نافذتي
غزة.. أيقونة الصمود!
د.خالد القحص
تأقلم شعبها مع الحصار الإسرائيلي ومع إغلاق معبر رفح شبه الدائم
تعتبر مدينة غزة من أقدم مدن العالم، تقع عند نقطة التقاء قارتي آسيا وافريقيا، الأمر الذي أعطاها موقعاً مهماً من الناحية الاستراتيجية والعسكرية والحضارية. وتعبر مدينة غزة الخط الأمامي للدفاع عن فلسطين، بل والشام جميعها جنوبًا، والموقع المتقدم للدفاع عن العمق المصري في شمالها الشرقي، مما هيأها كساحة قتال لمعظم الامبراطوريات في العالم القديم والحديث، الفرعونية والآشورية والفارسية واليونانية والرومانية ثم الصليبية.
أطلق عليها العرب الكنعانيون اسم «غزة» لصمودها ومنعتها، بينما أطلق عليها الفراعنة «غزاتوه»، في حين أطلق عليها العرب «غزة هاشم» حيث دفن بها الجد الثاني للرسول الكريم، واسمه «هاشم بن عبد مناف».
وأطلق عليها المؤرخ المملوكي خليل بن شاهين الظاهري لقب «دهليز الملك»، ووصفها «نابليون» بأنها بوابة آسيا ومدخل افريقيا.
وتُعد غزة، أكبر المدن الفلسطينية من حيث تعداد السكان، والثانية بعد القدس من حيث المساحة، حيث ان عدد سكان المدينة وحدها بلغ 409.680 نسمة في عام 2006، والتي تعتبر أكبر تجمع للفلسطينيين في فلسطين.
كما تبلغ مساحتها 56 كم2، مما يجعلها من أكثر المدن كثافة بالسكان في العالم (انظر موقع ويكيبيديا، كلمة غزة).
منذ فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية في عام 2006، والتي شهد العالم بنزاهتها، وغزة يتم معاقبتها ومحاصرتها والتضييق عليها، بسبب اختيارها لحركة حماس.
والحصار الصهيوني الجائر على غزة مضت عليه سنوات والدول العربية ودول العالم يبدو أنها لا تكترث حين ترى أنه يتم سجن شعب كامل في سجن كبير، وتجويعهم والتضييق عليهم في جميع مناحي حياتهم.
وبما ان الشعب الفلسطيني عوّدنا على الشجاعة والصبر والصمود، فقد تأقلم مع الحصار الإسرائيلي، ومع إغلاق معبر رفح شبه الدائم، من جهة الشقيقة الكبرى مصر، فاضطر الشعب الفلسطيني حينها الى اتخاذ أنفاق بديلة لنقل البضائع والوقود والأدوية ومواد البناء، وذلك للإبقاء على الحد الأدنى من العيش، على الرغم من الصعوبات.
ولقد صمدت غزة في وجه الحصار بعد فوز حماس بالانتخابات 2006م، وصمدت كذلك في الحربين اللتين شنتهما إسرائيل عليها في 2008م و2012م.
لكن منذ الانقلاب العسكري في مصر، وبدء حملة شيطنة غزة في الإعلام المصري، وهدم الأنفاق المدنية بين مصر وغزة، والحصار الخانق الذي تقوم به مصر، والقسوة التي تتعامل بها مصر مع سكان غزة، في ظل صمت جامعة الدول العربية، كل هذا أدى الى واقع مرير يشهده قطاع غزة، بينما العرب لا يأبهون لما يجري، وكأنه لا يحدث.
وينقل لنا مدير هيئة المعابر والحدود ماهر أبو صبحة بعض مشاهد المعاناة لأهلنا في غزة حين يقول إن «أكثر من 4500 مسافر من أصحاب الجوازات والمرضى والطلاب عالقون بالجانب الفلسطيني»، كما يشير الى أن عدد المسجلين لدى وزارة الداخلية أكثر من 5000 مواطن جميعهم من الحالات الإنسانية وأصحاب الإقامات وطلبة جامعات ومرضى.
كما يوضح تقرير يومي صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي، ان الكثير من الخدمات والعمليات الطبية للمرضى توقفت في غزة، إذ ان وزارة الصحة تحتاج شهرياً الى ما يعادل ربع مليون لتر من الوقود للتشغيل، اضافة الى نقص شديد في الأدوية والمستهلكات الطبية.
فيما يشهد الوضع البيئي تدهوراً سريعاً، حيث قال وزير الحكم المحلي محمد الفرا: إن هناك نقصاً حاداً في مياه الشرب بسبب عدم توافر الوقود لتشغيل مرافق المياه وتوقف بعضها. ويهدد نقص «السولار» بوقوع كارثة بيئية وإنسانية ستطول أكثر من مليون وسبعمائة ألف نسمة في صورة جديدة للحصار من بوابة الأنفاق الحدودية مع مصر.
ولقد حذرت الجمعيات الخيرية من استمرار الحصار الخانق في ظل هدم الأنفاق وإغلاق المعابر، مع عدم توفير بديل ثابت ومستمر لنقل سلع الإغاثة لغزة.
وذكر أحمد الكرد - مسؤول ملف المؤسسات الخيرية في قطاع غزة- نماذجَ من المشاريع المعطّلة على رأسها مشاريع إعادة ترميم المنازل الفقيرة، حيث حال انقطاع وصول مواد البناء ومستلزمات الإنشاءات دون استكمالها. وأوضح ان «المؤسسات الخيرية تقدم الدعم والخدمة التعليمية والصحية والإغاثية والاجتماعية لقرابة مائة ألف مستفيد ما يعادل قرابة ثلث أسر سكان قطاع غزة، وهذا الثلث الأشد فقراً».
في حين أضاف أحمد الواوي أمين سرّ جمعية الصلاح الإسلامية «أكثر ما أثر علينا هو نقص الوقود، فمثلاً تقلّص العمل في مخبز الجمعية الذي يوزع الرغيف الخيري على الأسر الفقيرة، وكذلك نعاني مشكلة في نقل طلاب مدارس الصلاح الخيرية وباصات رياض الأطفال وتوريد المواد الاغاثية عبر الموردين» (ما سبق مأخوذ بتصرف من موقع المركز الفلسطيني للإعلام).
ان هدم الأنفاق الحدودية بين مدينة غزة ومصر (دون فتح معبر رفح بانتظام) له تداعياته السلبية والخطيرة على أهلنا في غزة ومناشطهم الحياتية، حيث تشكل هذه الأنفاق المدنية السبيل الوحيد المؤثر لكي تستمر الحياة في قطاعات العمل في محافظات قطاع غزة.
اننا كعرب ومسلمين علينا واجبات ومسؤوليات أخلاقية ودينية تجاه أهلنا في غزة، وعلى كل شخص أن يتحمل مسؤوليته، بحسب موقعه، كما على المؤسسات الخيرية والإنسانية والحقوقية والإعلامية العربية والإسلامية والدولية، ان تنهض بواجباتها تجاه الحصار الظالم لقطاع غزة، لأن ما يحصل هو عملية قتل بطيء لأهلنا في غزة، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
خالد القحص
kalqahas@alwatan.com.kw
drkhaledalqahs@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق