ما لا تريده أمريكا من البغدادي
عامر الكبيسي:إعلامي عراقي
أن تنتقل العمليات من الموصل إلى مدن أمريكا! هذا أكبر تحد على الإطلاق يواجه قوات التحالف وأمريكا، وتعمل من أجله ليل نهار، لذلك كنت أفكر في هذا السؤال، ما هو أكبر شيء تخافه أمريكا بعد التحالف، فأجبت نفسي بسرعة "أن تحارب هناك" أن تنتقل العمليات إلى هناك.
أما أفضل شيء لها ويبعد عنها أسوأ شيء، فإنه استمرار العمليات في حدود العراق الشام وربما سيناء، ما دامت بعيدة عن إسرائيل.
أقودكم إلى مشهد في غاية الأهمية، ظهر في أحد التسجيلات، لشاب من تنظيم الدولة يحرق جوازه الأمريكي، ثم ينفذ هجوما انتحاريا بمنطقة سورية!! هذا هو بيت القصيد حقا، الآن يمكن القول: لقد نجح التحالف وبشدة .. أمريكا تنجح، بغض النظر عن "كيف".
كان بإمكان هذا الشاب أن يستغل جواز السفر نفسه، ويقوم بعمليته هناك، حيث أمريكا، لكنه امتلك فكرا جديدا أسس له تنظيم الدولة بشكل "ديني عقدي"، يقول: فجر نفسك هنا وليس هناك، نبدأ "بالمرتدين" ثم "الكفار"، هذا هو النجاح ..
لك أن تصفق الآن لأمريكا بحق، فهي تقاتل تنظيما يريد قتل الآخرين ويريد قتلها إن وقعت هي بيده، على أنها لن تقع.
من هذا الشاهد، نستتبع انتصارات أخرى للحلف الجديد، ربما تخفى على من لا يفهم في علم الأمن والمخابرات العالمية، وذاك أن نداء "البغدادي" بالهجرة إلى دولته لأصحاب الكفاءات، يعد نجاحا مبهرا لكل دوائر المخابرات في هذا الكوكب.
إن الأخبار من قبيل أن مئات الأمريكيين تركوا بلدهم وهاجروا لداعش، ومنها أن بريطانيين وإيطاليين وكنديين تركوا بلدانهم وهاجروا للموصل، لم تكن أخبارا سيئة على الأمريكيين والكنديين والبريطانيين!!! لقد كانت أفضل الأخبار التي يمكن أن يسمعها رجل المخابرات في تلك البلدان. إنهم يرحلون عنا.
السبب وبكل بساطة أن تلك البلدان ستتخلص من وجع الرأس والصداع الذي يسببه "المؤمن بدولة البغدادي"، سواء أكان عسكريا أم متخصصا، فإنه حين يهاجر عن الأرض التي كان يشكل عليها أكبر تهديد، فإنه وأمثاله صاروا خارج الزمن.
لقد هاجروا وانكشفوا، وليس بعيدا أن الكثيرين منهم صاروا من "الجواسيس" التي زرعت في بطن هذا التنظيم، فكانت فائدة أخرى أنهم مصدر معلومات سيتم التخلص منه لاحقا.
وهنا يكون الفرق الجوهري بين تنظيم "دولة البغدادي" في الفكر والسلوك، وبين تنظيم القاعدة، الذي يعد أخطر بكثير من داعش، وله رؤيته الإستراتيجية في نقل ساحة الصراع إلى مواطن أبعد،إلى أمريكا، وكان يبني رؤيته دوما على هذه الرؤية.
فكر البغدادي أضيق من فكر الظواهري، فهو لا يرى في العالم غير "دولته ومبايعته"، وهو ما تريده بالضبط الأجهزة الدولية، بأنه يتركهم وشأنهم، ويجذب الآلاف من الشباب في كل العالم إلى المصيدة، وحين يقترب من أي خط أحمر يعالج فورا، كما حاول الاقتراب من أربيل، حيث عولج في اليوم التالي بسرعة فائقة.
سيكتب لهذا التنظيم أن يبقى إلى أمد بعيد، ليس لمصلحة العراق والشام قطعا، ولا لمصلحة سيناء كذلك، بل لمصلحة الطواغيت، فالتنظيم سيعطيهم أفضل ذريعة للتخلص من كل صاحب فكر ووسطية بحجة الإرهاب المفترض، وتنتهي أحلام الشعوب في المدنية والديمقراطية التي تجلب التنمية للبلدان.
داعش حاضنة رائعة، أو مصيدة رائعة لكل من يفكر في هذا العالم بطريقة البغدادي، وأنه سيتيح فرصة عظيمة أخرى لحرب الوكالة، للسيطرة من جديد على السياسة والنفط وأمن إسرائيل بمنطقتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق