جاثوم على صدر البحرين
الجزء الأول
احسان الفقيه
هل مر بك ذلك الشعور المرعب أثناء نومك، وشعرت بشيء ما جاثما على صدرك فانعقد لسانك عن الكلام، وأنت في مرحلة بين اليقظة والمنام؟
تلك الحالة يسميها العلماء "الجاثوم".
عرفته العرب، حتى أن ابن منظور تناوله في موسوعته اللغوية "لسان العرب"، فقال: "الجثام" و"الجاثوم": الكابوس، يجثم على الإنسان ، ... ويقال للذي يقع على الإنسان وهو نائم "جاثوم".
وبغض النظر عن تفسير هذه الظاهرة التي تجد مكانها في عالمي الخرافة والعلم معا، فإني أرى أنها الوصف اللائق للنفوذ المجوسي الصفوي في البحرين، حيث يجثم المشروع الإيراني المجوسي على صدر هذا القطر الذي نحبّ أهله وتعنينا سلامتهم، ويضعه في بؤرة اهتمامه منذ عهد دولتهم الصفوية.
وأجد نفسي أمام التمدد والنفوذ الإيراني في البحرين حائرة، فماذا أطرح بهذا الشأن وقد تعددت قضاياه وتشعبت، والتفتّ أغصانه العتيقة والناشئة، غير أني أقارب وأسدد والله الموفق.
من قلب التاريخ:
وليعذرني قارئي لتلك النزعة المتوثبة بداخلي دائما للعودة إلى الجذور، فالغوص في أعماق التاريخ يستهويني ويستبد بي ويفرض علي الاقتباس، ولذا أستعير لكم ذلك المقطع التاريخي:
"إني أقدّر لك احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند،
وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحرالأحمر، أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو القطيف أو البصرة،وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي وسأنفذ له كل ما يريد"
تلك الرسالة بعث بها قائد البرتغاليين "ألفونسو دي ألبوكيرك" إلى الشاه إسماعيل الصفوي، ورائحة الخيانة قطعا تفوح من حروفها.
فلقد كان المجوسي الرافضي إسماعيل الصفوي يسعى للتحالف مع البرتغاليين ضد الدولة العثمانية التي أذاقته الأمرين وأوقفت مده الرافضي خلال موقعة جالديرانعام 1514م على يد السلطان العثماني سليم الأول.
فلجأ إسماعيل الصفوي - الذي ورث نسله المشئوم إلى اليوم نزعته إلى الطعن في ظهر الأمة-إلى التحالف مع البرتغاليين، وأقرهم على احتلال هرمز مقابل مساعدته في احتلال البحرين والقطيف، بالإضافة إلى مشروع تقسيم للمشرق العربي يتم خلاله استيلاء الصفويين على مصر، واستيلاء البرتغاليين على فلسطين، إلا أن أحلام الشاه تبددت، حيث كانت الاستخبارات العثمانية تتابع الرسائل المتبادلة بين الخائن وحلفائه فأحبطت المخطط.
الطمع المجوسي في أرض البحرين إذن قديم.....ومتجدد.
الشوفينية الفارسية:
أطماع إيران في البحرين وغير البحرين - مما وقع تحت نفوذها يوما ما في التاريخ- تنطلق من نزعتها القومية الشوفينية، فالذهنية الإيرانية مستغرقة في أحلام الإمبراطورية الفارسية التي سبقت بزوغ شمس الإسلام بقرون عددا.
ذلك البعد القومي الفارسي يمثل إطار المشروع الإيراني، بينما يمثل البعد العقدي (المذهب الشيعي الإمامي الإثنى عشري) فكرته المركزية، ولما كان الصحابة هم الريح التي أطفأت نار المجوس، وقوضت عرش الإمبراطورية الفارسية، حمل الموروث العقدي والفكري لدى الفرس الإيرانيين كل ألوان الكراهية تجاه العرب، حتى عبر شاعرهم الشعوبي أبو القاسم الفردوسي عن ذلك بقوله في ملحمته التي أسماها "الشاهنامه": "بلغ الأمر بالعرب بعد شرب حليب الإبل و أكل الضب، أن يطلبوا تاج كسرى،فتباً لك يا زمان و سحقا".
البحرين في أحلام المجوس:
وترى إيران أن لها حقا قطعيا في البحرين وتعتبرها مقاطعة إيرانية، فقط لأنها قد احتلتها يوما ما، لذا لا يكف قادتهم وكبراؤهم عن التصريح بأحقيتهم الأبدية في البحرين.
ألم يطلق الخميني تصريحا في عام 1980 في بدايات الثورة يطالب فيه بضم البحرين باعتبارها جزءًا من إيران؟
ألم يكتب حسين شريعتمداري مدير تحرير صحيفة "كيهان" في يوليو 2007م، ما يؤكد هذه المزاعم الإيرانية؟
بلى قد فعل، وكتب ما نصه: " البحرين جزءمن الأراضي الإيرانية، وأنها انفصلت عن إيران إثر تسوية غير قانونية بين الشاه والولايات المتحدة وبريطانيا، وان المطلب الأساسي
للشعب البحريني حاليا هو إعادةهذه المحافظة التي تم فصلها عن إيران إلى الوطن الأم والأصلي".
وفي يوم 27 يناير من عام 2009م، قال النائب داريوش قنبري أمام مجلس الشورى على مسمع ومرأى الإعلام العالمي، وبحضور وزير الخارجية منوشهر متقي: "البحرين كانت وحتى قبل أربعين عاماً جزءاً من الأراضي الإيرانية وانفصلت عن إيران عن طريق استفتاء مشبوه ."
وفي فبراير 2009 م وصف رئيس التفتيش العام في مكتب قائد الثورة "علي أكبرناطق نوري" دولة البحرين بأنها المحافظةالإيرانية الرابعة عشرة.
في يوليو عام 2011م، دعا آية الله أحمد جنتي إلى احتلال البحرين.
قال السفير الإيراني السابق في باريس صادق خرازي في يونيو 2012م: إذا كانت إيران تريد احتلال البحرين فإن الأمر لن يستغرق بضع ساعات للسيطرة عليها باستخدام قوات الرد السريع الإيرانية.
هذا غيض من فيض، من التصريحات التي تؤكد على تبعية البحرين لإيران -وفق مزاعم ساستها- والمحرضة على احتلالها، ومن أراد الاستزادة فليراجع - إن شاء- كتاب "المشروع الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية" الصادر عن مركز "أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية".
البحرين في حس الشعب الإيراني:
لا يختلف الشعب الإيراني عن ساسته في النظر إلى التبعية البحرينية لإيران، فالإعلام الإيراني يغذي النزعة القوميةالتوسعية لدى هذا الشعب.
وليس أدل على ذلك من حادثة التزوير الشهيرة التي وقعت خلال كلمة الرئيس المصري محمد مرسي في مؤتمر قمة عدم الانحياز في طهران.
فالرئيس مرسي خلال حديثه الجريء عن سوريا، كان الإعلام الإيراني أثناء الترجمة من العربية للفارسية، يستبدل كلمة "البحرين" بكلمة "سوريا"، فبينما كان مرسي يقول: " إن الشعبين الفلسطيني والسوري يناضلان من أجل الحرية والعدالة والكرامة" سمعها الإيرانيون على تلفزيون بلادهم الرسمي "إن شعبي فلسطين والبحرين يناضلان للحرية".
وذلك إن دل على شيء، فإنما يدل على أن وعي المجتمع الإيراني الذي شكله الملالي، يهضم فكرة أن البحرين محتلة من قبل السنة، وأنها كولاية إيرانية، تسعى للتحرر من هذا الاحتلال، والذي يسمونه "الاحتلال الخليفي".
البحرين في مرمى تصدير الثورة:
ما إن نجحت الثورة الخمينية حتى سارعت إيران بإنشاء هيئات وأحزاب خارج الجمهورية، من أجل مد النفوذ الشيعي في الدول الإسلامية والعربية، وفق مبدأ تصدير الثورة الذي أكد عليه الخميني.
وفي البحرين وجهت القيادة الإيرانية الشيعي "هادي المدرسي" لإقامة ما يعرف بـ"الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين" ومقرها الرئيس في طهران.
وبينت الجبهة أهدافها خلال بيان لها على النحو التالي:
إسقاط الحكومة السنية (حكم آل خليفة).
إقامة نظام شيعي يعبر عن الفكر الثوري الخميني.
فصل البحرين عن مجلس التعاون الخليجي (تأسس عام 1981) وربطها بالجمهورية الإيرانية.
إشارات قبل الختام:
كيف توغلت إيران داخل البحرين؟
ما هو موقع البحرين في الخطة الخمسينيةالإيرانية؟
إلى أي مدى وصل النفوذ الإيراني في البحرين؟
ما هو دور شيعة البحرين في التمدد الإيراني وموقفهم منه؟
أسئلة حتما تحتاج إلى إجابات تفصيلية...
وللحديث بقية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق