الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

من جنيف النووي إلى جنيف السوري وبالعكس!!

من جنيف النووي إلى جنيف السوري وبالعكس!!

ياسر الزعاترة

عبثا حاول الإيرانيون إنكار القناة السرية التي كانت مفتوحة منذ عام مضى بينهم وبين الأمريكان لأجل التوصل لاتفاق النووي، فما كشف من معلومات لم يكن من النوع القابل للإنكار، فقد حدد الأماكن والأسماء على نحو واضح، الأمر الذي استدعى سكوتا إيرانيا مشوبا بالخجل، هو أقرب إلى الاعتراف.
سبب الإنكار لا يتعلق بحرمة وجود اتصالات سرية مع الأمريكان، ولا حتى بكونها قد بدأت في عهد “الصقر” أحمدي نجاد (اتصالات كهذه لا تتم دون إذن المرشد)، بل تتعلق بالربط الطبيعي والتقليدي بينها وبين كل ما جرى فيما يتصل بالملف السوري، لاسيما الاتصالات التي أفضت إلى مقايضة الكيماوي السوري بالضربة العسكرية، وهي مقايضة لم تكن لتتم لولا الربط بين الكيماوي السوري، وبين النووي الإيراني.
الدوائر الصهيونية التي قرّعت نتنياهو على مسرحية اللطم ضد الاتفاق، ذكّرته بأنه كان على علم بتلك الاتصالات، وهو في نهاية المطاف حصل على اتفاق معقول، وليس بذلك السوء الذي يتحدث عنه، فضلا عن كونه مجرد اتفاق مرحلي سيتلوه اتفاق دائم.
الذي لا يريد الإيرانيون الاعتراف به عمليا، وانكشف الآن بعد الإعلان المباشر عن موعد جنيف2؛
مباشرة بعد إعلان اتفاق النووي، هو أن ثمة صلة مباشرة، بل عضوية بين المسارين، السوري والإيراني، وأن جوهر الصفقة التي عقدتها إيران، وأفضت أولا إلى وقف الضربة العسكرية لنظام بشار، وتاليا إلى اتفاق النووي تتعلق بالصفقة الأكبر في سوريا، والتي ينبغي أن يحصل من خلالها الإيرانيون على ما يريدون في سوريا ممثلا في الإبقاء على النظام الذي يشكل ركنا أساسا في مشروع تمددهم في المنطقة، وهو المشروع الذي لم تكن كلفته أقل من كلفة المشروع النووي ( كلفة التأسيس والعقوبات التي ترتبت عليه)، وهو مشروع أكثر أهمية بكثير من النووي، إذ سيمنح إيران فرصة البقاء دولة كبيرة ومحورية، بل الدولة الأكبر في الإقليم كما يرى قادتها، لاسيما أنها تمثل مذهبا يسيطر على العراق وسوريا ولبنان، وله حضوره القوي في اليمن والخليج وأفغانستان ودول أخرى.
والحال أن حضور إيران لجنيف 2 أو عدم حضورها لن يغير الكثير في المشهد، لأنها ستكون أهم الحضور على الطاولة، ومن سيمثلها هنا، ليس فقط الروس، أو النظام السوري نفسه، بل الأمريكان أيضا، والذي سيحرصون على إتمام الصفقة هنا، وبالطبع كي تكتمل هناك الصفقة الأخرى بعد 6 شهور، أعني صفقة البرنامج النووي، ولكي يكون بوسع أوباما أن يقول إنه زعيم قوي تمكن من حل نزاعين كبيرين في الشرق الأوسط كانا يشكلان قلقا للعالم أجمع، بخاصة بعد قصة الإرهاب التي تلقي بظلالها على المشهد السوري، وحيث سيكون بوسع النظام وإيران أن يكونا حليفين قويين للولايات المتحدة والغرب في مطاردة من يسمونها الجماعات الإرهابية التي باتت تتخذ من سوريا موقعا أكثر أهمية من منطقة القبائل في وزيرستان بحسب دوائر أمريكية، هي التي تقترب هنا من حدود الكيان الصهوني ودول حليفة أخرى.
والنتيجة التي يمكن أن نخلص إليها هنا هو أن جنيف الإيراني كان محطة لجنيف السوري، كما أن جنيف السوري سيكون محطة ضرورية لجنيف النهائي فيما يتعلق بالملف النووي، والذي لا بد أن تأخذ فيه إيران ما تريد في سوريا، لكي تنفذ التزاماتها فيما يتعلق بالملف النووي، وهو ما سيحدث بالفعل لأن الكيان الصهيوني في حاجة إلى ذلك، وهو خائف من الفوضى والتقسيم والجماعات الجهادية في سوريا، ووحده النظام ونواته الصلبة (أمنيا وعسكريا)، هو من سيضمن مصالح الكيان، بصرف النظر عما إذا كان بشار سيبقى أم سيرحل، هو الذي جاءت به تلك البنية أصلا بعد وفاة أبيه.
هي صفقة إذن تمت على حساب الثورة السورية، والشعب السوري، لكن نجاحها ليس قدرا بحال، أكان في سوريا، أم على مستوى الإقليم، ذلك أن على الأرض قوىً لن تمررها بسهولة ما لم تلب مطالب الشعب في حدها المقبول، كما أن الدول الأخرى لن تسلم لإيران بقيادة المنطقة، وهي لم تسلم لها أصلا حين كانت ترفع شعارات المقاومة والممانعة، فهل ستسلم لها، وهي تتصدر المشهد بروحية الدولة راعية المذهب؟!
ثمة بالطبع فرصة لتفاهم أفضل بين قوى الإقليم، من عرب وترك وإيرانيين، لكن هذا التفاهم يحتاج رشدا من جميع الأطراف، بخاصة من إيران، لكن غرور القوة يعمي في أغلب الأحيان، فكيف حين يضاف إليه بُعد مذهبي يستعيد ثارات التاريخ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق