الجماعة التي استعادت اسمها .. المحظورة!!
ياسر الزعاترةفي تبريرها للحكم بحظر جماعة الإخوان المسلمين، قالت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، إن الجماعة “اتخذت من الإسلام الحنيف ستارا لها ولأنشطتها المنافية لصحيح الإسلام والمخالفة لأحكام القانون، واجترأت على حقوق المواطنين وأهدرتها، وافتقد المواطنون في ظل توليها الحكم أبسط حقوقهم في العدالة الاجتماعية والأمن والطمأنينة”.
وأضافت إن “المصريين لم يجدوا في الجماعة حين تولت الحكم إلا التنكيل والاستعلاء، وزادت أحوال المواطنين سوءا، فهبوا في ثورة 30 حزيران (يونيو) الماضي بسلمية يعبرون عن رفضهم للظلم، مستعينين بالقوات المسلحة التي هي جزء أصيل وأساس من الوطن لا ينفصل عن شعبه في مواجهة هذا النظام الظالم”.
هل ثمة أسخف من هذا الكلام الذي يبدو أنه مهمة كتابته قد أوكلت إلى صحفي لا يمتلك الحد الأدنى من الذكاء، فضلا عن أن يكون كاتبه هو أحد القضاة الذين صاروا مطية للعسكر؟!
أية أنشطة تنافي صحيح الإسلام تلك التي مارستها الجماعة، وما هي الأنشطة المخالفة للقانون أيضا، ومن هو المكلف بتقرير ما هو صحيح الإسلام؟!
هل هم قضاة المحكمة، ومن طلبوا منهم إصدار الحكم، أو جماهير الشعب التي اختارت الجماعة وتبنت رأيها في خمس جولات انتخابية؟!
أما الأسخف، فهو الحديث عن التنكيل والاستعلاء الذي مارسته الجماعة، ومتى؟ في ظل أسوأ حقب القمع في التاريخ المصري الحديث، مع أن أيام حكم الجماعة لم تشهد اعتقال أي أحد بسبب رأيه، وكان الرئيس يهان في نفسه وعرضه دون أن يُمسَّ الكاذبون المفترون.
ثم إذا كان هناك قمع في عهد مرسي، فلماذا يكون وزير الداخلية الجديد هو نفسه في عهد مرسي، ولماذا لا يُحاكم هو الآخر على دوره في القمع.
أما الأوضاع التي زادت سوءا، فيبدو أن من كتب الكلام لم ينتبه إلى اعتراف حكومة الببلاوي نفسها بالنمو الذي تحقق في عهد مرسي، والوضع الذي تحسن، بخاصة إذا ما قورن بالأوضاع الحالية، وآخر ما أكد ذلك تقرير البنك المركزي عن تحويلات الخارج والمعاملات الرأسمالية لهذا العام قياسا بالماضي.
حدث ذلك رغم أنه عهد لم يمتد سوى لعام واحد في ظل عملية شيطنة وفوضى يومية مقصودة ومخططة وممولة، ومساعي إفشال يتصدرها جهاز الأمن، ما يجعل من العبث جعله سببا للحكم على رئيس أو حزب حاكم، لاسيما حين يأتي بعد حكم دام ثلاثين سنة عنوانه الفساد والإفساد؟!
أما الأهم فهو أن الرجل لم يكن يتحكم لا بالمؤسسة الأمنية ولا العسكرية، وكان القضاء والإعلام ضده بالكامل، فيما تقاتل سائر مؤسسات الدولة العميقة من أجل إفشاله.
مضطرون لهذه المقدمة، فقط كي نوضح للناس بأن الحيثيات التي استند إليها الحكم، هي من السخف بحيث لا تستحق سوى الازدراء، لاسيما حين نتذكر ما تنطوي عليه من إهانة لجماهير الشعب التي انتخبت الجماعة وانتخبت الرئيس وتعاملت معها طوال عقود في شتى مجالات الحياة، فلم تر أنها تخالف صحيح الإسلام، اللهم إلا إذا كان للإسلام تفسير “سيسي” لا يعلم عنه الناس شيئا، أو في حال كان الشيخ علي جمعة هو الذي يحمل مفاتيح الجنة، ويملك الحق في تفسير صحيح الدين.
نأتي إلى حكاية الحظر، ولكي نذكّر من لا يعرفون أن الجماعة لم تحصل على الترخيص القانون كجمعية أهلية سوى قبل حوالي عام فقط، وأن الحظر كان ساريا بحقها منذ عقود طويلة، أعني الحظر القانوني، لكن ذلك لم يغير شيئا في واقع وجودها.
هؤلاء لا يعرفون أن الجماعات ذات الجذور الفكرية والاجتماعية لا تحتاج إذنا قانونيا كي تتواجد وتعمل وتؤثر، بل تحتاج رؤية ورجالا وهدفا تعمل لأجله. وهي لا تموت بالسكتة القلبية، بل تشيخ بالتدريج حين هدف وجودها.
هل كانت الجماعة مرخصة أيام حسني مبارك حين كانت تخوض انتخابات النقابات والجماعات، وتمارس العمل الخيري والاجتماعي، وتنتشر في كل طبقات المجتمع المصري ومحافظاته، ويعرف الناس رجالها وأنهم من خير أبناء المجتمع الذين لا تمنعهم السجون ولا القمع من إكمال مسيرتهم؟!
إنها جماعة راكمت كل ذلك أيام الحظر، ثم كان دورها الرائد أيام ثورة يناير التي يعلم الجميع أنها لم تكن لتنتصر لولا تصدرهم لها، حتى لو لم يكونوا هم الذي بدؤوها، إذ حموا ميدان التحرير وأداروه، ومعه كل الميادين، وصاغوا ملحمة الانتصار، وتبعا لذلك كافأهم المجتمع المصري بفوز يستحقونه في انتخابات مجلس الشعب، وكل الجولات الانتخابية التالية.
أما اليوم، فيتحدث الموتورون عن جماعة معزولة، ما يفرض سؤالا بسيطا هو: إذا كانت معزولة ولفظتها إرادة الجماهير، فلماذا ينشغل بها معظم ساسة مصر وإعلامييها وعسكرها وأمنها ليل نهار؟!
ما يجري في مصر الآن هو تكريس لدولة بوليسية لم تعرف لها البلاد مثيلا، حتى أيام عبد الناصر، وحين تقرر تلك الدولة استهداف أكبر جماعة سياسية (سيشمل ذلك على الأرجح حزبها أيضا)، فلا يمكن إلا أن تعسكّر المجتمع برمته، الأمر الذي سيفضي إلى ثورة جديدة هي لم تتوقف عمليا، بدليل هذه الحشود التي لا زالت تتجمع في الشوارع بين يوم وآخر، ومن أجلها يُغلق ميدان التحرير وميدان رابعة حتى لا تعود إليهما من جديد.
إنهم جهلة لا يعرفون شيئا عن منطق الجماهير ولا حركة الاجتماع البشري؛ يوجههم جحافل من الإعلاميين الموتورين، والسياسيين الحاقدين الذين يدركون حجمهم البائس في صناديق الاقتراع، ومعهم بعض العسكر الذي تأكلهم شهوة السلطة وشهوة القمع.
إنها مرحلة عابرة في تاريخ الشعب المصري، وستنتهي عاجلا أم آجلا مهما سعوا إلى تكريسها بسطوة البطش والدعم الخارجي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق