كتاب: فلسطين عروس عروبتكم
الناشر: مكتبة جزيرة الورد
الدكتور محمد عباس
1
إهداء
إليك يا فلسطين ..
إلى أحيائك الشهداء وشهدائك الأحياء عند ربهم ..
إلى عز الدين القسام وأحمد ياسين ..
إلى الرنتيسي والزهار وولديه .. ونزار وصيام .. وألوف وألوف وألوف ..
ثم
إلى الشهيد الذي لم أره قط:
إلى رائد القسام
تقديم
هل كنت أطمع في أن يقدم لي هذا الكتاب شخص أكبر أو أعظم من شهيد ..
ثم إن هذا الشهيد هو ابني
ابني الذي لم أره قط ..
ابني الذي لم أنجبه ..
لكنه ابن إيماني وألمي وعجزي وقهري وطموحي ..
ولما كان- أغلب الظن- قد ذهب شهيدا فلم يكن من الممكن أن يعود ليكتب تقديما لهذا الكتاب عن فلسطين .. لذلك أستعيض برسائله كي تكون مقدمة لهذا الكتاب الذي يتضمن بعض المقالات التي كتبتها عن فلسطين، أو بالأحرى تلك المقالات التي تتميز بتناول فلسطين بشكل أساسي .. ذلك أن فلسطين حاضرة في كل أعمالي .. على أنني لم أستطع أن أبتر من السياق مقالات أخرى وإن لم تتناول فلسطين وإسرائيل بشكل مباشر إلا أنها لا تقل أهمية وتأثيرا .. ذلك أن المعتقد والتأثير بينهما مشترك .. والسلوك الإجرامي واحد .. بل ليست إسرائيل إلا مخلبا لأمريكا .. مجرد حاملة طائرات ثابتة وهائلة معا .. أو هي ببساطة قاعدة عسكرية أمريكية –أطلسية .. كما أن ما يحدث في العراق وجنوب لبنان والقاهرة والرياض لا يقل تأثيرا على فلسطين مما يحدث في غزة وجنين والقدس .. إن القضية في النهاية ليست قضية أرض سليبة .. ولا حدود ولا وجود .. وإنما هي قضية الإيمان والكفر .. قضية الإسلام .. قضية لا إله إلا الله محمد رسول الله .. نعم .. هي قضية الدفاع عن العقيدة .. وليس لأحد أن يترخص فيها ولا أن يتنازل ولا أن يساوم ..
ولكم يحزنني يا رائد – يا سيدي- أنك لن تقرأ شطرا كبيرا من هذه المقالات .. فقد كتبت بعد استشهادك. كتبت إبان الحرب الأخيرة على غزة ..
كم كنت يا رائد – يا بني- أود أن يوفيك – وصحبك - هذا الكتاب بعض حقكم، ولكنني أدرك يا بني الحبيب وأسلم أنه لا يساوي قطرة من دم شهيد .. لكن حكمة الله التي تعزينا عن ذلك .. أن جزاءك عند الله لا عند بشر .. وستوفى-إن شاء الله- أجرك بغير حساب.
فيا ابن إيماني وألمي وعجزي وقهري وطموحي .. يا ابني الذي لم أره ولم أنجبه .. ولم أعرف كيف وأين استشهد .. كل ما حدث أن رسائله انقطعت رغم محاولات الاتصال ..
ومثله لا يصمت إلا إن كان حيا في السماء .. بين الشهداء ومع الأنبياء ..
فتفضل يا رائد: قدم كتاب أبيك ..
***
-1-
السيد الدكتور / محمد عباس حفظه الله
سيدي / لا أدري من أين أ بدا لك الحكاية فأنت بلا شك تعرفها جيدا قصتنا أننا قوم ابتلانا الله بأن جعلنا من أهل فلسطين أهل الأقصى والرباط وسلط علينا أخس عباده اليهود المجرمين يسفكون دماءنا ويقتلون رجالنا ونساءنا وأطفالنا. أنا لست بصدد الشكوى لك لان الشكوى لغير الله مذله ولكن سيدي دعني أبث لك ما في خاطري وسامحني إن كدرت عليك صفوك.
سعادة الدكتور الفاضل / طفح الكيل وادلهم الخطب وليس ثم والله إلا الصبر الذي ليس لنا غيره هذه الأيام فخيرة الشباب انفرد بهم اليهود وقتلوهم بأعتى وأشرس الأسلحة فالشهداء بالمئات والأسرى بالآلاف والجرحى بعشرات الآلاف والدمار والفقر والعوز والخوف والبؤس والشقاء والظلم والجبروت قد عم البلاد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
سيدي كل هذا ونحن لا نملك إلا أجسادنا نجعلها قنابل ندافع بها عن أطفالنا ونسائنا وأهلينا وجعلنا من غرف نومنا معامل لتصنيع الألغام ونخبئها تحت سرر أطفالنا لحين الحاجة عندما عز علينا إخواننا بها خوفا من اليهود وأنصار اليهود وأصبحت الحدود العربية نيرانا علينا جنانا لأعدائنا.
سيدي ولكننا والحمد لله واثقون بوعد الله لعباده المتقين وليس لنا أدني شك في ذلك ولكن الذي يدمي قلوبنا أنه لم يعد فيها متسع لتحمل المزيد فأين سنضع هم العراق وأين سنضع هم مصر وهم سوريا وهم السعودية غدا عندما يصلها الطوفان المجرم لا قدر الله يكفينا أن قلوبنا كانت تستقبل القنابل قبل أن تسقط هناك على سفوح جبال تورا بورا وقندهار فتنشرخ وتتفتت ونسمع أخبار الشيشان ونبكي دما على ما آل إليه حال هذه الأمة وأنا لله وإنا إليه راجعون.
ووالله الذي لا اله غيره إنني أنا أكتب لك في هذه الرسالة وفي هذه الليلة الرمضانية المباركة فان مدينتي جارتكم رفح الفلسطينية لتتعرض لهجمة شرسة من رتل ضخم من الدبابات اليهودية وطائرات الاباتشي الأمريكية وان المخيم الذي لا يبعد سوى 50 مترا من الحدود المصرية قد نزح أهله منه عن بكرة أبيهم في الزمهرير وتحت نيران القذائف المسمارية ودوي الدبابات والطائرات ويا ليتك تشاهد هذا البؤس بأم عينك وقد وصلني الآن أن أما وطفلتها وعمرها عامان قد استشهدتا تحت أنقاض منزلهما ولا زالت المعارك مستمرة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
سيدي لا أريد أن أزعجك فيكفيك ما أنت فيه ولكن أردت أن أبث لك شيئا يسيرا مما يجيش في صدري وصدر هذا الشعب المسكين والى لقاء قريب في رسالة قادمة إن كان في العمر بقية
سيدي نسعد بمقالاتك كثيرا ونعلقها عندنا في المساجد لأننا نحس بأنها نبض الأمة الحية فجزاك الله عنا خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله
ابنكم رائد القسام فلسطين 6 رمضان 11 ليلا
***
-2-
بسم الله القاهر الجبار
الحمد لله وكفي وسلام على رسوله الذي اصطفى، وبعد
سيدي الدكتور /
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا/ أتمنى لك حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وأتمنى لك صحة جيده وحمداً لله على سلامتك
ثانياً/ أرجوك سيدي لا تتركنا لا تغيب عنا لا تقطعنا أرجوك سيدي لا تحرمنا من أفكارك فنحن والله لا ندري ماذا نفعل نحن والله أسوأ ألف مرة من الأيتام على موائد اللئام ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثالثاً / أبث إليك همي للمرة الثانية من هنا من حمامات الدم من هنا من ساحات الوغى من هنا من الدمار والخراب والآلام والظلم والاضطهاد والويل والثبور والدموع والصرخات و .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. ...
سيدي أبث إليك همي من فلسطين من أكناف بيت المقدس الذي ضيعته أمتنا ومن وسط المذابح التي ترتكب ليل نهار وتبث على الفضاء مباشرة ليشاهدها القاصي والداني لكي يباركوها ويطلبوا المزيد منها لأن دمائنا وأشلائنا.
وجراحاتنا يبدو أنها أصبحت وجبه أساسية في موائد العشاء لدي شعوبنا وحكوماتها المجاورة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
سيدي / كم كنا مغفلين جداً عندما فرحنا عندما هبت الشوارع العربية تطلب دعمنا وقلنا الحمد لله قد قرب الفرج فلتفرح يا أقصى ها قد تحرك المارد وقد قربت ساعة الخلاص ولكن يا سيدي سرعان ما انكشف الأمر وتبين لنا أن ما نلاقيه ونعانيه ليس إلا مقدمه لما هو أسوأ وأفظع وأن الأقصى لم يعد يعني أحدا فليهدم وليذرى في الرياح فلم يعد يعني أحدا فالأمر أكبر وأعظم مما كنا نتوقع فيا الله كن معنا.
سيدي/ نمر الآن كشعب مسلم عربي فلسطيني بأسوأ الظروف فكل يوم مذبحة تداهم دبابات اليهود وطائراتهم مخيماتنا في الليل وتداهم علب الصفيح المليئة بأكوام اللحم البشري فتسفك دمائنا وتمزق أشلاء أطفالنا ونسائنا وسط الصراخ والعويل لتنشر الويل والخراب والموت ونحن ليس بيدينا ما ندفعها به أليس ذلك حراماً يا سيدي ألا نجد ما ندافع به عن أنفسنا ونسائنا وأطفالنا الذين يستغيثون بنا ساعة الشدة ونحن لا نملك والله إلا التوكل على الله وما نجهزه من معدات بدائية لندافع بها عن شعبنا وكم ضاع لنا من شباب أطهار وهم يعدون في هذه الوسائل فقبل أسبوع فقدنا ستة من خيرة شبابنا انفجر بهم المكان الذي كانوا يعدون فيه السلاح وقبلهم سبعه وقبلهم ثلاثة وحتى اليوم سقط لنا شهيد وأصيب زميلاه أثناء إعدادهم لأحد الألغام لكي يزرعوه على أبواب مخيماتهم ليصدوا به غزو البرابرة فمن المسئول عن هذه الدماء أليست جيوشنا العربية التي تزخر مخازنها بالسلاح ويتركوننا نهباً لليهود ونهباً للأخطاء التي نقع فيها ونحن نعد السلاح بوسائلنا البدائية بعد أن انقطعت بنا السبل للحصول عليه من مصادره الصحيحة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
سيدي بلغ الأمة أننا على استعداد أن نفني جميعا ولا نريد من أحد أن يساعدنا أو يساعد أهل العراق الذي ينتظر حتفه ولكن ذكرهم بأن هناك مسجد ذكره الله في كتابه قد يتعرض للزوال في أي لحظه وكل التقارير تفيد بأن هناك مخطط جاهز لدي اليهود لاستغلال ما يحدث في المنطقة لتنفيذه فساعتها أين ستذهب امتنا من الله
سيدي نعلم أن الأمة جاءها اليوم ما يشغلها فالطوفان على الأبواب فلك الله يا شعب العراق ولتستعدي يا باقي الشعوب لتشربي من نفس الكأس فالله أكد لنا أن من رأى أخاه في محنة ولم ينصره فسيأتي عليه الدور ليذوق مرارة الألم ولكن لا زال في الأمر متسع لمسح الخور والخوف من نفوسها ولتهب ولتقول لا فالأمر لم يعد يطاق.
سيدي / أنت ضمير الأمة لا تسكت ولا تيأس ولتحمل اللواء فاليوم نكون أو لا نكون فالأمر جد خطير وليس ثم والله إلا الصبر والثبات فلتستنهض الأمة ولتصرخ فأنت المسئول عن الأمر بعد أن سقط حكامنا وسقط علماؤنا وسقطت أمتنا فكان الله في عونك.
أما نحن وبالرغم من سواد ما ينتظرنا وما يتوعدنا اليهود بعمله فينا لحظة انشغال العالم بضرب العراق فإننا والحمد لله صابرون وثابتون ولن يفارق سوادنا سوادهم حتى يموت الأعجل فينا فيا الله أنصر دينك.
ابنكم رائد أبو القسام /غزة /فلسطين 27 فبراير 2003
***
-3-
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الدكتور محمد عباس
يا كل علماء أمتنا وأخيارها وشبابها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
أكتب إليك رسالتي الثالثة في عجالة من الأمر وأسأل الله أن تصلك وأنت في أتم صحة وعافية
سيدي/
وها نحن هنا في فلسطين ندفع فاتورة الشرف والكرامة عن الأمة.
وها نحن نباد يومياً قادة ومجاهدين ونساء وأطفال على أيدي أقذر أمم الأرض.
وهاهي الحركة الإسلامية في فلسطين تخوض الصراع بمفردها متسلحة بإيمانها بالله وثقتها بموعوده.
وهاهم اليهود قد جاءوا بخيلهم وخيلائهم وقد حشدوا كل أمم الأرض من خلفهم ليقضوا على آخر معاقل الإسلام في فلسطين في غزة بعد أن فشلوا في كسر أرادتنا بكل وسائلهم.
نعم هاهم يعدون للأمر عدته وفي أي لحظة قد تقع المجزرة.
ونحن وبإذن الله قد أعددنا للأمر عدته بما تيسر في قلوبنا من إيمان وصبر وثبات.
وبما تيسر في أيدينا من وسائل أغلبها بدائية لنرد بها الموت عن أنفسنا وأطفالنا ونساءنا.
سيدي الدكتور محمد عباس وكل أسيادنا في هذه الأمة:
قريبا ستسمعون عن مقاتل عظيمة بيننا وهاهي اليوم قد بدأت بشائرها لأننا لن نكون حينها إلا واقفين مكتوب على جبيننا أننا متنا واقفين مقبلين غير مدبرين ومات معنا أطفالنا ونساؤنا وشيوخنا وشبابنا !! جعلنا منهم وقودا لهذه الأمة الساكنة البليدة!!
لا تنتظروا منا أن نستسلم أو أن نرفع الراية البيضاء لأننا تعلمنا أننا سنموت أيضا إن فعلنا ذلك فاتركونا نموُت بشرف المجاهد !.
إن شئتم كونوا معنا بما تستطيعون فثأرنا يتقلّده كل واحد منكم في عنقه ؛ ولكم أيضا أن تشاهدوا موتنا وتترحموا علينا ؛ وعزاؤنا أن الله سيقتص من كل من فرّط في أمانته التي أعطيها.
ونرجوكم ألا تكونوا علينا ؛ بالله عليكم لا تكونوا علينا يا قادة أمتنا يا شعوب أمتنا يا مثقفي أمتنا يا أحرار أمتنا !!
"اللهم نشكو إليك .. نشكو إليك .. نشكو إليك .. نشكو إليك ضعف قوتنا .. وقلة حيلتنا .. وهواننا على الناس .. أنت رب المستضعفين وأنت ربنا .. إلى من تكلنا .. إلى بعيد يتجهمنا .. أم إلى عدو ملكته أمرنا.
اللهم نشكو إليك دماء سفكت .. وأعراضا هتكت .. وحرمات انتهكت .. وأطفالا يتمت .. ونساء رملت .. وأمهات ثكلت .. وبيوتا خربت .. ومزارع أتلفت .. نشكو إليك .. تشتت شملنا .. وتشرذم جمعنا .. وتفرق سبلنا .. ودوام الخلف بيننا .. نشكو إليك ضعف قومنا وعجز الأمة من حولنا وغلبة أعدائنا !!.
سيدي الدكتور
هذه الصرخة أرسلها لك وأنا كلي أمل ألا تسبب لك ضيقا أو حرجاً ..
ولكن سامحني فالأمر والله جد خطير ولا أكتب هذه الكلمات جزعاً من الموت لا والله ..
ولكن حزنا وألما على حال هذه الأمة ..
واعتذارا إلى ربي بأنني قد بلغت ..
ألا هل بلغت اللهم فاشهد ..
ألا هل بلغت اللهم فاشهد ..
ألا هل بلغت اللهم فاشهد ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أبنكم رائد ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق