تقرير عن دراسة: "الأزهر والإخوان: الصراع المفترض على المرجعية"
يتناول المفكر رفيق حبيب من خلال دراسته الهامة عن الأزهر والإخوان وعلاقتها بقضية مرجعية الدولة، بوصفها واحدة من أهم قضايا الصراع السياسي، محاولًا الاشتباك مع سؤال المرجعية والصراع الحاد ما بعد الثورة، كما أنه يتوقف عند وظيفة المؤسسة الأزهرية ما قبل ثورة 25 يناير، التي كانت فيه المؤسسة عنصرا تابعا للنخبة الحاكمة ورهاناتها السياسية، مبتعدة عن وظيفتها الأصلية والحضارية كمؤسسة علمية وتعليمية واجتهاد وآراء، كما أكدت الدراسة على أهمية معرفة موقع الأزهر بعد الثورة ورصد واستعادة وظيفته المحورية، من خلال طرح الأسئلة الجوهرية الآتية:
- ماذا يعني استقلال الأزهر؟ وهل يقدم الأزهر حماية للعلمانيين والمسيحيين ؟ وماذا يعني أن يكون الأزهر بيت الأمة ؟
- هل الأزهر هو مرجعية الدستور أم الشريعة ؟ وهل يساند الأزهر الدولة العلمانية أم الإسلامية ؟
- ما حقيقة العلاقة بين الأزهر والإخوان مستقبليا ؟ وما موقف الإخوان من الأزهر ؟
تبرز الدراسة أنه تم توظيف الأزهر سياسيا في مرحلة هيمنة الدولة العلمانية عليه، ولكن ليس كل الوقت، فقد استطاع بعض شيوخ الأزهر، التصرف وكأن الأزهر مستقل. ولكن أحدا لم يستطع في النهاية الوقوف أمام السلطة المستبدة، وفي الوقت نفسه، فإن الأزهر لم ينتج رؤية أو فكرا جديدا يناسب السلطة المستبدة، أي لم يشوه ميراثه الفكري، بل ظل يعيد إنتاجه بعيدا عن السياسة، لكن النتيجة هو غياب دور عملي فاعل ومؤثر للأزهر، إذ ظل خارج الفعل التاريخي في قضايا المجتمع والسياسة والأمة.
يؤكد رفيق حبيب أن قضية الصراع حول مرجعية الدولة ليست قضية حديثة، بل مستمرة منذ بداية حقبة الاستعمار الأجنبي؛ وظلت قضية المرجعية مطروحة بقوة على الساحة السياسية، خاصة بعد سقوط الخلافة العثمانية، حيث دخلت الدول العربية والإسلامية في مرحلة تغيير مرجعية الدولة، ومحاولة تغيير مرجعية المجتمع. أما بعد الثورة، فتبنى مرجعية الدولة والمجتمع، تبعا للخيارات الحرة للمجتمع، لأن الثورة هي عملية تحرر؛ تحرر المجتمع من كل سلطة تفرض عليه، ويصبح المجتمع حرا في تحديد اختياراته السياسية والاجتماعية، وتحديد هويته الحضارية، والتي تصبح هوية الدولة والمجتمع.
تشير الدراسة إلى أن الدولة المستبدة القابضة، تحتاج للسيطرة على المؤسسة الدينية، حتى لا يخرج المجال الديني عن سيطرتها. ولم يحدث هذا في مصر فقط، بل إن الأنظمة المستبدة العلمانية في الدول العربية والإسلامية، كانت تفرض سيطرة على المؤسسات الدينية، وتجعلها تابعة للسلطة التنفيذية.
كما أنها تبرز أن الدولة القومية العلمانية، لم تستطيع تحييد دور الدين في المجتمعات الإسلامية، لذا تعمل للسيطرة على المجال الديني، عن طريق السيطرة على المؤسسة الدينية، بل وتوظيف المؤسسة الدينية لحماية النظام، وحماية السلطة الحاكمة، ومنع الخروج عليها، وأيضًا وظفت المؤسسة الدينية، لإكساب الحكم غطاءً دينيا شرعيا، أو منع أي خروج شرعي عليه، أو إدانة دينية له.
إن الربيع العربي يمنح فرصة تاريخية لاستقلال مؤسسة الأزهر، عن أي سلطة أخرى، ولا يعني استقلال شيخ الأزهر فقط، بل أن يكون الأزهر مؤسسة مستقلة، تقوم بدورها كمؤسسة رأي وعلم وتعليم ديني، تدافع عن قضايا الدين والمجتمع؛ ومن هنا يمكن تبين جوهر الخلاف بين الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة، الذي كان مرتبطا أساسا بالموقف من النظام السابق، ولم ينتج عنه أي خلاف في الرؤى الإسلامية، لأن مؤسسة الأزهر ظلت تنتج الرؤى الإسلامية، التي يحملها الموروث العلمي والتعليمي للأزهر، حتى وإن أصاب هذا الموروث، حالة جمود، بسبب توقف تفاعل الأزهر مع الحياة اليومية، ووقوعه تحت هيمنة نظام الحكم.
وفي السياق نفسه، ينتقد رفيق حبيب المحاولات الرامية إلى تحويل الأزهر إلى مؤسسة كنسية ذات سلطة دينية، تجمع بين مؤسسة الأزهر والأوقاف والإشراف على المساجد، بحيث تصبح مؤسسة الأزهر هي المسؤولة عن الأوقاف والمساجد، وبذلك يصبح الأزهر مثل الفاتيكان، أي يصبح كنيسة، وله سلطة دينية، حيث يدير الأوقاف، كما يدير المساجد، ويحدد خطب الجمعة وهو ما يجعل الأزهر مؤسسة تملك سلطة دينية، وتتبعها كل المؤسسات الدينية، ويعترض على هذه المحاولة المستوردة قائلا: " تحويل الأزهر إلى مؤسسة مثل الفاتيكان، أو مثل الكنيسة، يغير من طبيعة المنظومة الإسلامية تماما، كما يغير من معنى المرجعية الإسلامية، لأنها مرجعية أمة، ولا يملك أحد سلطة باسم المرجعية الإسلامية، إلا الأمة. وكل الكيانات والمؤسسات الإسلامية، لها دورها وتأثيرها، بقدر ما لها من مصداقية، تجعلها مؤثرة على جماهير الأمة"، بالإضافة إلى ذلك في تكون نتيجة هذه المحاولة في تغيير هوية الأزهر تحويله إلى سلطة دينية فوق سلطة الدول يحدث معه تنازع سلطة بين الأزهر والدولة، مثل ما حدث بين الدولة والكنيسة في الغرب.
كما انتقل المفكر رفيق لتحليل خطورة وضع الأزهر في تقابل مع الإخوان المسلمين وتأثيرات ذلك غير الصحية على بنية الدولة والمجتمع، محاولا القول بأن الأزهر حاول تحقيق توافق بين مختلف مكونات المجتمع حول المرجعية الإسلامية، دون طرح قضية إسلامية الدولة مباشرة، وحاول تطمين المتخوفين من المرجعية الإسلامية، دون أن يدخل صراحة في المشكلات المختلف حولها، أو التي تثير تحفظ العلمانيين والمسيحيين.
وهذا ما انعكس في وثيقة الأزهر، التي حاولت التوصل إلى نص توفيقي، يوافق عليه من يحمل المرجعية الإسلامية، ومن يرفض تلك المرجعية أو يعاديها؛ أي أن وثيقة الأزهر، حاولت تقديم المرجعية الإسلامية، بصورة يقبلها من يؤيد الحل الإسلامي، ومن يؤيد الحل العلماني. والحقيقة أن المرجعية الإسلامية، ليست محايدة بين تلك المشاريع، فهي مرجعية الحل الإسلامي، وهي ضد الحل العلماني. وكل من يوافق على المرجعية الإسلامية، يكون قد رفض الحل العلماني ضمنا، وقبل بالمشروع الإسلامي.
لهذا اعتبر رفيق أن وثيقة الأزهر جاءت بنص مرن، فيه محاولة لترضية أطراف عدة، ولكن هذا النص، لا يمكن أن يوفق بين أشياء لا علاقة بينها، فهو محاولة لتقديم المرجعية الإسلامية، بصورة يقبلها العلماني والمسيحي، بحيث تكون مناسبة لمن يرفض المرجعية الإسلامية، أكثر من مناسبتها لمن يحمل المرجعية الإسلامية، وإن وافق عليها. وبسبب مرونة النص، وعدم تدقيق المعاني، يمكن لكل الأطراف أن تقبل النص، لأنه يعطي لها معنى مختلف، ومناسب لها.
لكن الدراسة تشير إلى أن وثيقة الأزهر لم تحقق الأثر المرجو منها، لأن الصراع حول الهوية استمر بعدها، وزادت حدته، ولم يكن للوثيقة إلا أثر مؤقت، وبعد ذلك غاب أثرها، لأنها لم توضع في سياق تاريخي، يجعل لها تأثير وفعل عملي.
وفي رصده وتفسيره لتطورات موقف الأزهر في لحظة الجمعية التأسيسية للدستور، والمواجهة الحادثة بين الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، والأحزاب الإسلامية الأخرى، بسبب تشكيل الجمعية التأسيسية الأولى، يؤكد رفيق أن الخلاف يرتبط أساسا بمساحة دور كل طرف، وتوصيف دور الأطراف الإسلامية المختلفة، كما ظهر منها محاولة الأزهر لتأكيد دور ومكانة وموضع مؤسسة الأزهر؛ كما يشير البحث إلى أن استراتيجيات جعل الأزهر ملاذا للقوى العلمانية أو الكنيسة، تهدف إلى توسيع الفجوة بينه وبين الحركات الإسلامية، أو لإضعاف أو إحراج القوى الإسلامية، والدفع به لمواجهة الحركة الإسلامية ليكون طرفا في الصراع معها.
وتنفي الدراسة وهم التناقض المرجعي بين الأزهر والحركة الإسلامية، معتبرا أن هناك تمايزا وظيفيا في إطار نوع من التكامل، فجماعة الإخوان المسلمين، ليست مؤسسة علمية، كما أن الأزهر ليس مؤسسة حركية، ووظيفة الجماعة أنها حركة تغيير اجتماعي، ووظيفة الأزهر أنه مؤسسة للعلم والتعليم. ودور الأزهر واقعيا يتكامل مع دور الإخوان، كما أن دور الإخوان يتكامل مع دور الأزهر. والحقيقة، أن الأزهر والحركة الإسلامية معا، يمثلا العمل المتكامل، الذي يحقق استعادة المرجعية الإسلامية.
عرجت دراسة المفكر حبيب على التحديات التي تواجه الأزهر ما بعد الثورة، محددا إياها في:
- اكتشاف دوره بعد الثورة، وهو ليس إلا دوره قبل تأميم الأزهر على يد نظام يوليو العسكري، وهو أيضا دور الأزهر عبر العقود والقرون. فالأزهر تاريخيا، هو مؤسسة العلم والتعليم الإسلامي، وهو مؤسسة الرأي الإسلامي، التي تعلن رأيها للجميع، وتدافع عن الحقوق، وتواجه الظلم، وتدافع عن المرجعية والهوية الإسلامية. وهي بهذا، واحدة من مكونات المنظومة الإسلامية، والتي تقوم بدور العلماء، وهو دور مركزي في العلم الإسلامي.
- استعادة لتأثيره المعنوي على الرأي العام، بحيث يكون لرأيه مصداقية وتأثير على الرأي العام الإسلامي، وهي مسألة تتشكل من جديد مع الوقت، ومع قدرة مؤسسة الأزهر على تفعيل دورها كمؤسسة للعلم الإسلامي، تدافع عن المرجعية والهوية الإسلامية، وتعلن رأيا إسلاميا في قضايا الساعة، يلقى قبولا جماهيريا، ويقنع عامة الناس، أن الأزهر تحرر من مرحلة هيمنة النظام الحاكم عليه، وتحرر من أي قيود تفرض عليه رأيا، لا يعبر عن موقفه الحقيقي. كما أن الدستور الجديد، حدد مرجعية التشريع، وبالتالي حدد مرجعية الدولة، وحدد معنى مبادئ الشريعة الإسلامية، حسب تعريف الأزهر لها، كما قنن استقلال الأزهر، وقنن دوره الاستشاري، مما يعني أن الدستور الجديد، أعاد الأزهر لدوره التاريخي، وهو ما يؤكد على أن السياسي الإسلامي، لم يجد أنه في تنافس مع الأزهر، ولم يرى في استعادة الأزهر لدوره، أي انتقاص لدوره؛
وفي ختام دراسته، يعمق رفيق حبيب خلاصاته الأساسية واستنتاجاته في رصد طبيعة العلاقة والوظائف والتحديات، بأنه لن تحدث أزمة، إلا إذا حاول الأزهر، أو هيئة كبار العلماء، جعل أخذ رأيها حتمي، وجعل رأيها ليس استشاريا، بل إلزاميا. وهنا يكون الأزهر قد أصبح مؤسسة لها سلطة دينية، وهو أمر إن حدث أحيانا، فلن يستمر طويلا، لأنه يحول الأزهر إلى فاتيكان الإسلام، وهو ما يهدم المنظومة الإسلامية، والتي تقوم على عدم وجود سلطة دينية أساسا؛ مبرزا أن مؤسسة الأزهر، لها من التاريخ العميق، الذي يعطي لها هوية وخصائص محددة، مما يجعلها مع الحركة الحرة تعود إلى طبيعتها التاريخية. وكل آثار النظم المستبدة عليها، زائلة، حتى إن تأخر استعادة الأزهر لعافيته التاريخية؛ فهو إذن، صراع وهمي بين الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين، يهدف إلى ضرب الكيانات الإسلامية ببعضها، حتى تضعف كلها. وهو صراع لم يحدث عندما كان الأزهر تحت سيطرة النظام المستبد، ولن يحدث في زمن الحرية بعد الثورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق