معركة إسرائيل "الكبرى" في مصر
خالد حسن
هذه المرة ثورة مصر أكثر عمقا واتساعا ونضجا ووعيا، لأنها المعركة الصحيحة في التوقيت الصحيح.
إنها لا تستهدف قشرة أو سطح الدولة البوليسية القمعية وإنما توغلت إلى الأعماق، حيث المناطق المظلمة المحظورة على أي فعل احتجاجي أن يقترب منها، هي ملك خاص لعصابة من كبار قادة الجيش والمخابرات.
العسكر يستنكف عادة عن الغرق في أوحال التفاصيل والمطاردات اليومية، ترك هذا الجزء "العفن" و"المنفر" لجهاز أمن الدولة التابع للداخلية.
لكن انقلاب "المراهقين" أربك سياسات الجيش وخلط أوراقه وغير عقيدته العسكرية وجعل منه "ميليشيات" مسلحة وأفقده، الأمر تجاوز مجرد إرسال دبابات لفرض السيطرة، وبدا واضحا، مع مرور الوقت، أنهم وقعوا في فخ نصبوه لغيرهم، جنون السلطة والحكم أصمهم وأعمى أبصارهم، من شجعهم ودفع لهم وأغراهم ومول "مراهقتهم وطيشهم" رأى الأمر لأول وهلة عملية ضخ أموال وصرف رواتب وحوافز وشراء ذمم وخطف مشروعات وامتيازات وسحق خصوم، وفقط، لكن بدا لهم من الجماهير ما لم يكونوا يحتسبون.
ودخول إسرائيل على الخط من أول يوم، بل من قبل ذلك، تمهيدا وتحضيرا، كان دافعا أكبر للعصابة الانقلابية لتصمد إلى اليوم، ورمت (تل أبيب) بثقلها من خلال الخطة الإعلامية التضليلية السوداء والضغط على أوروبا وأمريكا للاعتراف بالعصابة وحملات العلاقات العامة وجمع "التبرعات" لتحسين صورة الانقلابيين وتوظيف جماعاتها وأدواتها وتحريك خلاياها لإنجاح انقلاب "المجموعة" الموالية للكيان الصهيوني داخل الجيش المصري.
المعركة الحالية في مصر هي أول معركة دعائية تحريضية بهذه الشراسة تخوضها إسرائيل على أرض مصر ضد التوجهات المناهضة والمعادية للكيان الصهيوني، وفي مقدمتهم التيارات الإسلامية، منذ حرب أكتوبر.
العسكر في الواجهة ووراءهم ممولون ومخططون ومحرضون ومتعهدون، إن رجعوا خطوة إلى الوراء أحرقوا هؤلاء وأولئك، وعقَدوا الوضع أكثر مما كان عليه الأمر بعد ثورة 25 يناير، فالكل مدرك أن الثورة هذه المرة تستجمع قواها وشتاتها بعد ضربات موجعة قصمت بعض ظهرها تلقتها من أطراف كان إلى وقت قريب تظنها حامية الثورة وحارسها.
والكل مدرك أيضا أن الحسم لن يكون سريعا، لا الرصاص والقتل والترويع والحرق والاجتياحات ولا ما يقابل كل هذا وغيره من الاعتصامات والتظاهرات والتجمعات الاحتجاجية، إنما هو الاستنزاف وطول النفس والقدرة على الصمود والتحدي وكسب مساحات وشرائح وجماهير جديدة وهكذا.
لكن الانقلاب ليس في جعبته إلا الرصاص والتهديد والبيادة والوحشية، في حين أمام مناوئيه أشكال ومساحات كبيرة من طبائع الاحتجاج والرفض، في تنويع وإبداع واستنزاف شارك فيه الكبير والصغير من مختلف الفئات.
في كل أسبوع إضافة وشكل جديد ووجوه جديدة ومناطق وشوارع وعائلات تلتحق بالركب، وهذا ما بصنع منها تجربة فريدة في الثورات المعاصرة.
لن ينهار الانقلاب دفعة واحدة في وقت واحد، وإنما تتصدع أركانه تدريجيا وتنفض من حوله الحاشية ودوائر التأييد من خارجه تدريجيا أيضا، والإبداع والتنويع في الرفض والاحتجاج والمناهضة بما يشبه معارك الاستنزاف والنفس الطويل يطيح ببنيانه .
ولا تواجه المقاومة السلمية في مصر عصابة من العسكر احتلت البلد بميلشياتها المسلحة، وحسب، وإنما يواجهون سياسات إسرائيلية نازية عدوانية مهيمنة بشكل شبه مباشر، فمعركتهم تحمل أبعادا لم يكن يتصورها الثوار والمناهضون، ولكن زادتهم عزيمة وإصرارا، ودخول إسرائيل على الخط خدم الثوار أكثر مما أفزعهم.
إسرائيل ترى في السيسي وعصابته فرصة تاريخية حاسمة لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة وتصفية حماس ومعاقبة غزة وتصفية حساباتها مع المعادين لكيانها وسياساتها في المنطقة، فبقاؤه ونجاح انقلابه يحقق لها من المكاسب ما لم يخطر على بالها، ولكن الثورة المتدفقة في مصر ستفشل خططها، إنها معركة طال انتظارها وحان أوانها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق