ممنوع الاقتراب.. والتصويب!
عادل سليمان
قد يعتقد قرّاء أعزاء أن هناك خطأ في عنوان المقال، حيث اعتدنا على الجملة الشهيرة "ممنوع الاقتراب والتصوير"، والتي توضع على أسوار المنشآت والمواقع العسكرية، أو الأمنية، أو المنشآت الحيوية ذات الطبيعة الخاصة، مثل محطات توليد الطاقة، أو حقول النفط والغاز، لكن الحقيقة أنه لا يوجد أي خطأ هنا، فالعنوان هنا "ممنوع الاقتراب والتصويب" مقصود تماماً، فإذا كانت عبارة ممنوع الاقتراب والتصوير تعني عدم الاقتراب من مكان محدد وعدم تصويره، فإن عبارة ممنوع الاقتراب والتصويب، وليس التصوير، أصبحت الأكثر شيوعاً في عالمنا العربي، وخصوصاً لدى أجهزة السلطة والحكم على اختلاف مشاربها، سواء كان على رأسها ملك، أو رئيس، ليس لدينا نظم حكم أخرى في عالمنا العربي، فقط حاكم ينشئ ما يراه مناسباً من مؤسسات، تعمل على تنفيذ توجيهاته السديدة دائماً لصالح البلاد والعباد.
وإذا كان الاقتراب من المنشآت ذات الأهمية الحيوية وتصويرها خطراً عليها، فإن الاقتراب من نظم الحكم ومؤسساتها، ومشروعاتها، ومحاولة التعرف عليها أو نقدها، أو حتى العمل على تصويبها، يمثل عائقاً لخطط عمل مؤسسات الدولة التي تم وضعها بناء على رؤية الزعيم ذي البصيرة النافذة، من أجل مستقبل الوطن والمواطن!
ومن يحاول ذلك إما (جاهل، أو فاسد، أو، والعياذ بالله، خائن)، وهذا يذكرنا بالبيان رقم واحد لثورة يوليو الذي أصدره الضباط الأحرار صباح 23 يوليو/تموز 1952، باسم اللواء أركان حرب محمد نجيب، القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، الذي اختاره الضباط الأحرار، وهو مبدأ سارت عليه جل نظم الحكم في المنطقة، وطبقته بطرق وأساليب متعددة، تراوحت بين اللين إلى حد التجاهل والإهمال التام، والشدة إلى حد العزل أو الفصل من العمل، وقد يصل الأمر إلى الاعتقال والترهيب والتعذيب، وربما إلى حدود أكثر من ذلك، والحقيقة أن الامر لا يتعلق بحالة محددة، أو واقعة بعينها، ولكن، بفلسفة للحكم أصبحت سائدة في دولنا العربية عقوداً، حتى تصور بعضهم أن تلك طبيعة الأشياء.
ونعود بالذاكرة إلى البدايات، في الـ23 من يوليو/تموز من 1953، في الاحتفال بمرور عام على نجاح الحركة المباركة للضباط الأحرار، كان هذا هو اسمها، قبل تحولها إلى ثورة يوليو، ألقى اللواء أركان حرب محمد نجيب كلمة، قال فيها: "قمنا بتطهير أنفسنا في الجيش، وعلى الأجهزة والمؤسسات المدنية أن تطهر نفسها بنفسها.."!
ونعود بالذاكرة إلى البدايات، في الـ23 من يوليو/تموز من 1953، في الاحتفال بمرور عام على نجاح الحركة المباركة للضباط الأحرار، كان هذا هو اسمها، قبل تحولها إلى ثورة يوليو، ألقى اللواء أركان حرب محمد نجيب كلمة، قال فيها: "قمنا بتطهير أنفسنا في الجيش، وعلى الأجهزة والمؤسسات المدنية أن تطهر نفسها بنفسها.."!
والتطهير، هنا، يعنى التخلص ممن أشار إليهم البيان الأول للحركة من الفسدة، والجهلة، والخونة، وأشباههم. وعمت الدولة كلها ما عرف وقتها بحركة التطهير، وبدأ ظهور تعريف أعداء الثورة، وكان يقصد بهم كل من يقترب من السلطة، وينتقد قراراتها، أو يقدم النصح في محاولة للتصويب، واتسع مجال التطهير، حتى طال اللواء أركان حرب محمد نجيب نفسه، وأعضاء في مجلس قيادة الثورة، بعد عام من كلمة نجيب، في الذكرى الأولى للحركة المباركة، وكان السبب الاقتراب ومحاولة التصويب، من وجهة نظرهم، المخالفة لرؤية الزعيم الحقيقي للحركة والثورة، البكباشي أركان حرب جمال عبد الناصر، والأمر لن يكلف الباحث أكثر من متابعة مسار الأحداث والوقائع، منذ ذلك التاريخ، ليتأكد أن الشعار ليس مجرد عبارة تحذير، لكنه فلسفة حكم فعالة حتى يومنا هذا.
وللحق والإنصاف، لا يمكن، في هذا الحقل، استثناء عندما اقترب الناس من السلطة في 25 يناير/كانون الثاني 2011، وحاولوا التصويب، رافعين شعار (عيش، حرية، عدالة اجتماعية). كان الرد تكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد!
وللحق والإنصاف، لا يمكن، في هذا الحقل، استثناء عندما اقترب الناس من السلطة في 25 يناير/كانون الثاني 2011، وحاولوا التصويب، رافعين شعار (عيش، حرية، عدالة اجتماعية). كان الرد تكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد!
وعندما خرجت أصوات تطالب بالتغيير الشامل، كان الرد أنكم طالبتم بإسقاط النظام، وقد سقط حسني مبارك وأسرته وحواريوه، أما غير ذلك، فهي محاولات لإسقاط الدولة، وهو أمر محظور!
وعندما تولى الرئيس محمد مرسي الحكم، لم يكن الاقتراب مسموحاً به، إلا بقدر محسوب بدقة شديدة، ولا التصويب كان مقبولاً، طالما كان من وجهة نظر مخالفة، وإن كانت السمة الرئيسية ردود الفعل الناعمة تجاه الآراء المخالفة المخلصة، عبر الاستماع إليها من دون محاولة الأخذ بها.
وهذا يقود إلى استنتاج أن اللافتة بقيت كما هي "ممنوع الاقتراب.. والتصويب"، ومازالت، مهما اختلفت النظم، ومهما اختلف الحكام، وفي المقلب الآخر، يشتد الصراع ويحتدم، مع زيادة الإصرار على التصويب!
قد يتصور بعضهم أن باقي المنطقة يسودها الاستقرار والهدوء، وهنا قد أختلف معهم بعض الشيء، لأن الأمر يتعلق باختلاف درجة اقتراب الناس في كل بلد من السلطة، ومحاولة معرفة ما تقوم به ونقده، والأهم محاولة تصويبه! إذن، العلاقة بين العنف ودرجة اقتراب الناس من السلطة ومحاولة تصويبها، علاقة طردية بامتياز!
تعددت نظم الحكم وتعدد الحكام، لكن بقيت الفلسفة واحدة
"ممنوع الاقتراب.. والتصويب"
وهذا يقود إلى استنتاج أن اللافتة بقيت كما هي "ممنوع الاقتراب.. والتصويب"، ومازالت، مهما اختلفت النظم، ومهما اختلف الحكام، وفي المقلب الآخر، يشتد الصراع ويحتدم، مع زيادة الإصرار على التصويب!
قد يتصور بعضهم أن باقي المنطقة يسودها الاستقرار والهدوء، وهنا قد أختلف معهم بعض الشيء، لأن الأمر يتعلق باختلاف درجة اقتراب الناس في كل بلد من السلطة، ومحاولة معرفة ما تقوم به ونقده، والأهم محاولة تصويبه! إذن، العلاقة بين العنف ودرجة اقتراب الناس من السلطة ومحاولة تصويبها، علاقة طردية بامتياز!
تعددت نظم الحكم وتعدد الحكام، لكن بقيت الفلسفة واحدة
"ممنوع الاقتراب.. والتصويب"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق