مفاجأة
بقلم : د. محمد عباس
e-mail: mohamadab@hotmail.com
الكارثة التي تواجه العلمانيين على غير انتظار ولا توقع منهم هي أن المسلمين قادمون..!!
وهي مفاجأة صاعقة للنخبة التي تعودت على الاستيلاء على المزيد من ساحات الثقافة منذ عام 1882 وحتى الآن.
ولقد ظفرت دائما بعون خارجي يعوض قصورها وضعفها وانعدام موهبتها ووقوفها على طرف النقيض مع الأمة.
لقد كان النصر متاحا لهذه النخبة بشروط جوهري، هو أن تعمل تحت غطاء كلي من أجهزة الأمن وبدعم خارجي وفي ظل حكومة تؤمن لهم هذا وذاك وتعطيهم إقطاعية الإعلام بالكامل وتحرم المعارضين من وسائل الإعلام بالكامل. فإذا افتقدوا شرطا من هذه الشروط انهزموا على الفور.
تتمكن النخبة من الانتصار الوهمي دائما إذا منع الخصم من مجرد الرد وحرم من كل وسائله فلا صحيفة ولا محطة إذاعة ولا شاشة تلفاز .. ولا حتى تصريح بالتجمهر... فإذا حاول الرد أدخلت الآلة الإعلامية الرهيبة لقمعه والتشهير به، فإذا لم يرتدع تدخلت الآلة الأمنية الجبارة لتلفيق التهم له.. ولسجنه أو حتى لإعدامه.
أدارت النخبة كل معاركها على أساس أن الدولة والأمن والدعم الخارجي يضمن لهم المعادلة الصفرية التي تعني أن يكون مجال الحركة المتاح للإسلاميين: صفر %!.
(من المحزن أن نظير جيد يتبنى نفس الفكرة).
بهذا.. وبهذا فقط انتصرت النخبة المثقفة منذ عام 1882 حتى الآن.
الوضع الجديد المفاجئ الذي تواجهه النخبة الآن هو انهيار عالمها.. وهي مع انهيار عالمها وتلاشى القوي المؤيدة لها والسماح للقوى المعارضة بالرد عليها.. مع هذا كله مطالبة بالانتصار!.
النخبة الملوثة، التي لا تقل في تلوثها عن جهاز أمن الدولة أو المجلسين المزورين، النخبة التي لا تقل قسوة عن العادلي ولا شراهة عن أحمد عز ولا أنانية عن جمال مبارك ولا (...) عن فاروق حسني ولا.. ولا... .
النخبة التي عجزت طوال الحقب الماضية، أن تحظى بأي وجود في الشارع، مطالبة الآن بالنزول للشارع والتأثير فيه ثم الاحتكام إلى صندوق الانتخاب.
وهي محنة لا قبل للنخبة بها.النخبة تعرف رأي الشارع فيها.
فشواهد ذلك عديدة، ومن أصدقها النكتة السياسية، وفي هذا الصدد يروى أن محكمة باطشة كانت تحاكم إسلاميا وعلمانيا فحكمت على الإسلامي بالإعدام وعلى النخبوي بأن يتم اغتصابه.
وكلف العسكري "فرج" بتنفيذ الحكم، فاصطحب المتهمين، اللذان لم يكفا عن الصياح في رعب.
كان الإسلامي يصرخ:
- تذكر يا عم فرج: أنا المحكوم علىّ بالإعدام. فالموت عندي أهون من خدش يصيب شرفي.
وكان النخبوي يصرخ..
- تنبه يا عم فرج أرجوك.. إياك أن تخلط بيني وبينه.. أنا الذي سأغتصب.. ليس مهما من يغتصبني لكنني أريد أن أعيش!!.
في هذه الطرفة لخص الشعب العبقري رأيه في هذا وذلك.
***
مشكلة النخبة أنها ظلت تكذب طوال الحقب الماضية، وأنها كانت خادمة للنظام الفاسد ومحظية له، وعميلة لجهات داخلية وخارجية، جريا خلف محض العمالة أو لمصالح شخصية، هذه النخبة المنحرفة وصفت الآخرين بما هم منه براء وأسقطت صفاتها عليهم. كانت – وما تزال- صوتا كريها بغيضا يجسد السوقية وينضح بالكذب، صوتا نظر دائما إلى الشعب بتعال وازدراء، في آلية نفسية مفهومة، إذ أنه لكي يكذب على الشعب فلابد من أن يحتقره ويزدريه أولا.
الآن سوف يتاح للطرف الذي لم يتكلم أبدا أن يتكلم.
وسوف يكتشف الناس أن النخبة لعبت دور الساحرة الشريرة في ألف ليلة وليلة.. وأنها ظلت طوال عمرها تخدع الشعب وتزيف وعيه لأن تلك كانت وظيفتها التي ترتزق منها لحساب الطاغوت الذي مثلت أحيانا أنها تعارضه.
لقد صورت تلك النخبة للناس أن الإسلاميين إذا ما أتيح لهم الوصول إلى الحكم فسوف يرجمون الناس في الشوارع وسوف يقطعون أيديهم وأرجلهم من خلاف وسوف يمنعون الإذاعة والتلفاز والسينما والمسرح والكرة.
***
المضحك أن الإسلاميين لن يردوا عليهم قولا بل فعلا.. سينظفون الشوارع ويجملونها.. سيزيلون القمامة من الشوارع والجوارح!
سيزرعون الأشجار والجَمَال في صمت.. دون ضجيج وعجيج النخبة التي مارست أعلى ضجيج دونما طحن.سيفعلون مثلما فعل الإسلاميون في تركيا.. سيضاعفون الدخل خلال أعوام قليلة.
سيرفعون مستوى الناس الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي. وسيزيدون من غذائهم الروحي. سيرفعون مستوى التعليم والجامعات والصناعة والزراعة، لكنهم لن يكتفوا بذلك، بل سيهاجمون النخبة في عقر دارها. سينشئون فرقا مسرحية وسينمائية، ترعى الفن الحقيقي لا الدعارة المقنعة! سيتقدمون بأفلامهم إلى المهرجانات العالمية للحصول على جوائز دولية، سينشئون محطات تليفزيونية، وسيخوضون مجال الدراما، وسينشرون كتبا حقيقية، لا كتبا تروج للدعارة والشذوذ والكفر. سيزيلون القيود والمعوقات عن الأدب الحقيقي لينطلق الأدباء والشعراء كل في مجاله دون أن يمروا بأزقة النخبة الموبوءة ليدفعوا لهم الإتاوات بعد أن تحولت النخبة إلى بلطجية الثقافة.
لن يصبح التضحية بالشرف مطلوبا لشاعرة كي تنشر في الأهرام ولا التفريط في العرض شرطا للتمثيل في التليفزيون!. وأكثر من هذا سينشئون فريقا للكرة يهزم الأهلي والزمالك ويحصل على الكأس والدوري!!.
لقد شاهدت بعض براعم ذلك.. ومنه الشعر الذي يسمونه :"الحلمنتيشي" الذي يعري النخبة ويفضحها. لن يقيم المسلمون الحدود على النخبة إذن- رغم أنهم يستحقون- لكنهم سيواجهونهم بالشعر والأدب. وسيكون ذلك أشد عليهم من الرجم والجلد والقطع!.
نشر في 5يوليو 011 2
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق