الثلاثاء، 8 يوليو 2014

من يوقف عبث هذا الرجل بقضية فلسطين؟


من يوقف عبث هذا الرجل بقضية فلسطين؟

ياسر الزعاترة


في جدة بالسعودية كان محمود عباس صريحا، ولكن هذه المرة أمام حشد من الساسة العرب، فتحدث عن التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني كمصلحة للشعب الفلسطيني، وقال إن انتفاضة الأقصى «دمرت الشعب الفلسطيني»، وقال إننا لا نستطيع مواجهة إسرائيل بالسلاح، وتوعد بالعمل على إعادة المستوطنين الذين أسروا (وجدوا مقتولين لاحقا)، واعتبر أن من أسرهم يريد «تدميرنا»، وقد لوحظ أن تصريحاته قد حظيت بتغطية مرحبة وسعيدة في جميع وسائل الإعلام الصهيونية.

من المفيد ابتداءً القول إنه لو علم عباس أن أمامه قادة أو سياسيين يستفزهم كلامه المشار إليه، لما جرؤ على ترديده، لكنه يعلم أنه يعيش زمن أنظمة الثورة المضادة، وأنظمة الانبطاح التي تغازل الصهاينة في السر، وربما تفعل ذلك لاحقا في العلن، وهي لذلك لا ترى بأسا فيما يفعل، بل تدعم الاتجاه الذين يتبناه، وهذا جزء مهم من مأساة الشعب الفلسطيني، إذ إن قاطرة القضية لا تتحرك على نحو جيد من دون إسناد عربي معقول.

ثمة حاجة للتذكير بسيرة هذا الرجل الذي فُرض على ياسر عرفات رحمه الله من قبل الأميركان والإسرائيليين كرئيس للوزراء، بينما كان عرفات محاصرا في المقاطعة، وكان الأخير يسميه «كرزاي» فلسطين، نسبة إلى «كرزاي» أفغانستان، وبالطبع إلى جانب سلام فياض كمسؤول للمالية، ومحمد دحلان كمفوض للأمن، فكان أن وجد العدو أن بإمكانه التخلص من ياسر عرفات، والحصول على بديل مناسب، بصرف النظر عن أسئلة التواطؤ في عملية الاغتيال (دحلان يتهم عباس وعباس يتهم دحلان).

حين أجمع الشعب الفلسطيني بكل فئاته، كما لم يحدث من قبل على انتفاضة الأقصى، نهاية سبتمبر من العام 2000، لم يكن عباس يجد حرجا في القول إنها خيار عبثي، وهذا يكشف ما يعنيه الشعب والإجماع الشعبي في عرفه كسياسي، وهو لا يزال على هذا النهج في الاستخفاف بمشاعر الجماهير، وإن توسل مشاعرها بطريقته.

هل يوجد قائد حركة تحرر في التاريخ سخّف على هذا النحو أهم محطة نضالية في تاريخ شعبه، واعتبرها «مدمرة» كما فعل عباس فيما خصّ انتفاضة الأقصى؟! 
وهل ثمة قائد حركة تحرر في التاريخ يفتخر بالتنسيق الأمني مع عدوه، وهل ثمة قائد حركة تحرر يعتبر أسر مستوطنين لمبادلتهم بأسرى من أبناء شعبه جريمة تستحق العقاب؟!

إذا كان صائب عريقات، صاحب «نظرية المفاوضات حياة»، وكبير المفاوضين كما يسمونه قد ضاق ذرعا بسياسات عباس، وهاجمه في تسجيل مسرّب سمعه الفلسطينيون، فكيف بأبناء الشعب الفلسطيني الآخرين، إن كانوا في الداخل ممن يشاهدون واقع الاستيطان والتهويد، وواقع التنسيق الأمني في آن، أو من يعيشون في الشتات، وسمعوا مرارا محمود عباس وهو يتنازل عن قضيتهم، ويقول إنهم مرتاحون في أماكن وجودهم!

في التسجيل المسرّب إياه يقول صائب عريقات لعباس بالنص: «إن نتنياهو لم يُبق لك سلطة، وإنك يا أبو مازن تحتاج إلى إذن من مقدم في الجيش الإسرائيلي في بيت إيل ليسمح لك بالسفر إلى الأردن، وليحدد عدد السيارات المرافقة لك». 
ويضيف «السلطة ما ولدت إلا لنقل الشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال، واليوم نتنياهو لم يُبق لك؛ لا سلطة ولا ولاية.. فليستلم مسؤولياته كسلطة احتلال.
ثم قال عن عباس «بلغ 79 سنة، شو بده يعيش، فليأخذ موقف ويحمي المشروع الوطني الفلسطيني وبس فقط لا غير، عباس في يده كل شيء».

وللتذكير فقط، فصائب عريقات قدم للإسرائيليين تنازلات رهيبة كما كشفت تفاصيلها وثائق التفاوض التي نشرتها «الجزيرة»، لكن ذلك لم يرض شهية الصهاينة، فماذا يمكن أن يحقق من مساره القديم الجديد؟ لا شيء غير الإبقاء على سلطة يستفيد منها بعض المقربين منه، ولتذهب القضية إلى الجحيم.

هل يوجد قائد حركة تحرر يقول إنه لا يستطيع مواجهة عدوه عسكريا؟!
لماذا كان بوسع الشعب العراقي أن يُخرج الأميركان، وقد جاؤوا كقوة احتلال؟ولماذا نجح حزب الله في إخراج الصهاينة من لبنان، وهل الشعب الفلسطيني أقل شأنا في هذا المضمار؟
أما حديثه عن المقاومة السلمية فهو للتدليس فقط، فعندما تظاهر الناس بقوة، قال إنهم يريدون أن يدفعوا أبناءنا إلى الموت برصاص الإسرائيليين.

هذا زعيم لا يشرِّف الشعب الفلسطيني، لكن المصيبة الكبرى هي في الحركة التي يترأسها (أعني فتح)، والتي تتحرك بروحية القبيلة، وتقدم الحزبية على مصالح الشعب الفلسطيني، وما لم ينتفض شرفاء في الحركة ضد هذا النهج، ويجري إعادتها حركة تحرر، لا حزبا في سلطة تحت ولاية الاحتلال.
ما لم يحدث ذلك، فإنه التيه، سواءً استمر بمصالحة مع حماس أم من دون مصالحة. بل إن مصالحة كهذه تبدو كارثية بمنحه (أي عباس) شرعية انتخابية زائفة يستخدمها في مزيد من العبث وتضييع القضية.

نكتب، بينما يتعرض قطاع غزة لعدوان جديد، لكنه عدوان سيبوء بالخسران كما الحروب السابقة، فهنا رجال لا يقبلون الضيم، وسيردون بما تيسر لديهم من إمكانات. 
أما عباس، فسينشغل بمحاصرة مسيرات التضامن في الضفة مع الأهل في القطاع حتى لا يخرج الوضع عن السيطرة.

• @yzaatreh


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق