الأحد، 9 نوفمبر 2014

مزرعة الحيوان



مزرعة الحيوانات
(Animal Farm) 



قراءة :مصطفى أيت خرواش
باحث مغربي، مهتم بقضايا الفكر الإسلامي المعاصر، له مجموعة من المقالات والدراسات المنشورة.

لم تكن رواية "مزرعة الحيوانات" (Animal Farm) للكاتب البريطاني "جورج أرويل" (1950 - George Orwell 1903) مجرد عمل أدبي أملته الاهتمامات والهموم الأدبية والفنية الذاتية فحسب، بل كانت أيضاً محاكاة لواقع سياسي مملوء بالتناقضات والصراعات الأيديولوجية في مرحلة جدّ حساسة من تاريخ روسيا والعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. فلقد قدّم جورج أرويل رؤية سياسيّة لما حدث إبّان الثورة الروسية والألمانية في قالب فني بسيط، يمتزج فيه الواقع بالخيال والرمز والتشبيه والمجاز. فانزاح الأدب إذن، عن دوره التقليدي بكونه فناً خيالياً تجريدياً لا يحاكي الواقع ولا يسقط في متاهاته التبسيطية إلى فن استقرائي يحاور العقل الفني، ويقدّم له نسخة أدبية لتحوّلات الوعي الإنساني المتشابك سياسياً ومعرفياً واجتماعياً.
تنتمي رواية "مزرعة الحيوانات" لجنس الأدب الرمزي الذي برز وانتشر بشكل واسع في القرن السابع عشر للميلاد، وشكّل ثورة أدبية بالنظر إلى الدور التقريبي نحو العقل الشعبي الذي لعبه، وصار بالتالي بديلاً لصالونات التحليل السياسي لنخبة النبلاء والسياسيين والمفكرين، وبالنظر أيضاً للظرفية السياسية التي كتبت فيها، والتي نالت على إثرها لقب أعظم الأعمال الأدبية.
كتب أرويل هذه القصة المثيرة للجدل سنة 1945 قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية بقليل، وما تزال ممنوعة في العديد من الدول الاشتراكية كالصين وكوريا الشمالية، وقد بيّن هدفه من وراء هذا العمل قائلاً: "ما من شيء ساهم في إفساد المعنى الأصلي لمذهب الاشتراكية أكثر من الاعتقاد بأنّ روسيا بلد اشتراكي، وأنّ كل فعل يصدر عن القادة السوفيات ينبغي تبريره، بل محاكاته، لهذا السبب أصبحت مقتنعاً في السنوات العشر الماضية بأنّ تدمير الأسطورة السوفياتية من خلال كتابة قصة، يسهل على الجميع فهمها كما يسهل ترجمتها إلى لغات عدة". كان السبب إذن وجيهاً؛ فالصورة التي قدّمها السوفيات عن الاشتراكية على أنها أيديولوجية علمية وسياسية كانت مشوهة ومشوبة بالعديد من الأخطاء القاتلة، وبالتالي أسهمت في فشلها أمام صعود الرأسمالية التي استغلت هذا الفشل من أجل الظهور بصورة الأيديولوجية البديلة. لم تكن مهمة تصريف هذا الموقف الأيديولوجي في قالب أدبي بالأمر السهل وخصوصاً بالطريقة القصصية المثيرة للجدل التي كتب بها جورج أرويل. لقد جاء هذا العمل في ظروف حسّاسة تمثلت في انتهاء الحرب العالمية الثانية المدمرة، والتي كانت روسيا ضالعة فيها بشكل كبير وجوهري، وبروز بوادر نظام عالمي جديد، هلكت فيه أنظمة في طور النشوء كالنظام الاشتراكي الذي سيفقد شعبيته ما قبل الحرب لصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي ظهرت كقوة رأسمالية جديدة استفادت بشكل كبير من الانهيار السوفياتي المريع.
السيرة الذاتية لجورج أرويل ملأى بالانعطافات الأيديولوجية والاجتماعية التي لعبت دور المؤثر القوي في توجهاته وأسلوبه الأدبي، وهذا واضح في كل أعماله، كالعمل الذي بين أيدينا. ولد أرويل في الهند سنة 1903 م، حيث كان والده يعمل هناك، و"أرويل" اسمه الأدبي. أما اسمه الحقيقي، فهو "ايريك آرثر بلير"(Eric Arthur Blair) . عاد إلى إنجلترا، وهو في الرابعة من عمره، وتلقى تعليمه هناك حتى تعين في شرطة الإمبراطورية الهندية في بورما، حيث عمل هناك خمسة أعوام، عاد بعد ذلك إلى إنجلترا، وفي هذه المرحلة سيعرف أرويل تحولاً إيديولوجياً مصيرياً في حياته، بعدما رفض وظيفته الجديدة مع الحكومة البريطانية، مما جعله ينفصل عن الطبقة الوسطى التي ينتمي إليها، والتي سيخدم من خلالها الإمبريالية على حد اعتقاده. هذا الاختيار الصعب شكّل له نوعاً من الفراغ الوظيفي، وأسهم في تشكل وعيه السياسي الجديد، وجعله يعيش متشرداً ما بين لندن وباريس، وهي التجربة التي سجلها في كتابه "متشرد ما بين باريس ولندن" Down and Out in Paris and London 1933. هذه التجربة وهذا الاقتراب من الطبقات الدنيا في المجتمع البريطاني، جعلته يعي الظلم والقهر والحيف الواقع عليها، وهو ما جعله يتبنى الاشتراكية، ويقوم بنفسه بزيارة عمّال المناجم في ويغان، حيث يعيش معهم ويسجّل تجربتهم في كتاب "الطريق إلى رصيف ويغان" The Road to Wigan Pier 1937. وعندما قامت الحرب الأهلية الإسبانية انتقل إلى هناك وشارك في الحرب، وسجّل تجربته في كتابه "الحنين إلى كاتالونيا" Homage to Catalonia (1938).
تدور قصة "مزرعة الحيوانات" حول مزرعة تثور فيها الحيوانات على صاحبها السكّير (السيد جونز الذي يمثل هنا القيصر المخلوع " نيكولا الثاني" ) الذي كان يستغلها لمصالحه من دون أن يقدم لها حتى كفايتها من الطعام، هذه الثورة تأتي لتحقق نبوءة حكيم الحيوانات، وهو خنزير اسمه (ميجر)، تنبأ بالثورة ومات قبل أن يشهدها ـ شخصيته هي مزيج من ماركس ولينين -، وهي الشخصية التي قدمها أرويل بصورة الثوري المبدئي الذي ناضل من أجل مصلحة جميع الحيوانات. يقود الثورة بعد هذا خنزيران؛ أحدهما يدعى سنوبول ـ شخصيته مزيج من لينين وتروتسكي-، والآخر نابليون ـ ستالين-، وقد تخلصا من الخنزير الأول بنفيه وتشويه صورته عن طريق خنزير إعلامي استخدم مؤهّلاته الدعائية وتمكّن من تمويه الصورة الحقيقية لميجر واتهامه بالخائن. يتمّ بعد ذلك وضع سبعة قوانين لمذهب الحيوانية الذي ستسير الحياة في (مزرعة الحيوانات) على أساسه، تحت مبدإ أنّ كل الحيوانات متساوية، ثم تبدأ الحيوانات في العمل الشاق، وخاصة بناء طاحونة من أجل توفير الطاقة الكهربائية للمزرعة. تبدأ الخنازير التي تولت القيادة في تمييز نفسها عن الحيوانات الأخرى، وكسر بعض القوانين السبعة، بل إعادة كتابتها لتتناسب مع الوضع الجديد، يطرد الخنزير نابليون صديقه سنوبول (الوفي لأهداف ثورة الحيوانات)، ويسيطر على المزرعة بالقوة محيطاً نفسه بخنازير محدودة، وبكلاب شرسة لا تدين بالولاء إلا له. مع الوقت، تصبح حياة الحيوانات أسوأ مما كانت عليه في ظلّ صاحبها الإنسان السابق، ولكن لا أحد يتذكّر، والدعاية الدائمة التي يقدمها الحكام الجدد تمجّد الإنجازات التي قاموا بها، وويل لمن يشكك في هذا. في النهاية تكسر الخنازير آخر القوانين السبعة، وهو قانون غريب كانت الحيوانات أقرّته، يفرّق بين الحيوانات والإنسان، باعتبار أنّ من يمشي على قدمين عدوّ ومن يمشي على أربعة صديق، ويؤسّس بذلك لمذهب جديد ويرفع شعاراً جديداً : كلّ الحيوانات متساوية لكنّ بعضها فقط أكثر مساواة من الأخرى. تعلّمت الخنازير المشي على قدمين، لتميّز نفسها عن بقيّة الحيوانات، وهكذا تمّحي القوانين السبعة التي ولدت مع الثورة، وتختم الرواية على مشهد الخنازير، وهي تتبادل المصالح مع أصحاب المزارع المجاورة من البشر، حيث لم تعد الحيوانات تفرّق ما بين البشر والخنازير، وحيث لم تعد المزرعة للحيوانات، وإنّما تحوّل اسمها إلى (ضيعة الخنازير).
من بين التيمات الرئيسة لهذه الرواية القصيرة هي موضوع السلطة المطلقة؛ فالسلطة قد تَفسد، ولكن السلطة المطلقة تفسد على الإطلاق؛ لأنّ الأيديولوجيا مع كثير من الشوفينية تحوّل السلطة إلى أداة لفرض الأمر الواقع، وبالتالي التحول إلى سلطة استبدادية تقهر الإنسان وتحدّ من آماله وطموحاته. "مزرعة الحيوانات" هي حكاية بسيطة، تتحدث عن قيم رمزية كبيرة كالحرية والمساواة، لقد ناضلت جموع الحيوانات في المزرعة ضد البؤس وقهر الإنسان لها الذي استمر في الاستيلاء على خيرات المزرعة ومنتجاتها على حساب كدح واستماتة الحيوانات في العمل الشاق. كانت الثورة إذن، حلمهم وملاذهم الأخير ضد هذا الواقع البائس، وكانت الخنازير تُجيّش الحيوانات وتخطب فيها من أجل خلق دعم شعبي للشعارات الواقعية التي حملتها، والتي نالت رضى الجميع بسبب قوّة الطرح وضعف قوّة الخصم الذي جسّده السكّير جونز. لكنّ انتقال السلطة إلى يد الخنازير بدد آمال الحيوانات، بل تحول إلى أداة استبدادية أكثر فتكاً وطغياناً من الأولى فكيف حدث ذلك؟
تعتبر الثورة أحد أهمّ التيمات الرئيسة الأخرى التي تناولها أرويل في هذه القصة، موضّحاً كيف تنهزم الشعارات البرّاقة أمام مكر الثوّار أنفسهم وقَولبتهم لعقول العامّة وأحاسيسهم عن طريق ما يسمّى بالثورة المضادة، وكما أوضح أرويل نفسه: "هذا هو تاريخ الثورة التي استغلّت بشكل خاطئ". ودلالات ذلك تكمن في الأدبيّات التمويهية التي مارستها الخنازير من أجل إحكام قبضة السلطة على جميع نواحي الحياة، من كلاب شرسة تفرض كلام الخنازير بالقوة، إلى إعلام يموّه الحقيقة ويصوغ أخرى جديدة على مقاس الثوار الجدد، ثمّ استغلال للدين ممثلاً في الغراب الذي رضخ للأمر الواقع واستسلم لقوّة الخنازير. وبالتالي، خرقت هذه الأخيرة دستور الثورة الأولى لصالح دستور الخنازير الجديد الذي جعلهم يترفعون عن طبيعتهم الحيوانية لصالح طبائع البشر لكي يثبتوا أحقيتهم بالسلطة الدائمة.
يمكن أن ينظر إلى الرواية بوصفها التحليل التاريخي لأسباب فشل الشيوعية على يد الشيوعيين أنفسهم، ويمكن أن ينظر إليها بصفتها وسيلة لإبراء الذمة من الصورة التي قدّمها الشيوعيون الروس والألمان. وفي كلتا الحالتين، فإنّ جورج أرويل قدّم عملاً أدبيّاً رفيعاً وتجسيداً لعالم الأفكار ولواقع الثورات السياسية، هي أيضاً دراسة لواقع الأنظمة الشمولية وكيفية انتشارها وآلياتها الرهيبة في قمع الشعوب واختراق حدودها الذاتية لصالح النظام الذي يمارس النهب المنظم والتهديد المنظم والسرقة المنظمة.
القصة إذن بسيطة ورمزية، وفي بساطتها تكمن قوة الخطاب الروائي في الأحداث والشخوص والأماكن عبر أسلوب الحكي التسلسلي في قوالب من التشبيه والخيال والرمز والتمثيل والإيحاء والسخرية، هي أيضاً عرض ونقد للأفكار جسدتها جلّ مكونات الحبكة القصصية من أماكن وأسماء وأشخاص وأدوات وشعارات وحوارات، جعلت هذا العمل يسمو إلى مرتبة الأدب العالمي بكلّ الثقل والشروط والأهداف التي تتطلّبها عملية الرقي هذه. فالأدب العالمي فكر إنساني يناقش العقل الجمعي عبر آليات المشترك الإنساني من قيم رفيعة ومبادئ سامية وشعور بالاختلاف والمساواة، ولذلك، فإنّ الأدب هنا يسمو بالإنسان، مثله مثل الموسيقى والرسم، إلى عوالم أكثر حرية بغضّ النظر عن الحدود الثقافية والاجتماعية والسياسية.
إن مزرعة الحيوانات مازالت حيّة تقرأ وتناقش وتترجم إلى جميع اللغات، ومازالت تستشف منها الدروس والعبر، لأنها كما قلنا جسدت هموم الإنسان في العيش الكريم والحرية، وهي المعارك التي ماتزال ترافق الإنسان المعاصر، وبلا شك ستكون معركته الأبدية والمصيرية.
*************
قراءة:وليد سميح عبدالعال


مزرعة الحيوان

للكاتب الإنجليزي جورج أورويل

قراءة:وليد سميح عبدالعال
(بدء)
لمن لا يعرف (مزرعة الحيوان) يعد النقاد الغربيون هذه الرواية من أفضل مائة رواية عالمية. ولكن الأفضلية ليس لها معيار واحد عند الجميع فقد تُختار الرواية وتفضل لاعتبارات أسلوبية أو لتجديد في البنية أو لمجرد الشهرة والشيوع، وقد تختار وتفضل لاعتبارات سياسية أو طائفية..

وقد تفضل لثراء الفكرة وجدتها وحسن التعامل معها. وهذه الحالة الأخيرة تنطبق على روايتنا هذه مزرعة الحيوان. ويطيب لبعض النقاد أن يستخدم مصطلح تعدد مستويات القراءة في مثل هذا النوع من الروايات؛ فأنت إن أردت أن تقرأها متجردا من أي فكرة مسبقة أو من أي منظور سياسي معين ستجدها ممتعة مسلية حيث تلقي طرافة الفكرة بظلالها في أثناء القراءة مما يعطي تشويقا دائما للقارئ مع ما يعتري السرد أحيانا من فتور ولكن عبقرية الفكرة وعمق المعالجة يحملانك حملا على التسليم وتجاوز ذلك. وإن أردت أن تقرأها قراءة (المثقفين) فلك أن تلقي بكل نقد ومأخذ عالجته الرواية للمجتمع على مكانه في دنيا الناس لترى تحققه، وترى كيف وضع أورويل يده عليه في هذا الإطار الساخر الطريف [والرواية بوضوح ترمز إلى قصة الثورة الروسية وخداعها للفرد تحت حكم ستالين؛ حيث انتهت الثورة التي قامت من أجل العدالة الاجتماعية إلى النقيض تماما من ذلك.!].

وربما يقول قائل: إن الحكايات على ألسنة الحيوانات أمر معروف من قديم. وفي التراث الهندي القديم والعربي قصص كثيرة ظهرت واضحة جلية في ذلك الكتاب العبقري الخالد المسمى (كليلة ودمنة) بترجمة ومعالجة حكيم الأدباء عبد الله بن المقفع، بل وتجد ذلك عند اليونان كتابات إيسوب الحكيم وغيرها وهذا النوع من الأدب يسميه الغربيون [fable] أو القصص على ألسنة الحيوانات وهو عندهم جنس أدبي مميز مستقل. وهي طريقة يستخدمها الكتاب عندما يكون الحكم جائرا ليعبروا على ألسنة الحيوانات عن طريق الرمز عما يجيش بصدورهم ولا يؤاخذون عليه بعد ذلك. ولهذا النوع الأدبي تاريخه المعاصر عندهم وكُتَّابُه.

كتب أورويل مزرعة الحيوان لتكون صرخة (حيوانية) ساخرة بفهم عميق للواقع ونقد لاذع للظلم السياسي والحكم الجائر الذي يعلي من شأن فئة قليلة على حساب المجتمع كله، لكنه على الطرف الآخر نقد النفوس البشرية التي تتحول هي أيضا لتفعل نفس ما كانت تستنكره من قبل في بني جلدتها ولتثبت أن بعض الضعفاء المقهورين يظلون ضعفاء، فقط لأنهم ليسوا هم الذين يضعون إصابعهم على الزناد، فإذا ملكوا القوة تحولوا إلى صورة العدو...!

(ملخص الرواية):
عم الهدوء منزل المستر جونز وأطفئت الأنوار فبدأت الحركة والرفرفة في مبنى المزرعة. كانت كل الحيوانات تستعد لسماع كلام ميجور العجوز (الخنزير الأبيض) الحائز على الجائزة إذ رأى مناما (حلما) غريبا أراد أن ينقله لهم وهم كانوا يبجلونه ويرون فيه الحكمة.

صعد ميجور على منصة مرتفعة وبدأت الحيوانات تأتي..

جاء الكلاب الثلاثة (بلويل وجيسي وبينشر)، وجاءت الخنازير، وحط الدجاج على حواف النوافذ واستلقت الأبقار والأغنام وراء الخنازير. وجاء بعد ذلك الجواد القوي (بوكسر) والفرسة (كلوفر) ثم جاءت العنزة (موريل) والحمار (بنجامين) أكبر الحيوانات سنا وأسوأها مزاجا وتهكما.. وأخيرا جاءت (موللي) المهرة البيضاء البلهاء الجميلة بشرائطها الحمراء ولم يُفتقد إلا (موسى) الغراب الأسود الذي كان نائما.

قبل أن يخبر عن حلمه الذي رآه بدأ ميجور الكلام عن نصيحته لهم التي هي خلاصة سنين من التجارب والحكمة مصدرا كلامه بقوله: إن حياتنا تعيسة..!

أخبرهم كيف أن حياتهم قصيرة يظلون يكدحون فيها ثم في النهاية يذبحون ولا يوجد في إنجلترا كلها حيوان حر.. إنهم لا يتركون لنا إلا الفتات مع أننا نقوم بكل العمل.. إن بني البشر يسرقوننا، إن الإنسان هو عدونا الحقيقي، إنه المخلوق الوحيد الذي يستهلك بدون أن ينتج، كم أعطيناهم من الألبان والبيض والدجاجات والمهرات التي بيعت. والآخرون من الأبقار والخنازير فلهم الذبح، وحتى الجياد القوية تباع ويستغنى عنها حين تفقد قوتها..

إن الحل واضح. يكفي أن نطيح بالإنسان ليكون إنتاجنا لنا ونصبح أحرارا.. تلك هي رسالتي أيها الرفاق.. الثورة الثورة.. لتكن وحدة تامة بين الحيوانات حتى يتحقق النصر..!

حدث اضطراب كبير بين الحيوانات حيث ظهر من تحت الأرض بعض الفئران فقال الخنزير ميجور: أيها الرفاق أنعد الفئران والمخلوقات البرية من الأصدقاء؟

وجاءت الموافقة بالإحماع عدا أربعة معارضين: الكلاب الثلاثة والقطة.

أيها الرفاق إياكم إن تغلبتم على الإنسان أن تتبنوا رذائله أو تظلموا مثله أو تستبدوا ببني جنسكم.. إن كل الحيوانات سواسية..!

أما عن الحلم الذي رأيته فهو عن حال الحيوانات بعد زوال الإنسان وقد سمعت فيه أغنية هي أغنية للحيوانات في عصرها الذهبي حيث تمتلك إرادتها وتتصرف في ما تنتجه..

وحوش إنجلترا وحوش أيرلندا
وحوش كل أرض وكل مناخ
أصغوا جيدا وانشروا أنبائي
عن زمن المستقبل الذهبي...
 • •

أخذت الحيوانات تغني بكثير من الحماس والإثارة بأصواتها المختلفة: الخوار والصهيل والمأمأة والنباح والوقوقة.. ولكن علو الصوت أيقظ المستر جونز وظن أن هناك ثعلبا فالتقط بندقيته وأطلق رصاصات أفزعت الجميع وعاد كل إلى فراشه وسرعان ما غرقت المزرعة في سبات عميق.

مات ميجور بعد ثلاثة أيام ولكن ظل أوار دعوته وقودا في نفوس الحيوانات التي ما عادت تقبل هذا النوع من الحياة بعد أن تنفست من كلام ميجور بعض نسيم الثورة والحرية. سرى في المزرعة نشاط سري مكثف قام به الخنازير لتعليم الحيوانات وتوجيهها قام به الخنزيران الشابان (سنوبول) و(نابليون) وكانا قد أعدا للبيع لا للتسمين. كان نابليون شرس المنظر لكنه واثق يعتمد على نفسه أما سنوبول فكان يحسن الحديث مفعم بالحيوية طلق الخيال. وكان معهم خنزير ثالث يسمي (سكويلر) له طريقة في الإقناع ومناقشة الخصم لا تخيب. هؤلاء الثلاثة طوروا تعاليم ميجور إلى نظام فكري متكامل أطلقوا عليه مذهب الحيوانية [animalism].

في البداية واجهوا بعض الصعوبات والشبهات من الحيوانات حيث كان البعض ينظر للمستر جونز أنه ولي النعمة وله الطاعة والسيادة أو يسألون: لماذا علينا أن نهتم بما سيحدث بعد وفاتنا؟ وسألت المهرة موللي: هل ستستطيع أن تأكل السكر وتضع الشرائط الحمراء في عرفها بعد ذلك..؟!

وكان الجوادان هما أكثر الحيوانات إخلاصا للقضية وللثورة وكانا ينشدان نشيد وحوش إنجلترا في ختام كل اجتماع سري يقام.. وسرعان ما استقام أمر الثورة وازدادت عمقا في النفوس خاصة بعد أن واجهت السيد جونز ضائقة مالية فأهملت المزرعة وأصبحت الحيوانات ينقصها الغذاء..

ذهب السيد جونز للمدينة وقام العمال بحلب الأبقار في الصباح الباكر ثم ذهبوا للصيد دون الاهتمام بإطعام الحيوانات، وعاد السيد جونز متعبا فنام على الأريكة.

وظلت الحيوانات بدون طعام طوال اليوم ففاض بها الكيل وكسرت باب المخزن وأكلت الطعام من صناديق الخزين مباشرة. استيقظ جونز وهرع هو وأربعة من رجاله ليوسعوهم ضربا بالسياط حتى ينفضوا.. لكن فجأة ودون ترتيب مسبق انقضت الحيوانات على الرجال رفسا ونطحا وأيقن الرجال بالهلاك إن هم بقوا فانطلقوا هاربين من المزرعه حتى مسز جونز لما رأت ذلك من نافذتها جمعت بعضا من حاجياتها وفرت ليتبعها الغراب الأسود..

تمت الثورة بنجاح وطرد جونز ورجاله من المزرعة بسرعة لا تصدق.. دارت الحيوانات حول المزرعة للتيقن من أنه لا يوجد أحد من بني الإنسان، وأغلقت الأبواب وعادت لتتخلص مما بقي من حكم جونز البغيض وتخلصت من الأدوات والسكاكين التي كان يخصي بها الخنازير ومن السلاسل والكوابح وحلقات الأنوف والسياط وحتى الشرائط التي كانت تزين أعراف الجياد وقال سنوبول: إن علينا أن نخالف الإنسان وعلى كل الحيوانات ألا تلبس أي ثياب مثل البشر.

قدم سنوبول للجميع حصة مضاعفة من الذرة وأنشد الجميع بفرحة غامرة أغنية وحوش أيرلندا وأعادوها سبع مرات ثم ناموا نوما لم يعهدوه من قبل.

قامت الحيوانات في الصباح كعادتها غير مصدقة لهذا الحدث الرائع وانطلقت لتستطلع المزرعة وما حولها. وكان هناك هضبة قريبة.. ومنها أشرفت على المزرعة.. نعم إن كل ذلك ملك للحيوانات.. والمزرعة بما فيها وحقل العشب وبستان الفواكه والأيكة المشجرة. وعادوا إلى المزرعة ودخلوا قصر جونز وشاهدوا الترف والفخامة في الحجرات واتفقت الكلمة على أن يبقوا على القصر كمتحف ولا يسكنه أي حيوان.

اعترفت الخنازير أنها تعلمت القراءة والكتابة من كتب هجاء كانت تخص أولاد مستر جونز ألقيت في النفايات ثم كتب سنوبول على لافتة المزرعة اسم (مزرعة الحيوان) بدلا من (مزرعة القصر) ولخص سنوبول ونابليون الأفكار والمبادئ الحيوانية في سبع وصايا كتبوها على حائط المزرعة بخط واضح كبير وهي:
1- كل ما يسير على قدمين عدو.
2- كل ما يسير على أربعة أقدام أو له أجنحة صديق.
3- يحظر على الحيوانات ارتداء الملابس.
4- يحظر على الحيوان النوم في سرير.
5- يحظر على الحيوان شرب الكحول.
6- يحظر على الحيوان قتل حيوان آخر.
7- جميع الحيوانات متساوية.

بعد ذلك أرادت الحيوانات أن تحصد حقل البرسيم لكن أولا قاموا بحلب الأبقار التي انتفخت ضروعها وكادت تنفجر. وتساءل البعض: ماذا سيفعلون بكل هذا الحليب؟ لكن نابليون استحثهم للحصاد أولا وبعد أن انتهى الحصاد عادت الحيوانات لكن اللبن كان قد اختفى..!

كان الحصاد ناجحا بأفضل من ذي قبل ومر الصيف والمزرعة في انتظام والحيوانات في سعادة لأنها تأكل من إنتاجها لا بما يتصدق عليهم به سيد حاقد، ولأنها لا يأكل طعامها عاطلون طفيليون. وبرز تميز الجواد بوكسر في العمل حيث بات يعمل ليل نهار بل ويساعد الجميع وأصبح شعاره: سأعمل بمزيد من الجد. وكانت موللي تستثقل الاستيقاظ مبكرا، والقطة تغيب بعض الوقت عن العمل وتظهر في وقت الطعام. أما الحمار بنجامين فظل كما هو ولم يظهر فرحا بالثورة أو تأففا من العمل لكنه كان يقول كلاما غامضا من مثل: إن الحمير تعيش طويلا، إن أحدا منكم لم ير حمارا ميتا..

كان العمل يسير في المزرعة بانتظام وكانت الحيوانات تجتمع في كل أسبوع وتحتفل ويرفع سنوبول العلم الأخضر ذي القرن والحافر رمز جمهورية الحيوانات وكانت تناقش أعمال الأسبوع وتطرح التوصيات التي تطرحها الخنازير دوما وفهمت الحيوانات كيف تقوم بالتصويت. ولكن سنوبول ونابليون لم يكونا على وفاق فمهما يقترح أحدهما شيئا يعارضه الآخر..

واتخذت الخنازير غرفة العدة مقرا لها وأنشأ سنوبول بنشاط كبير عدة لجان للحيوان مثل (لجنة إنتاج البيض) للدجاج، و(حلف الذيول النظيفة) للأبقار، و(لجنة إعادة تربية الرفاق البريين) و(حركة الصوف الأكثر بياضا) للأغنام، ولجان تعليم القراءة والكتابة.. وقد باءت هذه المشاريع بالإخفاق فمثلا محاولة إقناع الحيوانات البرية أن الحيوانات كلها أصدقاء لا يتعدى بعضها على بعض لم تؤت نفعا، ولكن تعليم القراءة آتى ثماره فقد بات الكل بعد مدة على درجة من التعلم وإن تفاوتت بينهما، ولخص سنوبول الوصايا السبع للحيوانات التي لم تحسن التعلم في عبارة واحدة باتت محفوظة تماما "الخير في الأقدام الأربعة والسوء في القدمين"..!

أما نابليون فلم يهتم بلجان سنوبول كثيرا واهتم بتربية الصغار وأخذ الكلاب الوليدة في (علية) مرتفعة ليتولى شأنها بعيدا عن الجميع. وسرعان ما تبين أين يذهب الحليب والتفاح الذي بدأ يجمع. كان يذهب للخنازير فقط..!

تذمرت بعض الحيوانات فأرسلت الخنازير الخنزير المقنع سكويلر ليقنع (الرفاق) بأن ذلك ضروري وفي مصلحة كل الحيوانات لأن الخنازير هي التي تفكر لذا فتحتاج إلى هذا النوع من الغذاء وإلا لن تستطيع أن تقوم بدورها جيدا وأنتم لا تريدون أن يعود جونز مرة أخرى..!

انتشرت أخبار مزرعة الحيوان في نصف البلاد، وكان مستر جونز يشكو حاله لكل شخص، وكان صاحبا المزرعتين المجاورتين يبحث كل منهما عن كيف يستفيد مما حدث في المزرعة لكنهما كانا على غير وفاق كانت الأولى تسمى فوكسوود مالكها مستر بلكينجتون، والأخرى تسمى بينشفيلد مالكها مستر فريدريك الأول مهمل لا يبالي والآخر داهية فظ، وقد عانيا بعض الشيء تأثرَ بعض الحيونات لديهما بثورة مزرعة الحيوان.

وجاء جونز يوما مع بعض الرجال من المزرعتين المجاورتين وتمت وقعة من القتال أعد لها سنوبول العدة جيدا انتهت بانتصار الحيوانات وفرار الرجال الذين لم يتوقعوا هذه المقاومة الشرسة وأصيب ظهر سنوبول بخدوش في ظهره من رصاصات جونز وأطلق على المعركة اسم معركة (حظيرة الأبقار) ومنح سنوبول وبوكسر وسام (بطل الحيوانات من الدرجة الأولى).

اختفت موللي من المزرعة وعرف بعد ذلك أنها تعمل عند أحد البشر حيث تأكل السكر وتضع الشرائط.

كان سنوبول دائم التفكير بذكاء في كل ما يمكن أن يرفع من شأن المزرعة ويوفر العمل ويعلي من الإنتاج وقد فكر في إنشاء طاحونة لتوليد الكهرباء وطحن الذرة ولكن للأسف كان نابليون دائم الاعتراض على كل ما يقوله سنوبول وانقسمت الحيوانات في شأن الطاحونة فريقين ولكن سرعان ما تم التصويت لصالح سنوبول الذي بيَّن للحيوانات أن ذلك المشروع سيخفف من عدد أيام العمل ولكن فوجئ الجميع بزمجرة طويلة من نابليون ظهر على إثرها تسعة كلاب ضخمة بأطواق نحاسية هجمت على سنوبول وكادت تفتك به لولا أن ولى هاربا وانزلق عبر حفرة في سياج المزرعة ولم يره أحد بعد ذلك..!

أعلن نابليون أن اجتماعات يوم الأحد ستتوقف وأن القرارات ستتخذ من دونهم وسيتم نقلها للحيوانات بعد ذلك، وأُرسل سكويلر للحيوانات ليقنعهم أن الرفيق نابليون يأخذ لهم القرارات التي في مصلحتهم وأن ما فعله سنوبول كان سيؤدي لعدم الانضباط مما قد يتيح عودة جونز.. الانضباط الحديدي أيها الرفاق هو كلمة السر.. بعد صمت تكلم بوكسر قائلا: إن كان الرفيق نابليون يقول ذلك فهو على حق ومنذ ذلك الحين وهو يتبنى الشعار القائل: (نابليون دائما على حق) بالإضافة لشعاره السابق (سأعمل بجهد أكبر).

بعد فترة أعلن نابليون أنه يجب بناء الطاحونة مع كل ما حصل وفسر سكويلر ذلك بأن هذه براعة من نابليون للتخلص من سنوبول الذي كان له شخصية سيئة وخطرة عليهم وهذا ما يسمى بالتكتيك أيها الرفاق..!

عملت الحيوانات بجهد أكبر طوال ذلك العام وبدأ العمل في الطاحونة الذي استلزم جهدا مضاعفا من بوكسر الذي كانت قوته هي حجر الأساس لدى الحيوانات، ولكن بدأت تظهر النواقص في المزرعة فأعلن نابليون أن المزرعة ستبدأ في عمل تجاري مع المزارع المجاورة ووافق المستر (ويمبر) وهو محام من ولنجتون على أن يعمل وسيطا بين مزرعة الحيوان والعالم الخارجي.

انتقلت الخنازير فجأة للسكن في قصر المزرعة بل ونامت على الأسرَّة ولكن من دون ملاءات لأن الملاءات هي التي تعتبر ملابس أما الأسرة فيمكن اعتبارها ككومة من القش المريح..!

في يوم من الأيام استيقظت الحيوانات لتجد سارية العلم قد كسرت والبناء الذي أنجز من الطاحونة قد هدم وسرعان ما أعلن نابليون أن المسئول عن هذه الأعمال التخريبية هو سنوبول الحاقد وأنهم سيبدءون في بناء الطاحونة من جديد.

بدأت المزرعة تشتكي قلة الموارد والطعام وقد قل ظهور نابليون أمامهم وكان إذا ظهر فمحاط بستة من الكلاب وعلى نحو احتفالي، وكان يصدر أوامره عبر واحد من الخنازير هو سكويلر غالبا. أعلن سكويلر أن على الدجاج من الآن فصاعدا أن يقوم بتسليم البيض فقد اتُفق مع ويمبر على توريد أربعمائة بيضة في الأسبوع فثارت الدجاجات ولكن سرعان ما تم قمعها في عدة أيام وانصاعت لأقفاصها لتسليم البيض بعد موت تسع دجاجات.

أصبح كل أمر غريب يحدث في المزرعة ينسب إلى سنوبول الذي أشيع أنه قد باع نفسه لفريدريك صاحب مزرعة بنشفيلد للتآمر ضد مزرعتهم، بل قيل إنه كان متآمرا مع جونز منذ البداية وكل ما فعله من قتال وكلام كان بترتيب مع جونز ضد مصلحة الحيوانات هذا ما صرح به (القائد) نابليون بما لا يحتمل النقاش، بل قيل إن هناك عملاء مندسين لسنوبول في المزرعة..!

وبعد أيام أمر نابليون الحيوانات بالاجتماع وقدم لهم أربع خنازير تسحبها الكلاب من آذانها الدامية وهي تصرخ رعبا. اعترفت الخنازير بأنها كانت على اتصال سري بسنوبول وأنها اشتركت معه في تحطيم الطاحونة فقامت الكلاب بتمزيق أعناقها في الحال وتوالت بعض الاعترافات والإعدام حتى تكومت الجثث وتشبع الجو برائحة الدم والموت..!

في صدمتها وتأثرها بما حدث للحيوانات أخذت كلوفر وهي جالسة مع بعض الحيوانات تنشد (وحوش إنجلترا) ولكن جاء سكويلر ليعلن أن أغنية وحوش إنجلترا ألغيت لأن العصيان تم. ونظم الشاعر مينيموس (خنزير آخر) بدلا منها أغنية أخرى تبدأ هكذا:
مزرعة الحيوان مزرعة الحيوان
لن يصيبك أذى أبدا عن طريقي..
 • 

لكن الحيوانات مع قبولها وإنشادها لم يكن لها في نفوسها نفس وقع أغنية وحوش إنجلترا. ووجدت بعض الحيوانات أن الوصية السادسة التي تحرم أن يقتل الحيوان حيوانا آخر قد أضيف لها كلمة (دون سبب)..!!

سميت الطاحونة بعد إتمام العمل بها بطاحونة نابليون. وازداد الخوف والقلق من احتمال هجوم من فريدريك ورجاله على المزرعة ولكن سكويلر طمأن الجميع وأمرهم أن يثقوا في حكمة الرفيق نابليون.

سرعان ما وقع الهجوم بالفعل ونجح الرجال في تفجير الطاحونة ولكن ذلك أسخط الحيوانات وأخرجها من خوفها وهجمت بجرأة على الرجال وقتل وجرح منها الكثير لكن كانت الكلاب قد هاجمت من الخلف بتوجيه نابليون فدُحِر الرجال وفروا.. وسميت المعركة (معركة الطاحونة).

كان بوكسر قد أصيب إصابة بالغة في المعركة لكنه كان يداري ألمه حتى يتم بناء الطاحونة الجديد. خصصت حصص أفضل للخنازير سرعان ما سوَّغه سكويلر، وخصص الحقل الصغير لزراعة الشعير لتنتج منه البيرة التي يخصص منها للخنازير أكثر من غيرها وسرعان ما تغيرت الوصية الخامسة التي تحرم الخمر مطلقا على الحيوانات إلى تحريم السكر حتى الثمالة..!

أعلنت جمهورية الحيوانات وانتخب - بالإجماع - نابليون رئيسا لها إذ كان هو المرشح الوحيد.

كثرت الأفواه الجديدة في المزرعة مع مرور الوقت وخفضت الحصص الغذائية ما عدا الخنازير بالطبع، وازداد العمل ولم يبد أن تحسنا قد طرأ على حالة بوكسر ووقع يوما متهالكا وقيل إنه سينقل للعلاج في ولنجتون وبعد يومين جاءت عربة لنقله ولاحظ الحمار بنجامين أنه قد كتب عليها: ذابح جياد.. تاجر جلود حيوانات..! وسرعان ما انطلقت العربة وصرخت الحيوانات في بوكسر ليخرج لكنه لم يستطع لوهنه الشديد وغابت العربة وبعد أيام أعلن أنه توفي في مستشفى في ولنجتون وأوضح لهم سكويلر أن العربة لم تكن لذابح جياد ولكن الجراح البيطري كان قد اشتراها ولم يغير الاسم..! وحدثهم كيف كان معه في اللحظات الأخيرة وكيف كان لا يزال متمسكا بشعار (الرفيق نابليون دائما على حق)..!!

مرت السنوات ومات كثير من الحيوانات ولم يعد أحد يتذكر أيام الثورة والعصيان إلا كلوفر وبنجامين وعدد من الخنازير وبدا أن المزرعة ازدادت ثراء دون أن تجعل الحيوانات نفسها ثرية لكنها لم تفقد إحساسها بالكرامة.

فوجئت الحيوانات في يوم من الأيام أن كثيرا من الخنازير قد خرجت لتمشي على أقدامها الخلفية وأخذت الخراف في غثاء جديد: الخير في الأقدام الأربعة والخير الأكثر في القدمين.. ! وكانت كلوفر تمر أمام الحائط الذي كتبت عليه الوصايا السبع.. لاحظت أنه لم تبق إلا وصية واحدة: جميع الحيوانات متساوية، لكن بعضها أعلى من الآخرين..!!

بعد ذلك لم يبد غريبا أن تشاهد الحيوانات الخنازير تتابع العمل وهي تحمل السياط في يدها، وأنها قد اشترت لأنفسها جهاز لاسلكي وستقوم بتركيب تليفون وأنها اشتركت في جرائد (جون بول) و(ديلي ميرور)، ولا أن تشاهد نابليون ممسكا بالغليون في فمه ولابسا لملابس آل جونز هو وخنزيرته المحببة.

بعد أيام دعيت هيئة من مندوبي المزارعين المجاورين لإجراء جولة بمزرعة الحيوان وأبدوا إعجابهم بكل ما رأوه خاصة الطاحونة وكانت الحيوانات تتابع عملها دون أن ترفع وجوهها عن الأرض ولا تدري إن كان عليها أن تخاف من الخنازير أم من بني البشر.

في هذه الليلة سمعت من القصر أصوات ضحك وغناء فتسللت بعض الحيوانات لترى ستة مزارعين وستة خنازير حول المائدة ونابليون يحتل كرسي الشرف وكانوا يلعبون (الكوتشينة) ويتهادون كؤوس الشراب.

وقف مستر بلكينجتون ليتكلم ويقول: إن من دواعي سروره أن أزمنة من عدم الثقة انتهت بينهما وانتهت الأفكار الخاطئة وأنهم رأوا أمثلة مشرفة للعمل والانضباط. وقام نابليون أيضا ليلقي خطبة قصيرة موافقا أفكار المستر بلكينجتون وأنه من الجيد أن تنتهي مرحلة سوء التفاهم بينهما وأن هناك بعض الأشياء التي يجب قمعها عند بعض الحيوانات مثل عادة المناداة بكلمة (رفيق) ويجب إزالة الحافر والقرن من العلم الأخضر، ثم قال إن المفاجأة أن اسم مزرعة الحيوان قد تم إلغاؤه وأن الاسم من الآن فصاعدا سيعود إلى الاسم الأصلي (مزرعة القصر) وهذا نخب ازدهارها..!!

كانت الحيوانات تحدق من النافذة غير مصدقة لما تسمع وترى وبدا لها أن أمرا غريبا يحدث في شكل الجالسين، وما كادت الحيوانات تنصرف حتى سمعت ضجة وشجارا فعادت مسرعة لتنظر مرة أخرى كانت هناك مشاجرة بسبب ورق اللعب.. كان اثنا عشر صوتا تصرخ في غضب وكلها متشابهة من خنزير إلى إنسان ومن إنسان إلى خنزير..

خنزير إنسان، إنسان خنزير..

لقد أصبح من المستحيل أن تحدد من الخنزير ومن الإنسان...!!

(انتهت)

(جورج أورويل)
اسمه الحقيقي: إريك آرثر بلير ولد في البنجاب بالهند 1903 حيث كان يعمل والده في الخدمة المدنية، عاد مع والديه 1911 وأرسل إلى مدرسة داخلية، وكان متفوقا على أقرانه.

فاز بمنحة للدراسة بمدرسة إيتون ومكث فيها من عام 1917 حتى 1921 ودرس له فيها الكاتب الروائي الشهير ألدوس هكسلي (صاحب رواية [عالم جديد رائع] التي تأثر بها أورويل في كتابة روايته الشهيرة المسماة [1984]).

في عام 1922 ذهب إلى بورما وعمل في الشرطة الملكية الهندية.

في 1927 عاد لإنجلترا وعاش في أحياء لندن الفقيرة.

ذهب أيضا إلى إسبانيا كمحرر صحفي عن الحرب الأهلية واشترك في القتال وأصيب وأجبر على الفرار وترك فيه ذلك كراهية مريرة ودائمة للشيوعية (ظهر ذلك بوضوح في روايتيه المعروفتين [مزرعة الحيوان]، و[1984]).

في الحرب العالمية الثانية عمل في إذاعة البي بي سي، ثم أصبح المحرر الأدبي لصحيفة التربيون.

توفي بمرض السل 1950.

يحسب لجورج أورويل رؤيته السياسية وأدبه العبقري فكريا وأدبيا بل وتجديده اللغوي في رواياته ومقالاته وهناك كلمات له دخلت إلى لغة الجمهور مثل مصطلح (اللغة المخادعة) وتعني لغة مبسطة تفتقر للوضوح تهدف لجعل التفكير المستقل أمرا مستحيلا. (التفكير المزدوج) تعني احتواء فكرتين متناقضتين في نفس الوقت. يظن أن أن أورويل هو أول من استخدم مصطلح الحرب الباردة في مقاله (أنتم والقنبلة الذرية) الذي نشر 1945.

تأثر أورويل بكتابات جورج برنارد شو، وسومرست موم، وصامويل باتلر، وألدوس هكسلي، وهربرت جورج ويلز.

إن أورويل عقل يستحق القراءة..

(أعماله):
 أيام في بورما   1934.
• ابنة الكاهن   1935.
• دع اسبدسترا تطير 1936.
• الطريق إلى ويجان بير 1937.
• الحنين إلى كاتالونيا     1938.
• الخروج إلى المتنفس 1939.
• مزرعة الحيوان   1945.
• [1984]  1949.

(المراجع):
 (مزرعة الحيوان) ترجمة: صبري الفضل، مراجعة: مختار السويفي، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1992.
• ويكيبديا الموسوعة الحرة، وبعض مواقع الإنترنت.


قراءة أخري
صدرت رواية "مزرعة الحيوان " في عام 1945م وقد كتبها أثناء الحرب العالمية الثانية تحت تأثير تجربته في الحرب الأهلية الإسبانية. وأثار صدور رواية "مزرعة الحيوان" عاصفةً من الانتقادات الحادة , ومنعتها بعض الدول. فما هي المضامين التي أراد أن يبوح بها جورج أورويل في روايته تلك بطريقته الرمزية المثيرة؟
أورويل في هذه الرواية يجري حكايةً ساخرة ممتعة على ألسنة الحيوانات ليكشف عن التناقض الحاد بين الشعارات الثورية وممارسات الحكام بعد الثورة , وهو يوجه نقده اللاذع إلى ديكتاتور السوفييت جوزيف ستالين والثورة الاشتراكية السوفييتية
لقد تذرع بالرمز حماية لنفسه مثلما حمى – من قبل- الحكيم بَيْدَبا نفسه من بطش دَبْشَليم من خلال نسج حكايات كليلة ودمنة وتضمينها النقد والنصائح.
أراد أورويل أن تكون روايته أمثولة تهكمية للثورة التي انتهت إلى تأسيس أحد أشد النظم السياسية استبداد في النصف الأول من القرن العشرين. الثورة التي بدأت - شأن بداية كل مشروع - بحلم طوباوي , وانتهت بكابوس.
إنه يناهض الفساد السياسي والاجتماعي المتصل بالنظرية الشيوعية والاشتراكية وما نجم عن السياسة الستالينية الشيوعية, على الرغم من توجهاته اليسارية , ويعري الفساد المرتبط بمثاليات الثورة الروسية المتمثلة في الأفكار الشيوعية الستالينية.
ويمضي جوروج أورويل , في هذه الرواية, في تحليل الفكر الاستبدادي وطريقة عمله وكيف يتدرج المستبدون في بسط سيطرتهم وإخضاع الآخرين لأهوائهم , وأنهم بمرور الوقت يعززون أوجه قوتهم كي يكسبوا أعضاء جددا يسيطرون بهم على العامة وعلى الثورات والانقلابات. ويكشف عن سعيهم إلى نشر الأخبار الملفقة , ومنع الاتصال بالآخرين, وتحريف التاريخ , وقلب الحقائق , حتى تتوه العقول فلا تجد سوى السلطة الحاكمة حقيقة ثابتة تستطيع أن تؤمن بها. إن هذه الرواية تصوير لما يعتقده جورج أورويل حين قال:" اللغة السياسية... معدة خصيصا لتجعل من الأكاذيب حقائق , ولتحول الجريمة إلى عمل محترم , ولتعطي مظهرا من الجمود إلى الريح المنطلقة".
هناك تشابه كبير بين شخصيات الرواية وبعض الشخصيات الحقيقية , إلى الحد الذي أزعج اليساريين وجعلهم يؤكدون أن المقصود هو الثورة البلشفية. وذهب بعض النقاد اليساريين الماركسيين إلى أن جورج أورويل ألحق أشد الأذى بالاشتراكية ثورةً ونظامًـا وفكرًا , من خلال روايتيه "مزرعة الحيوان " و "1984م".
فالخنزير العجوز "ميجر" هو "كارل ماركس" , والخنزير "نابولين هو "ستالين" , والخنزير "سنوبول هو "تروتسكي" , والخنزير "سكويلر" يمثل قطاع الإعلام وعلى الأخص صحيفة "برافدا" إبان فترة "ستالين" التي استخدمها لتضليل الجماهير مثلما كان "سكويلر" يبرر سياسة نابولين ويزيف الحقائق , وحتى مالك مزرعة الحيوان يشبه القيصر الروسي "نيكولاس الثاني", وفي الرواية شخصيات تمثل الطبقة الكادحة والمتوسطة والمخملية والمثقفة في الاتحاد السوفيتي حينذاك. وبالرغم من ذلك تستطيع أن تقرأ الرواية وتسقطها على واقعك , أو ألا تشغل نفسك بهذه التشابهات وستجد أنها ممتعة ومؤثرة جدا.
ومثلما تستعرض الرواية القمع والتسلط والطغيان والدكتاتورية والاستبداد , تصور أيضا الريبة والقلق والاضطراب والجزع الذي يعشعش في نفوس حيوانات المزرعة. فالرواية لا تتضمن إدانةً لنظام الحكم المستبد فحسب , بل إنها تدين , إلى جانب ذلك , حالة الاستسلام الكلي التي يبديها مجتمع الحيوانات تجاه كل ما يمارس ضده من صنوف القهر والظلم.
ومن خلال عرض الوصايا السبع التي اتفقت عليها الحيوانات يتبين خلل كبير فيها؛ حيث تدور خمس وصايا حول علاقة الحيوان بالإنسان العدو , واثنتان فقط تنظم علاقة الحيوان بالحيوان! و"أورويل" أراد أن ينبه إلى خلل تقع فيه بعض الثورات التي تنشغل في تشكيل هويتها ليس على أساس النظر في أهدافها وحاجاتها ومصالحها , وإنما على أساس منابذة الخصم وإلغاء كل ما يمت إليه بصلة . وهنا تخون الثورة نفسها ولا تستطيع التمسك ببنودها.
وعلى الرغم من أن أورويل في هذه الرواية كان يهدف إلى انتقاد ما آلت إليه "الثورة البلشفية" آنذاك , إلا أنه كان يتوقع لتلك الأنظمة الاستمرار إلى يومنا وإن بشعارات وأساليب وأقنعة مختلفة .
حظيت هذه الرواية بشهرة كبيرة بسبب ما تحمله من أفكار ثورية ولبراعتها في تعرية أصحاب الشعارات البراقة , وأيضا لأسلوب توزيع الأدوار , والإسقاطات المختلفة على الواقع , التي تصلح لكل زمان ومكان؛ فالظلم والديكتاتورية والتفرد بالسلطة والطغيان والقمع قديم قدم الإنسان نفسه.



ملخص الرواية

إنها الرواية التي تبدأ بـحلم وتنتهي بكابوس!
ففي إحدى ليالي إنجلترا يخلد صاحب المزرعة السيد جونز إلى النوم ثملا , فتتوافد الحيوانات إلى مستودع الغلة الكبير لتلبية دعوة كبير الخنازير وأعمقهم حكمة العجوز "ميجر" , الذي شاء أن يقص عليها حلما رآه في الليلة السابقة . وما إن يكتمل حضور الحيوانات(الكلاب , الخنازير, الدجاج , الحمام , الأبقار , حصانا النقل بوكسر وكلوفر, والمهرة مولي, والحمار بنجامين, فراخ الأوز ) حتى يعتلي العجوز ميجر المنصة , بيد أنه لا يبادر من فوره إلى سرد حلمه, وإنما يلقي خطبة عصماء يرثي من خلالها حال الحيوانات في ظل الاستغلال الذي ما انفكت تتعرض له على يد السيد جونز , وأبناء جلدته من البشر ؛ حيث العمل الشاق المتواصل الذي تؤول ثمرته إلى الإنسان , والطعام القليل الذي يقدم لها , والجوع الدائم. ولا يفوته أن ينبه كل فصيلة إلى بؤس واقعها الراهن وما ينتظرها وما ينتظر أخلافها في المستقبل( ص:16) , محرضا إياها على التمرد ضد مستغلها الإنسان , مشددا على أهمية الكفاح في سبيل استرداد الحرية والتخلص من سيطرة الإنسان , وعدم التصديق بوجود مصالح مشتركة بين الحيوان والإنسان , لأن الإنسان مخلوق أناني. (ص:19)
ثم يأتي دور الحلم الذي لأجله اجتمعت الحيوانات فيقصه "ميجر" على هذا النحو:"ولكن سيتعذر علي وصف الحلم بتفاصيله. إنه باختصار رؤيةٌ لمستقبل الأرض خاليةً من جنس البشر" (ص: 20) . ونلاحظ هنا أنه لم يسرد الحلم بتفاصيله , وإنما تكفل بروايته مختصرا ومؤولا بما يخدم غايته. وليس في هذا الحلم ما يشير إلى سيطرة الحيوانات , أو تسيدها , أو تنعمها بخيرات الأرض. إنه محض أمنية وليس نبوءة , ولذلك أرجأ "ميجر" رواية الحلم وألقى تلك الخطبة العصماء , ليخلق للحلم سياقا يجعله يتحول من أمنية إلى نبوءة. نبوءة تصبح شرارة تنطلق منها الحيوانات لتغيير واقعها . ولأن للأحلام تأثيرا قويا في النفوس ,فإن ميجر اتكأ على الحلم ليهيئ الحيوانات لمستقبل جديد , مستقبل لا يمت إلى واقعها بصلة (تهاني المبرك؛ في أعماق الروح:الحلم في القصة القصيرة السعودية ص:124).
بعد هذه الخطبة بثلاثة أيام يموت "ميجر" , فيقوم ثلاثة من الخنازير (سنوبول, نابولين, سكويلر) بتوسيع مضامين خطاب "ميجر" , وتحويله إلى نظام فكري متكامل أسموه "الحيوانية" , وبدؤوا بنشره وتدريسه لبقية الحيوانات ريثما تتوفر الظروف الملائمة للثورة.
وفي أحد الأيام ثمل صاحبُ المزرعة , ونسي أن يطعمَ الحيوانات , مما سبب لها حالة من الهيجان والفوضى , الأمر الذي كان سببا في اشتعال ثورة الحيوانات , التي انتهت بفرار صاحب المزرعة .
كان أول قرار اتُخذ بعد انتصار ثورة الحيوانات , هو تغيير اسم المزرعة إلى "مزرعة الحيوان".ولكي تفهم جميع الحيوانات مذهب "الحيوانية" , قامت الخنازير الثلاثة بتبسيط تعاليم المذهب وصياغتها في سبع وصايا قصيرة وواضحة , ثم قاموا بكتابتها بخط كبير على جدار الحظيرة. وهي : (ص:37)
1- كل من يمشي على قدمين فهو عدو .
2- كل من يمشي على أربع أقدام أو له أجنحة هو صديق.
3- يحظر على الحيوان ارتداء الملابس.
4- يحظر على الحيوان النوم على السرير.
5- يحظر على الحيوان تعاطي الخمر.
6- لا يجوز لحيوان قتل حيوان آخر.
7- كل الحيوانات متساوية في الحقوق والواجبات.
بعد ذلك تولت الخنازير أمر التدبير والتخطيط والقيادة , وسلمت لها الحيوانات بذلك لاعتقادها أنها الأذكى والأقدر على تحمل الأعباء . فأصبح "سنوبول" و"نابولين" بمثابة العقول القيادية المدبرة في "مزرعة الحيوان" , في حين صار"سكويلر" هو المتحدث الرسمي باسم هذا الجهاز القيادي, وهو متحدث بارع قادر على قلب الحق باطلا والباطل حقا. ولكن تظهر بوادر منافسة بين "سنوبول" و"نابلوين" , وكانا لا يتفقان على شيء وأي اقتراح يقدمه أحدهما يرفضه الآخر . وحيث إن "سنوبول" شديد الذكاء واسع المعرفة فصيح العبارة , فإن نابولين - وهو السياسي المحنك قوي الشكيمة- قد أدرك أنه لا يمكنه التغلب عليه إلا باللجوء إلى القوة , فسارع إلى إطلاق كلاب شرسة كان قد دربها وأعدها لمثل هذا الغرض على غفلة من بقية الحيوانات . وفر "سنوبول" إثر ذلك من المزرعة إلى غير رجعة. ويتمادى "نابولين" في إقصاء غريمه فيوعز إلى "سكويلر" بأن يشيع بين الحيوانات أن"سنوبول" كان متعاونا من بني الإنسان ليمهد لهم الاستيلاء على المزرعة , ومضى "سكويلر" ببراعة إقناعه ينسج الكذبات حول "سنوبول" ليحول فضائله وكفاحه إلى خيانات , ولينسب إليه كل المصائب التي تحل بالمزرعة وهي من تدبير من "نابولين".
وهنا يحدث تحولٌ كبير في مسار الأحداث وفي طريقة تعامل الخنازير مع الحيوانات وأسلوب إدارة المزرعة , فينتهي زمن التداول والنقاش مع الحيوانات ليبدأ زمن استبداد النظام , ويتحول "نابولين "إلى زعيم لا يظهر إلا في المناسبات , ويلقي ببياناته التي تحولت لاحقا إلى أوامر تنفذ من غير جدال , تحت إرهاب الكلاب الشرسة المخلصة لسيدها. وحيث تبرز الحاجة إلى تسويغ هذه الأوامر وحمل الحيوانات على القبول بها ينهض "سكويلر" بأمر الدعاية لها .
وبدأت تدريجيا حصة الحيوانات من الطعام تقل شيئا فشيئا , رغم أن عملها في المزرعة ازداد أكثر من ذي قبل, ولكن"سكويلر" يؤكد للحيوانات - دائما- أن حصتها من الطعام الآن أكثر مما كانت عليه عندما كان جونز سيد المزرعة, وكانت الحيوانات تصدق رغم جوعها.
ولا ينقضي وقت طويل حتى تنتهك الوصايا السبع التي تضمنت مبادئ الثورة واحدة إثر الأخرى , تحت تهديد الكلاب الشرسة وتطبيل "سكويلر", وكان يسبق ذلك تحريف صياغتها المنقوشة على حائط المزرعة بما يخدم أهداف "نابولين". فمثلا وصية "يحظر على الحيوان النوم على السرير " تصبح "يحظر على الحيوان النوم على سرير تفرش عليه أغطية " , ووصية "كل الحيوانات متساوية في الحقوق والواجبات " تحرف إلى "كل الحيوانات متساوية , لكن بعض الحيوانات أكثر مساواة من البعض الآخر ".
وفي نهاية الرواية يسكن "نابولين" بيت جونز بعد أن كان سكن المنازل محرما على الحيوانات طبقا لوصايا الثورة , وبدأ يدخن ويشرب الخمر وهو ما كان محرما أيضا على الحيوانات , ويظهر "نابولين" ذات يوم واقفا على قدمين يقلد مشية الإنسان , ويجلس هو و "سكويلر" مع مزارعين من الجيران يلعبون الورق سويا , ويؤكد"نابولين" ألا مشكلة حقيقية بين الحيوانات وبين بني آدم.





مختارات من مقولات جورج أورويل :
• إن كان التحرر يعنى شيئا فهو الحق في أن تقول للناس ما لا يَوَدُّون سماعه.
• المنتصر دائمًا ما يبدو وكأنه لا يقهر.
• نادرا ما يتمتع المستنيرون بالإحساس بالمسؤولية.
• لقد لاحظت في مرحلة مبكرة من حياتي أن الصحف لا تنقل أبدا أي حدث كما حدث فعلا.
• لا يمكن أن تتوافر السعادة إلا في الرضا.
• أحيانا يكون الواجب الأول للذكي أن يعيد ذكر الحقائق الجلية.
• الكثير من الفكر اليساري نوع من أنواع اللعب بالنار من قِبَل أناس لا يعرفون أن النار حارقة.
• إذا كان الفكر يفسد اللغة، فبإمكان اللغة كذلك أن تفسد الفكر
• أعتقد أحيانا أن ثمن الحرية ليس اليقظة الدائمة، بل الوحل الدائم.
• الحرية هي حرية أن يقول المرء أن اثنان زائد اثنان يساوي أربعة.










جزء 1


جزء 2


حزء 3


جزء4


جزء 5

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق