الاثنين، 11 نوفمبر 2013

رسائل التاريخ (11)


رسائل التاريخ (11) 
قمع الخديوى عباس لمعارضيه أشبه بالمزاح بالمقارنة مع قمع مبارك 

من المفارقات أن يتصدى المؤرخون للاضطهاد الذى مارسه النظام الملكى الجائر ضد معارضيه من القوى الوطنية والشعبية, وعندما يكتبون عن الوقائع تجد الأمر مثير للسخرية، فما يحدث فى عهد مبارك من اضطهاد للمعارضين لم يحدث فى العهد الملكى, بل يعتبر ما حدث فى عهد الملوك (بالمقارنة) مجرد مزاح!!
فلم نقرأ فى كتب المؤرخين الوطنيين أى معلومات عن التعذيب فى السجون ومقرات الشرطة، ولم نسمع أن شخصية معارضة ضربت فى الشوارع، أو اختطفت وتم إلقاؤها فى الصحراء كما حدث مع د. عبد الوهاب المسيرى مثلا وغيره من الكتاب الصحفيين أو أساتذة الجامعات.
وأتوقف فى هذه الرسالة عند أحد أشكال القمع فى العهد الملكى, وهى المحاكمات والأحكام القضائية ضد المعارضين المتهمين بالعيب فى الذات الملكية، ولنقارنها بأحكام القضاء للمعارضين فى عهد مبارك، وسنكتفى فى هذه الرسالة بعهد عباس.

· فى 1897 وفى عهد الخديوى عباس حلمى نشرت صحيفة الصاعقة قصيدة مباشرة للأديب المشهور مصطفى لطفى المنفلوطى جاء فيها:
عيد ولكن لا أقول سعيد
أعباس ترجو أن تكون خليفة
فليت دنيانا تزول وليتنا
وملك وإن طال المدى سيبيد
كما ود آباء ورام جدود
نكون ببطن الأرض حين تسود

الهجوم صريح على عباس بالاسم, وتم تحويل المنفلوطى وأحمد فؤاد صاحب الجريدة إلى المحاكمة، فماذا كان الحكم الاستئنافى النهائى.. 6 شهور لكل منهما (فقط!).
· عقب مظاهرة كبرى فى 31 مارس 1909 هتفت ضد الخديوى والإنجليز, جرت محاكمة لزعماء المظاهرة, وعلى رأسهم أحمد حلمى, وصدر ضدهم أحكاما بالحبس تراوحت بين 3 شهور و6 شهور مع إيقاف التنفيذ!
وكان من بين المتهمين محمود رمزى الذى كان متهما بإلقاء قصيدة فيها عيب صريح فى الذات الخديوية!

الله أكبر يا عباس تخذلنا
افعل كما شئت يا عباس إن لنا
وكنت قبلا على الأوطان تضطرم
عند الإله مقاما جاده الريم

· وفى محاكمة أخرى بنفس العام تمت تبرئة أحمد حلمى من إحدى التهم، وحبسه 4 شهور فى تهمة أخرى وبراءة آخرين, وكل ذلك مع إيقاف التنفيذ!
وبرأت أحد المتهمين من العيب فى الذات الخديوية عندما قال (ليسقط حكم الفرد) واعتبرته نداءا عاما مبهما!!
· وفى نفس العام كتب أحمد حلمى مقالا عنيفا ومباشرا ضد الخديوى, واقتبس فيه من قصيدة المنفلوطى، وكان الحكم النهائى الحبس سنة.
 وكما جاء فى مذكرات سعد زغلول فإن الخديوى عباس كان يتابع القضية بنفسه, ويستنكر أى تأخر فى الجلسات. وهكذا فإن تدخل الخديوى فى القضاء لم يؤد إلا إلى حكم بالحبس سنة واحدة.
· عندما أصدر الشيخ على الغاياتى ديوان شعر أسماه (وطنيتى) 1910 كتب له محمد فريد المقدمة، كما قرظ الديوان الشيخ عبد العزيز جاويش, وكان به أبيات مباشرة ضد الخديوى مثل:

وأرضيت أعداء البلاد وأهلها
رويدك يا عباس لا تبلغ المدى
وأصليتنا بعد (الوفاق) عذابا
ولا تستمع للظالمين خطابا

وأخرى تقول:
وولاة أقسموا أن يسجدوا

كلما رام العدا منهم مراما!!

فماذا كان الحكم:
سنة للغاياتى وكان قد هرب للخارج، 3 شهور للشيخ جاويش، و6 شهور لمحمد فريد بعد عودته من الخارج وهاجمت الصحف (حتى المعادية للحزب الوطنى) هذا الحكم واعتبرته قاسيا!!
· وفى عام 1912 صدر حكم بالحبس 3 شهور على الشاعر عبد الحليم حلمى المصرى بتهمة العيب فى الذات الخديوية من خلال إحدى القصائد، ولكن حصل على البراءة فى الاستئناف رغم أن قصيدته تقول:

نعم الأمين على مصر وساكنها
لو يؤمن الذئب فى المرعى على الشاة

ويكشف سعد زغلول فى مذكراته أن هذا الحكم لم يكن من قبيل استقلال القضاء, ولكن لأن المحيطين بالخديوى أقنعوه أن هذا الحكم (3 شهور حبس لشاعر) يسىء إلى الخديوى أكثر مما يفيده!!
هذه أهم إن لم يكن كل ما صدر فى عهد الخديوى عباس من أحكام حول العيب فى ذاته, وهى كما رأينا ترواحت بين البراءة، وإيقاف التنفيذ، و3 شهور و6 شهور حبس وصدر حكم واحد بسنة حبس.
وفى عهد مبارك حصلت وحدى شخصيا على الأحكام التالية:
1 سنة حبس بتهمة العيب فى ذات ابن وزير الداخلية.
2 سنة حبس بتهمة العيب فى ذات يوسف والى (وزير الزراعة).
2 سنة حبس بتهمة العيب فى الحدود المصرية وتخطيها لزيارة غزة.
1 سنة حبس بتهمة العيب فى مواطنة ورد اسمها فى أحد الأخبار بطريق الخطأ منذ 12 عاما فى الحملة ضد وزير الداخلية. وهذه المواطنة لا تتابع القضية, ومات المحامى الخاص بها، ومع ذلك فهناك أيدى سلطوية تتابع القضية نيابة عنها.
إذن حصلت على 6 سنوات سجن ليس من بينها تهمة العيب فى الذات المباركية, وهذا أكثر من كل الأحكام المشار إليها, والتى صدرت ضد كل المعارضين للخديوى عباس والذين قدحوا فيه بصورة شخصية، ومجموع هذه الأحكام لكل المتهمين 3 سنين وشهر واحد!!
مجدى أحمد حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق