في الذكرى 13 لاستشهاده .. والد الشهيد محمد الدرة: سأظل متمسكاً بقضية ابني رغم تهديدات القتل التي تصلني
حوار: سمية سعادة
28 سيبتمبر تحل الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي تحول إلى رمز من رموز الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في 28 سبتمبر 2000م حينما دنس رئيس الوزراء الأسبق شارون باحة المسجد الأقصى بحماية 3000 جندي الأمر الذي دفع بجموع المصلين إلى التصدي له، وهو ما تسبب في وقوع آلاف الشهداء الفلسطينيين على مدى 5 سنوات ظلت فيها الانتفاضة مشتعلة، ولم يكتب لمحمد الدرة ذي 12 سنة أن يشهد هذه الانتفاضة إلا ليومين فقط؛ حيث استشهد يوم 30 سبتمبر 2000م على أيدي قناصة إسرائيلية كانوا يعتلون برج المراقبة في الوقت الذي كان والده يحاول أن يحميه.
هذا المشهد الذي أبكى العالم بأسره، استطاعت عدسة مصور وكالة الأنباء الفرنسية أن تنقله بكل تفاصيله ليكون وبالاً على اليهود الذين حاولوا بشتى الطرق أن يحرفوا حقيقته بافتراءات كاذبة آخرها ما صدر في شهر مايو من العام الجاري عن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي قال: إن محمد الدرة ما يزال على قيد الحياة .
كذب الاحتلال
و في هذا السياق يقول جمال الدرة والد الشهيد في حوار ل " المجتمع " إن هذه " الرواية " الجديدة " هي استكمال لفصول روايات أخرى صورتني أنا و ابني يهوداً نضع الطاقية اليهودية، و أن الفلسطينيين هم من كانوا يطلقون علينا النار" ، وعندما افتضح أمرهم خرجوا للعالم بكذبة أخرى مفاداها أن محمداً لم يمت، وهو يتجول في الأسواق و يشتري الخضار لأمه
ورداً على هذه الافتراءات و المزاعم قال جمال: " أنا مستعد للجنة دولية مستقلة يكون من ضمنها عرب لفتح قبر محمد للإثبات بأنه مات فعلاً وليس كما يدعي اليهود".
وعن سبب اختلاق هذه الأكاذيب من طرف إسرائيل قال الدرة : " هذه الجريمة التي طالتني أنا وابني تحت سمع و بصر العالم شوهت صورة إسرائيل أكثر مما هي مشوهة ، لذلك يحاولون التبرؤ منها بتزييف الحقائق "
ويضيف: "لدي قضيتان يتولى القضاء الفرنسي الفصل فيهما ، القضية الأولى هي أن الشريط الذي صور جريمة استهدافنا أنا و محمد من قبل الجيش الاسرائيلي مفبرك ولله الحمد، فقد تم تبرئة التلفزيون الفرنسي الشهر الماضي من هذه التهمة بعد أن ثبت فعلاً أن الشريط حقيقي وليس مفبركاً
أما القضية الثانية التي أنتظر الفصل فيها هذا الشهر، هي ادعاء اليهود أنني لم أصب في الجريمة ، و أنا لدي كل ما يثبت أنني نجوت من الموت بأعجوبة بعد أن تلقيت الرصاص وأنا أحاول أن أحمي ابني " .
الذكرى باقية
و يتابع جمال حديثه بحرقة : " لو كنت أملك الإمكانيات المادية لرفعت قضية ضد كل مسؤول إسرائيلي ادعى بهتاناً و زوراً أن محمداً لم يمت ولم يقتل من طرف اليهود ، و على رأسهم الملياردير اليهودي فليب كارسينتي الذي يدير جماعة "ميديا ريتينجز" للرقابة على الإعلام الفرنسي الذي ادعى أن الشريط مفبرك في فرنسا ، و يهودية تدعي استرا شبيرة صورت فيلماً زعمت فيه أن كل ما جرى لي أنا و ابني محض كذب فلسطيني ", و رغم مرور 13 سنة على هذه الجريمة التي ، مازال جمال الدرة يتذكر تفاصيل ما جرى في ذلك اليوم الأسود الذي شاهد فيه ابنه محمد والرصاص يخترقه من كل جانب؛
حيث يقول ل " المجتمع ": "في اليوم الثاني من اندلاع الانتفاضة الثانية أي 30 سبتمبر 2000م ، توجهت أنا ومحمد الذي كان يدرس في الصف السادس من مخيم البريج إلى غزة التي تبعد عنه ب 9 كلم بهدف شراء سيارة كبيرة للعائلة ، بعد أن بعت سيارتي القديمة ، كانت هذه رغبة محمد الذي تركت له حرية اختيار سيارة " جيب " ، و عندما لم نوفق في هذه المهمة ، قفلنا راجعين من سوق السيارات، و ركبنا سيارة أجرة للعودة إلى البيت ، و لكن قبل أن نصل إلى مفترق نتساريم و الذي نطلق عليه نحن " مفترق الشهداء " بنحو كيلومتر واحد، وجدنا الطريق الذي يقع بجوار معهد المعلمات مسدوداً بالحجارة، فترجلت أنا وابني وجميع الركاب من سيارة الأجرة وأخذ كل واحد منا مساره، و فضلت أنا ومحمد أن نبتعد قليلاً عن المفترق لنركب سيارة أجرة، غير أنه لمجرد وصولنا إلى النقطة التي شاهدها العالم على شاشات التلفزيون، حتى بدأ إطلاق الرصاص بغزارة من الموقع العسكري ، شعرت بالخوف على ابني، لذلك قمت بالاتصال عن طريق هاتفي الجوال ببعض الأصدقاء قبل أن نصاب بالرصاص ، وحدّدت لهم المكان الذي نتواجد فيه ، طالباً منهم الإسراع في إرسال سيارة إسعاف تقلنا خارج المنطقة، في ذلك الحين تلقى محمد الرصاصة الأولى بركبته الأولى وصرخ : " أصابني الكلاب " ورددها ثلاث مرات ، و سألني والألم يعتصره : " لماذا يطلقون علينا الرصاص؟ " لم أستطع أن أجيبه، وعاودت الاتصال بالأصدقاء، وأنا أنقل إليهم إصابة محمد بالرصاص واستعجلهم في إرسال الإسعاف، و لكنه ظل صامداً و قال لي: " لا تخف ، أستطيع أن أتحمّل "
كانت لديه قوة تحمل لا يمكن أن أصورها لكم، في ذلك الحين وضعته خلفي لأحميه، و رفعت يدي اليمني باتجاه المكان الذي انطلق منه الرصاص ملوحاً بإيقافه، دون أن أشاهد الجنود الذين كانوا يطلقون النار، لأنهم كانوا متحصنين، و لكن دون جدوى و أصبت في جنبي الأيمن، و كان محمد لا يزال يشد أزري قائلاً :" لا تخف من الكلاب " وتوالت الإصابات في جسدي، حيث شاهدت الرصاص يخترق يدي وقدمي و الحوض، وسكت في تلك اللحظة محمد ، لم أسمع له صوتاً، استدرت نحوه فاذا برأسه مرمياً على قدمي، و الرصاص يخرج من ظهره ، حينها أيقنت أنه استشهد ، فازددت ألماً وحزناً ، وعلمت فيما بعد أن سائق سيارة الإسعاف قتله الجنود الصهاينة وهو في طريقه إلينا حتى لا يتم إسعافنا، وقد امتنع سائقو سيارات الإسعاف الأخرى من التوجه إلينا خوفاً من أن يلقوا مصير زميلهم" .
ثبات على القضية جمال الدرة رغم مرور 13 سنة على استشهاد ابنه الذي كان يحلم بأن يصبح شرطياً ، لايزال متمسكاً بقضيته ، مدافعاً عنها حتى و إن كان ثمن ذلك دمه و دم عائلته ، حيث تلقى قبل نحو 3 أشهر تهديدات بالقتل عبر هاتفه الجوال إذا لم يكف عن متابعة قضية محمد التي يحاول اليهود أن يدفنها إلى جانب رفاته ، و أوصى جمال أبناءه بمتابعة هذه القضية من بعده إذا كتبت له الشهادة، و عبّر الدرة من خلال هذا الحوار عن استيائه الشديد من سياسية " النعامة " التي ينتهجها المسؤولون الفلسطينيون الذين لم يؤازروه في قضيته التي هي قضية وطن بأكمله و ليس قضية مواطن فلسطيني يدعي جمال الدرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق