السبت، 5 يوليو 2014

دولة بوليسية وتطارد الفقراء في آنٍ.. إلى أين؟


دولة بوليسية وتطارد الفقراء في آنٍ.. إلى أين؟


ياسر الزعاترة

كانت سياسة حسني مبارك الداخلية المعتمدة، بخاصة خلال الألفية الجديدة، وفي سياق من مساعي تمرير التوريث للنجل الحبيب (جمال)، هي الإبقاء على دعم السلع الأساسية لإسكات الناس، من دون الالتفات إلى حجم المديونية الذي يتراكم بشكل مجنون، في ذات الوقت الذي يصول فيه الفاسدون ويجولون عبر تحالف بين السلطة والثروة وأجهزة الأمن، فيراكمون خلال سنوات محدودة ثروات فلكية لا علاقة لها بالربح المشروع.

جاء مرسي إلى السلطة ليجد مديونية رهيبة وخزينة فارغة، وأوضاعا اقتصادية في منتهى البؤس، وبدلا من أن يصارح الشعب بالحقيقة (فعل ذلك في آخر أيامه)، ذهب يداري ويحاول ما أمكنه ذلك البحث عن منافذ لتحسين الوضع الاقتصادي، وكانت حكومة هشام قنديل، حتى بشهادة أعداء مرسي ذات أداء جيد في العموم (نتذكر هنا حكاية وزير التموين (باسم عودة) الذي حُكم بالإعدام بعد رفضه المشاركة في حكومة ما بعد الانقلاب، والتي تشكل فضيحة من العيار الثقيل، (حيث كنا أمام أنجح وزير تموين في تاريخ مصر).

لم يُمنح الرجل (أعني مرسي) أية فرصة، فكانت الدولة العميقة كلها تطارده، من الأمن إلى الجيش إلى القضاء والإعلام، وحتى المؤسسات المدنية الأخرى كانت تعمل على إفشاله، طبعا بأوامر من المؤسستين العسكرية والأمنية.

جاء السيسي محمولا على أكتاف قوميين ويساريين وثوريين يتحدثون عن العدالة الاجتماعية، وعن استكمال لأهداف ثورة يناير، ومعهم ليبراليون يتحدثون عن ديمقراطية بعيدة عن «ثيوقراطية» الإخوان، لكن ما يتابعه المصريون هذه الأيام لا يمت إلى كل تلك الشعارات بأدنى صلة.

كانت ثورة يناير في جوهرها ثورة حرية أكثر منها ثورة جياع، فمن وقفوا في الميادين وتحركوا في المسيرات كان أكثرهم من أبناء الطبقة المتوسطة الذين هالهم قمع السلطة وفسادها في آن، في ذات الوقت الذي كانوا يرفضون فيه شطب دور مصر وحضورها من أجل تمرير التوريث.

اليوم، ينقلب الوضع إلى ما هو أسوأ بكثير من أيام مبارك الأخيرة، فالقمع والتعذيب ومحاصرة الحريات (في مقدمتها حرية الإعلام) لا تحتاج إلى أدلة عليها، إذ تتبدى الدولة البوليسية في أبشع صورها على الإطلاق، من أحكام إعدام بالجملة، إلى انتهاكات وتعذيب واغتصاب وأشكال شتى من القمع يندى لها جبين الإنسانية.

هنا يمكن القول إن ما ثار الناس ضده في يناير، يحضر الآن بصورة أبشع بكثير، لكن ما أضيف إليه اليوم هو أن ما كان يفعله حسني مبارك للفقراء من أجل إسكاتهم لم يعد موجودا، إذ يبادر السيسي إلى رفع الدعم التدريجي عن المحروقات، ولكن في سياق من استهداف الفقراء بدل الأغنياء، إذ إن الطبيعي أن يكون الرفع أعلى في حالة بنزين الأغنياء مثلا، مقابل رفع أقل فيما خص بنزين الفقراء، لكن الأمر كان معاكسا.
اليوم يريد السيسي من الناس أن يضحوا، من دون أن يقول لهم
لماذا على الغالبية الفقيرة أن تضحي، ولصالح الطبقة الغنية، ولماذا لا تفرض الضرائب على الأغنياء مقابل محاباة الفقراء، وهم الغالبية؟ أليس ذلك هو منطق العدالة الاجتماعية؟ وهو ما يُعتمد حاليا في أكثر الدول الأوروبية الطاعنة في الرأسمالية، وإن بطرق مختلفة.
ولعل الأسوأ فيما جرى أنه يأتي وسط دعم هائل من بعض دول الخليج هدفه تثبيت الانقلاب، وهو دعم لن يستمر بذات الوتيرة، ما يعني أن القادم سيكون أسوأ على صعيد مطاردة قوت الفقراء.

السيسي اليوم يطارد أحلام الفقراء الذين رقص بعضهم في الساحات احتفالا به، لكنه يستهزئ أيضا بالطبقة المتوسطة التي ثارت في يناير ضد القمع، وجاء هو ليستكمل لها ثورتها بحسب زعمه، وبالتالي فإن الوضع الطبيعي أن تلتحم الطبقتان ضده في ثورة جديدة.

والحال أن مدد الشارع لم يتوقف منذ الانقلاب، في مشهد صبر وبطولة وصمود استثنائي، وذلك رغم عشرات الآلاف من المسجونين والمعذبين والمنفيين، لكن هذا الحشد الراهن لا يكفي لإسقاط انقلاب يحظى بدعم عربي وإقليمي وعالمي لحسابات مختلفة، في ذات الوقت الذي يقف معه العسكر والأمن والقضاء والإعلام، ونسبة من الناس، وإن أخذت في التراجع بمرور الوقت.

لمواجهة انقلاب يحظى بكل هذه الميزات، لا بد من حشد أكبر، والتحام أفضل بين الجماهير بمختلف طبقاتها وأفكارها، وهو ما سيحدث بمرور الوقت على أية حال، ولا ينبغي أن يكون لدينا شك في أن المسيرة ستتواصل، وستصل غايتها مهما طال الوقت وعظمت التضحيات، بخاصة إذا التزمت بسلميتها، ولم تمنح النظام فرصة خلق معركة ضد «الإرهاب» تحرف أنظار الناس عن بؤسه وجرائمه واستهدافه للمجتمع برمته عبر دولة بوليسية باطشة لا همَّ لنخبتها غير تثبيت سلطتها ومكاسبها بأية وسيلة كانت.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق