الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

خازن الكراهية



خازن الكراهية

د. أحمد بن راشد بن سعيّد


عاش حياته مرتزقاً. قبض من هناك وهناك، بالملايين، وبالدولار، وأخيراً باليورو. ساعدته الظروف، لاسيما علاقاته ببعض أفراد النخب السعودية الذين يقدسون نصارى لبنان. حاطب ليل، خابط وديان، متقلب كالطقس، أرعن، ظاهر الغباء، فكأنه، كما قال الرافعي عن طه حسين، كشبكة الصائد، كلها عيون وخروق، وبين كل خرق وخرق عقدة.
طالما «ضحك» جهاد الخازن، الأرثوذكسي الفلسطيني-اللبناني، على قراء كثيرين بأسلوبه الكتابي الذي لم يشدني يوماً.
 لم أقرأ أبداً بين سطوره الصدق، وهو أهم معايير القبول والنجاح في الكتابة.
 ينتقل في مقالاته بين فكرة وأخرى، مباهياً بمغامراته، ومختلقاً قصصاً من بنات أفكاره غير البريئة، متظاهراً بالديموقراطية، وهو ألد أعدائها، إذا أتت رياحها بما لا تشتهي سفنه، وكم فعلت!
كاتب يفتقر إلى الاحترام؛ لأنه يقف مثلاً مع السادات اليوم، ثم ينقلب عليه غداً، ويمجد صدام في الليل، ويلعنه في النهار، بحسب التوجيه الذي يصله من «عيون» و «آذان» يعرفها.
تربع الخازن طويلاً على أعمدة الرأي ولم يُزحزح عنها، لأنه لم يكن يغضب أولياء نعمته، وكان يتحسس نبضهم جيداً، ويجيد الرقص على إيقاعهم!
ثم جاء مرسي والإخوان! فكان لا بد له أن يغمس أصابعه في بحر الأكاذيب ضدهم، والذي ولغ فيه كثيرون غيره.
 سأتناول هنا نماذج سريعة من غسيله الذي ينشره على ظهر صحيفة شعارها شطر بيت لشوقي: «إن الحياة عقيدة وجهاد»، وقد حوله بفجوره في الخصومة، وتحامله البذيء إلى: «إن الحياة مكيدة وفساد».
 في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 زعم الخازن أن «خصوم الإخوان في مصر «لم يفعلوا شيئاً (ضدهم) على امتداد سنة»، وإنما انتظروا حتى أطاحت أخطاؤهم بهم، «وهذا يذكرني بمثل غربي يقول: لا تقتل رجلاً يحاول الانتحار».
ويتهم الإخوان بالفشل في إدارة الاقتصاد إبان حكم مرسي عازياً السبب إلى «التلوث في القرى التي ولدوا فيها بين الدلتا والصعيد والذي أثر في عقولهم» زاعماً أن «خبراءهم الاقتصاديين كانوا سيفشلون في إدارة مقهى شيشة».
ثم يسخر، وهو الكهل الذي نيّف على السبعين (مولود عام 1940) من الإخوان، قائلاً: «سمعت أنه عندما أطلق الإخوان المسلمون محطة تلفزيون خاصة بهم، بيع في مصر مليون تلفزيون، والمصري الذي لم يستطع بيع التلفزيون كسّره».
 ويفضّل الخازن (وهو ليس أكثر من بوق رضع من لبان النظام الرسمي العربي حتى ثمل) حسني مبارك على الرئيس مرسي بقوله إن الإخوان «حققوا في سنة ما احتاج حسني مبارك إلى 30 سنة لتحقيقه». طبعاً هو يكذب، ولكن ما تصنع بمستنقع يزعم أنه كاتب!
في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، علّق الخازن على ما سُمّي «محاكمة» الرئيس مرسي متهماً الرئيس بالجنون، وزاعماً أنه يشبه نابليون بونابرت من حيث بقاء كل منهما سنة في حكم مصر (هكذا)، بل قال كلاماً أحط وأرخص، ولم يسبقه إليه أحد من العالمين: «شخصياً، أعتقد أن مرشح الإخوان المسلمين لم يفز بالرئاسة، وإنما كانت منحة من المجلس العسكري الذي أراد أن يتجنب التظاهرات المليونية والإرهاب والتخريب، فلم يتجنب شيئاً، وإنما دفعت مصرُ كلها ثمن وصول الجماعة إلى الحكم على ظهر شباب الثورة، ولا تزال تدفع».
ويستمر الخازن في السخرية من رئيس انتخبه شعبه وانقلب عليه العسكر بدعم أجنبي (ولا غرو، فهذه أخلاق السِّفْلة والجبناء) قائلاً إن مرسي يقيم الآن في سجن برج العرب، وكان بوسعه أن يكون في هذا المكان رئيساً لا سجيناً، «وربما كنت أجريت له مقابلة هناك، إلا أنه كما قال الشاعر في ظروف مشابهة أعطي مُلكاً، فلم يحسن سياسته، «وكل مَنْ لا يسوس الملك يُخلعُه» (اممم..لو أتيت إليه في مقابلة، لربما بصق حراسه في وجهك)! ويبلغ جهاد الخازن في العهر مداه، متجاوزاً في ذلك بلطجية السيسي وشبيحة بشار قائلاً: «عندي اقتراح للحكم الانتقالي في مصر، هو مصادرة كل أموال وأرزاق قادة الإخوان المسلمين بدءاً بالدكتور مرسي، وبيعها في مزاد علني، وتوزيع المال المجموع على أهالي ضحايا إرهاب الإخوان مثل الشرطيين الشهيدَيْن (الذين قتلهما إرهابي مسلم سني قرب الإسماعيلية)». 
ليس للحقد قاع، وليس للفجور سقف، وقد رضع هذا الموتور من التصهين حتى ثمل!
ويضيف الخازن الذي يكاد الحقد يأتي على روحه من القواعد: «الإخوان المسلمون لن يعودوا إلى الحكم في مصر، بل أن سنتهم في الحكم دمرت سمعة الإخوان عبر الوطن العربي كله، وهم لن يحكموا في أي بلد آخر، من المغرب العربي حتى الخليج.
 وبقي أن يقتنع الإخوان بأنهم خرجوا من الحكم ولن يعودوا، وأن «شرعية» محمد مرسي أبطلتها شرعية الشعب وقد تظاهر 30 مليون مصري مطالبين بعزله».
طبعاً، يستحيل أن يردد البوق غير صدى النافخ فيه، وهو لم يأت بجديد قط، بل كانت بضاعته هي الغل الذي طالما «اختزنه» في صدره للإسلام وأهله. والنار تأكل نفسها..إن لم تجد ما تأكله!
ولأن الذي تستبد به الكراهية، لا يقر له قرار، ويفقد توازنه حتى يسقط من أعين الناس، فقد بق الخازن البحصة التي تؤكد تماهيه الأبدي مع الدكتاتورية متسائلاً: هل لاحظتم أن مرسي أمام القضاء في صحة طيبة ولا يبدو عليه خوف أو ضغط؟ «السبب أن الحكم الانتقالي عامله باحترام ورفق كما لم يُعامَل الرئيس حسني مبارك عندما سُجن وأهين، وهو مسن مريض، وواجه اتهامات خرقاء لم يثبت منها شيء على الإطلاق»! 
ثم يوجه خازن الكراهية «نصيحته» إلى الإخوان: كفوا عن ممارسة الإرهاب أو التشجيع عليه. قديماً، استهجن الناس العاهر التي تعظ بالشرف!
في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) شن خازن الكراهية هجوماً على قناة الجزيرة (التي فككت خطاب الانقلابيين وفضحت أبواق دعايتهم كالخازن نفسه). قال بكل صفاقة (شأنه شأن طغمة الانقلاب والردة في مصر): «تلفزيون «الجزيرة» باللغة العربية يمثل الإخوان المسلمين في مصر، ويعكس وجهة نظرهم، ويروّج لهم. لا موضوعية ألبتة في نقل «الجزيرة» أخبار مصر، وإنما التزام كامل بالجماعة بعد أن كادت هذه في سنة واحدة أن تدمر ما بقي من اقتصاد البلاد واللحمة الوطنية».
ويلجأ الخازن، والذي يزعم أنه «صحافي» و»عريق» أيضاً إلى التعبيرات السوقية، والنبز بالألقاب قائلاً إن «الجزيرة « تضم فيما يبدو «فريقاً إخبارياً «إخوانجياً» حتى العظم»، الأمر الذي يؤكد إفلاس الخازن وتهافته وفساد عقله، بل يعمي التعصب للدعاية الصهيونية أعين هذا البوق، فيزعم أن قناة العربية «أكثر موضوعية في تغطية أخبار مصر من الجزيرة».
ولما كان الحقد سلطاناً يستولي على العقل، ويجعل صاحبه منفلتاً كالثور الهائج في ميدان مصارعة، فقد قال الخازن: «المعلومات الأكيدة، لا الآراء الذاتية، تقول إنهم (الإخوان) إذا لم يمارسوا الارهاب، فهم يشجعون عليه، وتاريخهم في الحكم وخارجه دليل قاطع، وعندما يُقتل شرطيان في الاسماعيلية، والدكتور محمد مرسي يُحاكَم، فالمسؤول عن القتل هم الاخوان وتحريضهم».
يا سلام على أخلاق الصحافة! يا سلام على التحري والاستقصاء والتوازن! أي فضيحة «بشخاليل» لكاتب «الحياة» الشهير؟
ولا يكف الخازن عن اتهام «الجزيرة» بتشويه الحقائق والافتقار إلى المهنية (رمتني بدائها وانسلت) زاعماً أن القناة لم تشر «إطلاقاً» إلى «30 مليون مصري تظاهروا لإسقاط الرئيس مرسي»، وهي الملايين التي تمثل «الشرعية المصرية» بحسب زعمه، و»ألغت أي شرعية» لمرسي.
واتهم الجزيرة بخداع الجماهير، وتبني «وجهة نظر الاخوان وحدهم رغم الفشل السياسي»، ورغم الإرهاب الذي خرج كله «من تحت عباءة الاخوان المسلمين، ومن ينكره ينكر ضوء شمس الظهيرة». 
ويختم خازن الكراهية مقاله بكلام غريب يؤكد توحش العلمانية العربية وإقصائيتها وكفرها بالتعددية، كما يشي حقاً بأن الرجل يحتاج إلى فحص عقله وهو يزحف نحو الثمانين. قال: «كل ما أريد هو أن يعمل سمو الشيخ تميم لتقويم ما اعوج من تغطية «الجزيرة» أخبار مصر».
أقترح أن تتبرع إحدى دور العجزة في بيروت الشرقية بإيواء خازن الكراهية الذي أصبح يهذي، وتثير حاله الشفقة، ويمكن أن تُخصص بعض أموال طغمة الانقلاب للاهتمام به؛ وفاء لتاريخ طويل من التقلب في أحضان الاستخبارات، والرقص على إيقاع أعداء العرب والمسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق