لماذا تقف مصر مع إسرائيل؟
لم يعد السؤال حول موقف النظام المصري من الصراع العربي الإسرائيلي، وتحديدا من الصراع القائم بين قطاع غزة والكيان الصهيوني، هذا الأمر بات محسوما، فجملة مواقف النظام المصري -بعد اتفاقية كامب ديفيد- تتراوح بين الحياد السلبي في أفضل الأحوال، أو العداء السافر للفلسطينيين والتحريض عليهم، بما في ذلك تحريض دولة العدو على العدوان تحت أوهام القضاء على المقاومة، الموقف السياسي يقول ذلك بصراحة، إدارة معبر رفح الحدودي -المتنفس الوحيد لقطاع غزة- تقول ذلك أيضا، الخطاب الإعلامي، والمبادرات التي تصب لصالح العدو تكشف عن الوجه السيئ للنظام المصري، وقد كان الاستثناء الوحيد إبان فترة حكم الدكتور محمد مرسي، العام الوحيد الذي عبر فيه الشعب المصري عن إرادته الحرة، وكانت صناديق الاقتراع هي الحكم بين المتنافسين، فيما عدا ذلك لا نعرف موقفا واحدا جاء لصالح المقاومة وحركة حماس في صراعها الدائم مع المحتل.
المصريون في العموم يكرهون إسرائيل، لأسباب دينية وقومية ووطنية، وبالتالي يحق لنا التساؤل: لماذا يخالف النظام المصري طبيعته وفطرته في هذه المواقف الغريبة، علينا أن نفهم هذا الأمر، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالعودة للاتفاقية الملعونة، يوم توهّم النظام المصري أنه ألقى عن كاهله عبء العداء مع إسرائيل، ودخل مرحلة السلام المنشودة، يومها تم تقييد مصر الكبيرة بقيود لا يحتملها بلد، أعني صنف البلدان التي تبحث عن النمو والازدهار والقوة والمنعة والاستقلال في القرار الوطني، وهذه الاتفاقية سيئة الذكر، لم تعد على مصر بأية منفعة، أتحدى من يستطيع إقناعنا بفائدة واحدة تحققت لمصر من عقد تلك الاتفاقية، لا الاقتصاد المصري تحسن، ولا استطاع الجيش، بفضل التوقف عن الحرب، بناء نفسه من جديد، وتطوير قواه القتالية وتحسين أدائه وتجويد صناعاته، أو حتى التمكن من استيراد ما يمكنه من خوض أية معركة محتملة، لم يزدهر شيء في المحروسة منذ تلك الليلة، تراجع بل تدهور اقتصادي، احتقان داخلي، انهيار في التعليم والإسكان والخدمات المختلفة، وفساد لم يعرف عالم اليوم له مثيلا، يمكن أن تلحظه العين من اللحظة الأولى لدخول البلاد، وهو فساد مخيف نخر في المؤسسة العسكرية والسياسية والإدارية للبلد، حتى بات كل شيء بعد ذلك معروضا للبيع، في بلد كان مركز السياسة والحيوية في المنطقة.
ليست «كامب ديفيد» وحدها المسؤولة عن هذا الموقف، الاستبداد وخياراته دفعت القاهرة للانحياز إلى العدو ودعم خياراته، ليس ضد الفلسطينيين فحسب، بل ضد نفسها وأمنها القومي ومكانتها، ويعرف من لا يعرف في السياسة شيئا، أن الموقف الذي يعطي مصر مكانتها وقيمتها هو المواجهة والتنافس مع دولة العدو، لا التبعية لها ولعب دور المراسل لها في الحروب، لكن الاستبداد لا ينطلق من الخيارات الشعبية، ولا من الخيارات الصحيحة، فائدة النخبة الحاكمة ومصالحها، المتحققة من العمالة وبيع البلد، هي الحاكم الرئيسي في مثل هذه الحالات، ولا يحتاج الاستبداد أبداً للقول إنه يعبر عن مصلحة وخيارات الشعوب، وأكبر ما يدلل على ذلك الخيارات المصرية في استثمارات الغاز، والتي لو تركت إدارتها لمجنون فاقد الأهلية لما فعل ما فعله نظام مبارك والمؤسسة العسكرية المصرية، من التنازل عن الحقول الهامة وبيع الغاز بأبخس الأثمان من أجل العمولات، وبيع مصر بالكامل نظير «التنفيع» الذي يناله قادة الجيش والنظام السياسي!
ولكن، ألا يؤدي وجود حماس، وهي جماعة من جماعات الإخوان المسلمين، على رأس العمل المقاوم، إلى مثل هذا الموقف المصري، المعادي أصلا للجماعة داخل مصر؟ وهذا يأخذنا إلى أمرين، الأول معاداة جماعة وطنية لا يمكن لها أن تستأثر بالسلطة، هل يبدو عملا لصالح الدولة المصرية؟ وفي حالة غزة، أيهما أهم، معاداة حماس أم مصالح مصر الكبرى، يمكن لمصر قوية أن توظف حماس وغيرها لصالحها في الصراع الكبير، وأن تملك كل الأوراق التي تحقق لها المكاسب، والقيمة والمكانة المنشودة، لكن المستبد الفاسد الذي يبع كل شيء، يكره كل ما يمكن أن يعريه، والمقاومة والنضال والاستقامة لا تتوافق مع حالة النظام المصري، لذا تجده هكذا، نظام عُملة يبيع نفسه من أجل المال والسلطة، ولو على حساب الوطن.
• @alialdafiri
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق