حقائق ينساها أصحاب وجبات الإعدام بمصر
ياسر الزعاترة
يوم الثلاثاء الماضي كنا أمام مهزلة قضائية بامتياز تستحي منها كوريا الشمالية، أكبر دولة شمولية في العالم، فلا قضاء هنا ولا منطق، بل محاكمة هزلية يتلو فيها القاضي بيانا إنشائيا ركيكا يعجز حتى عن قراءته على نحو ما يفعله طلبة السادس الابتدائي، فيما كان يجلس في القفص خيرة رجال مصر، وفي مقدمتهم أول رئيس منتخب في تاريخها.
ما جرى ذلك اليوم، وقبله في جولات أخرى مشابهة من جلسات النطق بأحكام الإعدام الجماعية، يشير إلى أن أركان الحكم في مصر لا يعون حقيقة التحولات التي تجري في العالم أجمع، حيث يعتقد الجنرال وأعوانه أن بوسعهم أن يكرروا بكل سهولة ما كان يفعله جنرالات انقلابيون في أزمنة ماضية، إن كان بتصفية خصومهم، وتعليقهم على أعواد المشانق، أو بتصفية شركائهم في الانقلاب.
ليس من العسير القول إن ميزان القوى لا يزال مختلا بالكامل لصالح الانقلاب في مصر، أكان على الصعيد الداخلي (جيش وأمن وقضاء وإعلام، مع جزء لا يمكن إنكاره من الشارع)، أو على الصعيد الخارجي، في ظل انحياز الجارة المدللة عالميا (دولة الاحتلال) إليه، وقدرتها على تجييش العالم لصالحه، فضلا عن الموقف الدولي المناهض تقليديا للإسلاميين، والذي تشترك فيه للمفارقة جميع المتناقضات، من الغرب إلى روسيا والصين وحتى الهند، وإن مال البعض إلى إطلاق انتقادات خجولة لبعض سلوكه القمعي لا تغير شيئا على أرض الواقع.
لكن ذلك لا ينفي في المقابل أن ميزان قوىً آخر ما زال يطارده أينما حل وارتحل، والذي يأتي بدوره انعكاسا لرفض كبير في الداخل. إنه الرفض الشعبي في ظل ثورة المعلومات الراهنة.
لم يعد بوسع الجنرال أن يقتل ويعدم بتلك السهولة التي كان عليها الحال في السابق، وما جرى له في ألمانيا على بساطته كان موقفا رمزيا، فعندما ينشغل نظامه بكل أدواته في التجييش للزيارة خشية تصدي الناس له هناك، فضلا عن عزوفه عن الذهاب إلى جنوب إفريقيا خشية تكرار ما جرى في ألمانيا، فهذا يعني أن لعنة الدم والشهداء، ومعها مسار القمع برمته، لن تتوقف عن مطاردته أينما حل وارتحل.
مصيبة الانقلاب في مصر أنه لا يطارد قوة هامشية من ذات اللون الانقلابي، يمكن نسخها من حسابات السياسة ببساطة، بل يطارد قوة سياسية فازت بخمس جولات انتخابية، وهي القوة السياسية الأكبر في المجتمع، ولو جرت انتخابات غدا أو بعد غد، فلا يمكن أن تحصل على أقل من ثلث الأصوات، في حين ستكون القوة التي تليها في وضع أقل بكثير، ما يعني أن سحقها شعبيا هو محض وهمْ، حتى لو نجح في سحقها أمنيا، لأن القوى الجماهيرية لا تقاتل بعضلاتها، بل بشعبيتها. أما الأهم فهو أن سحقها أمنيا لا يمكن أن يتم إلا من خلال سحق المجتمع برمته تحت أحذية القمع.
وعندما يذهب أحد أكبر أبواق الانقلاب، وأكبر أعداء الإسلاميين بكل ألوانهم (إبراهيم عيسى) إلى القول إن مصر أصبحت دولة الرجل الواحد، فهذا يؤكد ما نذهب إليه من أنه من المستحيل سحق أكبر قوة سياسية في البلاد من دون تحويلها إلى دولة قمع وبوليس.
البعد الشعبي الخارجي يبدو حاضرا بقوة هنا، فالمطاردون في مصر ليسوا أيتاما على الصعيد الشعبي، إذ تقف بجانبهم جماهير بلا حصر في كل أرجاء العالم الإسلامي، ومن تابع ردود الفعل الشعبية في مواقع التواصل على أحكام الإعدام الأخيرة، فسيدرك ذلك بكل وضوح.
كل ذلك، لا يعني أن المعركة ستكون سهلة أو ميسورة، فجنون الانقلاب، ومعه هوس الجنرال بالتفرد، سيجعل المعركة طويلة ومريرة، وذلك حتى يتجمع الشعب من جديد ضد القمع والفشل والبؤس، ويبدأ رحلته نحو استعادة ثورته الرائعة المسروقة، متجاوزا أخطاء التجربة السابقة.
•  @yzaatreh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق