحوله إلى القضاء بتهم معلبة وجاهزة سلفا من عينة: الخيانة العظمى والتطرف والإرهاب والتحريض على قتل رجال الأمن والجيش.
وبمقامه العالي يدبج وينسج قادة الإعلام المصري (رجال مبارك) أفضل المقالات وموشحات التبجيل والتمجيد، حتى أن بعضهم، قالوا إنه «أفضل من الرسول الكريم»!
نرجسي، يعشق التحدث بلغة الأنا، هو بعد الانقلاب قائد الحرب على «التطرف والإرهاب»، وهو أيضا الخائن، وفقا لأنصار الشرعية، الذي غدر بالرئيس محمد مرسي الذي رقاه من رتبة لواء في إدارة المخابرات الحربية إلى رتبة فريق أول وعيّنه وزيرًا للدفاع وقائدًا عامًا للقوات المسلحة، خلفًا للمشير محمد حسين طنطاوي.
قبل تبنيه من قبل مرسي لم يكن معروفا لمعظم المصريين.
وعندما كان تحت مظلة الثورة قام بمهاجمة عنف الأمن في التعامل مع المتظاهرين، مؤكداً ضرورة تغيير الأمن لثقافته في تعامله مع المواطنين وضرورة حماية المعتقلين وعدم تعرضهم للتعذيب. وعندما دخل في لعبة إسقاط الرئيس المنتخب مارس الأمن والجيش تحت إدارته ما يمكن أن يقع تحت بند «جرائم ضد الإنسانية» بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة وأماكن أخرى في مصر.
لم يعاصر السيسي المولود عام 1954 كبرى الحروب التي خاضتها مصر، فقد كان يبلغ عامين فقط حينما شنت «إسرائيل» وفرنسا وبريطانيا عدوانا ثلاثيا على قناة السويس، وكان في 12 من عمره فقط في حرب 1967 كذلك حرب أكتوبر 1973 التي اندلعت قبل أربعة أعوام من التحاق السيسي بالجيش.
الجيش الذي عاصره السيسي كان أقرب إلى آلة يتم تطويعها لكي تدر منافع ومكاسب جمة لضباطها المخلصين أكثر من كونها آلة حرب، واعتمد الجيش منذ حينها على مجندين من كافة شرائح المجتمع المصري وبناء عليه كان أقرب إلى تحقيق مبدأ الجدارة والكفاءة في دولة غرقت في بحر المحسوبية والفساد.
ووفقا لمجلة «نيوزويك»: «كلما ارتقى الضباط في المراتب، زادت فرصة معيشتهم داخل عالم معزول عن سائر المجتمع، حيث كانت لديهم منازلهم الخاصة ونواديهم ومدارسهم، نظرا لأن المؤسسة العسكرية عمدت إلى تطوير أمبراطوريتها الخاصة في الصناعة ومجال البناء».
وبالرغم من دعم الجيش مبارك على مدار أعوام طويلة، إلا أن ضباطه أدركوا أنه أصبح لزاما عليهم الاصطفاف إلى جانب الثوار حفاظا على مؤسساتهم ومصالحهم والتخلص مرحليا من مبارك شريطة الإبقاء على سياسته.
ولفتت مجلة «فورن بولسي» إلى إنه بعد مرور بضعة أسابيع قليلة على تنحي مبارك، ظهر وجه عسكري جديد أمام عدسات الكاميرات وهو مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع وأصغر أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي مدافعا عن الجيش ضد التهم والانتقادات الموجهة له، ووفقا لشهادات العديد من الصحفيين المصريين كان المشير طنطاوي وزير الدفاع السابق هو من رشح السيسي ليكون خلفا له.
وتابعت: «بينما كانت البلاد تتجه نحو إجراء أول انتخابات رئاسية بعد ثورة يناير في 2012، أصبح جليا أن جماعة الإخوان المسلمين تمتلك أقوى بنية سياسية وتنامت حظوظها في الفوز بالاستحقاق الشعبي وما كان من ضباط الجيش سوى التفاوض مع خصومهم السابقين -الإخوان- حول كيفية تأثير فوزهم بالانتخابات على الجيش والعكس صحيح، وكان مرسي ممثلا للجماعة خلال هذه المحادثات والسيسي تولي الحديث حينها نيابة عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
من هنا نشأت ثقة مرسي به، وهي ثقة سيكتشف العالم بأنها كانت في غير موضعها، ففي مكان ما كانت تدار عملية انقلاب كبرى بدعم خليجي سخي أنفق على العسكر والأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام ونخب من الحركات الشعبية بهدف إسقاط «الإخوان» كمقدمة لإجهاض الربيع العربي.
السيسي أعلن أكثر من مرة «إن القوات المسلحة كانت وما تزال وسوف تظل بعيدة عن العمل السياسي».
ثم فجأة أصبح العسكر هم الثورة والشعب، وأصبح السيسي رجل مصر القوي، ومرشحا مدنيا محتملا لرئاسة الجمهورية العام المقبل.
ووجد السيسي أن ملوك وحكام الخليج أكثر كرما مع مصر من الولايات المتحدة في ظل تدفق مليارات الدولارات من جانب دول خليجية على مصر.
هو نسخة عن مبارك في كل شيء، بل أنه يعيد استنساخ أسوأ سلوكيات عهد مبارك في مصادرة الحريات وحقوق الإنسان، وكان حجم الدم الذي أريق في شوارع مصر بإغراء المال الخليجي صارخا إلى حد سيجر معه السيسي وسياسيين خليجيين إلى «الجنائية الدولية».
الإعلام المصري الذي فقد ريادته ورمزيته ودوره الطليعي في الوطن العربي، عاد سيرته الأولى في التطبيل والتزمير للعهد الجديد، وباتت صور السيسي وأخباره تتسيد نشرات الأخبار والصفحات الأولى للصحف والميادين، وأصبح الكذب والتضليل فنا يمارسه إعلاميون سبحوا في دولارات النفط على حساب أبناء مصر.
السيسي يواصل سياسة الأرض المحروقة وشيطنة «الإخوان» وإضعافهم، متناسية أن هذا السياسة تمارس ضد «الإخوان» منذ أكثر من ثمانين عاما ولم تزدهم سوى قوة ونفوذا، كما أنه يجر الجيش المصري إلى حرب مفتوحة في سيناء لا يعرف أحد أهدافها أو إلى أين ستنتهي.
السيسي يفكر في مكتسبات الجيش وضباطه، وينسى مصر وشعبها، أنه جنرال في عهد ثوري يحن ويشتاق لعهد بنكهة وطعم مبارك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق