الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

عن جنيف «2» من جديد


عن جنيف «2» من جديد
ياسر الزعاترة
عاد الحديث عن جنيف “2” بزخم كبير بعد اتفاق الكيماوي الذي أنقذ أوباما من مأزقه، فيما منح الروس فرصة إثبات حضورهم الدولي كلاعب يوازي قوة الولايات المتحدة كما لم يحدث منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، ومما عزز أجواء الحديث عن المؤتمر أيضا؛ دبلوماسية روحاني الجديدة التي تحظى كما هو واضح بدعم كبير من المرشد؛ صاحب الولاية على ملف السياسة الخارجية.
ومما لا شك فيه أن المأزق الذي تعيشه الثورة والمعارضة قد يعزز أيضا، وإن لم يكن وضع النظام أفضل بكثير، حيث اعترف نائب رئيس الوزراء بعدم قدرة النظام على الحسم عسكريا؛ لا هو ولا المعارضة، مضيفا أن النظام سيطلب وقف إطلاق النار في جنيف، وإن اضطر إلى التراجع عن ذلك بعد تأنيب من قبل مسؤوليه كما يبدو.
ويتبدى مأزق المعارضة في خيبتها من التعويل على الضربة العسكرية من جهة، وفي تناقضات داعميها من جهة أخرى، فضلا عن المأزق الذي تعيشه مع تمدد القوى الجهادية، وفي مقدمتها الدولة الإسلامية في العراق والشام التي دخلت في صدامات مع قوى الثورة الأخرى؛ ما اضطر الائتلاف الوطني السوري إلى توجيه انتقادات غير مسبوقة لها وصلت حد الاتهامات، وهي المرة الأولى التي يحدث ذلك، إذْ نتذكر أنه سبق أن دافع الائتلاف عن جبهة النصرة التي باتت في وضع أضعف أمام الدولة رغم اعتراف الظواهري بها كممثل للقاعدة، مقابل رفض أبو بكر البغدادي الالتزام بأمر زعيم القاعدة بترك الساحة لجبهة النصرة.
ويبدو أن التأثير السعودي على الائتلاف قد بات أكثر وضوحا في ظل زعامة الجربا الذي يعتبر رجل المملكة الأقرب؛ ما أدى عمليا إلى موافقة الأخير باسم الائتلاف على حضور مؤتمر جنيف، مع اشتراط أن يؤدي ذلك إلى تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، فيما لا يعني اشتراطه رحيل بشار، ضرورة أن يحدث ذلك منذ البداية كما يُفهم من السياق.
وفي حين يأمل الإيرانيون أن تشمل صفقتهم مع أمريكا بشأن النووي الإبقاء على بشار في السلطة، وبالطبع خشية تأثير رحيله على مكاسبهم في العراق المضطرب جدا، وكذلك في لبنان، فإن اشتراط رحيله قد خرج من دائرة الفيتو بالنسبة لجميع الفرقاء على ما يبدو، الذي يعود في جزء منه إلى الخوف من تمدد الجهاديين واتساع دائرة الفوضى وصولا إلى امتدادها إلى دول الجوار.
خلاصة القول: إن هناك رغبة من أكثر الفرقاء (كذلك حال الكيان الصهيوني الذي يحرك الموقف الأمريكي) في إيجاد حل عنوانه منع انزلاق البلد إلى مزيد من الفوضى التي تستعيد أجواء الصومال القديمة، وربما أفغانستان في أوضح تجلياتها، ولن يتم ذلك دون عقد جنيف 2 وفق أسس تضمن له النجاح. لكن حجم التناقضات بين مختلف الأطراف لا يزال يلقي بظلال من الشك على فرض النجاح.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بماهية الحل الذي يمكن أن توافق عليه سائر الأطراف، والتي يتبع جزء منها معسكر أمريكا، فيما يتبع الجزء الآخر معسكر روسيا، ويبقى في المنتصف تركيا وقطر اللتان سيكون من المتعذر عليهما إفشال الحل، بخاصة أن هناك رغبة من تركيا أيضا في التوصل إليه، حتى لو كان من النوع الذي لا يرضيها تماما، وبالطبع بعد أن امتدت الاضطرابات الطائفية إليها، فضلا عن مخاوفها من سلوك القوى الجهادية.
الشيء المؤكد في هذا السياق هو أن أي حل يبقي سيطرة الطائفة العلوية على مفاصل السلطة الأمنية والعسكرية لن يكون مقبولا بأي حال من الأحوال، وحتى لو قبلته بعض الأطراف، فهو لن يكون برسم النجاح، وستبقى الحاضنة الشعبية للقوى الثورية موجودة، ما سيعني استمرار العنف إلى أمد طويل، كما أن اتفاقا يهمِّش الطائفة تماما، فضلا عن الأقليات الأخرى لن يكون مقبولا من إيران وروسيا، بل ولا حتى من الغرب الذي يعيش هاجس الخوف على الأقليات في ظل صوت الكنائس العالي على هذا الصعيد.
كل ذلك لا ينفي إمكانية إيجاد حل يرضي الحد الأدنى من مطالب الأطراف مجتمعة، ويتمثل في حكومة كاملة الصلاحيات ترضي الجميع، وقد تنتهي ولاية بشار الحالية قبل التوصل إلى تفاصيلها؛ ما سيؤدي إلى حل مشكلة رحيله، وإيجاد صيغة يقبل بها الجميع.
نتحدث عن احتمال النجاح، لكن النجاح الفعلي شيء آخر، فالتناقضات كثيرة وعميقة في آن، ويبدو أن مرحلة أخرى من الفوضى لا تزال بانتظارنا، لكن المؤكد أن الوضع في سوريا لن يعود بحال إلى ما كان عليه مهما طال أمد الحرب التي ربح فيها الكيان الصهيوني، ليس بسبب الشعب، ولكن بسبب النظام الذي رد على مطالب شعبه المشروعة بالقتل والتدمير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق